₪♥₪ الشعر بمفهوم القصيد الحداثي ₪♥₪
حاولت جهد نفسي أن أحتويكم اليوم بما هو مختصر وبما
هو مفيد ، وبما هو يليق بمقامكم الكريم ، ليتمتع به عشاق
الشعر ، مختصراً مما كنا نقرأ لكثير من الشعراء ، وكثيراً من آراء
لشعراء أسطرهم التاريخ والحرف والبشرية
ما هو الشعر :-
في مفهوم ما قرأت ومن طموحات ما استمعتُ إليه ،
لا يمكن أن يكون الشعرَ مَعْلَماً تراثيا أو سياحياً يقول لكم
أين يسكن ، وفي أي منزل يقيم ، أو في أي مطعم يجلس ،
وليس من مقاصد الحديث أن يكون كتاباً في الطهو للسيدات
الفاضلات ، يشرح لهنَّ كيف تُخلط أربع ملاعق من السكر مع الحليب ،
وليس من مفهوم الحديث أن يكون مرجعا للحقيقة أو السحر ،
وليس هناك في مفهوم البوليس معلوماتٌ أكيده عن أماكن تواجده ،
ولا في التشريعات ، حتى أن قانون الجزاء لا يوجود به أي تشريعٍ لهُ ،
فهو حالةٌ خاصة واستثنائية .
الشعر هو :-
1:- الشعر هو هذه اللغة ذاتَ التوتر العالي ، التي تلغي
كلَّ لغةٍ سابقة ، وتعيدُ صياغتها من جديد .
2:- الشعر هو الكلام المجنون الذي يختصرُ كلَّ شيء ، والفوضى
التي تختصرُ كلَّ النظام الممنوع .
3:- الشعر هو ذاكَ الانقلاب الحضاري الناجح ، الذي تقوم بهِ
البشرية ضد نفسها ، دونَ عنف ودون دماء .
4:- الشعر هو ذاكَ الفن الخارجُ عن القانون .
5:- الشعر هو ذاك الزلزال الاستثنائي والحضاري ،
الذي يأتي ويرحل ، تاركاً وراءهُ قمحاً ... وورداً ... وعناقيد من العنب .
6:- الشعر هو تذكرة السفر التي تسمح لنا بالتجول داخل
أنفسنا ، واكتشاف أقاليم لم يسبق لنا أن اكتشفناها .
7:- الشعر هو هذهِ الحروف وهذه السطور
وتلكَ اليد المدهشة ، التي تعيد تشكيل الزمن .
8:- الشعر هو حفلة الألعاب النارية التي تشعل الماء ، وتشعل
الشجر ، وتشعل ألحظات واللاعبين والمتفرجين .
9:- الشعر هو تلك الوصفة الطبية ، التي نجهل تركيبتها ، والتي
إذا تناولناها لمّ يعُد تنفسنا طبيعياً ، ولا نومنا طبيعياً ،
ولا تخطيط قلبنا طبيعاً
10:- الشعر هو الجنون الوحيد الذي لا تستطيع الحكومة أن
تأخذك بسببهِ إلى مستشفى الأمراض النفسية ، ولا تستطيع
أن تتركك مع المجتمع .
ما هيَّ القصيدة :-
• القصيدة بتصوري طعنة جميلة لا تعلم من أين تتأتى ، تختلف
عن كل الطعنات ، طعنة ينزف منها اثنان .
• * القصيدة عمل تحريضي من الطراز الأول ، وليست
كرسياً هزازاً يساعدعلى الارتخاء ، ليجلب النعاسْ .
• * القصيدة ليست حبة فاليوم ، ولا هيَّ بجهاز تكييف ،
ولا بمخدة من ريش العصافير .
• * القصيدة ليست مضيفة طيران لتأمين راحتكم ،
بل على العكس محل إقلاق راحتكم .
شعراء قصيد الحداثة هل سيلغو ما هو قديم :-
من الخطأ الكبير أن نتصور بأن الجديد قد يرتكب جريمةً ليلغي
القديم ، فمثل هذا التصور سيسجل التاريخ مقبرة ، يكون الكفن فيها هو الحرف
والسكنات والسطور لهؤلاء العظام من الشعراء .
أن الحداثة طابورٌ جميل جداً ، يقف فيهِ الشعراء في أمكنتهم التي يحددها لهم
الزمن ويحددها لهم التاريخ ، ولا يمكن في هذا الزمن ولا في هذا التاريخ
أن يتخطى أحدٌ على أحد ْ ، ولا يأخذ أحدٌ مكان أحد ، بلْ كلٌ سيحدد له مكانه من
خلال الزمن والتاريخ .
الشاعر العظيم لا يتأتى من العدم ، ولا من المصادفة ، فالمصادفات قد
تحدث على طاولة القمار ، ولكنها لا تحدث في الشعر .
وليس الشاعر هو من يقرر أنهُ عظيم ، أو حديث ، أو خطير ، فعظمة الشاعر
أو حداثتهِ أو خطورتهِ يقررها الوجدان العام ، وتحكم بها محكمةٌ
شعبية لا تقبل الرشوة ولا الإبتزاز .
قصيدة النثر :-
قصيدة النثر هيَّ مصطلحٌ جديد لمفهومٍ قديم ، إنها موجودةٌ منذُ الأزل ،
منذُ أن أدرك الإنسان ، أن العبارة الواحدة ممكن أن تقال بعشرات الصيغْ ،
ولها عشرات الاحتمالات ، واحتمالات الكلام لا نهائية ، ومن هذه الإحتمالات
( قصيدة النثر ) والتي نجد لها أصولاً في الكتب السماوية ، كما في
سورة ( مريم ) وسورة ( الرحمن )
وفي ( قصار السور القرآنية ) ،
كذلك نجدها في نشيد الأناشيد ، وفي المزامير .
قصيدة النثر ليست غريبة عن ميراثنا ، ولا عن ديناميكية اللغة العربية ،
التي تتفجر بملايين الاحتمالات .
وفي هذا العصر المتطرف بملايين الليبرالية ، وغضبه ، وتطرفه ، وملله ،
وتحولاته ، تبدو قصيدة النثر كأنها الجوابُ المناسب لما يريدُ العصرُ أن يقولْ .
ومن خلال كل ما يلم بنا من حقبة ، لا أرى إلا أن تكون قصيدة النثر ،
هيَّ في هذا الزمن الأكثر شجاعةً والأكثر حرية .
موسيقى قصيدة النثر :-
موسيقى الشعر هيَّ البحر بشكلهِ المطلق ، أو الماء بشكله
المطلق ، والأوزان هيَّ عناصر في تركيب الماء ، ولست كل الماء .
موسيقى الشعر هيَّ شيءٌ أكبرُ من الوزنِ والبحر والقافية ،
والذين يتصورون أن علم العروض هو ضابطُ الإيقاع الذي لا يتعبْ ،
ولا يشيخ ، ولا يتقاعد ، ولا يسمح لأي من الموسيقيين أن ( ينفرد )
أو يجتهدْ ، أو يتجاوز النغمة الأساسية ، يريدون أن تبقى الموسيقى
في مرحلة الـ ( دوم تاك تك ) مرحلة التخت الشرقي .
ما أراه هو أن قصيد الحداثة في نظري ، سوى مجموعة من الاجتهادات ،
أغنت الشعر العربي وجملته ، أن القصيدة الحرة هيَّ اجتهاد ،
وقصيدة التفعيلة هيَّ اجتهاد ، وقصيدة النثر هيَّ اجتهاد ، ولا يجوز لنا
أن نطلق الرصاص عليها ، بتهمة الخيانة العظمى ، أو بحجة أنها تقولُ كلاماً
ليسَ لهُ سندْ ، أو شبيهاً في كتب الأولين .
فن الشعر : -
أنا لا يهمني ماذا يقولُ الشاعر بقدر ما يهمني كيف يقولهُ ، فكل
شعراء العالم ينفعلون بنفس الطريقة ، ولكلٍ منهم طريقة الخاصة في الإلغاء ،
إن فنَّ الشعر هو أولاً وأخيراً ( طريقة عرض ) والشعراء الذي لفتوا نظر الدنيا إلى
شعرهم ، هم الشعراء الذين عرضوا عوالهم الداخلية ، بطريقةٍ متفردة
واستثنائية .
هل ممكن إلغاء الوزن والقافية :-
القافية هيَّ الإشارة الحمراء ، التي تفاجئ السائق ، وتضطرهُ إلى
تخفيف السرعة ، أو التوقف النهائي ، بحيث يعود إلى نقطة الصفر ،
ومثل هذه الوقفات المباغته وغير المتوقعة ، تؤثر بغير شك على حركة
السائق ، وأعصاب السائق ، وسلامة المسافرين .
هذا لا يعني من إلغاء أواسقاط القافية أو الوزن ، أو لأحد الحق في العيبُ بها
، كما يعيب هناك الكثير على القصيد الحر ، وإنما نرى أن تكون القافية
موقفاً اختيارياً ، فمن أراد أن يتوقف عندها فله ذاك ، ومن أراد أن لا يتوقف فله
أن يواصل رحلته ، ولن يأخذه أحدٌ إلى السجن .