ظمأ الأبناء يستجدي ندى الآباء
كيف لي أن أحضن أمي وأبي وإخوتي !؟
كيف أستطيع تقبيلهم! أريد أن يكون ما بيني وبين والِدَيَّ وإخوتي غيثاً مدراراً، وابلاً صيبا، يعمر قلوبنا بالحب والتواصل، إنني في حاجة إلى هذا التقارب، أريده واقعاً في أسرتي، فكيف الوصول إليه! إن الحياء يمنعني من تحقيقه وإن كنتُ شغوفة به.
العاطفة الحانية في الأسرة مدعاة للثقة بالنفس، هي بريد النجاح والإبداع لدى أفراد الأسرة، ولا يكون ذلك إلا بإشباع حاجاتهم النفسية، والفطرية، والفسيولوجية، وتأمين متطلبات نموهم، مع سلامة المقومات الأساسية لمعيشتهم, بحيث يكون أحدهم في حالة استقرار عاطفي، وتأقلم مع البيئة المحيطة به، مع التحرر من مشاعر الخوف والغربة والضعف التي قد تنشأ في نفسه لسبب هنا أو هناك.
إن أولادنا في حاجة لتوظيف همساتنا، ونظراتنا، ولمساتنا، وكلماتنا، وقبلاتنا، وابتساماتنا، وعناقنا، مع تهيئة أجواء الأسرة بالحب، والملاطفة، والألفة الجماعية، والعلاقة الحميمة بين الأبوين من جهة ، وبينهما مع الأولاد من جهة أخرى، مع تشجيعهم على التعبير عن مشاعرهم، واستقلالية شخصيتهم، لرسم مسيرتهم الواثقة، ولنحفظ عاطفتهم المتدفقة، فذاك من أهم الحاجات النفسية التي يحتاجونها، وهو أمر يجب إشباعه فيهم منذ مرحلة الطفولة الأولى, حيث مداعبة الطفل، وتقبيله، وضمِّه، وحمله، ثم تزداد هذه الجرعات العاطفية قبيل دخوله المدرسة, بصحبته حين زيارة الأقارب، أو الذهاب إلى المسجد، أو حين الاستجمام، وامتداحه عند أي عمل إيجابي يقوم به، وأما في مرحلة المراهقة، فتتأكد الحاجة إلى الري العاطفي، والأمن الأسري، وخصوصاً أن الشاب، أو الفتاة، أو الوالدين، يتحرَّجون من إظهار هذه العاطفة، مع الحاجة إلى إظهارها وتأكيدها.
فأفراد الأسرة المشبعة عاطفياً, أكثر أماناً وبعداً عن الانحراف الأخلاقي من أولئك الذين حُرِموا الحب، واستباحهم الفراغ العاطفي, حيث انعدام الأمن، وعدم الثقة بالنفس، وأمراض أكثر خطورة كالقلق، والانطواء، والتوتر، والاكتئاب، والأخطر من ذلك أن يبحث عن هذا الرِّي خارج الأسرة، فقد جاء في الدراسات الميدانية المتعلقة بالحرمان العاطفي أن معظم الإناث المحكوم عليهن بالسجن بسبب ارتكابهن سلوكيات منحرفة كانت أفعالهن تهدف إلى تحقيق أبعاد عاطفية أكثر بكثير من الحصول على منافع مادية, بحيث يصبح الحصول على الاستقرار العاطفي داخل أسرهن من الوالدين، أو الأشقاء أمراً غير ميسور لهن، وفي كثير من الأحيان قد يكون مستحيلاً.
إنها مسألة غاية في الأهمية، ومسؤولية ينبغي أن تُصرف إليها التفاتة الأبوين، وأن يعطياها حقَّها الكافي من التدريب والتنفيذ والعناية، فقد غَصَّتْ مواقع الاستشارات بأسئلة الآباء الذين تحَسَّروا على انحراف فلذات أكبادهم، والفتيات اللواتي أصبح الهم نديمهن، والشباب الذين تعثَّرت خطواتهم، والسبب الرئيس ( الجوع العاطفي ) في الأسرة.
ولكي نحقِّق ذلك ينبغي على الوالدين توطين أنفسهم لهذا الأمر، ومن ذلك:
1- الاستكثار من عمل الصالحات ، والصدقة ، والدعاء.
2- استصحاب الابتسامة، والضحكة، والبشاشة، والدعابة، أثناء الجلسات الأسرية، والحوارات المعيشية، والتوجيهات اليومية.
3- معانقة الأولاد ( ذكوراً وإناثاً )، وتقبيلهم ، والمسح على رؤوسهم، وعلى أكتافهم, عند التقائهم بعد غياب، أو عند تحقيقهم بعض النجاحات في حياتهم، أو في المناسبات العامة.
4- العمل على استشارة الأولاد في شؤون الأسرة، وخَصِّ بعضهم بشيء من أسرارها.
5- الإصغاء التام لحديث الأبناء ومداخلاتهم، مع إعطائهم هامش مناسب لإبداء مرئياتهم، أو عرض وجهة نظرهم دون خوف أو تردد، مع الثناء على الصواب منها.
6- مصاحبة الأم لابنتها، والأب لولده، في بعض الزيارات المناسبة، والخروج بالأسرة كاملة للاستجمام بين الفينة والأخرى.
7- وأخيراً: الكمال ليس من سمات البشر، فقد يقع من أبنائنا الخطأ والزلل، لذا فمن الأهمية بمكان للوالدين غض الطرف عن الأخطاء اليسيرة، والهفوات العابرة، مع احتواء المشاكل الطارئة، وعلاجها بهدوء وتؤدة، لكي لا تتطور إلى واقع غير محمود، ومن ذلك تَجَنُّب بصورة تامَّة، الضرب المؤذي، أو المفردات المُحَقِّرة، أو التأنيب والتوبيخ في حضرة الآخرين.