الجنس : العمر : 36 كوكب الأشباح التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 512
موضوع: ¤؛°`° هل الحدث أثناء الطواف يبطله؟ °`°؛¤ الإثنين 28 نوفمبر 2011, 4:41 am
هل الحدث أثناء الطواف يبطله؟
عند الحديث عن الطواف نجد أن الفقهاء يذكرون أمورًا لا بُد من توافرها فيه، على اختلاف بينهم في عدِ بعضها أركانًا أو شروطًا؛ فهم يذكرون مسائل منها: أن يُمَيْزَ بالنية نوع الطواف: قدوم، أو زيارة، أو إفاضة، ومنها كذلك: ابتداء الطواف من الحجر الأسود، وحصول الطّائف حول الكعبة العدد المطلوب من الأشواط، ووقوع الطّواف في المكان الخاصّ وهو حول الكعبة المشرّفة داخل المسجد الحرام، قريباً من البيت أو بعيداً عنه، والتّيامن: بأن يسير الطّائف عن يمين الكعبة، وجعل يساره لجانب الكعبة، وستر العورة، والموالاة بين أشواط الطّواف، وغيرها من المسائل المتعلقة بالطواف. و"مما تعم به البلوى" في الطواف: مسألة الطّهارة من الحدث أثناء الطواف، وهل هو شرط لصحة الطواف؟ وماذا يصنع من أحدث في أحد أشواط الطواف؟ وفي هذه المسألة قولين للفقهاء: القول الأول: أنّ الطّهارة من الأحداث ومن الأنجاس شرط لصحّة الطّواف، فإذا طاف فاقداً أحدها فطوافه باطل لا يعتدّ به. وهو مذهب المالكيّة([70])، والشّافعيّة([71])، والحنابلة([72]). قال الإمام الشافعي رحمه الله: "ولا يجزىء الطواف إلا بما تُجزىء به الصلاة؛ من الطهارة من الحدث، وغسل النجس... وإن غلبه حدث انصرف فتوضأ ورجع فبنى، وأحبُ إليَّ في هذا كله لو استأنف... وإن قطع الطائف الطواف فتطاول رجوعه أن يستأنف فإن ذلك احتياطًا"([73]). ومما استُدل به على هذا القول الأدلة التالية: 1)حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يطوف توضأ، ثم طاف"([74])، وفعله في الحج بيان تؤخذ منه المناسك والأركان لقوله صلى الله عليه وسلم: "لتأخذوا عني مناسككم"([75]). 2)عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الطواف بالبيت صلاة إلا أنكم تتكلمون، فمن تكلم فلا يتكلم إلا بخير"([76]). وجه الدلالة فيه([77]): أ- أنه سمى الطواف صلاة، وهو لا يضع الأسماء اللغوية وإنما يكسبها أحكاماً شرعية، وإذا ثبت أنها في الشرع صلاة لم تجز إلا بطهارة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبل صلاة من أحدث حتى يتوضأ"([78])، وفي رواية: "لا تقبل صلاة بغير طهور"([79]). ومما عللوا به لهذا القول ما يلي: o أن الطواف عبادة تجب فيها الطهارة فوجب أن لا يسقط فرضها بغير طهارة قياسً على الصلاة([80]). o ولأن كل من لا يصح منه فعل الصلاة لا يصح منه فعل الطواف كالمحدث([81]).
القول الثاني: وهو مذهب الحنفية([82])، ورواية عن الإمام أحمد([83])، أن طهارة الحدث، وإزالة النجس واجبة في الطواف، وليست شرطًا في صحته، فإن طاف محدثًا، أو جنبًا، أو نجسًا، فإن كان بمكة أعاد طوافه، وإن رجع إلى بلده أجزأ عن فرضه ولزمه دم لجبرانه. قال الكاساني -رحمه الله- في بدائع الصنائع: "فأما الطهارة عن الحدث، والجنابة، والحيض، والنفاس، فليست بشرطٍ لجواز الطواف، وليست بفرضٍ عندنا بل واجبةٌ، حتى يجوز الطوافبدونها"([84]). ومما استدلوا به على عدم اشتراط الطهارة في الطواف، وصحة الطواف بدون طهارة: قوله تعالىثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)([85]).وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بالطواف مطلقًا عن شرط الطهارة فيجري على إطلاقه. ومما ذُكر لهم من التعليلات ما يلي: أن الطواف ركن من أركان الحج، فوجب أن لا تكون الطهارة من شرطه كالسعي والوقوف بعرفة([86]). ولأن الطواف عبادة ليس ترك الكلام شرطاً فيها، فوجب أن تكون الطهارة شرطاً فيها([87]). ولأن للحج أركاناً ومناسك وليست الطهارة واجبة في واحد منهما، فوجب أن يكون الطواف لاحقاً بأحدهما([88]). قال في بداية المجتهد([89]): "وعمدة من أجاز الطواف بغير طهارة إجماع العلماء على جواز السعي بين الصفا، والمروة من غير طهارة وأنه ليس كل عبادة يشترط فيها الطهر من الحيض من شرطها الطهر من الحدث".
المناقشات والردود: أولاً: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الأول: أن معنى الطواف الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: " الطواف بالبيت صلاة..."، أنه كالصلاة، وكلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه. أن الطواف يشبه الصلاة و ليس بصلاة حقيقة. فمن حيث أنه ليس بصلاة حقيقة لا تفترض له الطهارة، و من حيث أنه يشبه الصلاة تجب له الطهارة، عملاً بالدليلين بالقدر الممكن([90]). ثانيًا: بعض ما ورد من مناقشات على ما استدل به أصحاب القول الثاني: فأما قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(91)، فلا يصح الاستدلال بها لأن الطواف بغير طهارة مكروه، والأمر لا يجوز أن يتناول المكروه. وأما قياسهم على السعي والوقوف، فالمعنى فيه أن الطهارة لما لم تكن واجبة في السعي والوقوف لم تكن شرطاً في صحة السعي والوقوف، ولما كانت الطهارة واجبة في الطواف كانت شرطاً في صحة الطواف. وأما قولهم إن الطواف لا يخلو أن يكون لاحقًا بالأركان أو بالمناسك؛ فرُد عليه بأنه ليس بلاحق بواحد منهما لأن الطهارة تجب له ولا تجب لواحد منهما([92]). الخلاصة والترجيح: الناظر لحال الناس عند الطواف، وأوضاعهم؛ يرى أن أعداد الطائفين تختلف قلة وكثرة، من موسم لآخر، فتجدهم في رمضان، وخاصة العشر الأواخر منه، وكذا أيام الحج، في طوافي الإفاضة، والوداع أشد ما يكون الزحام([93]) في هذه الأزمنة، بينما لو أتى أحدنا طائفًا في غير هذه المواسم لم يجد هذا العدد الكبير من الطائفين لبيت الله الحرام، بل ويتيسر له ولأهله تقبيل الحجر الأسود مرارًا وتكرارًا، لذا كله، وجمعًا بين القولين السابقين: القول بعدم صحة طواف من أحدث أثناء الطواف، وبين قول من قال بصحة طواف من أحدث، فإني أقول: لا شك أن الأفضل والأكمل، والذي فيه اتباع لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم المحافظة على الطهارة في سائر الأشواط السبعة، خاصة إذا كان متيسرًا بعدم وجود الزحام الذي يُلحق المشقة، لكن لو أحدث الإنسان أثناء طوافه في زحام شديد، فالقول بأنه يلزمه أن يذهب ويتوضأ ثم يأتي في هذا الزحام الشديد، لا سيما إذا لم يبق عليه إلا أشواط قليلة فيه مشقة شديدة، وما كان فيه مشقة شديدة فإنه ينبغي أن نتبع ما هو الأسهل والأيسر. وهنا أنقل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا، قال رحمه الله: " والذين أوجبوا الوضوء للطواف ليس معهم حجة أصلاً؛ فإنه لم يَنقل أحدٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف أنه أمر بالوضوء للطواف، مع العلم بأنه قد حجَّ معه خلائق عظيمة، وقد اعتمر عُمَراً متعددة، والناس يعتمرون معه، فلو كان الوضوء فرضًا للطواف لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا عامًّا، ولو بيَّنه لنَقل ذلك المسلمون عنه ولم يهملوه، ولكن ثبت في الصحيح أنه لما طاف توضأ، وهذا وحده لا يدل على الوجوب"([94]).