« الأدب الجاهلي » 
أقسام العرب
العرب في الجزيرة العربية قسمان: أهل وبر وبادية‘ وأهل مدر وحاضرة‘ فالمناطق التي يجود ها المطر وتكثر فيها المياه والآبار تكون مناطق زرع ورعي واستقرار‘ ثم تقوم فيها الأبنية ويكثر العمران و تنشأ فيها أسباب الحضارة وتنشط التجارة والأسواق ‘وسكان هذه المناطق هم أهل المدن التي كانت حول الجزيرة العربية في الحجاز واليمن والعراق والشام(1) ‘وقليل ما تكون في وسط الجزيرة العربية؛ لإن في قلب الجزيرة العربية مناطق صحراوية ومجدبة فلا يكون فيها إستقرار فبالتالي يحتاج سكان هذه المناطق إلى الترحال والتنقل طلباً للمرعى وكان لكل قبيلة منازل في الصيف ومنازل في الشتاء معلمة مبينة ومع هذا التقسيم الاجتماعي بين الوبر والمدر فإنه لا يفهم منه الانقطاع التام بينهما بل كان بينهم علاقات حربية واقتصادية واجتماعية.
طبقات المجتمع الجاهلي
لم تكن تلك القبائل التي سكنت الحاضرة والبادية طبقة واحدة متساوية إنما كانت ثلاث طبقات وهي:
*أبناء القبيلة:هم الخلص الذين ينتمون لها بالدم وهم عماد القبيلة وقوامها وعليهم واجب حمايتها والدفاع عنها والعصبية لها.
*الموالي: وهم أدنى مرتبة من أبناء القبيلة وهم قسمان إما موالي بالجوار أو الحلف وكان هذا منتشراً وكانوا يحتمون عند أفراد القبيلة فكلن يحميه ويجيره ويرث كل منهما الأخر فلا يغدر به فلقد كان من أقبح العيوب عندهم نقض العهد والغدر وهم يحقرون من يقعد عن نصرة جاره أو يغدر به ‘ حتى أنهم كانوا يرفعون بذلك لواء في الأسواق تعييراً وتشهيراً. قال قطبه بن أوس يخاطب امرأة (2)
أسمىَََ ويحك هل سمعت بغدرةٍ *** رُفع اللواء لنا بها في مجمع
*العبيد:وهم في أغلب الأحوال كانوا أسرى الحروب أو من الأمم الأخرى الأحابيش ويقومون بالإعمال الشاقة المرهقة وهم أقل مرتبة من الموالي.
العصبية القبلية و الأخذ بالثأر:
كان أبناء القبيلة الخلص و الموالي و العبيد يسعون إلى شرف القبيلة ومجدها وكان عليهم أن يضحوا بكل شيء في سبيلها
(1)الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه-د.يحيى الجبوري–مؤسسة الرسالة ط7 1994 (57)
(2)نفس المصدر السابق (59)
مظاهر الحياة الاجتماعية:
وجدت لدى الجاهليون العديد من العادات والاعتقادات الغريبة وذلك بسبب الحياة القاسية التي كان يحياها الجاهليون وعدم إستعمال العقل والحكمة في كثير من هذه المظاهر ومن بعض هذه المظاهر
*الكهانة والعرافة :يقصد بالكهانة إدعاء علم الغيب كأخبار بما سيقع. (1) أما في كتاب الذريعة للا صفهاني فقد قال: الكهانة مختصة بالأمور المستقبلية و العرافة بالأمور الماضية
*الخمر: فقد كان الخمر منتشراً إنتشاراً كبيراً في ذلك الوقت وكان العرب يفتخرون به وتجده على كل لسان وأكبر دليل على هذا مطلع معلقة عمرو بن كلثوم(2)
ألا هبي بصحنك و أصبحينا *** ولا تبقي خمور الأندرينا
مشعشعة كأن الحص فيها *** إذا ما الماء خالطها سخينا
وقد أشتهر باحديث عنها وعن مجالسها وحوانيها أعشى قيس وعدي بن زيد العبادي(3)
*الإستقسام بالأزالم: كانوا إذا أردوا فعل شيء ولا يدرون ما الشأن فيه أخذوا قدحاً مكتوباً عليه على بعضها افعل وعلى بعضها لا تفعل وعلى بعضها لا وعلى بعضه نعم وإلى غير ذلك فإذا أراد أحدهم سفر أتى سادن الأوثان فيضرب له بتلك القداح (4)
وقد فعل امرؤ القيس ذلك عندما قتل أبوه فقد مر على ذي الخصلة وهو صنم كانت العرب تعظمه فاستقسم ثلاث مرات فأجلها فخرج الناهي ثلاث مرات وكلما اجلها يخرج الناهي فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: لو كان المقتول أباك ما عققتني(5).
معايش العرب:
لم تكن معيشة العرب متساوية بل كانت تختلف على حسب اختلاف مسكنهم فسكان المدن في اليمن ومكة و يثرب تختلف معيشتهم عن سكان العرب المتوغلين في
الصحراء ومن هنا تختلف مستويات معيشتهم فهناك التاجر الغني والمسكين الضعيف وهناك العبيد والرقيق
________________________________________
(1)في تاريخ الأدب الجاهلي د.علي الجندي- غريب للطباعة والنشرط7 (70)
(2)شرح المعلقات العشر للشيخ الشنقيطي- المكتبة العصرية 1424ه (123)
(3)العصر الجاهلي د.شوقي ضيف دار المعارف ط8 (70)
والذي يلاحظ أن الأحوال المعيشية في البادية قبيل الإسلام أبان ظهوره، كانت تنحدر من الخاء إلى الشدة والعسر، وآية ذلك أن الحاجة والعوز وسوء الحال‘ دفعت بعض الإعراب أن يتظاهر بالدخول إلى الإسلام لا رغبة في الإيمان بل طمعاً في العطاء(1).
الأسواق:
كانت هناك عدة أسواق عند العرب وكان لهذه الأسواق الأثر الكبير في رواج التجارة وتبادل السلع، ولم تكن تجارة سوق فحسب بل كانت سوقاً للخطابة والشعر.
ومن هذه الأسواق سوق عكاظ فقد إستمع الرسول فيها إلى قس بن ساعدة وهو يخطب في الناس(2).
وكان هنالك أسواق أخرى مثل سوق ذي المجاز التي كانت تضل إلى نهاية الحج، وسوق دومة الجندل في شمالي نجد وسوق خيبر وسوق الحيرة وسوق الحجر باليمامة وسوق صحار ودبا والمقشر وغيرها من الأسواق.
موارد البادية:
كانت البوادي في العصر الجاهلي جل اهتمامها العناية بالحيوان بعكس الحواضر حيث كانت تهتم بالزراعة والصناعة لأن الضروف القاسية –قلة المياه وشدة الحر-
التي كانت تعيشها البادية منعتها من ذلك ولأن الحيوانات أكثر إحتمالاً لهذه الضروف مثل الإبل، فقد كانت عماد الحياة عند العرب يأكلون من لحومها ويشربون من ألبانها ويكتسون من أوبارها ويصنعون بيوتهم منها ويحملون عليها أثقالهم وعليها يرتحلون(3). قال الله عز وجل {والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون* ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغية إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم}(4). وكذلك أهتم العرب بالخيل إلى جانب الإبل فقد اهتموا بأنسابها وأنسالها وسموها بأسماء أشتقوها من صفاتها وألوانها.
ومن مكاسبهم أيظاً الصيد فقد دربوا لذلك الكلاب وقد كان الصيد مكسب الضعفاء والفقراء منهم، لأن الفارس كان عندهم مكسب أخر هو الكسب في الغزو الذي هو دأب ذوي البطولة والشجاعة.
هذه هي مكاسب أهل البادية ولم يكونوا في نفس المستوى فمنهم الغني الذي يملك مئات الإبل ومنهم الفقير الذي لا يملك شيء من ذلك إلا قوت يومه.
(1)الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه د. يحيى الجبوري مؤسسة الرسالة ط7 (76)
(2)العصر الجاهلي د. شوقي ضيف دار المعارف ط8(70)
(3)الشعر الجاهلي خصائصه وفنونه د. يحيى الجبوري مؤسسة الرسالة ط7 (85)
(4) سورة النحل 5-7