©«« إتحاف الأخيار في الدفاع عن الصحابة الأبرار »»©
الحمد لله المُعِزِّ المذلِّ، أعزَّ مَن أعَزّ الدِّين، وأذلَّ من تنَكَّبَ الطريق القويم، ولم يسلك الصِّراط المستقيم، والصَّلاة والسلام على خير البَرِيَّة الهادي إلى سواء السَّبيل، صلَّى الله عليه وعلى آله الطَّيِّبين، وصحابته الغُرِّ الميامين، الذين حَفِظَ الله بِهِمُ الدِّين، وأذَلَّ بهم أهل الكُفْر والشِّرك والمُلْحِدين، فاللَّهم ارْضَ عن صحابة نَبِيِّك - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللهم ارض عنهم، والْعَنْ مَن لعَنَهم، واجمعنا اللَّهم بهِم في مُستقَرِّ رحمَتِك عندك يا مَلِيكُ يا مقتدر، إنَّك ولِيُّ ذلك والقادر عليه ومولاه.
أمَّا بعد:
أحِبَّتي في الله، لقد طفَحَتْ كتُب الرَّوافض الأَخْباث الأَنْجاس، أبناء المَجُوس، وأحفاد اليهود، وصنيعة ابن سبَأٍ اليهوديِّ ابن السَّوداء - سَوَّدَ اللهُ وَجْهَه في نار جهنَّم - وبقايا طلائع النِّفاق السَّلولي القَذِر - لقد طفَحَتْ كتبُهم بالسَّبِّ والشَّتم، والطَّعْن والسَّلْب والقَذْف لأَطْهر جيل، وأَنْقى بشَرٍ عرَفَتْهُم البشريَّة في تاريخها الطويل بعد الأنبياء والرُّسل - صلوات ربِّي وتسليماتُه عليهم جميعًا.
وهذا السَّبُّ والشَّتم واللَّعن - وهو دِين القَوْم ومعتقدهم - يُظْهِرونه حينًا ويُخْفونه آخَر، وهذا على حسب القُوَّة والضَّعف التي يَمُرُّون بها عَبْرَ الأزمنة والعصور، فمثلاً في عَهْد الدَّولة العُبَيدية الرَّافضية في مصر وغيرها، كان السَّبُّ والشَّتم والقذف علنًا على المنابر والمَحافل والخُطَب والتجَمُّعات وغيرها من المناسبات على الصَّحابة الأبرار - رضوان الله عليهم - حتى جاء البطل الهُمَام، والفارس المِقْدام، السُّلطان الفاتح صلاح الدِّين الأَيُّوبي - طَيَّب الله ثَرَاه - وأزال دولة الكُفْر والإلحاد والزَّندقة دولة العُبَيديِّين، والتي كانت تُسمَّى زُورًا وبهتانًا "الفاطميِّين"، وأيضًا عندما جاءت الدَّولة الصَّفَوية كان القذف والشَّتم والسَّبُّ واللَّعن على الصَّحابة الكِرَام، واستمَرَّ الأمر حتى قُضي على هذا الكيان الخبيث، وعادت الدَّولة والدَّائرة لأهل السُّنَّة الأبرار، فعندما تكون الدَّولة لأهل الرَّفْض والفُجور، يُعْلِنون صريح مَذْهَبِهم، ويَدْعُون له، ويَمْتَحِنون الناس عليه، وإذا زالتْ دولتهم عَمِلوا في الخفاء كالخفافيش التي لا تظهر إلاَّ في الظَّلام، ويستخدمون في ذلك التَّقيَّة؛ حيث إنَّ التقيَّة تِسْعة أعشار دِينهم، بل هي الدِّين كلُّه، حيث يقول قائِلُهم وأكابر مُجْرِميهم: "لا دين لِمَن لا تَقِيَّة عنده".
وهكذا هي حال القوم، حتى جاءت دولة الشَّر والفسق، والفُجور والمُجون، وبدأ القوم يُكَشِّرون عن أنياب الحقد والبُغْض، والكره الدَّفين داخل صُدورهم المظلمة الحالكة الظَّلام؛ لأنَّها مُلئت بالكفر والزَّندقة، والصَّدِّ عن سبيل الله - جلَّ وعلا - وبدأ يخرج صوتٌ هنا وهناك باللَّمْز والغَمْز تارة، والتلميح تارة أخرى، حتى استفحل الأمر، وشَعر القوم أنَّهم ليسوا في حاجة إلى التقيَّة، فأَصْبَحوا يُعْلِنونها صراحة، وبكلِّ وَقاحة، وعبر وسائل الإعلام المختَلِفة في سبِّ وشتم وقذف ولَعْنِ الصَّحابة الأطهار، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأنزل الله في حَقِّهم قرآنًا يُتلى إلى قيام الساعة، لكنه الكفر البَواح، والرِّدَّة الصَّريحة عن دين الله - جلَّ وعلا - واستمرَّ الأمر على ذلك مدَّة ليست بالقليلة.
وفي نَشْوة جنونٍ من القوم، ارتفَعَت أبواقُهم في أماكِنَ عِدَّة، وأخذوا يُعْلِنونها صريحة - دون تقيَّة، ولا خوف ولا وجَل، ولا اعتبارٍ لأهل الإسلام - في معتَقَدِهم الباطل في أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتىَّ خرجَتْ علينا ثُلَّةٌ فجَرَةٌ مَلْعونون؛ أمثال مُجْتَبى الشِّيرازي، وعلي الكوراني، والمهاجر... وغيرهم، وأخيرًا - وليس بآخِرٍ - هذا المَدْعو ياسر (البغيض)، قبَّحَه الله وأذَلَّه، وقصَمَ ظهره وفضَحَه الله على رؤوس الأشهاد، وأشَلَّ لسانه، وهدَم بُنْيَانه، وجعله عِبْرَة لمن يَعْتبر، إيَّاه وشيوخَه وأعوانه.
وأخَذ أولئك الرَّوافض الأخباث ينالون بالسَّبِّ والشَّتم والطَّعن والقذف مِنْ أطهر وأنقى القلوب بعد قَلْب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهم صحابتُه الكرام - رضوان الله عليهم جميعًا - فإنَّ الصحابة كما قال عنهم عبدالله بن مَسْعود - رضي الله عنه -: "إنَّ الله نظر في قلوب العباد، فوجد قَلْب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - خير قلوب، فبَعَثه الله نبيًّا، فاصطفاه لِنَفْسِه واستخلصه، وابتَعَثَه بالرسالة، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فوجد قلوبَ الصحابة - رضوان الله عليهم - خيرَ قلوب، فجعلهم الله وُزَراء نبيِّه، يُقاتلون عن دينه، فما رآه المؤمنون حسَنًا فهو عند الله حسَنٌ، وما رآه المؤمنون سيِّئًا فهو عند الله سيِّئ"[2].
وعنه أيضًا قال: "مَنْ كان منكم مُتأسِّيًا، فلْيَتأسَّ بأصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنَّهم كانوا أبَرَّ هذه الأُمَّة قلوبًا، وأعْمَقَها علمًا، وأقَلَّها تكَلُّفًا، وأقومها هَدْيًا، وأحسنها حالاً، قومًا اختارهم الله - تعالى - لصحبة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاعرِفوا لهم قَدْرَهم وفضلهم، واتَّبِعوهم في آثارهم؛ فإنَّهم كانوا على الهُدَى المستقيم"[3].
فالصَّحابة الكرام - عليهم من الله أتَمُّ الرِّضوان - قد أثنى الله عليهم - جلَّ وعلا - في مُحْكَم التَّنْزيل، ورضي عنهم ورضوا عنه، ووعدهم الحُسْنى، كما قال - تعالى -: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
وقال - تعالى -: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 8 - 10]، والآيات في هذا الشَّأن كثيرةٌ جدًّا.
وكما جاء الثَّناء العَطِر من المولى - جلَّ وعلا - على صحابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في كتابه العزيز، كان لهم أيضًا وافرُ الحَظِّ والنصيب من ثناء النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليهم، وشهودِه لهم بالخَيْريَّة المُطْلَقة؛ فعن عِمْرَان بن حصين - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خيرُ النَّاس قَرْني، ثم الذين يَلُونهم، ثم الذين يلونهم))[4]، والأحاديث أيضًا في هذا الباب كثيرة.
ولتأكيد هذه الخيريَّة التي ذكَرَها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأولئك الصَّحْب الأبرار؛ أَكَّدَ عليها ودَعَمَها بالنَّهي عن سَبِّهم والتَّنقُّص منهم؛ فعن أبي سعيد الخُدري - رضي الله عنه - قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبدالرَّحمن بن عَوْف - رضي الله عنهما - شيءٌ، فسَبَّه خالد، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَسُبُّوا أصحابي؛ فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثل أُحُد ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه))[5].
وقد عَلِم الصَّحابةُ الصِّغار - وليس فيهم صغير - حقَّ الصَّحابة الكبار وأهْلِ السَّبْق والفضل وعلموا فَضْلَهم، فنَهَوا عن سَبِّهم؛ فهذا الإمام الحَبْر تَرْجُمان القرآن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - يَنْهَى عن سَبِّ الصَّحابة - رضوان الله عليهم - فيقول: "لا تسبُّوا أصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلَمقام أحَدِهم ساعة - أيْ: مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرٌ من عمل أحَدِكم أربعين سنَةً"[6].
وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا تَسُبوا أصحاب محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلَمقام أحدهم ساعة - أي: مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرٌ من عمل أحدكم عمرَه كُلَّه"[7].
وصَدَق ابن عمر - رضي الله عنهما - واللهِ، لَلَحْظة واحدة حَظِيَ بها أحَدُهم، وكَحَّلَ ناظِرَيْه برؤية الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - خيرٌ من الدُّنيا وما فيها، فَرَضِي الله عنهم جميعًا؛ ولذلك لما قيل لأُمِّنا عائشة - رضي الله عنها -: إن ناسًا يتناولون أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى أبا بكر وعُمَر - رضي الله عنهما - قالت: "وما تعجبون من هذا؟! هؤلاء قومٌ انقطع عنهم العمل، فأحَبَّ اللهُ ألاَّ يَقْطع عنهم الأَجْرَ"[8].
فصحابة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - هم أفضل الأُمَّة قاطبة بعد نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكفاهم شرفًا وفضلاً أنَّ الله - جلَّ وعلا - قال فيهم: ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]، وقد اختَصَّهم الله من سائر الخلق لصحبة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - واختصهم بتبليغ الرِّسالة، ونَشْر الدِّين، والذَّوْد عن حياضه، فسَبُّهم والتنقُّص منهم هو في حقيقة الأمر تكذيبٌ للقرآن، حيث إنَّ الله - جلَّ وعلا - مدَحَهم وأثنى عليهم، ورَضِيَ عنهم في أكثَرَ مِن موضع في كتابه، ثم كيف يَرْضى الله - سبحانه وتعالى - أن يكون حمَلةُ الدِّين ووُزَراء نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - كيف يرضى سبحانه أن يُوكِل أمر هذا الدِّين لهؤلاء النَّاس حيث يعتقد فيهم الرَّافضة الأنجاس ما يعتقدون من كُفْرِهم ورِدِّتِهم وكذبهم وافترائهم، إلى غير ذلك من الأكاذيب والأباطيل، والعقائد الفاسدة التي يعتقدونها فيهم؟! حتى وصل بهم الأمر إلى أن قالوا: "إنَّ الصحابة كلَّهم كفَرُوا وارتدُّوا بعد موت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلاَّ ثلاثة فقط"، وفي رواية: "إلا سبعة فقط"، هذا على أعلى تقدير عندهم!
ألَمْ يعلم الله - تعالى عمَّا يقول الظَّالمون علُوًّا كبيرًا - أنَّ هؤلاء سيرتدُّون على أعقابهم، ويكفرون بعد موت نبيِّهم - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟ كيف يعلم ذلك ثم يرضى عنهم؟! فهذا مَحْضُ كُفْرٍ وضلال لمن يعتقده.
أضِفْ إلى ذلك أنَّ الطَّعن والنقيصة في صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو طعنٌ ونقيصة في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال الإمام مالكٌ - رحمه الله تعالى - وغيره: "إنَّما أراد هؤلاء الاثنا عَشْرية الطَّعْنَ في رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ليقول القائل: رَجُل سُوء، كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحًا لكان أصحابُه صالحين؛ ولهِذَا قال أهلُ العلم: إنَّ الرَّافضة دَسِيسة الزَّندقة"؛ انظر "منهاج السُّنة النبوية" (4/123).
فسبُّ الصحابة - رضوان الله عليهم - رِدَّة يجب أن يُستَتاب صاحبها، فإن تاب وإلاَّ أُقِيم عليه حَدُّ الرِّدَّة، فاللَّهم ارْضَ عن صحابة نبيِّك - صلَّى الله عليه وسلَّم - اللهم ارض عنهم، والْعَنْ مَن لعَنَهم، فكما أنَّ سَبَّهم وبُغْضَهم والتَّنقُّص منهم رِدَّةٌ وزندقة، فإنَّ حُبَّهم والثناء عليهم والدِّفاع عنهم، دينٌ يُدَان لله به.
ولله دَرُّ الإمام الطَّحاوي السلَفِي السُّني، حيث قال في عقيدته السُّنية السلفيَّة مبيِّنًا منهج أهل السُّنة والجماعة ومعتقدهم في أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حيث قال: "ونُحِبُّ أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا نُفْرِط في حبِّ أحد منهم، ولا نتبَرَّأ من أحد منهم، ونُبْغض مَن يُبْغضهم، وبغير الخير يَذْكُرهم، ولا نذكرهم إلاَّ بخير، وحُبُّهم دين وإيمان وإحسان، وبُغْضهم كُفْر ونِفَاق وطُغْيان"؛ ا.هـ[9].
وخلاصة القول في ذلك أنَّنا نُحبُّ صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ورضي الله عنهم، ونترَضَّى عنهم دون إفراط ولا تفريط، فلا نُغالي فيهم ونرفعهم فوق مَنْزِلتهم كبَشَر، كما يفعل الرَّوافض في رَفْع عليٍّ وأبنائه - رضي الله عنهم - وادِّعاء العصمة لهم وذُرِّيتهم، بل وصل بهِم الانحراف والغلُوُّ إلى أنْ جَعَلوا لهم من الصِّفات والخصائص ما لا ينبغي أن يكون إلاَّ لله - جلَّ وعلا[10].
ولا نجافي ونُفْرِط في بُغضهم كما فعل الرَّوافض والخوارج[11] مِن تكفيرهم، والنَّيْل والطَّعْن فيهم، ولَعْنهم ليلَ نهار، بل وصل الأمر بالخوارج أن قَتَلوا بعضهم، ولا نتبَرَّأ من أحد منهم كما فعَلَت الرَّافضة الأخباث، فمِن عقائدهم الباطلة: لا ولاء إلاَّ ببراء؛ أيْ: لا ولاء لأهل البيت إلاَّ بالتبرُّؤ من باقي الصَّحابة، وفي مُقَدِّمتهم أبو بكر وعُمَر وعثمان - رضي الله عن الجميع.
ونُبْغِض مَن يُبْغِضهم وينتَقِصهم كالرَّافضة والخوارج - عليهم لعائن الله المتتابعة - فبُغض الرَّافضة الزَّنادقة والخوارجِ الفجَرِة دِينٌ يُدان لله به، وحُبُّ الصحابة - رضوان الله عليهم - دين وعلامة على صِدْق الإيمان وسلامة المعتقد، وبُغْضهم والتنقُّص منهم والنَّيل منهم كُفْرٌ ونفاق وضلال وطُغْيان، وعلامة واضحة على فساد المِلَّة، وخراب العقيدة، نسأل الله السلامة والعافية.
إِنِّي أُحِبُّ أَبَا حَفْصٍ وَشِيعَتَهُ
كَمَا أُحِبُّ عَتِيقًا صَاحِبَ الغَارِ وَقَدْ رَضِيتُ عَلِيًّا قُدْوَةً عَلَمًا
وَمَا رَضِيتُ بِقَتْلِ الشَّيْخِ فِي الدَّارِ كُلُّ الصَّحَابَةِ سَادَاتِي وَمُعْتَقَدِي
فَهَلْ عَلَيَّ بِهَذَا القَوْلِ مِنْ عَارِ؟
وصدَقَ الإمام أبو محمَّد القحطانيُّ الأندلسيُّ في نُونيَّته المعروفة بنونية القحطاني، حيث يقول في صحابة الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
قُلْ إِنَّ خَيْرَ الأَنْبِيَاءِ مُحَمَّدٌ
وَأَجَلُّ مَنْ يَمْشِي عَلَى الكُثْبَانِ وَأَجَلُّ صَحْبِ الرُّسْلِ صَحْبُ مُحَمَّدٍ
وَكَذَاكَ أَفْضَلُ صَحْبِهِ العُمَرَانِ رَجُلاَنِ قَدْ خُلِقَا لِنَصْرِ مُحَمَّدٍ
بِدَمِي وَنَفْسِي ذَانِكَ الرَّجُلاَنِ فَهُمَا اللَّذَانِ تَظَاهَرَا لِنَبِيِّنَا
فِي نَصْرِهِ وَهُمَا لَهُ صِهْرَانِ كَانَا عَلَى الإِسْلاَمِ أَشْفَقَ أَهْلِهِ
وَهُمَا لِدِينِ مُحَمَّدٍ جَبَلاَنِ أَصْفَاهُمَا أَقْوَاهُمَا أَخْشَاهُمَا
أَتْقَاهُمَا فِي السِّرِّ وَالإِعْلاَنِ أَسْنَاهُمَا أَزْكَاهُمَا أَعْلاَهُمَا
أَوْفَاهُمَا فِي الوَزْنِ والرُّجْحَانِ صِدِّيقُ أَحْمَدَ صَاحِبُ الغَارِ الَّذِي
هُوَ فِي الْمَغَارَةِ وَالنَّبِيُّ اثْنَانِ أَعْنِي أَبَا بَكْرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ
فِي شَرْعِنَا فِي فَضْلِهِ رَجُلاَنِ هُوَ شَيْخُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَخَيْرُهُمْ
وَإِمَامُهُمْ حَقًّا بِلاَ بُطْلاَنِ لَمَّا قَضَى صِدِّيقُ أَحْمَدَ نَحْبَهُ
دَفَعَ الْخِلاَفَةَ لِلإِمَامِ الثَّانِي أَعْنِي بِهِ الفَارُوقَ فَرَّقَ عَنْوَةً
بِالسَّيْفِ بَيْنَ الكُفْرِ والإِيمَانِ هُوَ أَظْهَرَ الإِسْلاَمَ بَعْدَ خَفَائِهِ
وَمَحَا الظَّلاَمَ وَبَاحَ بِالكِتْمَانِ وَمَضَى وَخَلَّى الأَمْرَ شُورَى بَيْنَهُمْ
فِي الأَمْرِ فَاجْتَمَعُوا عَلَى عُثْمَانِ مَنْ كَانَ يَسْهَرُ لَيْلَهُ فِي رَكْعَةٍ
وِتْرًا فَيُكْمِلُ خَتْمَةَ القُرْآنِ وَلِيَ الخِلاَفَةَ صِهْرُ أَحْمَدَ بَعْدَهُ
أَعْنِي عَلِيَّ العَالِمَ الرَّبَّانِي زَوْجَ البَتُولِ أَخَا الرَّسُولِ وَرُكْنَهُ
لَيْثَ الحُرُوبِ مُنَازِلَ الأَقْرَانِ سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الخِلاَفَةَ رُتْبَةً
وَبَنَى الإِمَامَةَ أَيَّمَا بُنْيَانِ وَاسْتَخْلَفَ الأَصْحَابَ كَيْ لاَ يَدَّعِي
مِنْ بَعْدِ أَحْمَدَ فِي النُّبُوَّةِ ثَانِي أَكْرِمْ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِهِمْ
وَسَعِيدِهِمْ وَبِعَابِدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ ذِي الدِّيَانَةِ والتُّقَى
وَامْدَحْ جَمَاعَةَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ قُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي صَحَابَةِ أَحْمَدٍ
وَامْدَحْ جَمِيعَ الآلِ وَالنِّسْوَانِ دَعْ مَا جَرَى بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي الوَغَى
بِسُيُوفِهِمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَقَتِيلُهُمْ مِنْهُمْ وَقَاتِلُهُمْ لَهُمْ
وَكِلاَهُمَا فِي الْحَشْرِ مَرْحُومَانِ
إلى أنْ قال:
وَاحْفَظْ لآلِ البَيْتِ وَاجِبَ حَقِّهِمْ
وَاعْرِفْ عَلِيًّا أَيَّمَا عِرْفَانِ لاَ تَنْتَقِصْهُ وَلاَ تَزِدْ فِي قَدْرِهِ
فَعَلَيْهِ تَصْلَى النَّارَ طَائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا لاَ تَرْتَضِيهِ خَلِيفَةً
وَتَنُصُّهُ الأُخْرَى إِلَهًا ثَانِي وَالْعَنْ زَنَادِقَةَ الْجَهَالَةِ إِنَّهُمْ
أَعْنَاقُهُمْ غُلَّتْ إِلَى الأَذْقَانِ جَحَدُوا الشَّرَائِعَ وَالنُّبُوَّةَ وَاقْتَدَوْا
بِفَسَادِ مِلَّةِ صَاحِبِ الإِيوَانِ لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى الرَّوَافِضِ إِنَّهُمْ
شَتَمُوا الصَّحَابَةَ دُونَمَا بُرْهَانِ لُعِنُوا كَمَا بَغَضُوا صَحَابَةَ أَحْمَدٍ
وَوِدَادُهُمْ حَقٌّ عَلَى الإِنْسَانِ حُبُّ الصَّحَابَةِ وَالقَرَابَةِ سُنَّةٌ
أَلْقَى بِهَا رَبِّي إِذَا أَحْيَانِي
وقال أيضًا:
إِنَّ الرَّوَافِضَ شَرُّ مَنْ وَطِئَ الحَصَى
مِنْ كُلِّ إِنْسٍ نَاطِقٍ أَوْ جَانِ مَدَحُوا النَّبِيَّ وَخَوَّنُوا أَصْحَابَهُ
وَرَمَوْهُمُ بِالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ حَبُّوا قَرَابَتَهُ وَسَبُّوا صَحْبَهُ
جَدَلاَنِ عِنْدَ اللهِ مُنْتَقِضَانِ فَكَأَنَّمَا آلُ النَّبِيِّ وَصَحْبُهُ
رُوحٌ يَضُمُّ جَمِيعَهَا جَسَدَانِ فِئَتَانِ عِقْدُهُمَا شَرِيعَةُ أَحْمَدٍ
بِأَبِي وَأُمِّي ذَانِكَ الفِئَتَانِ فِئَتَانِ سَالِكَتَانِ فِي سُبُلِ الْهُدَى
وَهُمَا بِدِينِ اللهِ قَائِمَتَانِ
أَحِبَّتي في الله:
مِن ذلك يتبيَّنُ لنا أنَّه لا يوجد أضَلُّ و لا أكفَرُ ولا أفسق من أولئك الرَّوافض الأخباث الأنجاس، الذين نالوا من صحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ونالوا من عِرْض أُمِّنا أُمِّ المؤمنين - رضي الله عنها - وهو في الحقيقة نَيْلٌ وانتقاص لِعِرْض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فضلاً عن كونه تكذيبًا لله - جلَّ وعلا - كما بيَّنَّا ذلك مرارًا.
وعندما تُمْعن النظر - أيُّها المُبارك - في حال أولئك المَلاعين من الرَّوافض الأنذال، وحِقْدهم الدَّفِين، وغِلِّهم العظيم، وكرههم البغيض لصحابة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تجد أنَّ اليهود والنصارى فُضِّلوُا على أولئك الرَّوافض الأنجاس بفضيلة، وهي عدَمُ سبِّ هؤلاء - أي: اليهود والنصارى - لأصحاب أنبيائهم - صلوات الله عليهم جميعًا - قيل لليهود: مَن خَيْرُ أهْلِ مِلَّتِكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنَّصارى: مَن خيرُ أهل مِلَّتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرَّافضة: مَن شَرُّ أهل مِلَّتكم؟ قالوا: أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولم يستثنوا منهم إلاَّ القليل، كما سبق بيانه، ويَجْدر بالذِّكر هنا أنَّ فيمن سَبَّ أولئك الأوغادُ مَن هو خير ممن استثنوهم بأضعافٍ مضاعفة؛ لأنَّهم سَبُّوا الخلفاء الثلاثة أبا بَكْر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - وهم أفضل أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الإطلاق، وهذا عليه إجماع المسلمين.
كلام نفيس:
يقول الإمام محمد بن صبيح المعروف بابن السَّمَّاك - رحمه الله تعالى -: "علمت أنَّ اليهود لا يَسُبُّون أصحاب موسى - عليه السَّلام - وأنَّ النصارى لا يسبُّون أصحاب عيسى - عليه السَّلام - فما بالُكَ يا جاهل، سببتَ أصحاب محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟ وقد علمت مِن أين أُتيت، لَمْ يَشْغَلْك ذنبُك، أمَا لو شَغَلك ذنبك، لَخِفْتَ رَبَّك، لقد كان في ذنبك شغلٌ عن المُسِيئين، فكيف لم يَشْغلك عن المحسنين؟
أما لو كنتَ من المحسنين، لَمَا تناولْتَ المسيئين، ولرجوتَ لهم أرحم الرَّاحمين، ولكنَّك من المسيئين، فمِنْ ثَمَّ عِبْتَ الشهداء والصالحين.
أيُّها العائبُ لأصحاب محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لو نِمْتَ ليلك وأفطرتَ نهارك، لكان خيرًا لك من قيام ليلك وصوم نهارك، مع سُوء قولك في أصحاب محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - فويحك! لا قيام ليلٍ ولا صوم نهار، وأنت تتناول الأخيار! فأبشرْ بما ليس فيه البُشْرى، إن لم تَتُب مما تسمع وترى.
ويحك! هؤلاء شُرِّفوا في أُحُدٍ، وهؤلاء جاء العَفْو عن الله - تعالى - فيهم، فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ [آل عمران: 155]، فما تقول فيمن عَفا الله عنهم؟
نحن نحتجُّ بخليل الرَّحمن إبراهيم، قال: ﴿ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [إبراهيم: 36]، فقد عَرَّض العاصي للغُفْران، فلو قال: فإنَّك عزيزٌ حكيم، أو عذابك عذابٌ أليم، فبِمَ تحتجُّ يا جاهل إلاَّ بالجاهلين؟! شرُّ الخلَفِ خلفٌ شتموا السَّلَف، والله، لَواحدٌ من السَّلف خيرٌ من ألفٍ من الخلف"؛ ا.هـ[12].
والحديث عن الصَّحابة وفَضْلِهم حديثٌ مُمْتِع وذو شُجون، ولقد تحَدَّث العلماء قديمًا وحديثًا عن فضلهم، والذَّبِّ عنهم، وبيان فساد وعوار مَن تكَلَّم فيهم، وخلاصة القول في ذلك أنَّ محبَّة الصَّحابة الكرام دِين يُدان لله به، وقُربة يُتَقرَّب إلى الله بها، والدِّفاع عنهم واجبٌ متأكِّد الفرضيَّة على جميع المسلمين؛ كلٌّ على حسب قدرته وطاقته وإمكانياته.
ومن صُوَر الدِّفاع عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - دَعْم تلك القنوات التي تُدَافع وتذبُّ عن أعراض رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا فيما أظنُّ وأعتقد أنَّ دَعْم مثل هذه القنوات من الجهاد في سبيل الله، الذي قال عنه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((جاهدوا المُشْرِكين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم))[13].
ومن صور الدِّفاع عنهم أيضًا قراءة سِيَرِهم، ومعرفة فضائلهم ونَشْرها في العالَمِين، وأن نُحْيِي ذِكْراهم بالتَّأسِّي بهِم، وتخليد أسمائهم بشتىَّ الطُّرق والوسائل، مُحْتَسِبين الأجر في ذلك، ومعتقدين أنَّنا بذلك نُدَافع عن الدِّين كُلِّه؛ لأنَّهم - رضي الله عنهم - هم حمَلَة الدِّين، فالتنقُّص منهم والنَّيل من مقامهم الشَّريف، هو في الحقيقة تنقُّص من الدِّين وهدْمٌ له.
هذا، والله أعلم، وصلِّ اللَّهم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصَحْبِه، وسلِّم.