خزائن الله ملأى لا ينقصها شيء فإنه إذا أراد شيئا إنما يقول له «كن فيكون» فلا يعجزه شيء ولا يستكثر عليه شيء وله الحكمة في إعطاء من يشاء ومنع من يشاء وإجابة من يشاء، قال تعالى ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير) (آل عمران- 26) فعلى العبد أن يتوجه بدعائه إلى ربه المالك القادر السميع البصير.
أمر الله عباده بدعائه
قال تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) (غافر- 60) فلذلك يدعو الداعي ولسان حاله أدعوك كما أمرتني فاستجب ما وعدتني وبدعائه هذا يمتثل أمر ربه بالتوجه إليه وسؤاله كشف الضر أو جلب الرزق والنصر أو طلب المغفرة والجنة.
الله قريب ممن يدعوه فلا حاجة إلى الوسائط من الأولياء والصالحين والأموات بل على العبد أن ينفع نفسه بنفسه ويمد يديه لربه ليستجيب له، فالله سميع بصير مجيب، قال تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) (البقرة- 186). وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه- قال: فكنا إذا أشرفنا على وادي هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائب إنه معكم إنه سميع قريب) (متفق عليه). فبعض الناس يدعو غير الله فينادي يا فلان أو مدد يا سيدي، ويسمي من يدعوه وبعضهم يتوجه إلى قبور الأولياء ويدعوهم لكشف ضر أو إجابة حاجة، وهذا ¢شرك¢ محرم، والبعض يزعم أن ذلك وساطة وإلا فالمدعو هو الله ولكن هذه الوساطة لم يشرعها الله وهي منافية لقوله تعالى (فإني قريب) فعلى الداعي ألا يذهب إلى هذه الأماكن التي فيها قبور الصالحين لكي يدعو عندها بل يرفع يديه إلى السماء ويدعو ربه، قال تعالى (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) (النمل- 62).
الدعاء يوجه إلى الله يحصل من البعض أن يدعو فيقول بجاه النبي وهذا خطأ، فالدعاء يوجه إلى الله مباشرة دون أن يتوسط بجاه أحد، وهناك من يذهب عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويتجه نحو القبر ويدعو وهذا خطأ، مع العلم بأن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عظيمة والله هو الذي أوجب محبته ورفع قدره، قال تعالى (ورفعنا لك ذكرك) (الانشراح- 4)، ولكن المعبود هو الله والذي يتوجه إليه بالدعاء هو الله ولا يعبد إلا بما شرع ولم يذكر في الشرع هذه الألفاظ عند الدعاء بل هي تنافي إخلاص العبادة لله وتعظيم الله حق التعظيم فلا يدعى غير الله ولا يتوسط بجاه أحد بل يسأل وحده جل وعلا.
الدعاء عبادة العبادات متنوعة وكلها يتقرب بها إلى الله ومن ضمنها الدعاء، عن النعمان بن بشير- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة»، (رواه الترمذي)، وقال حديث حسن صحيح. فالدعاء فيه: ¼ إظهار الافتقار إلى الله ¼ إظهار ذل العبادة لربه وحاجته إليه ¼ أن العبد يعلم أن ربه قوي غني قادر على إجابته فالعبد بهذه المظاهر وعند رفعه يديه إلى ربه يسأله حاجته يمتثل العبودية لله وحده، والداعي ربه مأجور على عمله هذا لأنه بالدعاء هو في عبادة ويصرف شيئا من وقته في طاعة الله.
دعاء الصائم مستجاب أكرم الله الصائم بأنه مستجاب الدعوة عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر» (رواه الترمذي)، وعنه صلى الله عليه وسلم «ثلاث دعوات لا ترد دعوتهم، دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر»، وهذا في حالة إذا لم يكن هناك موانع تمنع إجابة الدعاء. موانع إجابة الدعاء
(1) أكل الحرام: فهذا سبب في منع إجابة الدعاء من الصائم أو غيره، فالكسب الحرام إما بالربا أو بالرشوة أو بالغش في البيع أو بيع محرم أو العمل في عمل محرم ويأخذ المال ثم ينفق على نفسه، فهذا يمنع إجابة الدعاء والدليل على ذلك حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذيّ بالحرام فأنى يستجاب له»رواه مسلم. فلنحرص على الكسب الحلال ولنحذر من أكل الحرام فإنه يمنع إجابة الدعاء، ولحم نبت من الحرام فالنار أولى به.
(2)الاستعجال: الداعي إلى ربه لا يعلم هل الأصلح أن يستجاب له في هذا الوقت أو بعد مدة، والذي ينبغي أن يلح في الدعاء ويكرر الدعاء، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول: قد دعوت ربي فلم يستجب لي» (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم «قيل يا رسول الله ما الاستعجال قال: يقول قد دعوت وقد دعوت فلم أر يستجيب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء».
(3) عدم حضور القلب: لا بد من حضور القلب عند الدعاء فهناك من يرفع يديه بالدعاء وبصره إلى من حوله يمينا وشمالا بما يشعر بأنه غير جاد في دعائه وغافل عما يقول وهذا من موانع الإجابة، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أدعو الله وأنتم موقنون بالإجابة وأعلموا أن الله لا يستجيب من قلب غافل لاه» (رواه الترمذي). فيكون الدعاء مع الثقة بالله وأنه سيجيب الدعاء وحضور القلب ويعي ما يقول.
(4) ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر به قوام الدين وعزته وهو سبب لحماية المجتمع من الانحراف والانحلال والأمر بالمعروف أن تسعى لنقل الخير إلى الغير، والمنكر كالشرك وغيره من المحرمات كسماع المحرمات وإطلاق البصر بالنظر إلى النساء وصورهن، قال تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) (النور- 30)، وهذا يجب أن يبتعد عنه المسلم وينهى من يقع فيه حتى يطهر المجتمع وينال رضا ربه وإنكار المنكر مراتب، إنكار باليد أو باللسان أو بالقلب بحسب سلطة الشخص وقدرته ويكون له دور في إزالة المنكر ولا يقر ذلك المنكر فإن أهمل ذلك كله فهذا يمنع إجابة الدعاء والدليل حديث حذيفة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم» (رواه الترمذي وقال حديث حسن)، فحري بمن يريد أن يستجاب دعاؤه أن يتجنب هذه الموانع ثم يسأل الله من فضله. مواطن يستجاب فيها الدعاء -1 جوف الليل الآخر: عن جابر- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله تعالى من خير الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة» (رواه مسلم). -2 بين الأذان والإقامة. -3 الجهة فيها ساعة يستجاب فيها قيل وقتها من بعد العصر إلى المغرب، وقيل عند صعود الخطيب على المنبر، وقيل ما بين الخطبتين. -4 دعاء يوم عرفة. -5 الدعاء بظهر الغيب، فمن دعا لأخيه قيل له ولك بالمثل. -6 الدعاء في حالة السجود، عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء» (رواه مسلم).
الجزم بالطلب في الدعاء فلا يعلق دعاءه بالمشيئة ويقول أعطني إن شئت أو أغفر لي إن شئت، عن أنس- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا أحدكم فليعزم في المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت أعطني فإنه لا مستكره له» (متفق عليه)، وهذا لا يخالف الدعاء للمريض بقول «لا بأس طهور إن شاء الله»، فهذا من باب الإخبار أما إن قال «اللهم» فهو يطلب ربه فلا يعلق ذلك الطلب بالمشيئة.
أدعية مستجابة دعوة أيوب عليه السلام فقد أتعبه المرض ولازمه مدة طويلة فدعا ربه فكشف ضره، قال تعالى (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وءاتيناه أهله ومثلهم معهم ) (الأنبياء 84-83). دعوة يونس عليه السلام فإنه نادى ربه في بطن الحوت فاستجاب له السميع البصير ونجاه من ذلك الكرب قال تعالى (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) (الأنبياء - 88-87). دعوة زكريا، استجاب الله دعاءه عندما طلب الولد فرزقه النبي يحيى عليه السلام. أدعية من القرآن والسنة (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (آل عمران- . (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) (رواه مسلم). (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي وأصلح آخرتي التي فيها معادي وأجعل الحياة زيادة لي في كل خير وأجعل الموت راحة لي من كل شر) (رواه مسلم). الداعي ربه مستفيد في كل الأحوال عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها الله له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر» (رواه أحمد). صاحب الدعاء قد نال أحد الخيرات التالية: -1 قد يستجيب الله إلى دعائه عاجلا في الدنيا ويتحقق له ما طلب. -2 يمكن ألا يستجيب الله له عاجلا في الدنيا ولكنه يؤتيه أجرا عظيما في الآخرة خيرا له مما طلب ولم يتحقق وذلك بسبب ذلك الدعاء. -3 ربما صرف الله عنه من السوء بسبب دعائه وإن لم يتحقق ما دعاه، ولكنه يسلم من شرور كثيرة. لاحظ أن كثيرا من المصائب يشعر العبد بأن الله صرفها عنه وإلا كادت أن تحيط به وقد نجا منها يمكن هذه المصيبة صرفت عنه بسبب أن دعا في أمر ما فلم يستجب له، ولكن بالمقابل صرف عنه هذا السوء، وهذا الترغيب في الدعاء دفع الصحابة إلى أن قالوا إذا نكثر من الدعاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فالله أكثر، يستطيع أن يستجيب كل دعاء أو يدخره لصاحبه يوم القيامة، أو يصرف عنه من السوء. ومن دعا ربه فهو في عبادة يؤجر عليها فليحرص العبد على الدعاء في أي وقت وفي مواطن إجابة الدعاء وعندما يحزبه أمر وفي كل وقت ويسأل ربه من خير الدنيا وخير الآخرة «ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة» ونسأل الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه وينصرهم على من آذاهم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.