▼▲▼ إعادة هيكلة العملات العالمية ▼▲▼
يمكن تشبيه نظام النقد العالمي ودورات الصعود والهبوط التي تعتريه بالنظام الفلكي، فإذا تصورنا العملات العالمية أنها تشبه في حركتها الأجرام السماوية من الكواكب والنجوم التي تدور حول الجسم الأكبر مثل الشمس في مجموعتنا الحالية حيث الكواكب والنجوم تدور حولها في دورات قصيرة وطويلة الأمد، إلا أنها تظل ثابتة في بقائها حول الشمس مركز المجموعة. فإنه لا بد أن يكون في نظام النقد العالمي عملة مركزية تشبه الشمس من حيث كونها نقطة البداية لحركة بقية العملات وتخضع جميع العلاقات بين هذا المركز والعملات الأخرى إلى علاقات المد والجزر ضمن ثوابت رياضية، ومهما تغيرت علاقة بقية العملات هذه مع المركز إلا أنها في النهاية تعود لتبقى ضمن مدار شبه ثابت حول المركز.
ولكن عندما تبدأ العملة المركزية بإظهار الضعف مرة تلو الأخرى عن القيام بدورها وحفظ التوازن بين بقية العملات الأخرى فإن النتيجة الحتمية أن هذه العملات سوف تبحث لنفسها عن مركز جاذبية جديد في عملة أخرى تجعلها هي المركز. ونشأ الدولار الأمريكي على أنقاض نظام نقد تقليدي كان يعتمد الذهب محوره الرئيسي وتقاس قوة أي عملة بحجم ما يملكه البنك المركزي من الذهب، ومنذ ذلك الحين تم تسخير كل الظروف الاقتصادية والسياسية العالمية في خدمة هذا النظام وليبقى الدولار هو عملة الكون المركزية الوحيدة بلا منازع خلال عقود عدة، إلا أن متغيرات التاريخ التي استجدت وما زالت تستجد قد بدأت في النقص من هذا الدور.
منذ البداية تمت تسمية عملات رئيسية إلى جانب الدولار وكانت معدودة على الأصابع مثل الين الياباني والجنيه الاسترليني وبعض العملات الأوروبية (قبل توحيدها في عملة اليورو)، بالإضافة إلى لائحة محدودة أخرى من دولار كندي وأسترالي ونيوزيلندي، كما وضعت بقية عملات العالم الأخرى ضمن لوائح تعرف بدرجة أقل من الأهمية لأن قوتها الذاتية كانت أضعف من القائمة الأولى، فقوة العملة في اللائحة الأخيرة يجب أن تستمد قوتها دائما من ثبات سعر صرفها مع الدولار. وعلى الرغم من سلاسة ذلك النظام فانه حتى دول تلك العملات التي عرفت بأنها رئيسية لم تكن راضية أبدا عن تفرد الدولار بالقيادة لأنها كانت تدفع ثمنا ما لذلك.
أدركت العديد من الدول في وقت مبكر أن ذلك النظام النقدي ليس أبديا وبدأت تبحث في وقت مبكر عن البديل في تكتل آخر. فاجتمعت عملات الدول الأوروبية كلها لتنصهر في عملة واحدة هي اليورو، وهذا ما أدى إلى انخفاض عدد العملات التي تدور حول الدولار وحدث من ذلك الحين خلل واضح في نظام النقد العالمي وأصبحت المعادلة الجديدة هي أن هناك عملتين في العالم تتنافسان ولو شكليا على الدور المحوري، وإذا كان من قول إن اليورو ليس بالقوة لينافس الدولار فإن اليورو يستمد قوته من ضعف الدولار.
يلاحظ المراقب لسوق العملات أن هناك علاقات ثنائية بين العملات الرئيسية وحتى الأقل أهمية منها بدأت تتشكل خارج محور الدولار فأصبح ليس بالضرورة دائما أن تمر العلاقة بين عملتين مهما تباعدت المسافة بينها عن طريق الدولار، وهذا كله ينبئ بأن محاور جديدة بدأت تنشأ بالفعل بعيدا عن الدولار في طريق البحث عن نظام جديد لن يكون الدولار بالتأكيد هو مركزه.
وضمن الأهداف نفسها وجدنا أن هناك محاولات حثيثة تتجه نحو اختراق الدولار والبحث عن بديل آخر، ومن تلك المحاولات ما باء بالفشل حتى الآن مثل محاولة إيجاد بديل لنظام تسعير النفط بالدولار، ومحاولات أخرى ما تزال قائمة في استبدال الاحتياطي المركزي أو جزء منه بالذهب أو بعملات أخرى مثل اليورو، وفي هذا الاتجاه وجدنا عملات كانت تعد في هامش القائمة سوف تأخذ تدريجيا مكانة جديدة.
التأثير لن يكون سريعا فالسنوات المقبلة ربما تشهد إعادة ترتيب لائحة العملات العالمية وتراجع عملات كانت تعد رئيسية، وتبين أيضا أن الكثير من الدول في بقية لائحة العملات بدأت تبحث عن بديل احتياطي غير الدولار فمنها من اتجه نحو الذهب ومنها نحو اليورو أو بسلة منوعة، أما في العملات التي ترتبط مباشرة مع الدولار، فقد لا يكون الخروج من هذا الارتباط سهلا ولكن من الحكمة إعادة توصيف هذه العلاقة بطريقة تعطي القيمة الفعلية للعملة عن طريق رفع قيمة الصرف مقابل الدولار.