النظريات النفسية في تفسير الظاهرة الإجرامية
لا شك أن أعظم مراتب الخروج علي نظام القانون و قواعده في الضبط الاجتماعي إنما يتحقق بوقوع " الجريمة " ، إذ الجريمة هي أكبر صور العصيان علي النظام الذي يكلفه القانون ، و من ثم اتجه العلماء منذ القدم لوضع تفسير لوجود الظاهر الإجرامية في المجتمع .
فقد أخفقت النظريات البيولوجية و السوسيولوجية في تفسير الظاهرة الإجرامية ، مما استدعي الأمر تتدخل علماء النفس في تفسير ظاهر السلوك الإجرامي و نورد هنا الجوانب النفسية المختلفة لدي الإنسان .
جنبات النفس عند فرويد :
النفس الإنسانية عند فرويد جنبات ثلاثة :
الأولي : النفس ذات الشهوة ، و يعني بها الميول و الدوافع و الغرائز الموروثة . و هي مستودع الشهوات و الغرائز و النزعات و الميول الفطرية . كما أنها موطن التنازع بين الدوافع الجنسية و الرغبة في الموت . و هي منساقة وراء اللذة و إشباع الشهوات ، لا تعترف بمنطق أو عقل أو قيمة .
الثانية : الذات الشعورية أو الحسية أو العقل
الثالثة : الذات المثالية أو الضمير و هو يتكون من عنصرين : المثل الموروثة من المدنيات السابقة و المثل المكتسبة من الوالدين .
و هذه الجوانب الأساسية الثلاثة للنفس البشرية هي التي يمكن أن تفسر لنا– أسباب اختلاف السلوك من إنسان لآخر ، بل و أسباب اختلافها بالنسبة للشخص الواحد . فإذا غلبت نزعات الذات الدنيا و استسلم العقل لها سلك الإنسان سلوكاً غير قويم أما إذا غلبت الأنا بنزعات النفس الدنيا و انصاعت لأوامر الذات المثالية استقام سلوك الإنسان ، و اتسم بالمثالية و النضج .
بعد الاستعراض السابق الموجز لجنبات النفس عند فرويد ، تبني الأخير في تفسيره للظاهرة الإجرامية قاعدة " الدافع " . فكل سلوك إنساني هو نتيجة " دافع " شعورياً كان أو لا شعوري .
و دوافع الإنسان يحكمها مبدآن : مبدأ اللذة و هو الذي يحكم دوافع الإنسان في مرحلة الطفولة المبكرة ، و مبدأ الواقع و هو يحكم دوافع الإنسان بعد أن صقلتها تجارب الحياة في المجتمع ، و من شأنه أن يولد في الشخص إحساساً بالواقع . و ثمة صراع مستمر بين المبدأين . فمبدأ الواقع يفرض علي اللذة مراجعات و قيوداً مستمرة فتتولد ذلك سليلة من الدوافع و المواقف و الميول المتعارضة و من هذه المواقف المتعارضة تتكون شخصية الإنسان و تتحدد معالمها. و بناء عليه ، أن السلوك الإجرامي – عند فرويد- إنما يفسر علي أساس الصراع القائم في النفس البشرية . إما بسبب غلبة الذات الدنيا علي الذات العليا و أما بسبب عقدة من العقد الكامنة في اللاشعور . فينجم عن ذلك انطلاق الدوافع و النزعات و الميول الكامنة منذ الطفولة بغير قيود و يحدث الاضطراب النفسي ، الذي قد يؤدي إلي سلوك إجرامي .
و قد أخذ علي نظرية فرويد في تفسيره للسلوك الإجرامي أنه رد السلوك الإجرامي إلي النزعات المختزنة في النفس منذ أيام الطفولة و جعل محور هذه النزعات الغريزة او الدافع الجنسي .
و قد قسم علماء النفس المجرمين إلي طوائف ثلاثة :
أولا : الأشخاص الشواذ بسبب آفة عقلية ، و هؤلاء يجرمون بسبب شذوذهم أو آفتهم العقلية ، فليست هناك حاجة إذن إلي تفسير إجرامهم علي أساس من علم الإجرام .
ثانياً : المجرمون العاديون – و هم طائفتان :
1- المجرمون الخطرون الذين يخفيهم قناع زائف من التأقلم أو التكيف الاجتماعي .
2- و المجرمون غير الخطرين ، و هم الذين يأتون سلوكاً يوصف بأنه إجرامي لأنه مخالف لقانون المجتمع . لكن هاتين الطائفتين تشتركان معاً في أنها مصابة بأمراض التكيف الاجتماعي ، و هي الخصيصة الجوهرية في الظاهرة الإجرامية العادية .
3- الأشخاص العاديون : و موقع هؤلاء الطبيعي خارج دائرة الإجرام ، فإذا ارتكبوا الجريمة فإنهم يرتكبونها بصورة عارضة و استثنائية .