۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
امرؤ القيس

عضو مبدع  عضو مبدع
امرؤ القيس


الجنس : ذكر
العمر : 39
الموقع الفلاة الواسعة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 288

▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒ Empty
مُساهمةموضوع: ▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒   ▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒ Icon_minitimeالجمعة 11 نوفمبر 2011, 8:46 pm



▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒



İ– ملاحظات تمهيدية

الإيقاع اتفاق الأصوات وتوقيعها في الغناء، أي بناء، ألحان الغناء على مواقعها وميزانها . يقول ابن منظور في اللسان:"الإيقاع، من إيقاع اللحن والغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها، وسمى الخليل رحمه الله كتابا من كتبه في ذالك المعنى كتاب الإيقاع "[1] ويقول الفيروزأباذي في القاموس المحيط :" والإيقاع إيقاع ألحان الغناء، وهو أن يوقع الألحان ويبينها"[2]. ويقول ابن سينا في كتاب الشفاء: " الإيقاع، من حيث هو إيقاع، هو تقدير ما لزمان النقرات، فإن اتفق أن كانت النقرات محدثة للحروف المنتظم منها كلام كان الإيقاع شعريا "[3].

فالإيقاع، إذا، مصطلح موسيقي استخدم مجازا للنظام الصوتي اللغوي، باعتبار توافق العناصر الصوتية والزمانية، وضوابط الانتظام قبل أن يرقي إلى مستوى المصطلح ... وفي تعريف ابن سينا له ما يدل على أنه قد أصبح حينئذ مصطلحا للنظام الصوتي الشعري، الإيقاع الشعري، كما هو مصطلح للنظام الصوتي الموسيقي: "تقدير ما لزمان النقرات."

ويركز ( جان كانتينو) في تعريفه على المسموع :"تردد ارتسامات سمعية متجانسة بعد فترات ذات مدى متشابه"[4]. وبينما لا يبعد أبو ديب البعد المسموع المتأتي من الوزن، فإنه يركز على الحركة الداخلية التي لا يحسها إلا المتلقي الحاذق ذي الحساسية المرهفة، فهو " حركة داخلية ذات حيوية متنامية تمنح التتابع الحركي وحدة نغمية عميقة عن طريق إضفاء خصائص معينة على عناصر الكتلة الحركية، تختلف تبعا لعوامل معقدة "[5]. ولعل هذه " العوامل المعقدة " هي ما جعل الآراء تتضارب حول ما صدقاته، فالبعض يراه يشمل الوزن الذي " هو كل ما يمكن تنميطه من ضروب الإيقاع وما بين النصوص أنه ينظم مجموعات كبيرة منها، ويتحكم في جميع الوحدات الكلامية في النص الواحد "[6] إلى جانبا الإيقاع غير المرتبط بالوزن القائم على "المادة الصوتية الموظفة في النصوص الشعرية توظيفا متنوعا من نص إلى آخر، بل من موضع إلى موضع آخر، في صلب النص الواحد أيضا، وهو الذي يلاحظ من خلال تكرار الحروف والمفردات والجناس و الطباق، وتوازن الجمل، وتوازيها "[7]، غير أن من الباحثين من أقصى الوزن وموسيقى الحشو من الإيقاع، ومحضه للجوانب غير الصائتة من وسائل الانتظام و الحركة في القصيدة، أي النسق الداخلي المتحكم في تناسق الكلام، وهناك من لم يخرج الجانب الصوتي تماما، ولكنه يعتبره ثانويا، ويعتبر أن عناصر الإيقاع الأساسية هي المتعلقة بأنساق الحركة و المعني و الفكرة و المضمون، أي إيقاع الفكرة، ونظام النقط، ومحلات البياض .

على أن الكثير من الدارسين يحصر الإيقاع في النظام الصوتي المتمثل في نظام الأوزان، وفي موسيقي التكرار، ويسمي البعض نظام الأوزان موسيقي خارجية باعتبار أنها مقننة خارج نص بعينه، ويسمي نظام التكرار موسيقي داخلية باعتبار أنها تتحدد داخل النص، وليس ضابط يضبطها خارجه . ويعكس البعض الآية فيسمي الأولى موسيقي داخلية باعتبار أنها شيء يحس به داخل السطور، وليس شيء يتمظهر في حروف أو كلمات، أوصيغ أتراكيب لها مظهر خارجي . وفي هذا المنحي الذي يحصر الإيقاع في البعد الصوتي يسير التعريف القائل :"إن الإيقاع توظيف خاص للمادة الصوتية في الكلام، يظهر، في تردد وحدات صوتية في السياق على مسافات متقايسة بالتساوي أو بالتناسب لإحداث الانسجام و على مسافات غير متقايسة أحيانا لتجنب الرتابة "[8]، فالصفة الجوهرية إذن في الإيقاع حسب هذا التعريف هي "الصوتية "، ثم الانسجام، الانسجام الذي يحكم التنوع، حتى لا يسقط الإيقاع في الرتابة، وتسمي هذه الوحدة الصوتية بالنواة الإيقاعية، وهي" صفة جوهرية، أو ثانوية في صوت أو مجموعة أصوات مطابقة للوحدة الدالة الدنيا أو غير مطابقة "[9]، وقد تكون "نغمة مسموعة من توالي المفردات المكونة لتراكيب مخصوصة "[10] . والحالة الأخيرة غير مقيدة بضوابط النص ولا مقننة. ويجد الإيقاع في مستويين:

مستوي المسموعات: ويوجد في مستوي موسيقي الإطار، وتتجلى في الأوزان والقوافي، وفي مستوى موسيقي الحشو غير المقننة التي تقوم على خصائص الصوت المعزول عن الإطار الدلالي، وخصائص الأصوات المحصورة في الإطار الدلالي، كالترديد والتكرار والجناس ... وخصائص الإطار الدلالي الموسع، وضروب التقطيع التي يقوم عليها، وخصائص القافية والترصيع "[11].

مستوي الملموسات: وهو القائم على عنصر الحركة في النص،أي النسق الداخلي المتحكم في تناسق الكلام من حيث الحركة والمعني والفكرة والمواءمة بينها، وجمع النظائر والأضداد. وما يولده من صرا ع، واللعب بالكلمات والأفكار تبعا للإظهار والإخفاء .

والإيقاع قد تكون نواته "الإيقاعية صفة جوهرية أو ثانوية في صوت، أو مجموعة أصوات، مطابقة لجملة أصوات الوحدة الدلالة أو غير مطابقة، كما قد تكون نغمة مسموعة من توالي المفردات المكونة لتراكيب مخصوصة...وهو عمل النص تحس به النفس ويقننه الدرس"[12]. وبذلك فإن هذه الحركة لابد أن تتمظهر في نغمات تولدها اللغة عن طريق توالي المفردات المكونة للتراكيب، ويمكن تصنيفها إلى أصناف أربعة:

- اثنان منها يتعلقان بنسق الخطاب ومتوالياته، النحوية، يربط بينهما أنهما يقومان على المقابلة التي تولد إيقاع الفكرة، هما:

1- الحركة: وهي: وضعية المتقابلين في سياق واحد ونظام واحد، من حيث تحركهما في اتجاهات معينة ".[13]

2- التوتر: وهو: مقابلة احتفظ فيها كل من المتقابلين بمنزلته ضد الآخر، فلم ينزع المتقابلان في تحركهما إلى الالتقاء، والجمع بينهما في سياق واحد يكون لغاية إبراز التوتر في علاقتهما .

-أما الصنفان الآخران فيقومان على فضاء النص وطريقة كتابته، وهما:

3- علامتا الترقيم اللتان تشيران إلى تمفصل سيكولوجي ونحوي في آن معا، ويوجد بينهما تدرج، فالنقطة تسجل نهاية الجملة أي نهاية مجموع يمكن أن يوجد منفصلا لأنه يحمل معنى كاملا في نفسه، أما الفاصلة فإنها تفصل بين مجموعتين لا يمكن أن توجدا منفصلتين و لكنهما تتمتعان مع ذالك بقدر من الاستقلال .[14]

4 – محلات البياض ... والبياض هو العلامة الطباعية للوقفة أو السكوت، وعليه فهو علامة طبيعية إذ غياب الحروف يرمز بالطبع إلى غياب الصوت .[15]

وبعكس علامتي الترقيم وحتى علامتي التنغيم : إشارتي الاستفهام والتعجب ( ؟ ! ) التي هي حديثة العهد، فإن محلات البياض ملازمة للشعر قديما وحديثا، فالوقفات العروضية التي سنتحدث عنها في العروض باعتبارها توقفا عن النطق، إنما يعبر عنها البياض الفارغ، في البيت وبعده، والبيت نفسه محدد بالفراغ قبله وبعده، وأحيانا في منتصفه، والموشح يحدده تنظيم البياض الفاصل بين أجزائه، وفي الحديث، يحد الفراغ بين المقاطع تقاسيم النص. غير أن جانبا آخر مهما من هذا الإيقاع يقوم على لعبة النص، يتجلى في لعبة الإظهار و الإخفاء الملازمة للشعر قديمه وحديثه. يقوم هذا الجانب على الإظهار المرتكز على سيرورة الكلمة من دلالتها الأساسية إلى دلالتها السياقية الحافة التي، وإن كانت ثانوية في المبتدأ، فإنها بفعل الاستعمال، قد تظهر على الأولى حتى تحجبها، فتنفصل الكلمة عن دلالتها المعروفة لتدخل في دلالة متموجة غير محددة المعالم. ويقابل الإظهار المحو الذي هو الحد الأقصى للإظهار، فبقدر ما تظهر الدلالة الحافة الثانوية أصلا للكلمة، تتراجع الدلالة الأصلية الأساسية لها، حتى تمحي امحاء، فننسى المعنى الأول برمته.

والعنصر الثالث من هذا الجانب من لعبة النص يتمثل في الحذف، والحذف منه مخبر به بواسطة نقاط الحذف الثلاث، أو نقاط الاسترسال، ومنه ما هو غير مخبر به، كما في حذف الفعل أو المنفي، وقد يكون الحذف ملتبسا بحيث يعسر أن نركن إلى تأويل حاسم له، كما يكثر في الكتابة الجديدة، ففي سطر من قصيدة أدونيس: هذا هو اسمي، يقول:

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ...[16] .

فلا يمكن بأي وجه من الوجوه أن نحسم الرأي في أمر فاعل (تدور)، هل هو( أرض)؟ أم هو (أعضاؤك)؟ فهناك حذف ملتبس مثير، وهو أمر يكثر في الشعر المعاصر. وهي لعبة تكثف إيقاع النص تكثيفا قويا يعتمد على صراع الأفكار وتوترها.

كل هذه العناصر وغيرها تسهم في نسيج الشبكة الإيقاعية المتعددة الأبعاد التي تكون شعرية الإيقاع التي يخلقها الشاعر دون وعي منه، وقد يتمكن الناقد من اكتشاف بعض عناصرها البارزة، اعتمادا على خبرته، وقدرته على القراءة، وتوفره على الزاد المعرفي الكافي.

ولئن تضاربت الآراء حول الإيقاع فانحصر عند البعض في الوزن دون غيره، وتعداه عند البعض الآخر، فضم إلى الوزن كافة الظواهر الصوتية الأخرى، ثم اتسع عند آخرين ليضم إلى كل الظواهر المسموعة، ظواهر أخرى ملموسة، أي أنواع الحركة الداخلية النفسية غير المسموعة المتعلقة بالصراعات بين الأفكار، بل وانحصر عند بعض رابع في هذا النمط الأخير غير المسموع، على نحو ما فصلنا في الصفحتين السابقتين، فإن الجميع متفق على أن الإيقاع من أركان الشعر، وقد سبق في فصل سابق يتعلق بتعريف الشعر أن بينا أن المنظِّرين العرب يتفقون بدون استثناء، على أن الوزن سمة قارة من سمات الشعر، ولئن لم يركز الرومانسيون والرمز يون على البعد الإيقاعي الصوتي بصورة خاصة، فإن المتأثرين بالمدارس اللسانية الحديثة يتفقون على الإلحاح على اعتبار العنصر الإيقاعي الدال الأكبر والعنصر الأبرز من مكونات الشعر، فالنص الشعري عند كافة هؤلاء هو أنظومة من الأوزان تتولد من قاعدة اتحاد وانسجام بين مختلف مستوياته، ويشكل العروض الجانب الأبرز في الشعرية، ويقوم على مبدأ أوزان البحر التي تعمل على تعزيز التشاكلات في المستويات الصائتة: (القوافي، تكرار الحروف، الجناس، وغيرها)، وفي المستويات النحوية: (التوازي...)، وفي المستويات الدلالية: (الاستعارة...).

والقصيدة المعاصرة نعني بها ذلك النص الشعري الذي أسسته – انطلاقا من بيروت منذ أواخر العقد السادس من القرن العشرين- رؤية رومانسية رمزية ابتدأت باعتبار الشعر هندسة أصوات يعمر بها الشاعر في نفوس الآخرين عالما يشبه عالمه الداخلي، بغية تحفيز الطاقة الثورية الشعورية لديه ودفعها إلى ممارسة عملية التحرر الاجتماعي السياسي، وبانحسار في استعمال الأشكال الشعرية العربية المهمشة قديما، وتزايد في استخدام الأشكال والإيقاعات والصور المقتبسة من الشعر الأوروبي، خاصة الشعر الحر، والقصيدة النثرية. ولم تلبث هذه المرحلة أن تحولت إلى تيار رمزي جارف يقوم على اعتبار الشعر كتابة إبداعية مادتها اللغة، وهذه الكتابة هي عمل تجريبي ينحت في اللغة، ليخلق منها كيانا يختلف عن لغة التداول وعن لغة المنطق السببي، يتفاعل فيه العقل بالتداعي الحر، وتيار الأحلام، ويرمي إلى خلق فاعلية جمالية مبتكرة تستطيع تغيير الطرق في التعامل مع اللغة والموروث اللذين يتحكمان في إدراكنا للموضوعات ووعينا بها، من أجل طرح الأسئلة التأسيسية الأكثر صميمية لفهم أبعد وأعمق للإنسان والكون، وبالتالي تحرير الطاقات تحريرا شاملا يقوم على الطاقتين الباطنية اللاشعورية، والاجتماعية الشعورية معا، أي الحيوية الذاتية والثورية الاجتماعية.

وانعكست هذه الرؤية فنيا، في البحث عن أشكال وإيقاعات وصور جديدة مختلفة عما هو متداول، فاستحدثت أشكالا وإيقاعات وصورا متحولة، من أبرز لحظاتها في الأشكال لحظتا القصيدة الشبكية، وملحمة الكتابة، واعتمدت في إيقاعها على الحركة الداخلية للنص وعلى البعد الدرامي. واعتمدت في الصورة على المجاز التوليدي الرمزي.. واتخذ هذا البحث مصدرا له التراث الشعري والنثري، والديني والأسطوري، العربي العالمي، وتوليد أشكال وإيقاعات وصور جديدة مختلفة عن كل هذا.. وهي مرحلة مرجعها النظري وثيق الصلة بالرمزية الفرنسية، كما تأسست عند (بدلير) و(ملارميه) وغيرهما.

وباعتبار الظاهرتين الأبرز دلاليا في أسلوب النص الشعري هما: الإيقاع والصورة، فإننا سنتفحص هذا التحول الأسلوبي الجديد من خلال دراسة التحول الذي عرفته الظاهرة الأولى: الإيقاع، في لشاعرين معاصرين حملا راية هذا التحول الجديد تنظيرا، وسعيا إلى تطبيق ما دعوا إليه في نصوصهما الإبداعية.

ورغم أننا صنفنا الإيقاع إلى سمعي، وحركي لمسي بمعنى ما، باعتبار الحركة عنصرا غير مسموع، وإن كان ذلك محل نظر، لأن الحركة النفسية غالبا ما تتمظهر في شكل لغوي بطريقة أو بأخرى، فإننا ـ وإن قبلنا إجرائيا هذا التقسيم: إيقاع صوتي يضم قسمين هما: أ-العروض والقافية والوقفتان، ب- موسيقى الحشو. ثم إيقاع حسي يتجسد في الحركة النفسية للأفكار.- سنجد أنفسنا مضطرين منهجيا، إلى تقسيم القسم الأول إلى قسميه: أ-العروض والقافية والوقفتان، ب- موسيقى الحشو، وبالتالي سنعالج الموضوع – بعد ضبط مدونته التي سنستنطق - في ثلاث فقرات تترتب كما يلي:

أ-العروض والقافية والوقفتان،

ب- موسيقى الحشو.

جـ- موسيقى الأفكار: حركة النص.

İİ- المدونة والتحليل:

İİ- أولا/ المدونة:



نعالج فيما يلي المظاهر الإيقاعية في ستة نصوص مختارة من المرحلة الثالثة من مراحل تطور القصيدة العربية الحديثة للشاعر الناقد السوري علي أحمد سعيد الملقب أدونيس(ولد.1930) والشاعر الناقد المغربي محمد بنيس(ولد.1948)، ونورد فيما يلي طوالع هذه النصوص الستة، والطوالع هنا ستكون المقطع الأول، أو جزءا منه إن كان طويلا، وهي على التوالي:

النص الأول: اللؤلؤة: لأدونيس، (الوزن فاعلاتن. القافية: متواتر. الروي: متنوع، 34 سطرا)

كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي.

كيف أمضي نحو تهيامي وصوتي، كيف أصعد؟

لست إلا نهرا يرفضُّ، يخبو، يتوقد

غامرا لؤلؤة الكون الخفية

لابسا وسوسة الشمس،

وإلا

حلما-

أني حمى نبويه ...[17]

النص الثاني: هذا هو اسمي: (المقاطع الأولى الثلاثة: أدونيس. الوزن: (فاعلاتن + مستفعلن) القافية: غير مقفاة، 24 مقطعا.

ماحيا كل حكمة هذه ناري

لم تبق آية - دمي الآية

هذا بدئي

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك

نيل يجري طفونا ترسبنا تقاطعت في دمي قطعت

صدرك أمواجي انهصرت لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل

هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ صرخة تعرج المدينة

والناس مرايا تمشي إذا عبر الملح التقينا هل أنت؟ [18]

النص الثالث: سيمياء (المقطع الأول): أدونيس. منثور (الجزء الثالث من مفرد بصيغة الجمع).

سيرى أيتها الحقول، بخطوات من القش

اخلع قميصك أيها الجبل

الضوء يعبر وتعبر حشراته

الأدغال تعبر

وتعبر خواصر التلال... [19]

النص الرابع: موسم النيل: محمد بنيس. الوزن: (فاعلن، فاعلاتن، فعولن، متفاعلن)، لاقافية، 7 مقاطع.

1

هل هذا الماء ردائي

في شطحات السامق يسأل نخلته

وترافق كفي

أصداء ندوب نهضت من بدني

تصعد

يا أيتها النخلة من علمني

كيف أحيل

الخوف يقينا

بين عواصف ذاكرتي وعظامي

من ذاك بوجهي يرحل هذا الآن... [20]

النص الخامس: من ورقة البهاء: محمد بنيس، الوزن: (7مقاطع) (فاعلن، متفاعلن. فعولن)، لا قافية.

يكلمني نورس من مساء بعيد على

هيئة الخيزان عن الذاهبين معي

لجنوب الغواية مندفعين بحبر تسيل

عذوبته شعلا منصتين لماء سبو لم

تقم بيننا حجة هو هذا المساء له أمم

تتآلف في جرس تتحدر من يقظة

الورقات جداول آبقة تتوجس ساعتها... [21]

النص السادس: قطوف: محمد بنيس، الوزن: متفاعلن. القافية: نادرة 31سطرا.

وتكون من صمت

قطوف سلالة

الأصداء

تأتي الواشمات الشاحبات

تأتي الزائرات بريحهن

الحشرجات

السيدات [22]

***

تشترك هذه المجموعة في ظاهرتين تميزانها هما:

ـ التخلص التام من قالب البيت.

ـ حضور النثر إلى جانب النظم أحيانا.

وهي نصوص تختلف في الطول والقصر: فالنصان 1و3 قصيران نسبيا. والنصان 2و4 كلاهما مقتطع من نص مطول يشكل ديوان شعر بكامله ويمتاز النص 1 بالالتزام ببحر واحد وزنا. كما يمتاز النص 3 المقتطع بالنثرية الخالصة، وإن كان النص الأصل لا يخلو من فقرات موزونة. ويمتاز النصان الأخيران كلاهما باستعمال بحور مختلفة الأوزان عبر النص الواحد، وبوجود بعض الفقرات المنثورة الخالصة من الوزن، وبصعوبة التمييز بن الموزون والمنثور أحيانا.

وفيما يلي نعالج كل نص على حدة:



İİ-ثانيا: التحليل:

İİ ــ 2-1- موسيقى الإطار:

İİ ــ 2-1-1- الوزن:

النص 1- اللؤلؤة لأدونيس. وهو موزون بكامله في تفعيلة البحر الرمل (فاعلاتن --ب-)، وقد جاء النص في 34 سطرا متفاوتة الطول على النحو التالي: 13سطرا من تفعيلة واحدة 10 أسطر من تفعيلتين اثنتين، 07 أسطر من ثلاث تفعيلات، 04 أسطر من أربع تفعيلات، أي ما مجموعه 70 تفعيلة، وقد جاءت هذه التفعيلة على ثلاث صور: (فاعلاتن-ب (-- الأصل، تواترت 41 مرة بنسبة 58.57%. فعلاتن المخبونة ب ب (--تواترت 28 مرة، بنسبة 40% فاعل المقطوعة (- -) ولم ترد إلا مرة واحدة، أي بنسبة 1.43% وهذه الأخيرة وردت في الحشو أي في غير الضرب بخلاف ما يجوزه العروض التقليدي.

النص 2- (هذا هو اسمى) لأدونيس موزون في تفعيلتي البحر الخفيف: (فاعلاتن -ب- -) (مستفعلن- - ب -) وقد جاءت المقاطع الثلاثة المدروسة (لا فتة) و(منشور سري(=2)) مدورة غالبا، غير مكتوبة بالبيت ولا السطر باستثناء حالات من ستة أسطر في المقطع الثالث.

وقد جاء عدد التفعيلات في هذه المقاطع 233 تفعيلة منها 127 أي نسبة 54.50% من نوع الأولى فاعلاتن بصغتيها التامة والمخبونة: التامة 56 أي 24% من المجموع والمخبونة فعلاتن ب ب 71 -- تفعيلة أي نسبة 30.47% أما الثانية مستفعلن --) ب (- فعددها 106 أي 45.49% منها تامة 77 أي نسبة 33% ومنها مخبونه (متفعلن ب-ب- ) 29 تفعيلة، أي 12.44% من المجموع.

وتعتري كلا النفعيلتين أحيانا أعراض زيادة: ترفيل أي زيادة سبب خفيف (مقطع طويل) في فاعلاتن بصيغتيها فتصبح فاعلاتن تن (-ب (---وفي مستفعلن بصيغتيها فتصبح مستفعلن تن (--ب--) وتعتريها أحيانا أخرى أعراض حذف: فقد تقبض فاعلاتن فتصبح (فاعلات -ب- ب)، وقد تقطع فتصبح فاعلا(-ب-)، وقد تقطع ويحذف خامسها الساكن فتصبح فاعل(-ب ب)، أما مستفعلن فقد تقطع فتصبح مستفعل(- - -)، أو متفعل ب - -)، وقد يحذف وتدها بكامله فتصبح مستف (- -)، غير أن أعراض الحذف والزيادة في كلتا التفعيلتين نادرة، فنسبتها في الزيادة لا تتعدى 03.5% وفي النقص لا تتجاوز 12.87%. وهي أعراض تصنف في خانة العلة لا الزحاف حسب القواعد العروضية، ولكن النص في الغالب مدور، لذلك فهي هنا واردة حشوا، أي في حكم الزحاف. والزحافات أساسها الخبن في التفعيلتين إذ هو فيهما معا بنسبة 42.91% كما مر، ولم يعتر (فاعلاتن) غيره وقد اعترى مستفعلن زحاف الطي مرتين وزحاف الخبل أي (خبن + طي) مرة ... فهناك إذن التزام بقواعد الوزن عام، وإن كان هناك إخلال يتعلق بتحويل العلة إلى زحاف.

النص 3- سيمياء (المقطع الأول) لأدونيس. وسيمياء هي الفقرة الرابعة من فقرات نص مفرد بصيغة الجمع وهو نص من الشعر المنثور في مجمله، أي أنه يعتمد في موسيقاه على أنماط من الإيقاع ليس بينها الوزن.

النص 4: موسم النيل: لمحمد بنيس. وهو نص استخدم عدة أوزان، وكتب بطريقة تختلف عن طريقة البيت العمودي والسطر الحر والمنثور في أغلب مقاطعه. وقسم إلى مقاطع سبعة، اشترك منها الأول والثاني والخامس، والسادس في استعمال تفعيلتين دون انتظام هما (فاعلاتن- ب- -) الرمل و (فعلن ب ب -) المتدارك، واستعمل الرابع الأخيرة (فعلن ب ب -) صافية. وانفرد الثالث باستعمال تفعيلة (فعولن ب - -) المتقارب. كما انفرد السابع بتفعيلة (متفاعلن ب ب ـ ب ـ) الكامل، وكان عدد تفعيلات كل مقطع على النحو التالي: الأول 82. الثاني90 الثالث35. الرابع 46. الخامس54. السادس57. السابع25 = 389. وهي ترجع إلى أربع تفعيلات بين ثلاث منها كثير من التشابه هي: فعلن. فاعلاتن فعولن، وتنفرد عنها متفاعلن، وقد وردت الأولى في 4 صور بينما وردت الثلاث الأخيرة كل منها في صورتين. وكان تواتر كل صورة على النحو التالي (فعلن) المتدارك وردت: (فعلن ب ب -)175 مرة أي بنسبة 63.17%. (فعلن - -) 93مرة بنسبة 33.57%، (فعل ب-) 04 مرات، بنسبة 01.44%، (فعل-ب) 05مرات، بنسبة 01.80%.

أما (فاعلاتن - ب - -) الرمل فوردت: (فاعلاتن - ب - -) السليمه 15 مرة، بنسبة 17.44%. و(فعلاتن ب ب - -)) المخبونة 71 مرة بنسبة 82.56%. ثم (فعولن ب - -) المتقارب. ووردت في أصلها (فعولن ب - -) 37مرة بنسبة 58.73% و(فعول ب-ب) المقبوضة 26 مرة بنسبة 41.27%. ثم (متفاعل ب ب-ب-) الكامل. ووردت في صورتها الأصلية (متفاعلن ب ب-ب-) 13 مرة بنسبة 52%. وبصورتها الفرعية المضمرة (متفاعلن- -ب-) 12 مرة.

النص5- مقاطع من (ورقة البهاء): لبنيس. وتتكون من تسعة مقاطع متمايزة خطيا، ومتفاوتة طولا وقصرا، وهي من نص مطول يتوخى طريقة الكتابة الإبداعية التي تسعى إلى الخروج عن تصنيف نظرية الأجناس، فيما يبدو، وهو في ظاهره أقرب إلى المنثور منه إلى الموزون المنظوم، ولكن الكثير من مقاطعه عند التحليل تقبل التصنيف في الأوزان الشعرية المعروفة، فالمقطع الأول من المقاطع المختارة موزون في تفعيلة المتقارب (فعولن ب --) وقد تكررت فيه صحيحة 15 مرة بنسبة 35.75% ومقبوضة (فعول ب-ب) 27 مرة بنسبة 64.29% أما المقاطع الثاني والرابع والخامس والسابع والتاسع ففي تفعيلة المتدارك (فعلن) التي وردت على صورتين: (فعلن - -) 147 مرة، بنسبة 43.62% (فعلن بب-)165 مرة بنسبة 48.96%، ثم صورتين نضمهما للمتدارك رغم أن إحداهما (فعلاتن ب ب --) هي في الأصل للرمل، ولكن بترفيل فعلن = (فعلن تن) تصبح (فعلاتن وكذلك (فعل ب -) هي أقرب إلى (فعولن) المتقارب المقطوعة (فعو) ولكن نظرا لتداخلهما مع (فعلن) وقلة تواترهما صنفناهما معها (فعلن تن ب ب --) و (فعل ب -): الأولى وردت 23مرة بنسبة 06.82% والثانية مرتان بنسبة 00.60%. أما المقطعان السادس والثامن فقد وردا في تفعيلة الكامل: (متفاعلن ب ب -ب-) وقد وردت في صورتها الأصل (متفاعلن ب ب -ب-) 11مرة بنسبة 68.75 %. وبصورتها المضمرة (متفاعلن- -ب-) 05 مرات بنسبة 31.25%. أما المقطع الثالث فكان منثورا خاليا من أي وزن منتظم.

النص 6- (قطوف لمحمد بنيس): نص قصير موزون بكامله في تفعيلة الكامل متفاعلن(ب ب – ب-)، وقد جاء في 31 سطرا أطول سطر فيها يتكون من ثلاث تفعيلاتن وجزء من التفعيلة وأقصر سطر فيها يتكون من جزء من التفعيلة.. وقد جاءت التفعيلة على ثلاث صور: متفاعلن(ب ب – ب-)، التامة وقد وردت في النص 18 مرة، أي بنسبة 37.50%، ثم متفاعلن المضمرة(- – ب-)، 28 مرة أي بنسبة 58.33% ووردت هذه الأخيرة بزيادة سبب خفيف في البداية (- - -ب -)مرتين أي بنسبة 04.16% فالنص ملتزم بالوزن المعياري لتفعيلة الكامل، لم يخرقه إلا في هاتين الحالتين اللتين هما حالة واحدة مكررة، أضافت سببا خفيفا (مقطعا طويلا) في بداية متفاعلن المضمرة.. والعروض يقبل إضافة مثل هذا السبب ولكن بشرطين غير متوفرين هنا. وهما: أن يكون بعد الوتد المجموع أي بعد التفعيلة كلها. وأن يكون ذلك في الضرب، أي علة بزيادة.



ويبين الجدول رقم:1 هذه الأعداد والنسب بصورة موجزة.







النص
البحر
الوزن
العدد
الشكل
تواتر
التفعيلة
تقطيعها
تواترها
نسبتها%



فعلاتن

ـ ب ـ ـ
70
فاعلاتن
ـ ب ـ ـ
41
58،57

1
الرمل
من1
34


فعلاتن
ب ب ـ ـ
28
40،00



إلى4



فاعل
ـ ـ
1
1،43



فاعلاتن
3
ـ ب ـ ـ
233
فاعلاتن
ـ ب ـ ـ
56
24

2
الخفيف




فعلاتن
ب بـ ـ
71
30،47



مستفعلن
مقاطع
ـ ـ ب ـ

مستفعلن
ـ ـ ب ـ
77
33







متفعلن
ب ـ ب ـ
29
12،44

3
لاوزن
-
-
-
-
-
-
-
-



فعلن
7مقاطع
ب ب ـ
277
فعلن
ب ب ـ
175
63،17

4
المتدارك

لابيت


فعلن
ـ ـ
93
33،57



بتنويعاتها
لاشطر


فعل
ـ ب
4
1،44







فعل
ب ـ
5
1،80


الرمل
فاعلاتن

ـ ب ـ ـ
86
فاعلاتن
ـ ب ـ ـ
15
17،44







فعلاتن
ب ب ـ ـ
71
82،56


المتقارب
فعولن

ب ـ ـ
63
فعولن
ب ـ ـ
37
58،73







فعول
ب ـ ب
26
41،27


الكامل
متفاعلن

ب ب ـ ب ـ
25
متفاعلن
ب بـ بـ
13
52







متفاعلن
ـ ـ ب ـ
12
48



فعلن
9مقاطع
ب ب ـ
337
فعلن
ـ ـ
147
43،62

5
المتدارك
لابيت



فعلن
ب ب ـ
165
48،96



لاشطر



فعلاتن
ب ب ـ ـ
23
6،82







فعل
ب ـ
2
0،6


الكامل
متفاعلن

بـ ب ـ ب ـ
16
متفاعلن
ب ب ـ ب ـ
11
68،75







متفاعلن
ـ ـ ب ـ
5
31،25


المتقارب
فعولن

ب ـ ـ
42
فعولن
ب ـ ـ
15
35،71







فعول
ب ـ ب
27
64،29


الكامل
متفاعلن
48
ب ب ـ ب ـ

متفاعلن
ب ب ـ ب ـ
18
37،5

6





متفاعلن
ـ ـ ب ـ
28
58،33







متفا فاعلن
-ب---
2
4،16






ومن خلال عرض أوزان هذه النصوص الستة يتبين أن ثمة أصنافا أربعة فيها هي:

- صنف موزون في تفعيلة واحدة التزم بها النص، وإن كان قد يشطرها بين سطرين قد يكون أحدهما مستقلا دلاليا عن الآخر. كما التزم بالسطر المختلف الأطوال، واستعمل الزحافات التي يقبلها العروض المعياري دون حرج، واستخدمها بشيء من التناسب، ويتمثل هذا الصنف في قصيدة (اللؤلؤة) لأدونيس وقصيدة (قطوف) لمحمد بنيس.

- صنف استعمل تفعيلتين يلتزم بهما على نحو ما في البحر الممزوج مع استخدام بعض علل الزيادة والحذف حشوا. ومزج نمطي الكتابة: الشطر القائم بذاته، والكتابة المدورة، ويتمثل هذا الصنف في قصيدة (هذا هو اسمي) لأدونيس.

- صنف منثور خال من الوزن جملة كما في مقطع (سيمياء) لأدونيس.

- صنف يمزج في النص الواحد بين أوزان متعددة تنتمي إلى بحور مختلفة، ويخصص المقطع أحيانا لوزن واحد بينما قد تتداخل في المقطع الذي يليه أو يسبقه أوزان مختلفة وقد يكون منثورا جملة. ويمثل هذا الصنف نصا محمد بنيس: (موسم النيل) و(ورقة البهاء) وهما نصان تتداخل فيهما أشكال الكتابة- كما تتداخل الأوزان: السطر، المدور. المدرج، العمود الصحفي. الرسم... الخط بالحرف البارز... بالحرف العادي... بالحرف الدقيق...

ويتفق الشاعران هنا باستخدام المنثور والمنظوم، وإن ظل للموزون مركز الثقل، ولكن المنثور لم يعد مقابلا للشعر، بل أصبح نظيرا للنظم، يمكن أن يكون شعرا ويمكن أن يكون غير شعر، وإذا كان نزار استخدم الموزون والمنظوم متمايزين فإنهما هنا أصبحا يمتزجان ويتمايزان دون حرج.

والشاعران يتفقان في المستوى النظري على أن الوزن جزء من كل هو الإيقاع، وأنه يمكن أن يوجد نثر موزون، ونثر منثور، ويمكن أن يوجد شعر موزون وشعر منثور، وأنه يمكن - أو ينبغي - أن تتجاوز الكتابة الإبداعية التوقف عند حدود الأجناس الأدبية، وأن تشق لنفسها مسارا يتعالى على نظرية الأجناس، بحيث تتداخل فيه هذه الأجناس: سردية كانت أم غنائية أم ادرامية، نظمية كانت أم نثرية. وأن الكتابة الإبداعية بهذا المفهوم هي الشعر الحق. وهي كتابة قد يتداخل فيها الموزون والمنثور.

ولكنها ليست القصيدة الموزونة، وليست القصيدة المنثورة، بل هي كما يقول أدونيس "نثر آخر": "مزيج: شكل من الأفق الكلامي المتحرك يتسع لاحتضان عناصر كثيرة، من النصوص الأخرى التي تكتبها الأشياء، في العالم، أو تكتبها الكلمات في التاريخ، إنه بتعبير آخر خروج من قصيدة النثر إلى ملحمية الكتابة" [23]

وفي ذلك إقرار ضمني بأنها أقرب إلى القصيدة المنثورة منها إلى الموزونة. وذلك ما يدعمه الكاتب نفسه عند ما صرح بأن عمله (مفرد بصيغة الجمع) هو تجربة في هذا النثر الآخر وكما يبينه النص المقتطع (رقم3) السابق: (سيمياء).

هذه الكتابة "النثر الآخر" أو "ملحمية الكتابة" في رأي أدونيس أنها تختلف عن القصيدة النثرية في المقام الأول من حيث المصدر، فهي تستمد أصولها من التراث "الشعري" العربي مثل (الإشارات الإلهية) للتوحيدي، بينما تستمد القصيدة النثرية جذورها من التراث الشعري الأروبي.

ولئن كان نص سيمياء لأدونيس قابلا تلقائيا للتصنيف في خانة النثر دون نزاع فإن نصي بنيس 1و2 يصنفان تلقائيا في خانة الموزون، مع الاستثناءين المذكورين، ومع تعقيد الوزن وخفائه أحيانا، رغم أن الأخير منهما يمت بصلة كبيرة من حيث البناء والسياق إلى نص أدونيس مفرد (بصيغة الجمع) المذكور... على أن بنيس سبق أن تقدم، في القسم النظري، أنه يلح كثيرا على أن الأساسي في العملية الإبداعية أمران هما: عنصر المفاجأة الذي يتنافى مع انتهاج طريقة محددة سلفا، ثم البنية الدلالية، لا الإيقاعية، وخاصة من الإيقاعية -كما يقول- البنية الإيقاعية الخارجية المسماة بالعروض.

فالمحاولات الأربع هنا تستجيب لحد كبير للرؤية التي عبرت عنها النصوص النظرية للرجلين، والتي تتكامل فيما بينها ولا تتناقض عموما.

ويمكن أخيرا أن يلاحظ المرء في النصوص الخمسة الموزونة أن أوزان ثلاثة منها متقاربة فيما بينها رغم تعددها، فباستثناء مقاطع قليلة ومحدودة، وردت في النصين قبل الأخير في وزن البحر الكامل، فإن الأوزان الأخرى كلها تتشكل في الحد الأقصى من مقطعين قصيرين ومقطعين طويلين أو مقطع قصير، وثلاثة مقاطع طويلة. وفي الحد الأدنى، من مقطع قصير ومقطع طويل أو من مقطعين طويلين، أما النصان الثاني والسادس، فالأخير منهما يوافق المقاطع المستثناة، أي أنه في تفعيلة الكامل التي تتكون في الأصل من خمسة مقاطع ثلاثة منها قصيرة، أما الثاني فتفعيلتاه رباعيتان أي أن كلتاهما تتكون من ثلاثة مقاطع طويلة وواحد قصير أو من قصيرين وطويلين.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
امرؤ القيس

عضو مبدع  عضو مبدع
امرؤ القيس


الجنس : ذكر
العمر : 39
الموقع الفلاة الواسعة
التسجيل : 05/09/2011
عدد المساهمات : 288

▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒ Empty
مُساهمةموضوع: رد: ▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒   ▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒ Icon_minitimeالجمعة 11 نوفمبر 2011, 8:47 pm



İİ ــ 2-1-2: التقفية

النص 1- تضم قصيدة أدونيس (اللؤلؤة) 34 سطرا منها 19 سطرا مقفاة قافيتها من المتواتر ومن هذه ست عشرة مطلقة وثلاث مقيدة، وقد استعملت ستة أحرف هي (ي×6م×05، (أ+د+ر+ه)×2) فأربعة أحرف كل منها تكرر مرتين أي في سطرين فحسب، بينما تكررت الياء ثلاث مرات وبصور مختلفة (ي، يا، يه) وتكرر الميم مرتين بصورتين مختلفتين لح دما (ركام/ نجوم) والأخيرة وردت ثلاث مرات. فأغلب النص إذن مقفى.

اللنص2- هذا هو اسمي لأدونيس مدور في الغالب كما هو في المقاطع الثلاثة المدروسة، غير أن المقطع الثالث المتسم بشيء من الغنائية ظهرت فيه أسطر شبه مستقلة فظهرت معها القافية في شكل ثلاثة أزواج لكل زوج روي هي على التوالي (ي.ب.ت):

هي إصطبلنا القمري

هي عكازة السلاطين سجادة النبي [24]

ثم في:

... نحن الغياب

لم تلدنا سماء لم يلدنا تراب

إننا زبد يتبخر من نهر الكلمات

صدأ في السماء وأفلاكها صدأ في الحياة [25]

وذلك ما يبين البعد الغنائي للقافية.

النص 3- هو نص منثور لأدونيس من (سيمياء) وليس فيه أثر للتقفية ولا لنظيرها النثري التقليدي، أي السجع وتساوي الفواصل .

النص 4: يسيطر "التدوير" على نص محمد بنيس (موسم النيل)، وتخلو أغلب مقاطعه من أي أثر للقافية ما عدا ما يمكن أن نسميه قافية داخلية - مع ما في العبارة من تناقض لفظي- وهو هذا الفعل المتكرر في بداية كل جملة بحيث يقطع النص التقطيع ذاته الذي تقوم به القافية، ولكن القافية تكون في النهاية، بينما الفعل هنا يتخلل النص دون ضابط لموقعه في السطر، ولكن من يقرأ النص يدرك أنه يقوم إيقاعيا بدور القافية، (راجع المقطع الثالث من النص فعل "تخون")، ثم ما نجد في المقطع الرابع من تشابه بين أسطر الفقرتين المكونتين له حيث يتفق روي السطرين الأول والأخير المتكررين بذاتيهما في الفقرتين كما تتشابه الأسطر الفاصلة بين السطرين المذكورين في كلتا الفقرتين دون أن تتفق رويا، أما المقاطع الأخرى فالتدوير مسيطر.

النص 5- تكاد القافية تختفي في نص (ورقة البهاء) لبنيس غير أن هناك سمات تذكر بها، ففي المقطع الثالث المتمحض للنثرية ثلاثة أسطر ختامية مسجوعة:"نباتها"، أسوارها"، "ماؤها"، والسجع نظير القافية في النثر، وفي المقطع الرابع، وهو موزون، يتكون المقطع من ثلاث فقرات كل منها ثلاثة أسطر تشترك في السطر الأول الذي يتكرر بذاته في طالع الكل، ولا يتفق السطران الباقيان في أي من الثلاثيات فيما بينهما، ولكن كلا منهما يوافق سطرا من ثلاثية أخرى، فثاني الأولى يوافق قافية ورويا ثاني الأخيرة، وثالث الأولى يوافق كذلك ثالث الثانية، وثاني الثانية يوافق قافية وخروجا ثالث الثالثة، ويختلفان في حرف الروي مع أن كلا الحرفين شفوي (منهدمه/ منسحبة).

النص 6 (قطوف ) رغم أن النص مكتوب بطريقة السطر وأنه موزون فإن القافية تكاد تكون غائبة لولا تشابه نهاية سطرين من المقطع الأول يتكرران ضمن جزئه الذي يتكرر خرجة للنص، ثم تكرار في "أوقدت" ثلاث مرات مكونة ثلاثة أسطر هي المقطع الثاني من النص، ويرد سطران في المقطع الثالث أحدهما يكرر في نهايته فعل "أو قدت" السابق والآخر ينتهي ب"فارغات" على غرار (الشاحبات/ السيدات) المكررتين في المقطعين الأول والأخير، فالقافية إذن نسبتها في النص9/31 أي 29% رغم أن اثنتين من الكلمات "أوقدت" الأربع تكون أسطرا مدورة عروضيا (أي وزنا).

***

من تحليل هذه النصوص الستة من مدخل القافية يظهر بوضوح تراجعها عند هذه الجماعة، وإن لم تختف نهائيا، حيث تظل بين الظهور والاختفاء. ويبدو أن الأمر راجع على المستوى الفني البحت إلى تراجع الغنائية التي يبدو أنها كلما أطلت برأسها تطل معها القافية.فقد ظهر منها شيء في نصي أدونيس الموزونين وخاصة في المقاطع التي تظهر فيها الغنائية على حساب العنصر الدرامي اللصيق بالبث الداخلي، ولكن ماظهر منها فيهما وهو قليل، لا يوحي بارتكاز عليها. وكذا الشأن بالنسبة لنص بنيس الأخير. أما في نص أدونيس الأخير ونصي بنيس الأولين فقد كانت النصوص أبعد من الغنائية، وكانت القافية أكثر خفاء. ومع ذلك فكلما وجدت الغنائية متنفسا إذا بشيء من سمات القافية يطل برأسه.

وفي كلتا الحالتين يبدو أن القافية ليست من مشاغل الشاعرين الإبداعية. ولعل الأمر يعود إلى قناعة نظرية عبر عنها أدونيس، مفادها أن وظيفة القافية في الشعر القديم هي أنها الناظم الأساسي لأبيات القصيدة، فالقصيدة القديمة- حسب هذا الرأي - أبيات مستقل بعضها عن البعض في الغالب، والرابط الأساسي بينها هو هذه الصوى الإيقاعية التي تصطدم بها اندفاعة البيت فتنتكس عائدة إلى مبتدئها لتستأنف من جديد، كما تفعل الكرة عند ما تصطدم بعارضة المرمى، أما القصيدة الجديدة فتريد أن تكون معبرة عن تجربة متلاحمة تندفع إلى الأمام دون حاجز، ولذلك فالحالة الوحيدة التي تقبل فيها القافية هي عند ما ترد بصورة تلقائية تفرضها متواليات النص، أما إذا كانت حشوا، أو مقحمة في النص فإنها حينئذ تفسده. ويرى بنيس أن القوانين العروضية بكاملها- بما فيها القافية - هي قوالب سابقة على النص، فهي كلها قيد عن الإبداع، وخاصة عن عنصر المفاجأة الأساسي في الإبداع.

وبذلك فإن الشاعرين يبعدان القافية نظريا وعمليا، وهو أمر متوقع بما أن القافية، منذ الرومانسيين ظلت باب القلعة الذي يتلقى الصفعات المتواترة ويخضع للخلخلة الدائمة بتواطؤ من الجميع، حتى من أولئك الذين يتشبثون بالعروض الخليلي، ويدافعون عنه باستماتة، ويعتبرونه شرط وجود شيء يسمى الشعر، كنازك الملائكة مثلا فكيف يكون أمرها مع من يطالبون بتجاوز نظرية الأجناس الأدبية، وابتداع كتابة إبداعية ترفض كل القوانين التي لم تبتدعها، ولم تفصلها التجربة الإبداعية ذاتها بذاتها على قدها. ويسعون عن طريق التجربة الإبداعية إلى تجسيد ذلك عمليا.

İİ ــ 2-1-3: الوقفة:

تتميز قصيدة (اللؤلؤة) لأدونيس بقصر الأسطر كما مر في الحديث عن الوزن والقافية، وبوحدة الوقفة في نهاية السطر، وباختلاف أطوال الأسطر، وتفاوت نهاياتها على الصفحة، واختلاف مستوى بداياتها عليها أحيانا، حيث أنه عند ما يكون السطر متعلقا دلاليا بجزء من أجزاء سابقه الداخلية، فإنه يتأخر عنه بداية حتى يتضح أنه متعلق به... والوقفة الدلالة هي المهيمنة، فالتدوير العروضي كثير نسبيا، إذ ورد سبع مرات من أصل 34 سطرا. ففي هذه الأسطر السبعة تتوقف الكلمة الأخيرة وسط التفعيلة وتأتي بقية التفعيلة في الكلمة الأولى من السطر التالي. والنص يتكون من ثلاثة مقاطع (20.11.03) يفصل بينها فراغان، أولهما بارز، والثاني أقل بروزا.

النص 2- هذا هو اسمي، مدور، كما تقدم، أي أنه يسقط الوقفة العروضية أيا كانت، وسبق أن لاحظنا في القافية أن المقطع الغنائي منه ظهرت القافية في ستة أسطر منه، وظهور القافية معناه ظهور وقفة الضرب في نهاية السطر متفقة مع الوقفة الدلالية التي تخللت النص بكامله، وكانت في بعض الأحيان عنصر تشويش دلالي مقصود، لا عنصر إبانة دلالي كما هو مفترض، كما تجلى في بداية المقطع الأول:

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ... [26]

فقد أحدثت الوقفة التي يشير إليها الفراغ قبل (أرض) تشويشا في التركيب النحوي جعل القارئ لا يستطيع الجزم بماهية فاعل (يدور) هل هو (أرض)، أم هو (أعضاؤك)؟

والوقفة الدلالية هنا يشير إليها فراغ قد يرد في أول السطر أو وسطه أو نهايته. وهي لا تعبر عن موقع النقطة وإنما عن موقع الفاصلة خاصة أثناء الفقرة. وأحيانا تنوب عن الفراغ نقاط استرسال أو حذف. وهي في كل ذلك دلالية لا علاقة لها بالعروض سوى أنها أقصت الوقفة العروضية.

ويتميز نص أدونيس الثالث (سيمياء) بسيطرة النثرية رغم أن فيه بعض الفقرات قد تقبل التقطيع في أوزان المتدارك التي تكاد تقبل أي كلام، ومع نثرية النص فهو مكتوب بطريقة أقرب إلى كتابة الشعر الحر، فالأسطر قصيرة، ومختلفة الأطوال، ويتحكم السطر السابق في بداية اللاحق، إذا كان مستقلا عنه، فيبدأ معه من المستوى نفسه. وإذا كان متعلقا بجزء منه، يبدأ متأخرا عن بدايته. إلا إذا كان الأول يمثل المسند، والثاني يمثل المسند إليه ففي هذه الحالة يبدأ معه من المستوى نفسه، والوقفات داخل كل مقطع جزئي من النص ينظمها الفراغ عند نهاية كل سطر إلا في نهاية السطر الأخير من المقطع، فتعضده نقطة أو نقط استرسال، والنص مقسم إلى فقرات. كل فقرة تنتهي بفراغ. وبعض الفقرات تبدأ بعناوين بارزة. والبعض يبدأ بأرقام تابعة للعنوان: لكل فقرة جزئية رقمها.

ويتميز نص بنيس الأول (موسم النيل) بتنوع وقفاته فمن المقاطع السبعة التي تكون النص يخلو واحد هو الخامس من وقفة، إلا في نهايته، كما يحدث في النثر العادي. أما في المقاطع الأخرى فأغلب الأسطر تتقطع بتدرج، تابع - فيما يبدو - لعلاقة اللاحق بالسابق: الجزئي يتأخر بداية عن الكلي، أما الاستئناف فإما أن يبدأ من بعد أول السطر بقليل، كما في الفقرة النثرية، وإما أن يبدأ من نهايته، أي آخر موقع كلمة فيه. وفي بعض الحالات تتحكم في استخدام الفراغ مواقع علامتي الترقيم: الفاصلة والنقطة وعلامتي التنغيم: الاستفهام والتعجب، فالنص كغيره من نصوص بنيس الشعرية يهملها تماما، وقد يعوضها بالفراغات، و قد لا يعوضها بشيء .. وقد تخللت المقطع الثالث وقفات داخلية تشبه وقفة العروضة، قد تأتي أمام القافية الداخلية التي تقسم النص في بداية كل جملة، وقد وردت مرة بعدها، لا قبلها. ووردت مرة قبلها بكلمتين إحداهما من الجملة السابقة، والثانية تشكل معها هي جملة تنتهي بعد الفعل بوقفة السطر. وردت مرتين بعدها بكلمة. ومرة بعدها بكلمتين ومرة قبل الكلمة الأخيرة من الجملة التي تأتي بعدها وقفة السطر.

وفي مقطع (ورقة البهاء) لبنيس أيضا يرد أربعة مقاطع جزئية مكتوبة بالحرف البارز، وخمسة بالحرف المتوسط، ثلاثة من البارزة مكتوبة بالطريقة المدورة النثرية، يشكل كل منها عمودا صحفيا يتوسط الصفحة. وليس في أي منها وقفة غير وقفة النهاية. أما الرابع البارز فمكتوب بأسطر تنتهي بوقفة السطر، والأسطر الأربعة الأخيرة تتأخر بداية عما سبقها. وفي المقطع الجزئي الرابع، المكون من ثلاث ثلاثيات، ينتهي كل سطر بوقفة السطر العادية بعد القافية، ولكن السطر الأول المتكرر طالعا لكل ثلاثية تتخلله وقفة تفصل الفعل المتأخر عن فاعله ومفعوله السابقين " فاس عن فاس نأت" لتؤكد على فعل البعد، أما المقطع الخامس فيضم ثلاث فقرات مدورة لكل منها عنوان. والثاني منها يليه سطران، أولهما أداة عطف منفردة والآخر هو المعطوف المكون من جملة موصولة، والكل ينتهي بالفراغ غير المعلم، أما المقطعان (8.6) فأسطرهما من كلمة إلى ثلاث كلمات وليس في أي منها إلا الوقفات السطرية.

النص 6- (قطوف) مكتوب بطريقة السطر فهو إذن يلتزم بتوقف عند نهاية السطر. ولكن هل هذا التوقف عروضي أم دلالي؟ اتفقت الوقفة العروضية الواقعة عند نهاية التفعيلة أي بعد الوتد المجموع مع الوقفة الدلالية الواقعة عند نهاية معنى مفيد في تسعة أسطر من أصل 31 أي بنسبة 29% ومن هذه خمسة هي من بين المنتهية بما صنفناه في خانة القافية أما 22 سطرا الباقية فهي مدورة، أي تقع الوقفة فيها ضمن التفعيلة فهي دلالية لا عروضية. ومن هنا فالنص رغم ما يوحي به مظهره من توزيع إلى أسطر فإنه يهمل الوقفة العروضية عموما.

تحيل هذه النصوص مجتمعة إلى تحول شبه كلي في نظام الوقفات من العروضية إلي الدلالية التي تسعى إلي توجيه قراء النص، وجهة معينة.

فقد اختفت الوقفة العروضية، ولم يعد لها وجود تقريبا فيما عدا بعض الأسطر في نصي أدونيس الأول والثاني ونص محمد بنيس الثالث تتفق فيها. ربما صدفة - مع الوقفة الدلالية واحتلت محلها بالكامل الوقفة الدلالية التي تشعبت، ولم تعد تتعلق بنهاية جملة جزئية تنبه إليها الفاصلة أو نهاية "كلام" تنبه إليها النقطة، فحسب، وإنما أصبحت تسعى إلى إبراز منزلة ما بعدها مما قبلها: كلام استئنافي; تراكيب تفصل أجزاء ما قبلها; تراكيب تحتل المنزلة نفسها مما قبلها... بحيث أصبحت عناصر الأشكال الشجرية المستخدمة في التحليل التوليدي للنص تؤثر تأثيرا بالغا على تشكيل فضاء النص على الورقة. بل لقد تدخل أحيانا فن الرسم والتصوير كما حدث في مقطع من نص بنيس الأول يتحدث عن دوار في الرأس وثقل تنبئي فجاء النص من جانبه الأيمن يشكل، بطريقة ما، جبهة وأنفا وذقنا.

ومع هذا التحول البالغ على نظام الوقفات عند الشاعرين فإننا لا نجد تنظيرا بارزا يقف موقفا تحليليا من هذا النظام، وخاصة من الوقفة الدلالية التي طغت عندهما. فلم يتحدث أدونيس، عن الوقفة العروضية، وإنما اقتصر حديثه - المجمل غالبا- على الوزن والقافية.

أما بنيس فقد تحدث عن الوقفة باعتبارها جزءا من ثلاثة أجزاء تكون النظام العروضي هي: الوزن والقافية والوقفة، ولكنه لم يخصها بتحليل ونقاش نظري يبين حدودها لديه ومنزلتها، باستثناء أن لها الدور نفسه الذي للوزن وللقافية في العروض، وقد نقول: هذا ما فعل مع القافية، وكما ألغى القافية في نصه الشعري الغي فيه كذلك الوقفة العروضية. وهذا أمر صحيح. ولكنه تفنن في الوقفة الدلالية وأغرب فيها، وأهمل عن وعي العلامات التي تنبه إليها- ما عدا الفراغ - كالفاصلة والنقطة والاستفهام والتعجب. ولم يتحدث عن ذلك نظريا، باستثناء إشارات إلى أهمية الخط المغربي القديم التشكيلية، وهو خط، كغيره من الخطوط القديمة، يهمل هذه العلامات التي لم تستعمل في الخط العربي إلا حديثا.

هناك، إذن، تحول جديد، تبرزه هذه النصوص في نظام الوقفات على مستوى الإبداع لم يتأثر به، بصورة مباشرة، التنظير النقدي، وإن كان هذا التحول ذاته آت من موقف نقدي معين، هو البحث عن شكل جديد لتجربة جديدة، ومع ذلك فهذا التحول ثمرة تحولات سبقته تمت ملاحظتها عبر النصوص التي حللنا في الفصلين السابقين.

İİ ــ 2-2: موسيقى الحشو:

النص 1- (اللؤلؤة) لأدونيس:يقتسم الظواهر الصوتية غير العروضية في هذا النص ثلاثة أصناف هي: التكرار والتقطيع التقسيمي، والتوازي التركيبي. نقدم عليها بعض الأمثلة بادئين بالتكرار:

- كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي!

كيف أمشي نحو تهيامي وصوتي كيف أصعد؟

لست إلا نهرا يرفض، يخبو، يتوقد [27]

وإلا

حلما -

أني حمي نبوية

أنني ضوء يلف الليل يعرى ... [28]

أني

جامح أحتضن الأرض كأنثي... [29]

موقظا حبي فيها

لهبا يفتح،

يستنزل فيها

آية

أني كتاب ... [30]

أسندوا صدري

في صدري حريق... [31]

والتواريخ مرايا

والحضارات مرايا .... [32]

إنني اسمع أصواتا تغني في رمادي

إنني ألمحها تمشي كأطفال بلادي [33]

في هذه الأمثلة نجد "السؤال" (كيف) يتكرر ثلاث مرات في طالع المقطع الأول الذي يتكرر سطره الأول طالعا للمقطع الثاني. ومثلها (نحو). ويتكرر كذلك فعل "امشي" مرتين، وتتكرر ياء المتكلم في السطرين الأولين وحدهما ست مرات، وياء الغائب في المضارع ثلاث مرات دون أداة عطف في السطر الثالث، ثم (إلا) الحصرية مرتين في السطرين الثالث والرابع، و(أني) التأكيدية خمس مرات في الأسطر: السادس والسابع والرابع عشر والأخيرين اثنتان منها (أني) وثلاث (أنني). ويتكرر الحاء في كلمات متقاربة ست مرات مع الميم في أربع منها. وتتكرر (فيها) مرتين في السطرين 10و12. وتتكرر (صدري) في السطرين 15و16.

أما التقطيع التقسيمي فالنص يتكون من مقطعين وقفل، والمقطعان يجمع بينهما طالع واحد يكرر نفسه في مستهل كل منهما مع تغيير في ترتيب العبارتين الأخيرتين فيه. ففي الأول:

كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي.

وفي الثاني:

كيف أمشي نحو نفسي، نحو شعبي

فالبدل في الأول نفسي، والمبدل منه المُطَّرَح، هو شعبي، أما في الثاني فالعكس. أما القفل فخرجة مستقلة عن المقطعين.

أما من حيث التوازي التركيبي، فقد خضع النص لإيقاع تركيبي، لا يخص السطر المنفرد إلا في حالات نادرة، وذلك لندرة الأسطر الطويلة حتى تضم تركيبين فأكثر، بل هو منتشر في كل النص: (كيف أمشي ... كيف أصعد/ نحو شعبي، نحو نفسي... يرفض، يخبو يتوقد،/ غامرا لؤلؤة الشعر...، لابسا وسوسة الشمس...، سائحا في جسد الليل،.. جامح/ أحتضن الأرض... موقظا حبي فيها.../ أني حمى نبوية.. أنني ضوء يلف الليل، يعرى... أني جامح أحتضن الأرض... أني كتاب، ودمي نار، وتاريخي ركام...؟ … في صدري حريق ومزامير، جبال وكروم، ومسافات، وأجساد عصور... ونجوم... والتواريخ مرايا... والحضارات مرايا.. إنني أسمع أصواتا تغني في رمادي.. إنني ألمحها تمشي كأطفال بلادي).

فالنص إذن سلسلة من الحلقات لا تتركك إحداها إلا وقد أخذت بك التي تليها. والقافية محدودة الدور هنا لأن التركيز لم يكن عليها، فكلماتها لا تعدو 16: منها اثنتان مكررتان: (فيها. مرايا) وخمس بين ثلاث منها جناس وكذلك بين الاثنتين الأخريين: (كلام، ركام، كروم) (رمادي، بلادي) ومنها أربعة أفعال بين اثنين منها تشابه (تتجرجر، تتكسر) كل هذا يثري البعد الإيقاعي الصوتي للنص، بصورة لا تقل أهمية عما يثريه به الإيقاع العروضي.

النص 2- هذا هو اسمي: لأدونيس.:يقتسم الظواهر الصوتية المشكلة لموسيقى الحشو في هذا النص أربع هي:

- الجناس:

تقاطعت في دمي/ قطعت صدرك...[34]

هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ صرخة... [35]

... لوجهك الطفل وجه مثله ... [36]،

ومنه:

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك [37]

- التكرار:

لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟

لنبدأ... [38]

... عندي مدينة تحت أحزاني عندي ما يجعل الغصن الأخضر أفعى والشمس

عاشقة سوداء عندي... [39]

... غطوا هذا الزمان بأسمال ودمع غطوه بالجسد الباحث[40].

لم تبق آية دمي الآية [41]

... رأيت أن تلد الثورة أبناءها... [42]

ماذا أرى؟ أرى ورقا قيل استراحت فيه الحضارات.. [43]

... أرى المئة اثنين أرى المسجد الكنيسة سيافين [44]

... رأيت في دمي الثالث عيني مسافر ... [45]

أحببت صفصافة [46]

أحببت شارعا صف [47]

هاتي يديك اتبعيني [48]

هاتي ألمس يديك اتبعيني [49]

هل أصرخ [50]

هل أنت [51]

هل الصخر جواب؟ [52]

هل موتك السيد النائم يغوي؟ [53]

هل يعرف الضوء في أرض على طريقه؟ [54]

هل يلاقينا؟

قلت الآن أعطي نفسي لهاوية الجنس، وأعطي للنار فاتحة العالم قلت استقر كالرمح يانيرون في جبهة الخليقة روما كل بيت روما التخيل والواقع روما مدينة الله والتاريخ قلت استقر كالرمح يانيرون...[55]

وعلي رموه في الجب ... هل يعرف الضوء في أرض علي طريقه؟ [56]

التقطيع التقسيمي:

ما حيا كل حكمة هذه ناري [57]

دخلت إلى حوضك [58]

وهذا لهبي ماحيا

دخلت إلي حوضك ... [59]

سنقول الحقيقة: هذي بلاد

سنقول الحقيقة: ليست بلادا

سنقول البساطة: في الكون .. [60]

التوازي الأفقي:

... طفونا ترسينا تقاطعت في دمي قطعت صدرك أمواجي انهصرت... [61]

- حبي جرح.

جسدي ورده على الجرح ... دمي غصن [62]

أرى المئة اثنين أرى المسجد الكنيسة سيافين والأرض ورده [63]

طار في وجهي نسر قدست رائحة الفوضى

ليأت الوقت الحزين لتستيقظ شعوب اللهيب والرفض

صحرائي تنمو أحببت صفصافة تحتار برجا يتيه مئذنة

تهرم أحببت شارعا صف لبنان عليه أمعاءه في رسوم ومرايا وفي تمائم [64]

سنقول الحقيقة: هذي بلاد...

سنقول الحقيقة: ليست بلادا.

هي إصطبلنا القمري

هي عكازة السلاطين سجادة النبي

سنقول البساطة: في الكون شيء يسمى الحضور وشيء.

يسمى الغياب نقول الحقيقة.

نحن الغياب

لم تلدنا سماء لم يلدنا تراب

صدأ في السماء وأفلاكها صدأ في الحياة [65]

***

كل هذه الأمثلة التي لا تكاد تند عنها جملة في المقاطع الثلاثة المدروسة تبرز كثافة تواتر الظواهر الصوتية على كافة مستوياتها: جناسا وتكرارا، وتقسيما يقطع النص عموديا، وتوازيا يقطعه نسقيا أفقيا. فالأزواج الأربعة الأولى تتقارب صوتيا لا دلاليا (جناس). والأزواج الاثني عشر (الثلاثيات الثلاث يكرر بعضها البعض تكرارا والطوالع الخمسة: طالعا فقرتين. وثلاثة طوالع أسطر يعيد بعضها البعض كليا أو جزئيا. (تقسيم تقطيعي) وأخيرا، تلك الأمثلة التي تشتمل على بضع وثلاثين تركيبا تتكرر تراكيب وصيغا، وتتوازى أفقيا. (التوازي أو الترصيع)

وبإحصاء الكلمات الداخلة في تماثل صوتي عموما نجد أن 283 كلمة من أصل 355 كلمة هي عدد كلمات المقاطع المدروسة داخلة في تشابه أو تماثل صوتي، وهو ما يعطي للنص درجة من الإيقاع الصوتي عالية تصل إلي نسبة 79.71% رغم ما توحي به القراءة الأولى للنص من خفوت البعد الصوتي عروضا وموسيقى حشو.

النص 3- سيمياء لأدونيس: يتكون هذا النص المقتطع - كما تقدم- من أول المقطع الأخير من (مفرد بصيغة الجمع ) من 427 كلمة تقريبا منها ما يزيد على المائة من الأفعال بحيث تناهز نسبة الجملة الفعلية من غيرها 84% تقريبا. وتنتج عن كثرة الأفعال هذه ظاهرة صوتية تتمثل في تكرار صيغ محدودة تكرارا كثيرا. وذلك ما يبين سيطرة التكرار على غيره من الظواهر الصوتية. وفعلا فإن ظاهرتي الجناس والترديد نادرتان بينما التكرار كثير: تكرار صيغ أفعال ماضية. صيغ أفعال مضارعة تكثر الأولى في الجملة الرئيسية، بينما تكثر الثانية في الجمل الفرعية، وهناك صيغ أفعال الأمر وأدوات النداء التي تحل محل أفعالها، وأسماء الاستفهام التي تحل في الجملة الاسمية محل الصفات المسندة أو الأفعال. نضرب على ذلك بعض الأمثلة:

1ــ

هكذا بدأت من أظافر القدمين

يوم حككت بها جلدة الأرض

بين هواء دمشق وشجرة قصابين

أزين النبات

فكت الأرض أزرارها

هطل ماء لا

أخذت غصن زيتون

ورسمت علي التراب دورة أحشائي

وقفت السماء جانبا، وابتدأ هدير كأنه بدء التكوين

ازدوج كل شيء، واشتعلت أعماقي هجرة وتقاسمتني

الأقاصي. [66]

2

الضوء يعبر، وتعبر حشراته:

الأدغال تعبر

وتعبر خواصر التلال [67]

3

من أين لأحشائي هذه الوسوسة؟

من أين لقدمي هذا السمع؟

تدحرج، أيها الشبح،

أينا الشراع أينا الريح؟

استمسك

استصرخ المد المد المد

استسلم

كن الغرق، وخذني... [68]

4

سيري أيتها الحقول بخطوات من القش

اخلع قميصك أيها الجبل [69]

5

أخطو كمن يصل جمرة بجمرة

هاوية بهاوية [70]

6

وأنا

مكسوا بالزمن ورماده

يرميني الشجر من نوافذه

يتلقفني فضاء تسيجه أفخاذ غير مرئية (...)

حيث ترفعني صارية اللذة وتختلط الصخور بالأشرعة

حيث الجسد سرداب والشهوة قلعة محاصرة ... [71]

7

أيها الحب المقبل الجسد المقبل [72]

8

في الجسد وحل

لوحله طيبة الورد

في الجسد ذل

لذله نكهة التأله [73]

9

كل حجر حارس يسهر معي

كل شجرة مظلة تتشبه بالجسد...

لم يعد الفضاء إلا رقعة تتبلل بالقتل (...) [74]

لم يعد الهواء إلا نبض قلب يتجه نحو الرماد ... [75]

ففي المثال الأول نجد الماضي يتكرر 12 مرة في فقرة واحدة، وفي الثاني يتكرر المضارع أربع مرات في أربع جمل قصيرة وبلفظه، وفي المثالين الثالث والرابع يتكرر فعل الأمر ثماني مرات ست في الثالث واثنتان في الرابع، ويتكرر الاستفهام أربع مرات والإشارة مرتين والنداء مرتين وفي الخامس يتكرر اسمان. وفي السادس يتكرر الحال مفردا مرة وجملة فعلها مضارع مرتين، ويتكرر الظرف مرتين. وفي السابع يتكرر النعت مرتين، وفي الثامن والتاسع تتكرر ثلاث جمل بتغيرات طفيفة.

وفي النص أربع فقرات لها طالع واحد تتغير منه الكلمة الأخيرة من فقرة لأخرى والفقرات مرقمة (أ.ب.ج-.د) ولها عنوان مشترك "فواصل " والطالع المكرر هو:

أ- تخرج فراشة، تدخل فراشة والمسرح بهيئة الجسد [76]

ب- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الشجر [77]

ج- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الفضاء [78]

د- تخرج فراشة تدخل فراشة والمسرح بهيئة الطبيعة [79]

ففي هذا الطالع تكراران: تقطيع تقسيمي، يقسم النص إلى أربعة مقاطع، كل منها استئناف، وفيه توزيع أفقي كما في (تخرج ... تدخل...) وورد على هذا النحو سطران آخران في غير طالع، لكن الكلمات حينئذ تغيرت ألفاظها وبقيت صيغها، مع بعض من تبادل الأدوار حيث أن التركيب الإضافي ورد في الأول منهما قبل الاستدراك ولكنه ورد في الثاني بعده:

كتبنا على جذوع الشجر لكن الشجر لم يقرأ كتابتنا

رقدنا على العشب لكن زغب العشب لم يأنس إلينا [80]

ومنه يتبين مدى تشبع النص بالموسيقى الداخلية، موسيقى الحشو، رغم نثريته واتكائه على البث (المونولوج) الدرامي على حساب البعد الغنائي.

النص 4: موسم النيل لبنيس:ظاهرة التكرار هي البارزة في هذا النص فلا نكاد نجد غيرها من الظواهر الأخرى، ومن مظاهرها في المقطع الأول تكرار (من) الاستفهامية:

ياأيتها النخلة من علمني (...) [81]

... من ذاك بوجهي...[82] من يحمل خلجان الأعضاء(...)[83]

من يسويني التهابا... [84]

ومع (من) الاستفهامية تكررت ياء المتكلم (الضمير) ثلاث عشرة مرة في المقطع الأول وفي الثاني إحدى عشرة مرة. وتكرر فعل الأمر في المقطع الثاني مرات عديدة نورد منها خمسا أربع منها تكرر الكلمة ذاتها:

اقتربوا مني بوادي النيل والنيل دروع (...) [85]

اقتربوا ... [86]

فاقتربوا مني بوادي النيل شمس طافت... [87]

شدوا رأسي بالسوسن واقتربوا... [88]

ويمتاز المقطع الثالث بتكرار فعل بذاته ثلاث عشرة مرة، وهو ما اعتبرناه من قبل نمطا من القافية الداخلية:

أقول لمن يشتهي سدة في الفراغ.

تخون الصباح السخي، تخون الكواكب بين الكروم تخون دماء

الأحبة وهي تسافر في رحم الأغنيات تخون الرياح التي

اعتمرت بالفؤوس تخون الهوى المستريح على رقعه الضوء أنت

تخون

وكم خنت فينا صفاء من العندليب تخون المياه تخون

رمالا تحلقن حولي تخون المنازل خفت حنينا إليهم

تخون انتشاء تدلى على كتفي بارتعاش رحيم تخون الشوارع

واسعة بالغبار وبالومض سيدة

وتخون [89]

فالفعل (تخون) شكل النص: ستة أفعال منه مضارعة ثم يأتي ماض واحد ثم تأتي ستة مضارعة بعده، وهو في الجميع مسند للمخاطب في شكل تاء الضمير أو تاء المضارع.

ويمتاز المقطع الرابع بأنه فقرتان كلتاهما من ستة أسطر يتكرر فيهما الأول والأخير دون تغير وتختلف الأواسط معجميا، ولكن بينها نمط من التقارب تركيبيا:

الأولى: الثانية:

ماذا يكتب في جبهته الغراء ماذا يكتب في جبهته الغراء

لطخات طيور مطفأة أشلاء صلاة

تدوين رثاء علق فوق سطوح بيضاء صورة مريم في زنزانتها

شعل تنكسر بين يديه مرايا قداس الذبح

أقداح فارغة تفتت سارية

وفناء وفناء [90]

وليس في المقطعين الخامس والسادس تكرار يذكر، أما السابع فيمتاز بتلاحق الجمل الفعلية البادئة بفعل مضارع مسند لنون المتكلمين، ثم "لياء" الغائب ( النون والياء للمضارعة لا للضمير):

هاهم إلى أقصى شفاعتهم ولا ينسون نخرج

من مذاودهم نبارك حفلنا الشمسي نستهدي بماء النيل نجمع رجلنا.

زادا تؤلفنا الطريق عمامة برقا يفك مناعة الأسوار نترك صوتنا يختار.

وردته فنعلم أن هذا الماء يرفع حجبه سرا.

ويندلق [91]

وفيما عدا هذه الظواهر فليس ثمة تقطيع تقسيمي، ولا تواز تركيبي، ولا تقفية خاصة.

النص 5- (ورقة البهاء) لبنيس:يقوم الإيقاع الصوتي لهذا النص على سلسلة من التوازيات هي عمدته في المجال الصوتي، وهي ليست مفرطة في الكثافة منها:

تكرار الحال مفردا وجملة بصيغته لا بلفظه، كما في:

عن الذاهبين معي لجنوب الغواية/ مندفعين بحبر (...)

منصتين لماء سبو [92]

هو هذا المساء له أمم/ تتآلف في جرس

تتحدر من يقظة الورقات

(...) تتوجس ساعتها ... [93]

كأس أخرى/ شعشعناها

نقطناها

استيقظ يا صاحبي

استيقظ سترى.

كلمني من قصب...

خبئني في صدفات الحلم.

اعمرني بالنار أنا الموؤودة دثرني

انظروا إلي..

خذوا منها

ضعوها على مدينة فاس

انظروا إليها.... [94]

كل هذه الجمل تحمل تجانسا يعطي إيقاعا صوتيا بينا. وإضافة إليها فثمة جملة من التكرارات مثل:

كن للنجمة/ كن للوردة / كن للطعنه[95]

اتبعني لسطوع سعار.../ اتبعني لبلايا.../ اتبعني لنعزي... [96]

ومثلها أنماط من التكرار تشير إلى محذوف مكرر كتكرار لام الجر التي تعد الفعل بالاكتفاء به في المرة الأولى فقط:

هل هيأ للحكمة (...) للخشية (...) للشطحة (...) [97]

أو بدال سياقي ما، كما في:

أهلها يتلاشون.

بنيانها

وأسوارها

وماؤها [98]

فحذف حرف العطف الأول من "بنيانها" نبه إلى المسند المحذوف في الجمل الثلاث: "يتلاشون"...

ومثل هذا التكرار ورد ضمن مقطعين يكرر أحدهما الآخر، مع تغير لكافة الكلمات ما عدا المبتدأ الأول، وحرف الجر في الجار والمجرور الذي يمثل الخبر المكرر أو ينبه إليه. وذلك في:

(حجر لشاهدة/ لمئذنة/ لقوس غير منتصر/ لأسوار المدينة/ للجسور... [99]

وهاتان الفقرتان تعكسان أيضا تكرار التوازي المتأتي من التتابع الخطي للفواصل المتساوية كما يعكس تكرار الثانية للأولى بعد مقطع يفصل بينهما، نمطا من التقطيع التقسيمي باعتبار أن كلا من الفقرتين طالع لمقطع. ويرد التقطيع التقسيمي أثناء المقطع الرابع من النص حيث يتألف النص من ثلاث ثلاثيات، أول كل منها طالع متكرر علي النحو التالي:

فاس عن فاس نأت

1-مجذوب يستقصي أخبار الجوع

وينبت فيها نخل صرخته

فاس عن فاس نأت

2- فقر يتجول بين منازه منهدمة

ويدون تشريعات إقامته

فاس عن فاس نأت

3- دمن تتراسل في عيد ممنوع

ويحصنها وسواس مياه منسحبه [100]

فالنص يحمل بعض مظاهر إيقاع الحشو الصوتي بصورة متقطعة، ولكن من القراءة الأولى والبسيطة، قد لا يتبينه القارئ لأول وهلة، شأنه في ذلك شأن الأوزان فيه. فالإيقاع السمعي فيه عموما: الموسيقى الخارجية الموسيقى الداخلية، ليس من البروز بالقدر الذي يوجد في النص الغنائي المعتاد.

النص 6- قطوف: محمد بنيس:

يقسم الظواهر الصوتية في هذا النص خمسة أصناف هي:

تكرار الحرف المعزول عن الإطار الدلالي:

كاللام في: سلالة: "قطوف سلالة " [101]

وفي ظلاله: "بين ظلاله

وظلاله الأخرى " [102]

وكالدال في ضد.حدود، دم . تعود:

"يصد حدوده

بدم

تعود أن يسافر" [103]

وكالراء في سريرة: "ومن شعل السريرة » [104]

وكالهمز في أصداء: "الأصداء"[105]

وكالواو والشين في وشوشات: "مراقي وشوشات فارغات " [106]

الجناس كما في: الواشمات. الشاحبات. الزائرات، الحشرجات السيدات. وشوشات. فارغات.:

تأتي الواشمات الشاحبات

تأتي الزائرات بريحهن

الحشرجات

السيدات [107]

مراقي وشوشات فارغات [108]

التكرار كما في أوقدت:

أوقدت

ما أوقدت

ما أوقدت [109]

ما أوقدت... [110]

وكما في ظلاله:

بين ظلاله

وظلاله الأخرى...[111]

وكما في صمت:

وتكون من صمت... [112]

كان الصمت مكتملا... [113]

صمت يكاد يشع... [114]

وكما في كان:

وتكون من صمت (س1) [115]

كان الصمت مكتملا

وكانت ناري [116]

التقسيم التقطيعي: كما في جزء المقطع الوارد في آخر المقطع الأول والمكرر خرجة للنص.

تأتي الواشمات الشاحبات

تأتي الزائرات بريحهن الحشرجات

السيدات [117].

ثم تكررت:

والواشمات الشاحبات

تأتي الزائرات بريحهن

الحشرجات

السيدات [118]

التوازي: وقد ورد في الرباعية السابقة:

تأتي الواشمات الشاحبات

تأتي الزائرات بريحهن

الحشرجات

السيدات

وفي: مراقي وشوشات فارغات [119]

وكما ورد في الحال والجار والمجرور بعده في الأسطر:

... خيمة للحلم

عاصفة لكل متاهة بين الدواخل.

موجة لشواطئ النسيان

خطا لانفلات تصدع... [120]

كل هذه أبرزت البعد الإيقاعي السمعي للنص، وخاصة منه هذا الجانب غير المنضبط بشكل يقبل التقنين. ولكنه رغم عدم انتظام تواتره يثري هذا البعد دون أن يكون الطابع الأبرز في النص، وبالتالي دون أن يثقله بلفظية فارغة.

هذه النصوص الستة تتفق من حيث بروز ظاهرة التكرار في المقام الأول، يليها في الأهمية التوازي التركيبي، ثم التقطيع التقسيمي، وتمتاز عن غيرها بسمات نذكر أربعا من أبرزها هي:

- سيطرة ضمير المتكلم (بي. ثم أنا ثم ت). وهو ما يحيل دلاليا إلى الظاهرة الثانية:

- هيمنة أسلوب البث الداخلي (المونولج). وهو ما يخلق درجة من التوتر عالية يتولد عنها التكرار، وتتولد عنها كذلك الظاهرة الثالثة هنا:

-تواتر الأسلوب الطلبي: خاصة منه الاستفهام الذي يحيل إلي السؤال محور التجربة الحداثية.

- تقهقر دور القافية الصوتي إذ تتعقد الشحنة العاطفية وتنتشر على امتداد النص فلا تجد لها في أحيان كثيرة حدا تتوقف عنده، وحتى إذا كان التكرار معبرا عن هذا التوتر فإن بإمكانه أن يتحكم في بداية الجملة أكثر مما يتحكم في نهايتها.

ويمتاز نصا بنيس: موسم النيل وورقة البهاء، بتفاوت مستوى فقرات النص من حيث الإيقاع الصوتي، إذ تراه يبرز نسبيا في بعض الفقرات، ثم إذا به يتلاشى ويختفى في البعض الآخر.

وبذلك فالنصوص الستة تتفاوت فيما بينها تفاوتا ملحوظا. فرغم هيمنة أسلوب البث الداخلي عليها كلها- مما يرجح كفة العنصر الدرامي على العنصر الغنائي- فإن نصي "اللؤلؤة" و"قطوف" برز فيهما الجانب الإيقاعي الصوتي، سواء أتعلق بتكرار الدال، أم بتوازي التراكيب أم بتكرار الطوالع التقسيمية. ويقترب منهما في ذلك نصا (هذا (هو اسمي) و(سيمياء). ويأتي نصا (موسم النيل) ومقطع (ورقة البهاء) دون ذلك. ورغم أن الأول من هذين نص مستقل ضمن مجموعة نصوص، فهو قصير نسبيا، وأن الثاني نص مقتطع من نص واحد طويل، مما يؤهل الأول لشيء من الغنائية أكثر من الثاني، فإنهما مع ذلك متقاربان من حيث مستوى بروز البعد الإيقاعي الصوتي فيهما سواء في ذلك ما يتعلق بالموسيقى الداخلية أم بالخارجية.

وارتكاز التكرار علي البث الداخلي يتفق مع رأي ألح عليه كل من أدونيس ومحمد بنيس في مقارباتهما النظرية. وهو ضرورة الوصول إلي الأسرار التي تصل بين الكلمة والنفس، بين الإنسان والحياة [121] في التعامل مع إيقاع الكلمة وتناغمها الضروريين لأي شعر، كما يقول أدونيس. ذلك أن الربط بين الوحدات الصوتية، والوحدات النحوية، والوحدات الدلالية تبعا لإيقاع النفس هو ما يؤسس إيقاعا مغايرا له صيحة المغامرة وحجة التجربة والممارسة وألق الخروج"[122] كما يقول بنيس.

فالشعر "تكرير دوال" كما يقول بنيس غير أن " الإيقاع والتناغم" وإن كانا ضروريين لأي شعر فإنهما لا يكفيان وحدهما كما يقول أدونيس الذي يرى أن التعبير الشعري الجديد "تعبير بمعاني الكلمات وخصائصها الصوتية والموسيقية"[123] وهي خصائص طغت عليها في الماضي- حسب رأيه- العناية بالعروض، عند ما "لم يكن لتكرار الصوت في فواصل منتظمة، وتساوي اللحظة الموسيقية في الأبيات أو تواقتها"[124] من وظيفة سوى تسهيل الغناء، أما اليوم فإن الشكل الشعري الجديد. حسب الرأي نفسه- هو بمعني ما " عودة إلى الكلمة العربية، إلى سحرها الأصلي، وإيقاعها وغناها الموسيقي والصوتي" الذي لا يمثل الوزن إلا جانبا منه[125]

ويتضح من ذلك أن النصوص المحللة متأثرة لحدما بهذه الآراء النظرية، فهذه النصوص تستعمل العروض، ولكنها لا تعتمد عليه، وتستعمل التكرار ولكن في حدود، بل إن بعض مقاطع النصين (4و5) قد تتخلى عنه، ولكن الأهم أن ما استعمل منه كان استعماله لصيقا بحالة وجدانية يعبر عنها إيحاء، وذلك هو الشرط.

İİ ــ 2-3: موسيقى الحركة:

النص الأول: اللؤلؤة: أدونيس، حركة النص هنا قائمة على صراع الماضي والحاضر مع المستقبل الآتي نهرا يغمر، وحريقا يخلص الحقل من أعشاب الماضي الطفيلية التي تمنع البذور من الانبثاق. حريق يقضي على ركام الماضي: التاريخ، الحضارات، الجيل الحاضر الحامل لفيروس الماضي ولكن هذا الجيل ذاته يلد جيل الأطفال الآتي مع المستقبل الذي سيلده مع هذا الجيل الجديد رماد الجيل الحاضر والتاريخ والحضارة، إنه جيل آت من الحلم- الشاعر، أو الشاعر- الحلم- النبوءة. أو الشاعر النهر الذي يغمر الحلم والنبوءة، أوالجوهر الإنساني الفردي الجمعي/ اللؤلؤة الكامنة في الشاعر التي تعيش صراع الظهور والاختفاء: حلم. حمى نبوية«، احتواء للكون، مخاض به، شعاع يطوق ظلام الحاضر/ الماضي مبشرا بفجر نائم ليبث يقظة الحب لهبا، فجر كامن كمون الطاقة في المادة... طاقة يحولها الصراع إلى نار تحرق، صراع الفرد/ الجماعة. نار وقودها الدم/ النهر، نهر الحياة المتحول، شعلتها التي لا تهمد، شعلتها التي تحرق ركام الماضي المنهار: أجساد عصور تتجرجر«. إنه الحريق الذي أصبحت جلبته مسموعة وشرره مرئيا:

لا، دعوني:

إنني أسمع أصواتا تغني في رمادي

إنني ألمحها تمشي كأطفال بلادي [126]

فكلا المقطعين قائم على حركة: حركة الأول متجهة نحو الدواخل: هي بحث عن الطريق إلى الذات في سبيل الوصول إلى الغير، "شعبي".:

كيف أمشي نحو شعبي، نحو نفسي [127]

فلكي تتم الحركة نحو الغير يجب أولا أن تتم نحو الذات: "نحو نفسي" وحركة الشاعر رائدها السؤال الذي يبحث عن حقيقة الذات غائصا في العمق لاكتشاف كلمة السر: "اللؤلؤة الخفية":النهر/ الحلم :

أني حمى نبويه...

أنني ضوء يلف الليل يعرى...

سائحا في جسد الليل

وأني جامح أحتضن الأرض كأنثى

وأنام

موقظا حبي فيها

لهبا يفتح يستنزل فيها

آية أني كتاب

ودمي حبر

وأعضائي كلام [128]

ثم تنطلق الحركة الثانية عبر الذات إلى الغير" شعبي":

كيف أمشي نحو نفسي، نحو شعبي[129].

فهو كتاب يحمل رسالة التغيير ولكنه ليس الكتاب الجماد فحبره من دم يغلى نارا تشتعل وتشعل. وإن صدره ليحتضن الكون بكامله فيحترق ليحيله رمادا يصبح سمادا لبذور الحياة الجديدة القادمة، فالدم ماء وضياء، والموت عبور إلى الحياة:

... أسندوا صدري ...

في صدري حريق

ومزامير،

جبال وكروم

ومسافات

وأجساد عصور تتجرجر

ونجوم

والتواريخ مرايا

والحضارات مرايا

تتكسر [130]

وحركة النص تتجه من الحاضر نحو المستقبل، لذلك خلا من الماضي، فالأفعال كلها في صيغة المضارع، وداخلة في سؤال موجه نحو المستقبل: كيف أمشي(...) "كيف أصعد"؟ فحتى القفل الذي لا يدخل في بنية أحد السؤالين فهو يجري في سياقهما لذلك يبدأ بنهي وأمر. والسؤال والأمر والنهي كلها طلبية تتجه نحو المستقبل فالأفعال التسعة عشر الموجودة في النص كلها مضارعة والصفات الأربع الموجودة معها زمانية تسير معها في السياق نفسه.

يقوم النص 2: (هذا هو اسمي) لأدونيس -أو المقطعان المدروسان منه- على جزأين: الجزء الأول منهما يتكون من مقطع واحد، والآخر من مقطعين. والجزء الأول مختوم بعبارة (لافتة) والثاني بعبارة (منشور سري). و(اللافتة) إظهار وإشهار، والمنشور السري) إخفاء وستر وكتمان.

ما هي هذه اللافتة وما هو مضمون المنشور؟، وما هو محور التقابل بينهما؟

اللافتة إعلان عن محو الحكمة والعرف والقانون وتأسيس الفعل والجنون والخروج، والتأسيس حفر في الأعماق وخوض في رحم الحب والحياة/ المرأة /الأرض، مركز الخلق وفعل الحياة، ومنطلق التحول من منزلة الجبر إلى منزلة القدرة على الفعل وطاقة الفعل: النار الدم، من منزلة الهامش إلى منزلة المحور مدار الكون:

ماحيا كل حكمة هذه ناري

لم تبق آيه - دمي الآية

هذا بدئي

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك ... [131]

إنه تأسيس لبدء جديد، بعث جديد، حياة جديدة، وتجاوز لحياة قديمة. هل هي بداية الطوفان كما في قصة نوح، أم بداية خلق جديد كما في قصة البعث والنفخ في الصور، إيذانا بموت العالم النسبي، وميلاد العالم المطلق؟ فتتأسس المدينة الجديدة على أنقاض المدينة القديمة، إخصاب الأرض التي بارت بترسبات أملاح الزمن، إنه اللقاء:

دخلت إلى حوضك أرض تدور حولي أعضاؤك

نيل يجري طفونا ترسبنا تقاطعت في دمي قطعت

صدرك أمواجي انهصرت لنبدأ: نسي الحب شفرة الليل

هل أصرخ أن الطوفان يأتي؟ لنبدأ: صرخة تعرج المدينة

والناس مرايا تمشي، إذا عبر الملح التقينا هل أنت ؟ [132]

و(هل) تأرجح بين الشك واليقين. ويأتي الجواب صوتا من بعيد مؤذنا بوجود حب وحياة لا سبيل إليهما إلا عبر الموت:

- حبي جرح.

جسدي وردة على الحب لا يقطف إلا موتا.

لأن حياتها استسلمت واستقرت فدخلت دائرة الموت:

دمي غصن أسلم أوراقه استقر.... [133]

لكنه بيات شتوي يختزن الحياة. إنها نبع الحياة والجمال:

هل الصخر جواب؟ هل موتك السيد النائم يغوي؟

عندي لثدييك هالات ولوع لوجهك الطفل وجه مثله [134]

هي ثنائية الحضور/ الغياب المسيطرة: غياب في الظاهر المرئي، حضور في العقل والوجدان والتصور، لذلك فالفعل يبقى، يستمر: إزالة الأنقاض الحاجبة، واستخراج الطاقة الكامنة القابلة للتحول من القوة إلى الفعل إلى اللهب الماحي إلى الدخول إلى رحم الخلق إلى حوض الفعل الذي يؤسس مدينة المستقبل على أنقاض مدينة الماضي، الفعل الذي يحمل مشروعا للمستقبل:

وهذا لهبي ماحيا

دخلت إلى حوضك عندي مدينة تحت أحزاني عندي

ما يجعل الغصن الأخضر أفعى والشمس عاشقة سوداء

عندي [135]

هذه الطاقة كامنة تحت أسمال فقراء الأرض ودموع المغلوبين على أمرهم الذين سيتحولون من الاستسلام إلى الثورة، فيحولون مدينة الحكمة إلى أقواس جنون إلى مقبرة للعالم العتيق وكل الأغنيات العتيقة إلى رماد كل السلاطين. ثورة تغيير تحمل رسالة تأسيس زمن جديد قائم على القدرة على التغيير على تفجير الحضارة المستسلمة، وليس التغيير صفة للذات وإنما هو جوهرها فالاسم عين الذات:

قادر أن أغير: لغم الحضارة- هذا هو اسمي! [136]

تلك هي اللافتة المعلنة،فما المنشور السري؟

إنه الموقف من الماضي الذي صار الحاضر والمستقبل رهينين له. ذلك الماضي المختزن بين دفتي كتاب يحمل الحكمة وفصل الخطاب، فكأنه الجفر كتب فيه كل ما وقع في الماضي، وكل ما سيقع في الآتي: "قيل: استراحت فه الحضارات". والحضارة تفاعل وحركة لا تتوقف ومع هذا يقال: إنها مستريحة بين دفتي كتاب...!

ولكن الآنا الفاعل محا هذا الكتاب بسؤالاته: (هل. ما. كيف. كم. أي. لم. أين. متى...) وخلخل بالتالي سلطان العادة والنظم وقد استها، وأسس مكانها تقديس الفوضى: فيا كارثة حلي، ويا نسر القوة والفتك حلق، ويا ثورة اشتعلي، ويا شعوب اللهيب والرفض استيقظي، ويا أرض تصحري، ويا عشق الدمار تأجج: دمار العالم:

أحببت صفصافة تحتار.

برجا يتيه

مئذنة تهرم

شارعا صف لبنان عليه أمعاءه في رسوم ومرايا وفي تمائم [137]

عشق الهاوية والمدينة المحروقة:

قلت الآن أعطي نفسي لهاوية الجنس وأعطي للنار فاتحة

العالم قلت استقر كالرمح يا نيرون في جبهة الخليقة روما كل

بيت روما التخيل والواقع روما مدينة الله والتاريخ قلت

استقر كالرمح يا نيرون... [138]

إنه الجوع إلى الفعل:

لم آكل العشية غير الرمل، جوعي يدور كالأرض

أحجار قصور هياكل أتهجاها كخبز [139]

جوع يولد رؤيا وحلم المستقبل المتولد من الفداء: حلم بالمستقبل هو السفر إلى المستقبل، سفر من يمزج الناس بأمواج حلمه الأبدي، من يحمل مشعل المستقبل، في عقل نبي يحمل كافة معاني البصيرة ورؤيا المستقبل، وفي دم وحشي يحمل كافة معاني الثورة وعنفوان الاندفاع.

ولا بأس أن يكون صاحب الرسالة نقيضا للناس يعاملونه كما عامل الخوارج عليا وكما عامل إخوة يوسف، يوسف بالقتل و الإلقاء في الجب، والشهداء تترى، ولا دماؤهم تضيء ظلام أرض علي فهل تضيئه في المستقبل/ إننا نسمع ونرى ونحس بمخاض آت نسمعه بالعين ونبصره بالأذن.

وفي المنشور السري يمكن للمرء أن يقول الحقيقة التي لا تقال، وسيقولها: إن هذه البلاد فقدت كرامتها وافتضحت، وإننا فيها قطيع من البغال يتعبد برؤية إصطبله. فلا كرامة فيها إلا لمن يملك سلطة زمنية أو روحية:

سنقول الحقيقة: هذي بلاد

رفعت فخذها

راية...

سنقول الحقيقة: ليست بلادا

هي إسطبلنا القمري

هي عكازة السلاطين سجادة النبي. [140]

بل نقول ببساطة إن هناك موقفين لا ثالث لهما: موقف الحضور وموقف الغياب، ونحن الأخير: ذاته وجوهره، فلا شيء لنا، لا جذور ولا أغصان، نحن فقاقيع في نهر الكون فقاقيع تطفو على سطح الخطب الجوفاء، وصمة في جبين الكون:

سنقول البساطة: في الكون شيء يسمى الحضور وشيء

يسمى الغياب. نقول الحقيقة

نحن الغياب

لم تلدنا سماء لم يلدنا تراب

إننا زبد يتبخر من نهر الكلام

صدأ في السماء وأفلاكها صدأ في الحياة! [141]

ذلك هو المنشور السري الذي يحظر القانون والعرف الجهر به، حتى ولو كان صاحبه أعلن في لافتته عن هويته القائمة على تفجير الحضارات وتغيير الكون...

ولئن تقابل المنشور السري واللافتة من حيث الإخفاء والإظهار فإن الثنائيات المتصارعة التي تقوم عليها حركة النص تخترقهما معا أفقيا: الماضي/ المستقبل، الانهيار/ التأسيس، الحكمة/ الجنون الإنسان/ الحياة. الرجل/ المرأة. الثبات/ الفعل. الاستسلام/ الثورة. الجبر/ القدرة. الهامشية/ المحورية. الصفة/ الذات. المهانة/ الكرامة، الغياب/ الحضور.

ويدعم هذا الصراع تركيبيا نسبة 80.39% من الجمل الفعلية مقابل 19.60% من الاسمية. أي أن الحركة أقوى من الوصف/ السكون، بنسبة 80%، وإذا كان الصراع الأكبر قائما بين ماض مازال قائما ومستقبل منشود، لم يولد بعد، فإن الأفعال تعكس ذلك، ولو أن الكفة فيها أرجح للمستقبل إذا أضفنا صفة اسم الفاعل له فللمستقبل52.44% وللماضي 47.56%.

النص الثالث: سيمياء: أدونيس :تقوم حركة هذا المقطع على صراع نفسي يجري في جو ملحمي هو الجو الذي يقوم عليه نص (مفرد بصيغة الجمع) بأكمله. وما المقطع في الواقع إلا صورة مصغرة لهذا النص الطويل: الإنسان (=علي) في أبعاده الوجودية والتاريخية والمادية والرمزية.. فالمقطع هنا يعكس ملحم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
▒◄ الإيقاع في القصيدة المعاصرة ►▒
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  !~¤§¦ ( أنا المدينة .... القصيدة الخالدة ) ¦§¤~!
» مشاكل ترجمة القصيدة الشعرية
» القصيدة المجنونة للدكتور عائض القرني
»  ~*¤®§(*§ أزمة الفيزياء المعاصرة §*)§®¤*~ˆ
» مفطرات الصيام المعاصرة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات العلمية ۞ ::  ₪ الثقافة والآداب ₪-
انتقل الى: