الحوار بين الزوجين
ليس هناك من هو أقرب إلى الزوجة من زوجها، كما أنه ليس هناك أقرب إلى الزوج من زوجته، وما أجمل قول الله -عز وجل- في هذا المعنى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (سورة الروم آية 21).
إن التواصل والطمأنينة والسكينة والرحمة بين الزوجين هي من أهم معاني العلاقة التي ينبغي أن تسود بينهما، فإذا غابت هذه المعاني أو - ضعفت - صارت الحياة الزوجية باهتة وفارغة من المضمون وربما تحولت إلى عبء ومصدر للهموم المتراكمة!!! هناك فيض من الدراسات التي تؤكد أن غياب الحوار بين الزوجين يعد من الأسباب الأساسية للشعور بالتعاسة وللانفصال والطلاق.
إن الحوار بين الزوجين يشكل الحبل السري الذي تتغذى منه السعادة الزوجية، وهو مهم ليس لحل المشكلات، ولكن لمنع وقوع المشكلات، فمن الواضح أن المرأة تكره الركود في الحياة الزوجية وتريدها وقّادة بالحركة والتواصل والأخذ والعطاء والحوار، وإذا أحسّت بأن شيئا من هذا دون المستوى المطلوب، فإنها على استعداد لافتعال مشكلة من أي نوع ما؛ حتى تعيد الحيوية للحياة المشتركة.
الحوار في نظر المرأة لمسة حنان تنتظرها من زوجها، ولهذا كله من المهم أن يتحادث الزوجان ويتسامرا، ويشكو كل واحد منهما للآخر، ويطلب مشورته في بعض ما يعنيه.
إن من الصعب أن نفصل في الحياة الزوجية بين المحاورة والمحادثة وأوقات الفراغ، لأن عيش الزوجين مع بعضهما، وكل واحد منهما يشكل المصدر الأساسي لإيناس صاحبه وإدخال البهجة عليه ورعايته، وتلمس همومه، ولأن هذا يجعل تنظيم العلاقة بينهما أمرًا صعبًا، وغير مرغوب فيه، لكن يمكن القول: إن نجاح الحوار والمحادثة بين الزوجين والنجاح في الاستفادة من أوقات الفراغ، والنجاح في مواجهة المشكلات التي تعكر صفوهما، يحتاج في نظري إلى شيئين مهمين:
الأول: تحديد الهدف الجوهري من التواصل - بكل أشكاله - بين الزوجين.
الثاني: هندسة الحوار، والعمل على إخراجه بالشكل المطلوب حتى يستمر ويثمر ويعطي.
أما على صعيد تحديد الهدف من التواصل؛ فأرى أن يكون الهدف الأساسي الذي يكون حاضرًا في كل شكل من أشكال التواصل هو تقوية العلاقة، العلاقة بين عقلين، وروحين، وقلبين، ووضعيتين، ومصلحتين، ورؤيتين للحياة عامة، ومستقبل الأسرة خاصة، وحين تتحسن العلاقة بين الزوجين فإن هذا يعني تحسن الجو العام للأسرة، ويعني تفهمًا أفضل لرغبات وحاجات كل منهما لصاحبه، وهذا يؤدي إلى بناء جو جيد من الثقة المتبادلة، وحين يتوفر هذا الجو، فإن كثيرًا من المشكلات يتبخر من تلقاء نفسه، وما يتبقى يكون حله سهلا، أو يمكن تحمله ومعايشته.
إن عدم إدراك كثير من الزوجات والأزواج لهذا المعنى جعل حوارهما وتحادثهما وجلوسهما عبارة عن مناسبة للمنابذة والتأفف والملاحاة.. وبعد ذلك يندم كل واحد منهما على فتح فمه وقلبه للآخر!!! الزوج مرة أخرى مسئول على نحو أساسي عن تقوية العلاقة بزوجته، فهي تنتظر منه لفتات رعايته وحنانه أضعاف ما ينتظر منها، كما تتوقع منه أن يفهمها دائمًا بطريقة أفضل، وسواء أكان ذلك منها منطقيًّا أو غير منطقي، فإن عليه أن يحقق تلك التوقعات ما وجد إلى ذلك سبيلا.
وأما على صعيد هندسة التواصل بين الزوجين، فأحب أن أشير إلى النقاط التالية:
* الاتفاق على وقت الحوار والمحادثة، بمعنى ألا يرغم أي واحد من الزوجين شريكه على الجلوس: "هناك أمر مهم جدا، اتركي كل ما في يدك وتعالي"، "أريد أن أتحدث معك الآن، وأظن أن ما سأقوله أهم بكثير من الرد على الاتصالات التي لا تتوقف على جوالك"، وهذا غير جيد؛ لأن كل واحد منهما سيأتي للحوار على نية إنهائه في أقصر مدة ممكنة، وحوار كهذا عدمه خير من وجوده؛ لكن سيكون الأمر جيدًا لو قال: متى تحبين أن نشرب الشاي؟ هي: بعد ساعة من الآن. أرجو ألا ننسى القاعدة الذهبية في العلاقات (الجذب وليس الإكراه) فالمحادثة المفيدة والممتعة هي التي تتم بناء على تجاذب الطرفين أو جذب أحدهما للآخر، وليست التي تتم بسبب الضغط والإكراه.
* إذا جلس الزوجان للحوار في قضية من القضايا أو لمعالجة مشكلة؛ فإن من المهم أن يمنحا أنفسهما الوقت الكافي لذلك، حين يكون الحوار في حاجة إلى ساعة، ونخصص له نصف ساعة، فإن من المتوقع أن تكثر مقاطعة المتحدث، وأن يشعر الزوجان بضغط الوقت، فيتخذان قرارات مستعجلة وغير حكيمة، وكثيرًا ما تتسع دائرة الخلاف بينهما، ولهذا فإن من المهم أن يجري الحوار والذهن صافٍ والوقت شبه مفتوح.
* العلاقة بين الزوجين بالغة التعقيد، فهي عميقة وحميمة وتلقائية وسهلة، كما أنها في الوقت نفسه هشة ومركبة وسطحية وحساسة، وتقوم على عدد من التوازنات الخفية، ولهذا فإنها تحتاج إلى إدارة ورعاية خاصة، وهي عموما في حاجة إلى الخلق الكريم أكثر من حاجتها إلى العقل النير والغزير.
الزوجان هما أقرب شخصين لبعضهما في العالم ومع ذلك فلا بد من ترك مساحة لممارسة الخصوصية على كل الأصعدة ودون استثناء، الزوجة لا تريد أن يتحدث عن الخلاف بين أمها وأبيها، الزوج لا يحب أن يجلس على المائدة يوميًّا، الزوجة لا تحب الأكلة الفلانية... كل هذه خصوصيات ينبغي احترامها.
إن الحوار هو علاقة إنسانية، أي هو تأثير الناس في الناس، ولهذا ينبغي أن يتوقع الزوجان من وراء الحوار أن يحدث تغير في آرائهما ومواقفهما، ولا يصح النظر إلى ذلك على أنه نوع من الهزيمة أو عدم النضج في الرأي، ورحم الله الإمام الشافعي حين كان يقول: "مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غيرنا خطأ يحتمل الصواب" وحين كان يقول: "والله ما ناظرت أحدًا إلا أحببت أن يظهر الحق على لساني أو على لسانه". وحين يفوز أحد الزوجين في حوار، فإن عليه أن يلطف من مرارة ذلك على صاحبه: "قد غابت هذه النقطة عن بالي"، "كنت أظن أن الأمر كذا، ثم تبين خطؤه".... لأن المهم هو تدعيم العلاقة بين الزوجين قبل أي شيء آخر.
أيتها الزوجة الغالية:
لا تزعجي زوجك بالثرثرة والكلام الكثير الذي لا فائدة محددة فيه، فالنساء عادة يملن إلى الكلام العام، بينما يركز الرجال في حديثهم على المضمون، ولا تنتظري منه أن يكون مثلك سريع البوح بما يعاني من آلام، أو يظهر لك بسهولة الأسباب التي أغضبته، فالرجل عكس المرأة في ذلك تمامًا، كما أنه يجب عليك أن تكوني مستمعة جيدة لزوجك، فالرجل منظم تمامًا في حديثه ويحاول أن يرتب أفكاره ويجعلها متسلسلة ليصل بها إلى هدف معين، بخلاف المرأة فإنها يمكنها ببساطة الانتقال من موضوع لآخر دون استكمال الأول، لذا إياك أن تقطعي عليه حديثه وأنصتي إليه بانتباه ووعي وأشعريه بذلك بتلخيص ما فهمته منه، وبالتلفظ بعبارات الإصغاء والموافقة مثل: نعم، فهمت، إنني أفهم ما تقول، أو بتحريك الرأس ونحو ذلك، مع ملاطفتك له أثناء حديثه بلمس شعره أو إزالة العرق من جبينه أو تقبيل يده... وما يشابه ذلك دون إفراط يشغله عما هو بصدده.