~*¤ô§ô¤*~ علم الفلك عند المسلمين ~*¤ô§ô¤*~
قصة لها دلالتها
دعا عالم الفلك ابن باجة الىلأندلسي المتوفي سنة 1138 حشدا من اصدقائها والشخصيات الكبيرة في البلاد الي حفل ساهر في مرصده الفلكي واخبرهم انه يعد لهم مفجأة كبيرة وكان ابن ماجة الي جانب علمه بالفلك فيلسوفا وموسيقيا ماهرا وشاعرا واديبا . وبينما ضيوفه جالسون علي مائدة الطعام أخذ بن باجة بعزف علي العود ويتغني بأبيات من تأليفه وهو ينظر الي القمر
شقيقك غيب في لحده وتشرق يابدر من بعده
فهلا كشفت فكان الكسوف حدادا لبست علي فقده
وأخذ يكرر هذه الفقرة والجميع ينظرون الى البدر.
"فهلا كسفت فكان الكسوف " حتى كسف القمر واختفى.. فتعجب الحاضرون جميعآ وأخذوا يسألونه كيف فعلها.. فأخبرهم أنه كعالم فلكي قد حسب موعد كسوف البدر بالسنه والشهر واليوم والساعة والدقيقة.. وذلك بالحساب الفلكي وصناعة التعديل.. فأعد لهم هذا الحفل دون أن يخبرهم بالمفاجأة.
وهذه القصة تدلنا على مدى ما توصل إليه علماء المسلمين من نبوغ وتبحر في هذا العلم..
الاسلام وفضله في تقدم علم الفلك
لقد كان للاسلام كدين وتعاليم الفضل الاكبر في النهضة الفلكية عند المسلمين فالمسلم يبدأ نهاره قبل شروق الشمس فيراقب مطلع الفجر لكي يصلي الصبح في اخر نهاره يرقب الغسق ليصلي العشاء وبين ذلك يتابع حركة الشمس في زاوية في الافق في الظهر ثم العصر ثم المغرب لكي يصلي كل صلاة في حينها . وهو يصوم رمضان مع هلال شهر رمضان ويفطر حسب الشهر القمري . واذا صلي في أي بقعة من الارض فهو ملتزم ان يعرف اتجاه الكعبة . أي يعرف مكانه علي ظهر الارض ويعرف الشمال والجنوب والشرق والغرب ثم تأتي آيات القرآن فتأمره ان يتامل في الفضاء الخارجي من حةله لكي يعرف قدرة الله ومعجزة الخلق . أن ينظر الي الشمس والقمر والنجوم وفي ذلك قوله تعالى: افلا ينظرون الي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ، وقوله ويفكرون في خلق السموات والارض.
ثم يذهب القران ابعد من ذلك فيذكر كواكب معينة ونجوما باسمائها ومن ذلك قوله " وما ادراك ما الطارق ، النجم الثاقب" ومعني الثاقب هنا انه من الشهب المتحركة .
وقوله تعالي " وانه هو رب العشري" والشعري هو المع نجوم كوكبه الدب الاصغر.
وإلى جانب هذه التوعية بأهمية الفلك فإن القرآن يأتي إلينا بحقائق علمية تعتبر معجزات قرآنية .. ولا يمكن لأحد فهمها أو مجرد محاولة تفسيرها ما لم يكن لديه علم واسع واطلاع على الفلك .
شغف العرب بعلوم الفلك وتعمقهم فيها
كان لعرب الجاهلية اهتمام فطري بالفلك .. فهو أمر حيوي لسكان الصحراء المنبسطة التي لا معالم فيها تدلهم على الطريق سوى الاعتداد بالنجوم .. وفي الشعر الجاهلي الكثير مما يدلنا على التبحر في الفلك .. فهذا هو امرؤ القيس يضرب موعداً لحبيبته "إذا ما الثريا في السماء تعرضت " والشاعر الآخر يصف نجم (سهيل) وتلألؤه فيقول :
وسهيل كوجنة الحب في الكون
وقلب المحب في الخفقان
وكثير من الأسماء العربية للنجوم يرجع إلى العصر الجاهلي .. ولكن هذا الاهتمام بالفلك ظل في حدود الفطرة والحساب التقريبي والفراسة .. إلى أن جاء الإسلام ووجه أنظار المسلمين إلى أهمية هذا العلم .
فمنذ قامت دولة الإسلام وثبتت أركانها أقبل المسلمون على علم الفلك وأولوه اهتماما كبيرا ابتدأت المرحلة الأولى من تلك النهضة بتجميع وترجمة كل علوم السابقين من اغريق وفرس وهند وصين ، فمن أشهر الكتب المترجمة في هذا الميدان كتاب "السند هند " عن الهندية وكتاب " المجسطي " لبطليموس عن الإغريقية .
ثم جاءت مرحلة الانتاج العلمي والابداع والابتكار حيث تفرغ الكثير من علماء المسلمين لعلوم الفلك ونبغوا فيها ومن هؤلاء الكندي والفارابي والبتاني والمجريطي والبيروني وابن الهيثم البصري وابن باجة الأندلسي وابن يونس المصري وابن رشد والقزويني والبتاني وعباس بن فرناس وعبدالرحمن الصوفي .
وقد بلغ اهتمام العرب بالفلك أن أصبح الهواية والتسلية لكل أسرة متعلمة تماما كما يهوى الناس اليوم مشاهدة التليفزيون أو مباراة في كرة القدم فكان لكل أسرة مكتبة فلكية .. وكانوا يحرصون على مشاهدة السماء ومراقبة سير الأفلاك والقمر وزيادة المراصد العامة في المناسبات الدينية كبداية رمضان والأعياد كجزء من أداء المناسك وكانت بعض الأسر تتوارث هذا العلم وتأخذ لنفسها كنية فلكية مثل الاسطرلابي والراصد والفلكي .
واشتغل بالفلك وكتب عنه الأطباء أمثال الرازي وابن سينا والفلاسفة أمثال ابن رشد والبيروني والفقهاء والأدباء والشعراء أمثال ابن الخيام .
ومن الخلفاء أيضا من كان عالما مثل الخليفة المأمون الذي كان أول من قاس محيط الكرة الأرضية سنة 830م وكثير من الخلفاء كان يبني في بيته مرصداً فلكياً خاصاً به لهوايته.
18 عالماً اسلاميا على سطح القمر
وخير شاهد على فضل علماء المسلمين وانجازاتهم في علوم الفضاء فقد أعلنت الهيئة الفلكية العالمية التي تتألف من علماء من جميع أنحاء العالم أنها شكلت لجنة تسمى (لجنة تسمية تضاريس القمر ) مهمتها دراسة فضل العلماء على مر العصور الذين ساهمت أبحاثهم في هبوط الإنسان على سطح القمر .
فكان في مقدمة من اختارهم (18 ) عالما اسلاميا وقررت وضع أسمائهم على تضاريس القمر ومن هؤلاء كما جاء في القرار :
أبو الفداء - ابن فرناس - ابن يونس الذي كان أول من قام بقياس مواقع الكواكب السيارة بعضها إلى بعض - ابن الفزاري - المرودي - الفرغاني - أبو عبدالله المهاني - أبو ريحان البيروني - القزويني - الخوارزمي - جابر بن حيان والرحالة الإسلامي ابن بطوطة الذي ساهمت خرائطه في فك بعض الرموز على سطح القمر للتشابه الكبير بين سطحه وسطح الأرض ، والعالم الإسلامي عمر بن الخيام الذي قام بأبحاث هامة في مرصده عن دوران الكواكب حول الشمس .. هذا علاوة على اسم العالم الإسلامي المعاصر الدكتور فاروق الباز.
المراصد الإسلامية وإنجازات المسلمين
لم يأت القرن التاسع والعاشر الميلادي حتى كانت كل عاصمة إسلامية من الأندلس غربا حتى الصين شرقا تذخر بالمراصد الضخمة المزودة بالآلات المتنوعة والعلماء المتفرغين .. ومن أشهرها المرصد الذي بناه الخليفة المأمون فوق جبل قايسون في دمشق ومرصد الشماسية في بغداد ومرصد جبل المقطم الذي بناه الخليفة الحاكم بأمر الله في القاهرة ومرصد الدينوري في أصفهان وغيرها كثير .
والاسطرلاب آلة رصد اخترعها الإغريق .. وعندما أخذها المسلمون عنهم كانت في شكل قرص بسيط بدائي ..فطورها المسلمون واخترعوا أنواعا جديدة تتفق مع اكتشافاتهم الفلكية .. فاخترعوا الاسطرلاب الكروي وأيضا الزورقي (اخترعه السجستاني سنة 1048 م حسب نظريته في دوران الأرض حول نفسها) كما اخترع علماء المسلمين آلات رصد جديدة لم تكن معروفة من قبل مثل ذات الأوتار وذات الحلق ، وآلة الربع المجيب والربع المقنطر وذات الشعبتين وذات السمت والارتفاع والحلقة الاعتدالية وأنواعا مختلفة من المزاول والمشخصات لقياس الوقت ..
كما نبغ المسلمون في عمل الآزباج لحساب الأجرام السماوية وهي من أهم مستلزمات الرصد الفلكي ، وقد اخترع بن الهيثم أول كاميرا في التاريخ Camera Obscura وسماها " الخزانة المظلمة ذات الثقب " وهي عبارة عن صندوق مطلي من الداخل بالأسود وبه ثقب من ناحية ولوح زجاجي مصنفر من الناحية الأخرى .
وقد استعمل علماء الفلك المسلمون هذه الكاميرا في مراصدهم حيث تظهر على اللوح الزجاجي صور صافية للنجوم والكواكب مما ساعد على معرفة نسبها وأحجامها وفي اكتشاف نجوم جديدة .
كما اخترع أبناء موسى بن شاكر (فلكي الخليفة المأمون) آلة ضخمة ذات شكل دائري استعملت في مرصد سامراء وقد جاء في وصفها " أنها تحمل صور النجوم ورموز حيوانات في وسطها وتديرها قوة مائية وكان كلما غاب نجم في السماء اختفت صورته في الخط الأفقي من الآلة .
وبهذا كان للمسلمين الفضل في اكتشاف الكثير من النجوم والكواكب المعروفة على عصرنا ومازالت حتى اليوم تحمل الأسماء العربية كما أن الكثير من الاصطلاحات العربية في علم الفلك ما زال مستعملا حتى اليوم فمن ذلك مجموعة الطائر Altair ومجموعة Deneb أصلها الذنب و Familheut أصلها فم الحوت و Bet-Elgeuse أصلها بيت الجوزاء Anka أصلها العنقاء Aldebran أصلها الدبران Al-mucantar وأصلها المقنطرة Azimuth أصلها السموت وهي تزيد عن 150 اسماً ومصطلحاً .
وقد رسموا خرائط ملونة للسماء وألف عبدالرحمن الصوفي كتاباً عن النجوم الثوابت به خرائط مصورة وبين مواضع ألف نجم ورسمها على شكل الإنسان أو الحيوان وكلها رصدها بنفسه ووصفها وصفاً دقيقاً ووضع أقدارها من جديد بدقة متناهية تقرب من التقديرات الحديثة .
والمسلمون أول من أثبت بالتجربة والمشاهدة والحساب نظرية أن الأرض كروية وسوف نأتي إلى تفصيل ذلك في باب الجغرافية أما عن علاقة الشمس بالأرض فقد تقبل المسلمون أول الأمر نظرية بطليموس التي تقول (بأن الأرض هي مركز الكون كله .. وأن الشمس والقمر وسائر النجوم تدور حولها .. ولم يعارضه الرازي وابن سينا في ذلك .. ثم جاء البيروني فشكك في هذه النظرية وقال في كتابه (علم الهيئة) بإمكانه أن يكون العكس صحيحاً أي أن تكون الأرض هي التي تدور حول الشمس مرة كل عام إلى جانب دورانها حول نفسها مرة كل يوم وليلة ثم جاء أبو سعيد أحمد بن محمد الدجاني المتوفى سنة 1024م والذي عاصر البيروني فأكد هذا القول واستنبط اسطرلاباً خاصاً حسب نظريته الجديد يسمى (الاسطرلاب الزورقي) وهكذا فتح المسلمون الطريق أمام كوبرنكس عام 1543 لكي يثبت هذه النظرية . وكذلك حسب الفرغاني وابن رسته أبعاد الشمس والقمر والزهرة والمريخ وعطارد وزحل والمشتري عن مركز الأرض .. وقدر البتاني أن بعد الشمس في أبعد أفركها يساوي 1146 مرة مثل نصف قطر الأرض وفي أقرب مواقعها مثل 1070 مرة وهي نتائج قريبة من الحقيقة .
واكتشف ابن الهيثم طبيعة الغلاف الجوي حول الأرض وقدر ارتفاعه 15 كيلو متر وهو الصحيح ، وقد ابتكر المسلمون تقاويم شمسية فاقت في ضبطها واتقانها كل التقاويم السابقة وحسبوا أيام السنة الشمسية بأنها 365 يوماً وست ساعات وتسع دقائق وعشر ثوان فكان الخطأ في حسابهم بمقدار دقيقتين و 22 ثانية وقد اكتشف ابن رشد الكلف على وجه الشمس وفسره بأنه بسبب عبور عطارد أمامها وفسر ابن الهيثم الكثير من الظاهر الفلكية والفضائية والضوئية مثل الكسوف والخسوف والطيف وقوس قزح .
ويعتبر عباس بن فرناس العالم الأندلسي (المتوفى سنة 887م) إلى جانب أنه اخترع أول مخترع للطائرة والميقاته فهو أول مخترع للقبة الفضائية فقد أقام في ساحة بيته قبة ضخمة جمع فيها النجوم والأفلاك في مواقعها ومثل الشهب والنيازك والبرق والرعد وكان يزوره الولاة والعلماء والأعيان فيعجبون من اختراعه هذا ووصفه الشعراء في قصائدهم .