!~¤§¦ السّـيرة الأدبية ¦§¤~!
السّـيرة لغةً: الطريقة والهيئة. وسار فلان سيرة حسنة: إذا سلك في حياته مسلكًا حسنًا. وسَيَّر سيرةً: حدّث أحاديث الأوائل. أمّا في الاصطلاح، فالسّيرة نوع أدبي يعرّف بحياة عَـلَم أو مجموعة من الأعلام. وهي قسمان: السّيرة وهي قصة حياة شخص يكتبها شخص غيره، والسّيرة الذاتية وهي قصة حياة شخص يكتبها بنفسه عن نفسه. وهناك أنواع كثيرة من السّير منها السّيرة الشعبية والتاريخية والأدبية، وتُعد تراجم الأعلام سيرًا، إلا أنها مختصرة تتناول أهم الأحداث في حياة المترجم له.
السّيرة في الأدب العربي. عرف تراث الأدب العربي سيرًا شتى، في مقدمتها سيرة النبي ³ لابن هشام، ثم سير الشخصيات الأخرى، مثل سيرة ابن طولون، للبلوي، و سيرة صلاح الدين لابن شدّاد.
ولعل ابن زولاق المؤرخ (ت 387هـ، 997م) من أنشط من كتبوا في سير الآخرين، إذ كتب سيرة سيبويه المصري، وهو شخصية غريبة الأطوار ولا تخلو من طرافة، كما كتب أيضًا مجموعة سير أخرى، مثل سيرة الإخشيد و سيرة جوهر الصّقلّي و سيرة المعز لدين الله الفاطمي، وباستثناء سيرة سيبويه، وأجزاء من سير أخرى، فإن مؤلفات ابن زولاق لم يُعثَر عليها. ومن الواضح أن صفة التاريخ لا الأدب كانت الصفة التي حكمت مؤلفات ابن زولاق وطائفة أخرى من كتّاب السّير، ومن هنا عُدّت هذه السّير مصادر للمؤرخين أكثر منها نماذج أدبية. ومع هذا، فإن هذه السّير كانت تمثل تيارًا قويًا غزير الإنتاج، عُرف من بين كُتّابه، عدا ابن زولاق، أسماء أخرى، مثل: ابن عبد الحكم، وابن الداية، والبلوي، واليازوري وزير المستنصر الفاطمي بمصر، ومحيي الدين بن عبد الظاهر وابن دقماق والعيني، وقد حظيت مصر بنصيب وافر من كتابة السّيرة التاريخية.
السّيرة الذاتية في الأدب العربي. إذا كان ما مضى من كتب السّيرة، قد كان، كما أوضحنا، يمثل سيرة الآخرين، لا سير الكتّاب أنفسهم. فإن الأدب العربي قد عرف نوعًا آخر من السّير هو السّيرة الذاتية أي السّيرة التي يؤلفها الكاتب بنفسه عن نفسه، مثل سيرة أسامة بن منقذ (ت584هـ، 1188م) الأديب والقائد المجاهد ضد الصليبيين، وسيرة ابن خلدون التي كتبها تحت عنوان التعريف بابن خلدون ورحلته غربًا وشرقًا، وهي، كما يتضح من العنوان، مزيج من أدب السّيرة الذاتية وأدب الرحلة. واعتبارًا من القرن الخامس الهجري تزايد نشاط الكُتّاب في كتابة سيرهم الذاتية، وشاع هذا اللون من التأليف، الذي تمثله طائفة من العناوين منها: طوق الحمامة في الأُلفة والأُلاف لابن حزم الظاهري (ت456هـ، 1063م) فقيه الأندلس وأديبها، ومنها: المنقذ من الضلال للإمام الغزالي (ت 505هـ، 1111م)، ومذكرات الأمير عبدالله آخر ملوك بني زيري بغرناطة. هذا بالإضافة إلى سير كل من ابن سينا الفيلسوف، وموفق الدين البغدادي، وعلي ابن رضوان الطبيب المصري، والفخر الرازي، وعمارة اليمني، ولسان الدين بن الخطيب، والسخاوي، والسيوطي.
وفي العصر الحديث نجد نماذج مختلفة من سير الآخرين، والسّير الذاتية. وقد دخل فن السّيرة بنوعيه في العصر الحديث نطاق الأدب، ولم يعد أخبارًا محكية، ولا أحداثًا تاريخية، ولكنه قام على عنصر الحقيقة والواقع، في بناء فني متماسك، وبلغة أدبية، تجعل السّيرة فنًا أدبيًا لا عملاً تاريخيًا، وإن داخلها شيء من الخيال وصنعة الفن.
من أهمّ كتب السّيرة للآخرين في الأدب الحديث عبقريات العقاد الإسلامية، وكتبه عن ابن الرومي، وجميل بثينة، وعمر بن أبي ربيعة، وكذلك بعض ما كتب طه حسين، مثل: على هامش السّيرة؛ الشيخان، أما كتب النوع الآخر وهي كتب السّيرة الذاتية في الأدب الحديث فمنها: كتاب الساق على الساق في ما هو الفارياق لأحمد فارس الشدياق، وهي أول سيرة أدبية في العصر الحديث؛ والأيام لطه حسين؛ وأيامي لأحمد السباعي، ثم ما كتبه توفيق الحكيم مثل: يوميات نائب في الأرياف؛ وسجن العمر؛ وزهرة العمر؛ وحياتي لأحمد أمين.
ومن الباحثين من يرى أن كتاب الأيام لطه حسين يعد أكمل ترجمة ذاتية في الأدب الحديث، كما أن كتاب جبران لميخائيل نعيمة أكمل سيرة أدبية عن الآخرين.
السّيرة في الأدب الغربي. في السنوات الألف الأولى من تاريخ النصرانية وضعت تراجم أو سير كثيرة تدور كلها على حياة القديسين، ولكن السّيرة لم تصبح فنًّا قائمًا بذاته، في أوروبا، إلا في القرن السابع عشر الميلادي، ولعلّ حياة صمويل جونسون (1791م) لجيمس بوزويل هي أشهر السّير التي عرفتها الآداب الأوروبية في القرن الثامن عشر الميلادي. وفي القرن التاسع عشر كتب جيمس أنتوني فرود، المؤرخ الإنجليزي، سيرة توماس كارليل (1882-1884م) تناول فيها الجوانب الشخصية والعامة في حياة كارليل، ثم ازدهر هذا الفن في القرن العشرين، حيث كتب المؤلف الإنجليزي هلير بلوك سيرة ماري أنطوانيت (1909م) وفي أمريكا كتب كارل ساندبيرج سيرة أبراهام لنكولن (1926- 1939م) وفي فرنسا اشتهر أندريه موروا الذي كتب آريل وهي سيرة تناولت حياة شيللي. واشتهر في ألمانيا أميل لودفيج، الذي أضفى جانبًا من الخيال والحوار على سيره التي تتناول أشخاصًا حقيقيّين.
وأصبحت السيرة الذاتية اليوم تصف حياة مشاهير القرن العشرين، والشخصيات المعاصرة. وعلى سبيل المثال، فإن مجموعة من الكتَّاب تناولت حياة الرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي، وحياة أسرته. وقد لمعت في هذا العصر أسماء كثير من كتَّاب السّير، مثل ليون إيدل، الأمريكي، الذي كتب سيرة هنري جيمس (1953- 1974م) وكتب الألماني جوشيم فست سيرة هتلر (1973م)، إلى غير ذلك من السّـيَر.
السّيرة الذاتية في الأدب الغربي. تعددت الدوافع لكتابة السّيرة الذاتية عند الغربيين، فبعض كتّاب السّير يعمد إلى توضيح بعض جوانب حياته أو تسويغ بعض الأعمال التي قام بها، وقد تكتب بعض السّير بوحي مشاعر الحنين إلى الماضي، وهناك سير ذاتية يكون هدفها كسب المال، لأنّ أصحابها من المشاهير الذين يرغب الجمهور في الاطلاع على خفايا حياتهم.
ويُعَدُّ كتاب اعترافات، الذي كتبه الزعيم النصراني القديس أوغسطين نحو عام 400م أول سيرة ذاتية حقيقية، ويحكي الكتاب عن نضال أوغسطين الديني وانتصاراته.
ومن بين بعض السّير الذاتية المشهورة قدمي اليسرى التي كتبها الأيرلندي كريتسي براون (1954م). ويصف فيها المؤلف كيف يتغلّب على العوائق الجسدية الناجمة عن إصابته بشلل دماغي منذ الولادة. وقد حُول الكتاب أيضًا إلى فيلم ناجح. ويضيف آرثر ميلر في منعطفات الزمن عام (1987م) قصة حياته بوصفه ابنًا لمهاجر أُميّ في أمريكا. ويسرد ميلر كفاح أسرته للبقاء على قيد الحياة إبان فترة الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن العشرين. ويتابع سرده، فيصور صعوده إلى الشهرة كاتبًا مسرحيًا، وزواجه من الممثلة مارلين مونرو.
وقد كتب كثيرٌ من المؤلفين روايات تحمل إلى حد كبير سمات السّيرة الذاتية. وعلى سبيل المثال، فإن رواية الروائي الأيرلندي جيمس جويس صورة الفنان وهو شاب عام (1916م) تشبه إلى حد بعيد الحياة المبكرة للمؤلف. وقد كتب بعض المؤلفين روايات في شكل سير ذاتية منها مثلاً رواية المؤلف الإنجليزي جوناثان سويفت رحلات جيليفر عام (1726م)، وهي سيرة ذاتية لأحد البحارة حول رحلاته في بلاد غريبة.