►๑◄ الخلاف والفرقة .. بداية النهاية ►๑◄
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأفاضل الكرماء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حينما تكون قبضة اليد محتضنة بعضها بعضاً فالكل يعلم أنها ترمزٌ للقوة .
في بعضٍ من حالات الركود - بين الناس في المجتمع الواحد- دليلٌ على أن هناك أمورٌ داخلية تُبعِدهم عن العمل سوياً في حبٍّ ونقاء، وتتيه بهم في محيط الحياة الهائج كما تلطم أمواج البحر السفين بلا ربِّان، أو تجعلهم أحزاباً يصطادون لبعضهم الزلل في المواقف المتعددة..
فإن حصل هذا الأمر؛ فهو دليلٌ على إصابة القلب بسهمٍ طائش لا يُعلم من أين أتى، أو دليلٌ على أن هناك من يحفر لهذا المجتمع من الداخل فينخر فيه ليوقع به ويهدُّ بنيانه دون أن يعلم كثيرٌ من أهل هذا المجتمع .
إن المكاشفة وصفاء السريرة ونقاء القلب من فكرة الانتصار للنفس والانتقام للذات لهي من أروع الصفات التي يتصف بها الإنسان، ولا ينبغي أن نكون كقول القائل: نحن بني فلان، نرضى أمام الجميع وقلوبنا لا ترضى .. فالقلوب هي المحك، وهي التي نعِّلُ عليها ونرجو سلامتها.
إن ناقوس الفرقة والاختلاف يعزف أوتاره لطوائف البشر، فيُطَرِبُ له أُناسٌ قذفوا أسماعهم إليه، وأناخوا عقولهم بين دفتيه، ولم يكلفوا أنفسهم بسط السريرة لكي يجدوا ولو خُرم إبره للإصلاح، والإصلاح فنٌ كلنا نهفوا إليه، والفرقة والتباعد والبذل لمنهج التحزب هو المطرقة التي تهدم البناء، وإنني والله لأخاف من أن نكون أنصاراً لهذا الناقوس، وأعلم أن في هذه المنتديات من يخاف مثلي ويخشى التبعية دون تحكيم العقل وكلكم هنا عقولٌ نفتخر بوجودها، ونسعد بكلماتها، ونأنس بمواضيعها وحواراتها .
يقول الله سبحانه وتعالى: (( ولا تفرَّقوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ))
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ))
وقد قيل في المثل: ( إنما أُكِلتُ حينما أُكِلَ الثور الأبيض )
أخوتي الكرام الأفاضل
إن ديننا يحث على الوحدة والإتلاف، ويُحذر من الفرقة والاختلاف، وقد حرص خير من وطئ الثرى وخير البشرية عليه صلاة والله وسلامه على الحرص على اجتماع كلمة أمته والْحَوْلِ بينها وبين الخلاف والفرقة، وأمر أصحابه أن يصبروا في سبيل هذا المبدأ الرائع حتى وإن واجههم أئمة ظالمين وجائرين، ما لم يأتوا الكفر الصريح، فقد روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: "دعانا رسول الله ‘ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله؛ إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان" رواه البخاري.
ولمَّا كان الاجتماع والائتلاف من دعائم القوة التي يرتفع بها الشأن وتعلو الكلمة على كلمة أعدائهم، جعل إصلاح ذات البين أفضل من الصيام والصلاة والصدقة، ولمَّا كان فساد ذات البين من أعظم الأمور التي تضعف الفرد وتبعده عن رضا الله ونصره، جعل ذلك حالقاً للدين، كما في حديث أبي الدرداء، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة. وفي رواية: هي الحالقة، لا أقول هي تحلق الشعر ولكن تحلق الدين . رواه أبو داوود.
إن العقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة والقوة والفلاح والرفعة والروعة، وهي سمة التآلف ونبذ التخالف، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله:
كونوا جميعا يا بني إذا اعترى **** خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا **** وإذا افترقن تكسرت آحادا
أيها الأحبة الكرام الأفاضل
لا نريد انتصاراتٍ للذات، ولا تعالي على البعض، فكلنا أبناء آدم وآدمُ من تراب، فكيف يتعالى عن الحق من أصله من تراب، وكيف ينال البعض منا من الآخر لمجرد كلام أو اختلاف أفكار أو رأيٌ يحتمل الصواب والخطأ أو سياسة يراها هذا صواباً ويراها الآخر خطأ .
كل يرى رأيا وينصر قولـه **** وله يعادي سائر الإخوان
ولو أنهم عند التنازع وُفِقُـوا **** لتحاكموا لله دون تــوان
ولأصبحوا بعد الخصام أحبة **** غيظ العدا ومذلة الشيطان
إن الوحدة التي أرغبها أيها الأحبة الكرام لا تأتي هكذا سريعاً، وإنما بالبذل والعطاء والتدرج ، وما لا يُدرك كله لا يُترك كلهُ ، والوعي لهذه الآفة مطلوب .
فلست الذي يهوى خصاماً وفرقةً **** فإن خِصام الناس إحدى القواسم
ولكنني أهــــوى وفـاقـاً يُعِــزُّنــــــا **** ونبني به صــرحاً قوي الدعــائمِ
ولو انبثاق الجود من طبع نفسه **** لما حدَّث التأريخُ عن جود حاتمِ
دمتم بألف خير ولكم مني التقدير والاحترام، وأعتذر عن الإطالة .