الجنس : العمر : 34 المدينة المنورة التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 220
موضوع: ◄ المكان المفقود في الكرة الأرضية ► الأربعاء 16 نوفمبر 2011, 5:09 am
يشير اكتشاف معدن جديد عالي الكثافة إلى أن وشاح الكرة الأرضية هو مكان مضطرب أكثر ممّا كان يظن العلماء، ويقدم هذا المعدن أدلة جديدة على تاريخ الكرة الأرضية. <K.هيروس>
مفاهيم مفتاحية
في الضغوط العالية، يخضع المعدن الأكثر شيوعا في وشاح الكرة الأرضية الأسفل لعملية تغيُّر بنيوي، ويصبح أكثر كثافة.
يدل وجود هذا الطور الأعلى كثافة على أن وشاح الأرض هو أكثر دينامية وينقل الحرارة بكفاءة أكبر مما كان يعتقد سابقا.
يساعد انتقال الحرارة الأسرع على تفسير لماذا نمت القارات بالسرعة التي نمت بها، كما يساعد على تفسير كيف تطوّر الحقل المغنطيسي للأرض بطريقة مكنت الحياة من الانتقال إلىالأرض اليابسة.
وصل أعمق سبر حفره البشر على الإطلاق إلى 12 كيلومترا وكان ذلك في شبه جزيرة كولا الروسية. ومع أننا نمتلك حاليا مركبة فضائية في طريقها إلى الكوكب پلوتو- الذي يبعد ستة بلايين كيلومتر عن الشمس - فما زلنا غير قادرين على إرسال مسبار إلى أعماق الأرض. إذن، من الناحية العملية، فإن مركز هذا الكوكب، الذي يقع على عمق 6380 كيلومترا تحت أقدامنا، هو أبعد كثيرا من حدود مجموعتنا الشمسية. ففي الواقع، تم اكتشاف پلوتو في عام 1930، ولكن لم يتم تعرف وجود اللب core الداخلي للأرض إلا منذ ست سنوات باستخدام بيانات زلزالية (سيزمولوجية).
ومع ذلك، فإن علماء الأرض حصلوا على كم هائل من المعرفة عن كوكبنا. إنّ ما نعرفه هو أن بنيته تشبه تقريبا بنية البصلة فهو مؤلف من لب ووشاح وقشرة مشكِّلة طبقات متحدة المركز. يكوّن وشاح الأرض نحو 85% من حجم الأرض، وتقود حركته البطيئة الكوارث الجيولوجية التي تحصل في قشرتها. تتكوّن هذه الطبقة المتوسطة بصورة أساسية من مزيج من السيليكون والحديد والأكسجين والمغنيسيوم، وكل منها يظهر تقريبا بالتركيز نفسه في جميع أنحاء وشاح الأرض، إضافة إلى كميات أقل من العناصر الأخرى. ولكن هذه العناصر تتحد لتشكِّل أنواعا مختلفة من المعادن حسب العمق. وهكذا، فإن وشاح الأرض في حد ذاته ينقسم إلى طبقات متحدة المركز تهيمن فيها معادن مختلفة عند أعماق مختلفة.
وعلى الرغم من معرفة طبيعة وتكوين معظم هذه الطبقات معرفة جيدة إلى حد ما، منذ عقود من الزمن، فإن الطبقة الأدنى بقيت حتى وقت قريب لغزا محيرا. لكن في عام 2002، مكّن تركيب معدن جديد عالي الكثافة في مختبري، وهو المعدن الذي يتشكل في درجات الحرارة والضغط في الـ300 كيلومتر السفلى من وشاح الأرض، من حلّ اللغز. ومنذ ذلك الحين، كشفت الدراسات أن المعدن المسمى پوستپيروڤـسكايت postperovskite يؤثّر بصورة مثيرة في ديناميات dynamics الكوكب. وقد بيَّن الباحثون أنّ وجوده الواضح في وشاح الأرض يدل ضمنا على أن تيارات الحمل الحراري(1) في وشاح الأرض (حيث يغوص الصخر الأكثر برودة ويصعد الصخر الأعلى حرارة حاملا معه جزءا من حرارة الأرض الداخلية) هي أكثر ديناميكية وأكثر كفاءة في حمل الحرارة مما كان يعتقد. فلو لم يكن معدن الپوستپيروڤسكايت موجودا، ربّما كان نمو القارات أبطأ وكانت البراكين أهدأ. وتشكيل الپوستپيروڤسكايت ربما سرّع تقوية الحقل المغنطيسي الأرضي، الأمر الذي جعل الحياة ممكنة على الأرض اليابسة من خلال توفير الحماية لها من الأشعة الكونية والرياح الشمسية. وبعبارة أخرى، كان معدن الپوستپيروڤسكايت عنصرا رئيسيا مفقودا لفهم تطور كوكبنا.
صخور الأعماق
قوم الجيوفيزيائيون بمسح بنية الأرض عن طريق قياس الموجات الزلزالية ( السيزمية). فإثر وقوع أحد الزلازل، ونظرا لأن الموجات تنتقل عبر الكوكب بأكمله، تستطيع الأجهزة الحساسة التقاطها على الجانب الآخر من العالم. وعندما تعبر هذه الموجات الحدود بين مواد مختلفة, يمكن أن تنكسر أو تنعكس. لقد أظهرت القياسات العالمية لمثل هذه الظاهرة أن وشاح الأرض يتألف من خمس طبقات، يتميّز كل حد من حدود هذه الطبقات بقفزة في سرعة الموجات. وقد ربط الباحثون هذه القفزات بتغييرات في بنية الصخور التي تعزى إلى الضغوط ودرجات الحرارة المهيمنة كلما تعمقنا في باطن الأرض.
يتألّف الصخر من معادن مختلفة. والمعدن هو ترتيب من الذرات في نمط هندسي خاص، أو بلورة، ومن ثم يتميّز بتركيب خاص وبخصائص فيزيائية وحتى بلون خاص – انظر إلى الأنماط المختلفة من الحبيبات في مناضد المطبخ الگرانيتية العادية. وتحت عتبات محددة من الأعماق في وشاح الأرض تدفع الضغوط ودرجات الحرارة الهائلة العناصر إلى إعادة ترتيب ذراتها في بنى بلورية جديدة. وكما يقول علماء الفيزياء، تخضع المواد لتبدل في الطور.
[الصورة الجديدة]
كوكب أكثر تعقيدا(***)
تشبه بنية الكرة الأرضية بنية البصلة، مع مواد مختلفة تظهر في كل طبقة من الطبقات المتحدة المركز. إنّ اكتشاف مادة جديدة عالية الكثافة، أطلق عليها اسم «پوستپيروفسكايت» postperovskite، يدل ضمنا على وجود طبقة جديدة في تلك «البصلة» ويفسر سلوك الموجات الزلزالية المحيّر والتي تنتقل عبر الكوكب.
قشرة الكرة الأرضية (حتى عمق 35 كيلومترا)
تتكون القارات، والتي تكون مغمورة جزئيا بالمحيطات، من صخور متنوعة خفيفة الوزن نسبيا يصل عمرها إلى بلايين عدة من السنين. وهكذا، فإنها تطفو على وشاح يقع تحتها، أكثف منها. تنشأ الصخور البازلتية الثقيلة، والتي تشكل الجزء الأكبر من قشرة المحيطات من صخور الوشاح المنصهرة التي تندفع تحت الماء من ضهرات ridges وسط المحيطات وتنغرز ثانية، في نهاية المطاف، في وشاح الأرض، خلال 100 مليون سنة.
وشاح الأرض
تتألّف صخور الوشاح أساسا من الأكسجين والسيليكون والمغنيسيوم. وعلى الرغم من كونها صلبة في الغالب، فإنها تتشوه على مر الأزمنة الجيولوجية. وفي الواقع، تتدفق هذه الصخور ببطء عندما تحرّك تيارات الحمل الحراري وشاح الأرض بأكمله. يُبدِّد ذلك التدفق حرارة الأرض الداخلية ويدفع انسياق القارات.
الوشاح الأعلى (من 35 - 660 كيلومترا)
بما أن الأعماق المتعاظمة تجلب ضغوطا ودرجات حرارة أعلى، فإنّ العناصر في مكونات الوشاح تترتب في بنى مختلفة متبلورة (معادن)، مشكلة طبقات. وهناك ثلاثة معادن تعطي طبقات الوشاح الأعلى أسماءها الخاصة بكل منها وهي الأوليفين (الزبرجد الزيتوني) olivine، الإسپينل المعدّل modified spinel الإسپينل spinel.
الوشاح الأسفل (2900 - 660 كيلومتر)
كان يعتقد لعقود من الزمان أنّ بنية الوشاح الأسفل متجانسة نسبيا. ولكن البيانات الزلزالية (السيزمولوجية) تبيّن حدوث شيء ما غير عادي في الجزء الأسفل منه.
طبقة الپيروفسكايت
المعدن الأكثر انتشارا هنا (70 في المئة من حيث الوزن) هو سيليكات المغنيسيوم (MgSiO3) الذي ينتمي إلى فصيلة من البنى المتبلورة دعيت فصيلة الپيروفسكايتات perovskites. وفي هذه البنية المدمجة بكثافة، تحاط شوارد (أيونات) ions المغنيسيوم (باللون الأصفر) بمجموعات السيليكون - الأكسجين مثمنة الوجوه (الأشكال الزرق المضاعفة الهرم). وحتى وقت قريب، اعتقد العلماء أنه لا يوجد ترتيب متبلور أكثر كثافة من هذه العناصر.
طبقة الپوستپيروفسكايت
في الضغوط ودرجات الحرارة في الـ 300 كيلومتر السفلى من الوشاح، يتحول الپيروفسكايت perovskite إلى بنية جديدة: تترتب شوارد المغنيسيوم ومجموعات السيليكون - الأكسجين في طبقات منفصلة. يحرّر التحول حرارة ويقلل الحجم بنحو 1.5 في المئة - فرق صغير، ولكن له تأثيرات مثيرة في الكوكب بكامله (انظر الأشكال في الأسفل).
لب الأرض (6400 - 2900 كم)
يتألّف الجزء الأعمق من الأرض في الغالب من الحديد، وهو سائل في اللب الخارجي وصلب في اللب الداخلي. تحرك تيارات الحمل الحراري اللب الخارجي تماما مثلما يحرّك وشاح الأرض، ولكن نظرا لكون اللب أكثر كثافة، فإنّ قليلا من الخلط يحدث بين وشاح الأرض ولبّها. ويعتقد أن الحمل الحراري في اللب هو الذي يُحدث حقل الكوكب المغنطيسي.
ونظرا لفقدان القدرة على سبر أعماق الأرض، كان على الجيولوجيين الأوائل الذين كانوا يرغبون في دراسة هذه البنى، البحث عن صخور وشاح الأرض التي تحمل إلى السطح عن طريق المهول magmas أو الصخور المنصهرة العميقة المنشأ. هذه الصخور كثيرا ما تتضمّن بلورات ألماس. وبما أن الألماس يتشكل تحت ضغوط ودرجات حرارة عالية نجدها على عمق 150 كيلومترا أو أكثر، يمكن الافتراض أن الصخور المضيفة لها قد نشأت في عمق مماثل؛ وهي بذلك تزودنا بثروة من المعلومات حول الجزء الأعلى من الوشاح. ولكنّ صخور الوشــــاح أو معادنه المتشكلة في أعماق تزيد على 200 كيلومتر نادرا ما تصل إلى السطح.
وحالما توصّل الباحثون إلى توليد ضغوط ودرجات حرارة عالية في المختبر، أصبحوا قادرين على تركيب المعادن التي يعتقد أنّها تكوّن المستويات السفلى من وشاح الأرض. والمعادن المهيمنة في الصخر تُعطي طبقات وشاح الأرض أسماءها: فالوشاح الأعلى يشمل طبقات الأوليڤين olivine (الزبرجد الزيتوني) والإسپينل spinel المعدل والإسپينل. وعلى عمق 660 كيلومترا، يصبح سيليكات المغنيسيوم (MgSiO3) المكوّن الرئيسي للصخر. وهي تنتمي إلى فصيلة من البلورات تدعى الپيروڤـسكيتات perovskites، وهي مؤلفة من شوارد (أيونات) ions الأكسجين السالبة الشحنة ونوعين من شوارد موجبة الشحنة - في هذه الحالة المغنيسيوم والسيليكون – مرتبطة ببعضها بتجاذب كهراكدي electrostatic attraction. ويمكن أن يكون لفصيلة الپيروڤـسكيتات مجموعة واسعة من التركيبات الكيميائية وتتضمّن موصلات فائقة superconductors فضلا عن مواد تستخدم على نطاق واسع في مجال الإلكترونيات، على سبيل المثال، في المحفـزات الكهرضغطية piezoelectric actuators أو في المكثفات capacitors.
تم تركيب پيروڤـسكايت سيليكات المغــنـيسيـــوم لأول مــــرة فـي عـــــام 1974 تحت ضغط 30 گيگاپاسكال gigapascals. (الگيگاپاسكال، وحدة ضغط تساوي بليون پاسكال، وهو يعادل نحو 10000 ضغط جوي عند مستوى سطح البحر). وفي السنوات الـ30 التالية أجمع الخبراء على أن هذا المعدن يجب أن يكون موجودا على طول المسافة وصولا إلى السطح السفلي لوشاح الأرض، الذي يقع على عمق 2890 كيلومترا، دون أن يتعرّض لمرحلة انتقالية أخرى.
بيد أنه في الستينات من القرن الماضي، اكتُشف شذوذ زلزالي على عمق 2600 كيلومتر. فتم تقسيم الجزء الأسفل من الوشاح، الذي كان يدعى الطبقة(D (D-layer، إلى طبقتـين فرعـيتين D) D" 'Dفتحة و D فتحتين)، تحتل المنطقة D" مسافة الـ 300 كيلومتر الدنيا أو نحو ذلك من وشاح الأرض. وفي عام 1983 وجِد أن الشذوذ هو انقطاع فعلي، ولكنه عُزي إلى تغيير في الغزارة النسبية للعناصر، وليس إلى حدود انتقال من طور إلى آخر. وجاء هذا الافتراض لأن الپيروڤسكايت، هو، ولو جزئيا، بنية متبلورة «مثالية» تترتّب فيها الذرات في هندسة مدمجة بإحكام تبدو أنها تزيد الكتلة إلى حدها الأعلى لكل وحدة حجم. شكّك بعض الخبراء في أن الپيروڤسكايت يمكن أن يكون منضغطا في بنية أشد دمجا. ومن ناحية أخرى، إنّ التغييرات في مدى توافر العنصر كانت أيضا إشكالية، لأن الحمل الحراري يجب أن يحرك الوشاح الأسفل نحو الأعلى ويخلط محتوياته مع تلك في الطبقات التي تعلوه، مما يؤدي إلى تجانس في أنواع ونسب العناصر.
[الاكتشاف]
أعماق الأرض في المختبر
ولّد فريق المؤلّف ظروف وشاح الأرض الأسفل باستخدام خلية سندان الألماس. تم تصميم خلية الفولاذ الأسطوانية بشكل أنّه بإحكامها ببراغيها screws - وعادة يتم بعملية يدوية - تركّز الضغط على سطح عرضه ميكرونات فقط بين سطحين اثنين من ألماستين. يضع الفريق العينات بين السطحين ويجري تسخينها بالليزر. وفي الوقت نفسه، تكشف حزمة من الأشعة السينية عن كيفية تغيّر بنية العينات المتبلورة.
ولتوضيح هذا الوضع، ستحتاج التجارب إلى رفع الضغط إلى ما فوق 120 گيگاپاسكال ورفع درجة الحرارة إلى ما فوق 2500 درجة كلڤن. لقد اهتممتُ في هذه المشكلة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، وبدأت في وقت لاحق بإجراء تجارب باستخدام جهاز خاص يدعى خلية سندان الألماس diamond-anvil cell، حيث تضغط عينات من مواد شبيهة بمواد الوشاح إلى ضغط عال بين ألماستين طبيعيتين بجودة الأحجار الكريمة ( حيث يبلغ حجمهما نحو 2/10 قيراط)، ثم تسخينها بالليزر. وفوق ضغط قدره 80 گيگاپاسكال، يبدأ حتى الألماس الذي هو أقسى مادة معروفة بالتشوه بشكل مثير. ولرفع الضغط أكثر من ذلك، يحتاج المرء إلى جعل شكل أطراف سندان الألماس أقرب ما يكون إلى الكمال بحيث لا يؤدي إلى انكسار الألماس. لقد عانيت مع زملائي عمليات تكسير متعددة للألماس، التي كلفتنا أموالا إضافة إلى اعتمادات بحثنا المالية، وفي بعض الأحيان حماسنا أيضا. وأخيرا، وباستخدام سندانات مشطوفة الحافة، تجاوزنا سقف ضغط قدره 120 گيگاپاسكال في عام 2001. لقد كان مختبرنا أحد المختبرات الأوائل في العالم للقيام بذلك، وأول الدارسين لتأثيرات مثل هذه الضغوط في الپيروڤسكايت perovskite.
واضح وضوح الشمس
ولفهم ما كان يجري داخل عيناتنا، أجرينا تجربتنا في سپرينكSPring-8» 8-» وهي منشأة سنكروترون للأشعة السينية الأكبر في العالم، وتقع في منطقة جبلية في غرب اليابان. ومنذ ما يقرب من قرن من الزمن فك العلماء تكويد decoded بنية البلورات من خلال النظر في كيفية انعراج الأشعة السينية عبرها (استنادا إلى حقيقة أن المسافات بين ذرات interatomic البلورات - تكون مساوية لأطوال موجات الأشعة السينية ). وقد مكنتنا حزم أشعة سپرينك-8 السينية المتميّزة بشدتها ودقتها المتناهية من التقاط صور ذات جودة عالية في فترات مدتها ثانية واحدة فقط، وهو أمر مفيد جدا لرصد التغير في بنية البلورة في مثل هذه الظروف القاسية أو الحدية.
إنّ البيانات التجريبية والتي تُظهر درجات الحرارة والضغوط التي يتحول عندها الپيروفسكايت إلى الپوستپيروفسكايت (خط العتبة) تشير إلى أن مدى درجات الحرارة (المنحنى الأسود اللون) في الأرض الحالية هو صحيح تماما لوجود الپوستپيروفسكايت في الجزء الأسفل من الوشاح، على عمق نحو 2600 إلى 2900 كيلومتر. وفي المقابل، كانت الأرض في وقت مبكر (المنحنى الأبيض اللون) ساخنة جدا لدرجة لم تسمح بتشكيل الپوستپيروفسكايت.
ففي شتاء عام 2002 وفي سپرينك-8، جاءني أحد طلبتي <M.موراكامي>، وأعلمني أن نمط الانعراج في پيروڤسكايت سيليكات المغنيسيوم قد تغير تغيرا جذريا عندما سُخن عند درجة ضغط 125 گيگاپاسكال. وتشير مثل هذه الملاحظة عادة إلى تغيير حصل في بنية البلورة، وهذا بالضبط ما كنت أبحث عنه. إذا كان هذا صحيحا، فإنّ هذا الاكتشاف سيكون الأكثر أهمية في علم معادن الضغط العالي - وربما في جميع علوم أعماق الأرض - منذ عام 1974، عندما تم تركيب الپيروڤسكايت السيليكاتي نفسه لأول مرة.
ومع ذلك، لم نأخذ في البداية هذه البيانات على محمل الجد، لأن أنماط الانعراج يمكن أن تتغير لأي سبب من الأسباب. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تتفاعل العينات كيميائيا مع المواد التي يمسك بها على السندان – الغضار (الطين) على نحو نموذجي – مفضيا ذلك إلى تغيير جذري في بيانات الانعراج. وعندما أخبرت زملائي المقربين عن هذه الملاحظة الجديدة بعد عدة أيام، كانت أول ردات أفعالهم، في الواقع، سلبية. فقد أخبرني أحد المتخصصين بعلم البلورات أنه لا بد وأنّي قد ارتكبت شيئا خاطئا: فقد بيّن أن بنية الپيروڤسكايت هي بنية مثالية، مدمجة بإحكام ولم يلاحظ مطلقا من قبل تحوّل في الطور من الپيروڤسكايت إلى بنية أكثر كثافة.
وقد كررنا هذه التجارب مرات عديدة. وعلى نحو مشجّع لاحظنا النمط الجديد من الانعراج في كل مرة. ووجدنا أيضا أنه عندما كنا نعيد تسخين العينة في ضغط جوي منخفض يعود النمط الجديد إلى التغير مرة أخرى إلى نمط الپيروڤسكايت. وهكذا، فإن الانتقال كان قابلا لأن يعكس، وهذا ما يستبعد حدوث تغيير في تركيب العينة الكيميائي. في تلك المرحلة، أصبحتُ على قناعة بأننا قد حوّلنا الپيروڤسكايت سيليكات المغنيسيوم إلى بنية جديدة.
لقد شكك الخبراء في إمكانية انضغاط معدن وشاح الأرض إلى بنية متبلورة مهما بلغت شدة إحكام دمجها.
وبعد ذلك، وجدنا أنه عند درجة حرارة 2500 درجة كلڤن، يحدث الانتقال عند درجة ضغط 120 (بدلا من 125) گيگاپاسكال، وعلى وجه التحديد عند الضغط الموافق إلى 2600 كيلومتر من العمق، حيث تم العثور على قفزة الانقطاع الغريبة في سرعة الموجة السيزمية (الزلزالية). لقد أدركت أنه قد تم الآن حل اللغز القديم : فقد اكتشفنا مرحلة انتقال جديدة، ومواد جديدة يجب أن تكون مهيمنة في الطبقة D" وإضافة إلى ذلك، توقعت أنّه لا بد وأن يكون لخاصيات المرحلة الجديدة دلالات مهمة حول ديناميات وشاح الأرض.
ولكن قبل مواصلة عملنا، احتجنا أولا إلى تحديد البنية البلورية للمرحلة الجديدة، وهذا التحديد كان نوعا من التحدّي لأنه في ذلك الوقت لم يُعرف تحوّل بلورات من نمط الپيروڤسكايت إلى بلورات أخرى تحت الضغط. لقد تصفحنا لأكثر من عام كتالوگات علم البلورات محاولين مطابقة بيانات الانعراج التي بحوزتنا مع أنماط معروفة – وكان ذلك كالتفتيش عن إبرة في كومة قش، آخذين بالحسبان أنّ هناك عشرات الآلاف من مثل هذه البنى البلورية. وإضافة إلى ذلك وفي نهاية عام 2003، خلال عطلة العام الجديد، قام زميلي الكيميائي <K.كاوامورا> بإجراء عملية محاكاة حاسوبية لذرات المغنيسيوم والسيليكون والأكسجين تحت ضغط عال. بدأ بذرات موزعة عشوائيا عند درجة حرارة عالية جدا، وعندما برّد عينته الحاسوبية (الوهمية) بدأ الخليط بالتبلور, وبعد ذلك حدّد أنماط الانعراج التي يمكن أن تنتجها بنية بلورية، وكانت النتيجة مطابقة تماما للنمط الذي كنا قد لاحظناه تجريبيا.
[عمليات محاكاة حاسوبية]
الحمل الحراري على المنشطات
أظهرت عمليات المحاكاة أنّه بوجود الپوستپيروفسكايت، يكون الحمل الحراري أسرع وأكثر شواشية(2) (في اليمين) مما لو احتوى وشاح الأرض على معدن الپيروفسكايت فقط (في اليسار)، كما حصل في الأرض في وقت مبكر. ترتفع أعمدة الحمل الحراري فوق اللب، تماما مثل تشكّل أعمدة الهواء فوق الأرض الساخنة. عندما يصعد العمود، يصادف محتواه من الپوستپيروفسكايت ضغوطا، أكثر انخفاضا، الأمر الذي يحوله إلى معدن الپيروفسكايت الأقل كثافة. والتمديد الناتج يؤدي إلى طفو عمود الحمل الحراري، وهذا ما يسبب رفعه إلى الأعلى بصورة أسرع وأكثر شواشية مما لو كان الوشاح يحتوي فقط على معدن الپيروفسكايت.
قررنا أن نسمي المرحلة الجديدة باسم پوستپيروڤسكايت (بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن هذا الاسم ليس بمعدن، لأنه لم يعثر عليه بعد في الطبيعة.) وكما تبين، فإن بنيته هي مطابقة أساسا لبنية بلورتين من البلورات المعروفة، بلورة كبريت الحديد واليورانيوم (UFeS3) وإيريديات iridiate الكالسيوم (CaIrO3)، التي تكون مستقرة في ظل الظروف المحيطة. لقد أظهرت لنا القياسات المباشرة أن كثافة الپوستپيروڤسكايت هي أعلى في الواقع من كثافة الپيروڤسكايت من 1 إلى 1.5 في المئة.
انطلاق الحرارة
منذ أن أعلنا النتائج التي توصلنا إليها في عام 2004، قام الباحثون في مجالات مختلفة اعتمادا على هذه النتائج بصياغة صورة جديدة مثيرة للعمليات المختلفة الكثيرة داخل الأرض. وبادئ ذي بدء، يلقي اكتشافنا الضوء على كمية الحرارة المتدفقة من لب الأرض إلى وشاحها. يتألف اللب في معظمه من الحديد، مما يجعل كثافته أعلى بمرتين من كثافة وشاح الأرض. ونتيجة لذلك، يكاد لا يحدث أي خلط بينهما، ويتم تبادل الحرارة في الغالب عن طريق النقل (التوصيل) conduction. وبينما يكون الوشاح غنيا باليورانيوم والثوريوم والپوتاسيوم المشعة، يفتقر لب الأرض على الأرجح إلى النظائر المشعة، وهذا ما يدل ضمنا على أنّ درجة الحرارة الحالية التي هي ربما من 4000 إلى 5000 درجة كلڤن يكون معظمها مستمدا من الحرارة المتخلفة عن تكوين الكرة الأرضية. ومنذ ذلك الحين تبرّد لب الأرض مع مرور الزمن طالما كانت الحرارة تنتقل إلى وشاح الأرض على الحدود الفاصلة بين اللب والوشاح.
تطـور وشـاح
الأرض ولبها
عندما تشكلت الأرض، لم يحتو وشاحها على پوستپيروفسكايت، وكان لب الأرض الساخن الغني بالحديد سائلا تماما. ونظرا لأن الوشاح كان غير فعال لتبديد الحرارة فإنّ الأرض الداخلية تبردت ببطء (الأرض الفتية). ومنذ نحو 2.3 بليون سنة، سرّع تشكّل الپوستپيروفسكايت في الجزء السفلي من الوشاح صعود الحمل الحراري. وثمة احتمال في أن هذا التغيير في الديناميات قد زاد البركنة، وازداد معها حجم القارات (الأرض اليافعة). ونتيجة لذلك، فقد برّد نقل الحرارة المتسارع أيضا لب الأرض بما يكفي لبدء تشكّل لب داخلي صلب منذ نحو بليون سنة (الأرض الناضجة). وأصبحت أنماط الحمل الحراري في طبقة اللب السائل أكثر انتظاما وبدأت بإحداث الحقل المغنطيسي الأرضي القوي، والذي يحمي الأرض من مخاطر الرياح الشمسية والأشعة الكونية. وربما مكن ذلك الحياة من أن تنتقل إلى الأرض اليابسة .
وعن طريـق وضـع افتراضات معقولة عن الموصلية الحرارية heat conductivities للمواد في طبقة الوشاح السفلية، كنت قادرا مع الذين يتعاونون معي على تخمين أنّ معدل الحرارة الذي يتدفق من لب الأرض إلى الوشاح يمكن أن يكون من 5 إلى 10 تيراواط terawatts، وهذه الحرارة تساوي متوسط إنتاج محطات توليد الطاقة في العالم مجتمعة. إنه أكبر تدفق للطاقة، ومن ثم أسرع لتبريد لب الأرض مما كان يعتقد سابقا. وحتى يكون اللب في درجة حرارته الحالية، بعد ذلك، لا بد وأن يكون قد بدأ بدرجة حرارة أعلى مما كان يفترض.
لقد حدّد ذلك التدفق من الحرارة كيفية تطور لب الأرض منذ أن تشكلت الكرة الأرضية. ففي داخل الأرض الفتية، كان لب الأرض سائلا تماما، ولكن في مرحلة ما من تاريخ الكوكب بدأ اللب الداخلي بالتبلور، بحيث أصبح مؤلفا الآن من طبقتين: طبقة داخلية وهي اللب الصلب وطبقة خارجية وهي اللب السائل. ويوحي المعدل الأسرع للتبريد أن اللب الصلب الداخلي قد يكون أقل عمرا بنحو بليون سنة فهو أكثر حداثة مقارنة بعمر الكرة الأرضية البالغ 4.6 بليون سنة: وإلا فإن عمر اللب الداخلي سيكون أكبر بكثير مما نراه في الوقت الحاضر.
ثمة دلالات بين تشكل اللب الداخلي والمغنطيسية الأرضية، ولهذه الأخيرة بدورها علاقة بالحياة. ويعتقد علماء الأرض أن الحمل الحراري للفلز السائل liquid metal في اللب الخارجي المنصهر هو الذي يولد المجال المغنطيسي للكوكب، من خلال عمل المولِّد (الدينامو). وإنّ وجود اللب الداخلي الصلب يجعل الحمل الحراري أكثر انتظاما وأقل شواشية، مفضيا إلى وجود مجال مغنطيسي أقوى ممّا لو كان اللب سائلا بكامله. والمجال المغنطيسي الأرضي يحمي الكرة الأرضية من الرياح الشمسية والأشعة الكونية، التي يمكن أن تسبب الطفرات الجينية وربّما تكون بصورة خاصة خطيرة على الحياة على الأرض اليابسة. ويجوز أن يكون التغير في شدة المجال المغنطيسي الأرضي، الذي ربما حصل قبل نحو بليون سنة، قد جعل الحياة تنتشر من البحار إلى الأرض اليابسة.
فالپوستپيروڤسكايت يؤثر في نشر الحرارة ليس فقط عند الحد الفاصل بين اللب والوشاح ولكن في جميع أنحاء الوشاح أيضا، وهذا الاكتشاف أسفر عن مزيد من الرؤى عن تاريخ الأرض. تتشكل أعمدة الصخور المنصهرة (+) plumes في الوشاح فوق الحد الفاصل بين اللب والوشاح. عندما تصعد هذه الأعمدة في الوشاح داخل طبقة الپوستپيروڤسكايت، تواجه ضغوطا أكثر انخفاضا، حتى الوصول إلى عتبة يتحوّل عندها الپوستپيروڤسكايـــت الساخـــــن إلى معدن الپيروڤسكايت الأقل كثافة، ويزداد حجمه. تستمر هذه الأعمدة الأقل كثافة من المواد الأبرد المحيطة بها بقدرتها على الطفو وهذا ما يعزز صعودها إلى الأعلى. وقد أظهرت المحاكاة الحاسوبية أنّه، عند وجود الپوستپيروڤسكايت، يتزايد تشكّل الأعمدة وتعرّجها أكثر فيما لو كان الوشاح الأسفل مؤلفا بأكمله من الپيروڤسكايت (انظر المؤطّر أعلاه). كما أظهرت عمليات المحاكاة بهذه الطريقة، أنّ وجود الپوستپيروڤسكايت ربّما سرع تدفق الحرارة خلال الوشاح بنسبة 20 في المئة.
يسبب الخلط
بتسريع الحمل الحراري نحو الأعلى في الوشاح، فإن وجود الپوستپيروڤسكايت يزيد درجة حرارة الوشاح الأعلى مئات الدرجات. وتكمن إحدى نتائجه في أنّ البراكين تصبح أكثر نشاطا من كونها من دونه. وفي الكرة الأرضية المبكرة، عندما كان لب الأرض أعلى حرارة، كانت حرارة الجزء الأدنى من الوشاح أيضا أكثر ارتفاعا وخارج نطاق درجات الحرارة التي عندها يمكن أن يتشكل الپوستپيروڤسكايت. وعلى النقيض من ذلك، وفي غياب الپوستپيروڤسكايت الذي يسرّع تدفق الحرارة نحو الأعلى، ربّما كان الوشاح الأعلى أبرد مما هو عليه الآن. وبما أنّ الكرة الأرضية تتبرّد ببطء، فإن بعض الپيروڤسكايت بدأ بالتحول إلى الپوستپيروڤسكايت، ربما منذ نحو 2.3 بليون سنة، مُزيدا بذلك تدفق الحرارة من اللب ورافعا درجات الحرارة في الوشاح بأكمله. ونتيجة لذلك، قدّر الباحثون أنّ الحركة الأسرع للصفائح، والزيادة في النشاط البركاني ربّما أدت إلى نمو أسرع بمرتين للقارات خلال الـ 2.3 بليون سنة الماضية مقارنة بما كانت عليه خلال معظم الزمن السابق، مع أنّ هذا الاستنتاج لايزال عرضة للكثير من الجدل الشديد.
قد تكون الخواص الفيزيائية للطبقة ̏D مختلفة تماما عن الخواص الموجودة في الوشاح الذي يعلوها. فقد كشفت القياسات الحديثة أن ناقلية الپوستپيروڤسكايت الكهربائية أعلى بكثير من موصلية (ناقلية) معدن الپيروڤسكايت، الأمر الذي يجعل الوشاح الأسفل أكثر موصلية بدرجات عدة. وموصلية طبقة الپوستپيروڤسكايت الأعلى سوف تعزز تبادل الاندفاع الزاوي momentum بين اللب السائل والوشاح الصلب كلما تغيّر نمط تدفّق اللب. (ينتج التبادل بما يسمى قوة لورينتز Lorentz force.) ووفقا لعمليات المحاكاة التي أجراها باحثون آخرون، فإن هذا التبادل سيغير سرعة دوران الكرة الأرضية بطريقة تتفق بشكل وثيق مع وجود اختلافات قدرها ميلّي ثانية واحدة لوحظت بالفعل في طوال اليوم على النُّطُق الزمنية العقدية decadal. ويمكن أن تساعد المواصلة الكهربائية conductance the electric للپوستپيروڤسكايت والتبادل الكبير الناتج من الاندفاع الزاوي أيضا على تفسير المبادرة precession الدورية لمحور دوران الأرض (الترنُّح).
ومع وجود الپوستپيروڤسكايت في العدد القليل من مئات الكيلومترات أسفل وشاح كوكب الأرض فحس، فإنه قد يشكل أجزاء أكبر من الكواكب الأخرى. ويتوقع التحليل النظري أن يكون پوستپيروڤسكايت سيليكات المغنيسيوم مستقرا حتى 1000 گيگاپاسكال و 10000 درجة كلڤن، قبل أن يتفكّك إلى خليط من ثاني أكسيد السيليكون وأكسيد المغنيسيوم. وينبغي أن يكون الپوستپيروڤسكايت بالتالي المكوّن الرئيسي في ألباب cores أورانوس ونپتون الصخرية. وفي المقابل، تكون ألباب المشتري وزحل الصخرية مغلفة بطبقات سميكة من الهدروجين، التي من شأنها أن تنتج ضغوطا ودرجات حرارة عالية لدرجة تعيق استقرار الپوستپيروڤسكايت.
وماذا عن الكواكب في منظومات شمسية أخرى؟ إنّ جميع الكواكب الخارجة عن المجموعة الشمسية exoplanets الملاحظة حتى الآن هي أكبر من الكرة الأرضية. ويفترض أن تكون تلك التي لا تتجاوز كتلتها 10 أضعاف الكرة الأرضية، كواكب صخرية تشبه الكرة الأرضية وتسمى كرات أرضية فائقة super-Earths. لقد استنتج علماء الفلك تركيب الكواكب الخارجية من خلال مراقبة النجوم التي تستضيفها. وما يمكن استخلاصه من خطوط الامتصاص في الطيف الضوئي للشمس هو أن غلاف شمسنا الجوي مشابه بتركيبه الكيميائي لكواكب مجموعتنا الشمسية. وقد استخلص علماء الفلك على نحو مماثل من الأطياف الضوئية للنجوم الأخرى أنّه من المحتمل أن يكون للعديد من الكرات الأرضية الفائقة(3) تركيب مشابه لكرتنا الأرضية. وربما يكون الپوستپيروڤسكايت المكوِّن الأكثر وفرة للعديد من هذه الكواكب، نظرا لمدى الضغوط ودرجات الحرارة التي من شأنها أن توجد في باطنها.
لنواصل
لا تـــزال هنـــــاك تســـاؤلات حــول بـنـيـــــــة الطبقة D" الغنية بالپوستپيروڤسكايت على كوكبنا. لقد لوحظت، منذ فترة طويلة في تلك الأعماق، شذوذات كبيرة في سرعة الموجات السيزمية، كما لو أنّ الطبقة D" لم تكن متماثلة وإنّما مؤلفة من سحنتين واضحتين اثنتين تقع الأولى تقريبا تحت إفريقيا وتقع الثانية تحت المحيط الهادىء. ويمكن أن تكون هناك كتلتان اثنتان، أكثر كثافة من الصخور المحيطة بها ولكنهما تظلان خفيفتين ما يكفي لتطفوان على اللب الخارجي، تماما كما تطفو القارات على الوشاح الخارجي؟ وهذه «القارات المخفية» hidden continents يمكن أن تؤثر في التدفقات في الجزء السفلي من الوشاح الخارجي وتؤثّر بصورة غير مباشرة في أنماط الحمل الحراري في وشاح الأرض بأكمله - وبالتالي تؤثّر حتى في تكتونية الصفائح على السطح. كيف تتشكل هذه الكتل، وهل هي في طور النمو؟ هل يمكن أن يكون للكتلة الواقعة تحت المحيط الهادىء علاقة بأعمدة الصخور المنصهرة في الوشاح التي أحدثت أرخبيل هاواي؟ يمكن أن تتم الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في المستقبل القريب.
لقد بقي القسم الأدنى من وشاح الكرة الأرضية فترة طويلة غامضا، ولكن الكثير من خصائصه هو الآن مفسر بصورة جيدة بفضل اكتشاف الپوستپيروڤسكايت. وفي المقابل، لايزال هناك عدد من الأسئلة يحتاج إلى أجوبة حول اللب الفلزي الغني بالحديد. كانت دراسة اللب أصعب بكثير من دراسة الوشاح لأنه حتى في الآونة الأخيرة لم تتمكّن تقنيات سندان الألماس(4) من إعادة إحداث الضغوط ودرجات الحرارة التي توجد في لب الأرض. ويمكن أن يُحدث الباحثون ضغوطا أعلى بطريقة القوة الضارية التي يولدها الانضغاط الناجم عن موجة صدمية(5)، ولكن درجات الحرارة التي تنتجها تلك الطريقة ستكون عندئذ مرتفعة للغاية.
ومع ذلك، من المعروف منذ عام 1952 أن اللب السائل الخارجي أقل كثافة بنحو 10 في المئة من الحديد النقي أو سبائك النيكل والحديد. ولذلك يجب أن نجد عنصرا أو عناصر أخف وزنا مثل الكبريت والسليكون والأكسجين والكربون والهدروجين، ولكن تحديد هذه العناصر الخفيفة مازال مثيرا للجدل إلى أبعد الحدود. ويتم الحصول على أفضل تقدير لدرجة حرارة اللب من درجة حرارة انصهار السبائك الحديدية عند ضغط يوافق الحد الفاصل بين اللب الصلب واللب السائل. ولكن التقديرات الحالية يُشك فيها عندما تصبح الحرارة أكثر من 2000 درجة كلڤن، لأن درجة حرارة الانصهار تعتمد اعتمادا كبيرا على التركيب الصحيح، وهو غير معروف. وكذلك فإن البنية البلورية للحديد في شروط اللب الداخلي لا تزال أيضا غير معروفة، وهذا يجعل من الصعوبة بمكان تفسير الملاحظات السيزمولوجية. ومع ذلك، فمنذ عهد قريب أنتجنا سندانات ألماسية تستطيع الوصول إلى مدى الحد الأقصى من الضغوط ودرجات الحرارة التي توجد في لب الأرض، وهذا ما يفسح المجال لمعالجة هذه الأسرار التي لم تحل بعد حول الجزء الأعمق من كوكبنا. وسيكون ذلك إلى حد ما كَمَنْ يُسافر على طول الطريق الذي يؤدي إلى مركز الأرض، وإن كان ذلك فقط في مخيلتنا.