افتقاد القدوة الأسرية
يفتح الطفل عينيه أول مايفتحها على صورة أمه وأبيه, ولذلك,فإن لقطات هذه الصورة أو الصور تبقى عالقة في ذهن الطفل حتى بعد أن يتجاوز طفولته وشبابه, وعلى ضوء ما يرتسم في ذهنه الطري من (إشراقة) الصورة أو (بؤسها) تتحدد بعض ملامح مسيرته الحياتية.
ذلك أن بصمات (الأم) أو (الأب) هي التي يعبر عنها بـ (النقش على الحجر) فإذا أتت رياح الأيام عليه لاتطمسه ولا تدرسه,لأنه الأعمق في حياة كل واحد منا.
قد يفلح البعض منا في التملص والتخلص من ماضيه أو طي بعض صفحاته, لكنه لا يمكن البتة أن ينسلخ عن طفولته (خصوصاً مرحلة التمييز والإدراك) وماجرى فيها فهي الحجر الأساس الذي يقوم لاحق البناء عليه, وعلى مدى (متانته) أو (هشاشته) يمكن قياس أو استقراء الصورة المستقبلية لهذا الطفل أو ذاك.
ورغم إننا لانعدم اليوم أسراً تولي موضوع القدوة الأسيرة والأسوة البيتية اهتماماً ما, إلا أن الواقع المزري يشير بإصبع الاتهام إلى تخلي البعض الآخر عن أهم الأدوار التربوية وأبلغها في التأثير لمصلحة المنافسات الأخرى: الأصدقاء والصديقات والمدرسة,الشارع.الفضائيات,المجلات,مواقع الشبكة العنكبوتية (الإنترنت)... مما لا يعوض البتة عن دور غير قابل للتعويض بالمرة, فحتى اليتيم الذي يجد في كفيله بعضاً من مفتقداته أو مفقوداته النفسية لا يشعر بالرضا الكامل, وليس اعتباطاً بعد ذلك, أن تنصب التوصيات الإلهية والنبوية على ضرورة رعاية اليتيم كجزء نسبي من تعويض الفقدان الكبير.
موقع الأب كقدوة لأبنائه وأسرته, ومكانة الأم الأسوة في بيتها وأسرتها وأولادها وبناتها لا يزاحم إطلاقاً, فعينا الصبي الذي امتلأت بصورة أبويه وهو طفل, تظل تلاحقه حيثما يصبح مميزاً ومدركاً وبالغاً وراشداً, وكم خلفت عملية النكوص عن أداء هذا الدور (الأسوة القدوة) من ندوب نفسية عميقة في وجدان البنات والبنين, كما إنها تركت أطيب الأثر وأعمقه في حالات التأدية الصالحة والصحية والصحيحة.
رأى فتى صغير أمه وهي تصلي في غرفتها.. خاطبها بعد الفراغ من الصلاة: أماه أنا أحب الصلاة ومنظرك وأنت تصلين, لكنني نادراً ما أراك تصلين, الآن عرفت لماذا؟ لأنك تصلين بعيداً عن أنظارنا.. أرجوك صلي بمرأى منا.. ذلك أحب إلى نفسي.
إلفات النظر هذا جاء عفوياً, لكنه ذو مغزى ودلالة, فعيون أبنائنا وبناتنا تلاحقنا – كما تلاحق عدسات المصورين شخصية بارزة – وحيثما كنا, وكيفما كنا, ولا أغالي إذا قلت إن (صدقنا) في الحديث والتعامل والتعاطي لا تعدله جلسات, ودروس ومواعظ ونصائح المرشدين لسبب بسيط جداً ومهم إن الطفل (بنتاً كان أم ولداً) لا يجد من هو أصدق من والديه, ومن هذه النقطة يمكن الدخول إلى مساحة التأثير فيهم, لكننا – للأسف – ابتعدنا كثيراً عن ملامح الأسرة المسلمة التي يلعب فيها الوالدان دور القدوة في حياة أبنائهما.. إلا مارحم ربي!