لقد أثار أعداء الإسلام بعض الشبه في قضية المرأة وذلك لمحاربة الإسلام. وسنتناول بالدراسة بعض الشبه والرد عليها، ومن هذه الشبه:
عمل المرأة
يقول المنادون بتحرير المرأة إن المرأة في الإسلام لم تمارس ما يمارسه الرجل من الأعمال والوظائف، وبهذا يصبح نصف المجتمع عاطلاً عن العمل، وهذا يهدر كرامتها، ويشل حركتها، ويعطل طاقاتها، ونتاجها العلمي والعملي والفكري١٨ . الرد على الشبهة:
يمكننا أن نرد على هذه الشبهة بذكر الحقائق التالية:
إن الإسلام لا يمنع عمل المرأة من حيث المبدأ في المجالات التي تدعوا الحاجة إليها مثل التطبيب والتدريس، وذلك بشروط منها: الالتزام بالحجاب الشرعي، وإذن الزوج لها أو ولي الأمر، والابتعاد عن الاختلاط والخلوة١٩ .
إن دعوى منع المرأة من العمل وتعطيل نصف المجتمع مغالطة ومكابرة، بل المرأة تقوم بالعمل وتؤدي واجبها في المنزل، حيث تقوم بتربية أطفالها وخدمة زوجها، وهذه مسؤولية عظيمة، وما قالوه إنما ينطبق على مجتمع لا تحظى فيه المرأة بالرعاية، ولا يتحمل مسؤولية الإنفاق عليها الأب أو الزوج أو الابن، ولا ينطبق على المجتمع المسلم. تقول دكتورة أمريكية: إن اشتغال المرأة بالأعمال الحرة تاركة بيتها وأبناءها لتساعد زوجها على رفع مستوى المعيشة قد ترفع مستوى المعيشة، وتهدم التربية والخلق في المجتمع٢٠ .
إن المطالبة بعمل المرأة في الأعمال التي لا تناسب طبيعتها كالقضاء والوزارات والولاية العامة، غير جائز شرعاً، لأنه لا يجر نفعاً، بل الضرر فيه محقق، والدليل على عدم شرعيته قول الرسول (: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة٢١ "، وأما عدم نفعه، فلأن فيه شقاء المرأة وتعاستها، وفيه فساد تربية الأولاد، ويؤدي إلى تفكك الأسر وكثرة الطلاق٢٢ .
أثبتت الدراسات الطبية المتعددة أن كيان المرأة النفسي والجسدي يخالف تكوين الرجل قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى آلعمران:٣٦، وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملاءمة كاملة كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة وسيدة البيت. فالمرأة يعتريها حيض وحمل ونفاس ورضاع وما يرافق ذلك م آلام وحالات نفسية، كل ذلك يعيقها عن العمل خارج المنزل٢٣ .
شهادة المرأة
من الشبه التي يثيرها أعداء الإسلام شهادة المرأة ومفاد الشبهة: أن الإسلام انتقص المرأة وعاملها دون الرجل فجعل شهادتها على النصف من شهادة الرجل وفي هذا هدر لإنسانيتها وكرامتها٢٤ .
الرد على الشبهة:
يمكننا الرد على هذه الشبهة في النقاط التالية:
إن هذا التفاوت لا علاقة له بالإنسانية ولا بالكرامة فالإسلام يسوّي بين الرجل والمرأة في هذا الجانب.
إن موضوع الشهادة خاص بالأمور المالية، وإثبات الحقوق والجنايات، وهذا كله ليس من اختصاص المرأة، لأن رسالتها الاجتماعية هي التوفر على شؤون الأسرة، وهذا ما يقتضيه لزوم بيتها في غالب الأوقات، فإذا جاءت تشهد به كان أمام القاضي احتمال نسيانها أو خطئها ووهمها ولذلك جاء التعليل في اية أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى البقرة:٢٨٢.
أن المرأة بطبعها عاطفية، فقد تتأثر بالموقف أو تتأثر بالمشهود له أو عليه ذكراً كان أو أنثى، فينعكس ذلك على شهادتها.
ومما يؤكد على أن شهادتها لا علاقة لها بالإنسانية ولا بالانتقاص من قدرها ومكانتها، هو أن الشريعة قبلت شهادتها وحدها فيما يخص النساء كإثبات الولادة والبكارة والرضاع.٢٥
دية المرأة
يدعي أصحاب الشبهة أن الإسلام لا يساوي بين الرجل والمرأة، لأن دية المرأة نصف دية الرجل، وفي هذا إهدار لمنزلة المرأة وكرامتها.
الرد على الشبهة:
قد سوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الكرامة والإنسانية، ولهذا في حال الاعتداء على النفس عمداً يقتل القاتل بالمقتول سواءً كان القاتل رجلاً أو امرأة، أو المقتول رجلاً أو امرأة. قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاص المائدة:٤٥، كما أن الإسلام لم فرق في دية الجنين بين كونه ذكراً أو أنثى.
في حال قتل الخطأ ونحوه أو التنازل عن القصاص، فتكون حينئذ دية المرأة على النصف من دية الرجل، لأن الدية تكون هنا تعويضاً للضرر الذي وقع على أسرة المقتول، ، فخسارة الأسرة بفقد الأب المكلف بالإنفاق خسارة مالية، أما خسارة الأسرة بفقد الأم خسارة معنوية لا تعوض بمال.
هناك من يقول من الفقهاء بتساوي دية الرجل والمرأة في جميع الأحوال، وعلى كل حال فإن الدية وتنصيفها، لا علاقة له بإنسانية المرأة ولا ينتقص من كرامتها٢٦ .
تعدد الزوجات
ومن الشبه التي تُثار ضد الإسلام تعدد الزوجات بدعوى أنه مجرد استجابة للشهوات، وأنه امتهان للمرأة وتسلط عليها، وهو مناف للمساواة، وأن التعدد يؤدي إلى الخصام بين أفراد الأسرة الواحدة، كما يؤدي إلى كثرة الانحراف في الأمة.
وقبل أن نقوم بالرد على هذه الشبهة ينبغي التأكيد على بعض الحقائق الآتية:
أباح الإسلام التعدد لمن رغب وقدر عليه.
أن الخالق سبحانه وتعالى أحكم شرعة التعدد ونظامه بما يزيح عنه كل نقد وعيب.
يجب على الرجل الذي يقدم على التعدد أن يعدل بين الأزواج فيما يملك كالنفقة والمسكن، وأما ما ليس في مقدوره أو استطاعته كالميل القلبي، فليس مؤاخذاً به.
إن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بزوجاته الطاهرات كان مضرب المثل في العفاف والطهر والغايات النبيلة، وكان زواجه بهن لأغراض سامية ومصالح دينية٢٧ .
تعدد الزوجات قد يكون في بعض الأحيان لضرورات اجتماعية أو شخصية مثل ازدياد عدد النساء على الرجال أو حاجة الأمة المستمرة إلى التكاثر أو قد تكون الزوجة مريضة أو عقيماً، أو يكون الرجل كثير الأسفار، ولا يستطيع اصطحاب زوجته ويخشى على نفسه الفتنة، أو قد يكون الزوج قوياً جنسياً فلا تكفيه جة واحدة٢٨ .
الرد على الشبهة:
أما الرد على الشبهة التي أثيرت حول تعدد الزوجات فيكون بالآتي:
لم ينفرد الإسلام بتعدد الزوجات، بل كان من العادات القديمة التي عرفها الإنسان في عصوره المختلفة وكان أمراً معهوداً لدى الأمم السابقة كالجرمانيين والصقالية واليهود والنصارى، لما كان التعدد موجوداً في الجاهلية بلا حدود، فأقره الإسلام وقيده بأربع زوجات.
ليس في التعدد امتهان للمرأة وتسلط عليها، بل في التعدد إكرام للمرأة وحفظ لمصالحها، عند ضرورات التعدد فالمرأة الأولى من مصلحتها البقاء مع زوجها والمرأة الثانية لم تجبر على الزواج، وفي التعدد مصلحة عامة.
إن التعدد قد يُوجد بعض المشاكل والأحقاد بين أفراد الأسرة عن الغيرة، ولكن هذا لا يمنع التعدد ولا يعطله، لأنه قد يوجد في الأسرة التي ليس فيها تعدد، فالله شرع التعدد مع علمه سبحانه بالنفوس والطبائع.
مما لا شك فيه أنه كلما ازداد عدد أفراد الأسرة، اتسعت مسؤوليات الأب والأم، وتحتاج الأسرة إلى مزيد عناية ورعاية من جميع النواحي، ولكن ما قالوه من صعوبة التربية مع كثرة النسل لا ينطبق على المجتمع المسلم، لأن الكثرة في النسل ناشئ عن التعدد المشروع، وفي ظل التربية الصحيحة والتوجي السليم.٢٩