۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 ж فجوة العقل اللغوي العربي ж

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الفارس

عضو مبدع  عضو مبدع
الفارس


الجنس : ذكر
العمر : 41
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 30/09/2011
عدد المساهمات : 239

ж  فجوة العقل اللغوي العربي  ж  Empty
مُساهمةموضوع: ж فجوة العقل اللغوي العربي ж    ж  فجوة العقل اللغوي العربي  ж  Icon_minitimeالإثنين 07 نوفمبر 2011, 8:37 am




ж فجوة العقل اللغوي العربي ж


ж  فجوة العقل اللغوي العربي  ж  Images?q=tbn:ANd9GcR0LxmxzjZHzUMqE8hSQbPEA3hVL-8YHYmmPNlCq8CUITnIobtJys7NRC8


تعود آفات حياتنا في مجموعها إلى علل لغوية، تصدع الوحدة، وتحرمنا الدقة، وتبدد الجهد، وتعوق تسامي الروح والجسد والعقل والقلب. هذا ما خلص إليه أمين الخولي قبل ما يقرب من سبعين عاما، ولم نكن يوماً في حاجة إلى تمثل حكمة شيخنا العظيم قدر حاجتنا إليها الآن, واللغة العربية تواجه تحديات جساماً إزاء النقلة النوعية الحادة لمجتمع المعرفة. فقد فُرضت عليها ، مثلها مثل لغات العالم الأخرى، ضرورة تحقيق مطالب هذا المجتمع الذي تؤدي فيه اللغة دورا محوريا، في ذات الوقت الذي تعاني فيه العربية من أزمة حادة: تنظيرا وتعجيما وتعليما وتوظيفا وتوثيقا. وقد أظهرت الإنترنت، سواء على صعيد البحث أو البث، مدى حدة هذه الأزمة الطاحنة, التي ترسخت حتى كادت تصبح عاهة حضارية شوهاء تلطخ جبين أمتنا العربية، وهو ما حدا بتقرير التنمية الإنسانية العربية الثاني إلى أن يصرح بأن انتشال العربية من أزمتها الراهنة يعد شرطا أساسيا للحاق المجتمعات العربية بركب مجتمع المعرفة.

في ضوء ما سبق, بميسورنا القول أن فجوة العقل اللغوي هي "الفجوة الأساس" التي يلزم رأبها من أجل بعث الحياة في أوصال آلة إنتاجنا المعرفي التي أصابها الشلل، وما أشح ما تنتجه: فلسفة وعلما وفكرا وفنا وتقنية. واللغة ـ بلا منازع ـ هي القادرة على إشعال فتيل الثورة المعرفية, لكونها رابطة العقد في خريطة المعرفة الإنسانية الشاملة. فهي ـ أي اللغة ـ الفرع المعرفي الوحيد الذي ينفرد بشبكة من العلاقات الوثيقة, تربطه بجميع فروع المعرفة دون استثناء؛ بالفلسفة والعلوم: طبيعية وإنسانية، والفنون على اختلاف أجناسها. وقد أقامت اللغة، بفضل تقانة المعلومات، وفضل اللغة عليها، علاقات بالهندسة والتقانة تزداد وثوقا يوما بعد يوم فيما يعرف حاليا بهندسة اللغة وتقاناتها.

من جانب آخر، فإن رأب فجوة العقل اللغوي العربي أصبح مطلبا أساسيا كي لا ينسحق الإنسان العربي أمام إعصار المعلومات الجارف للإنترنت، الذي يحمل في تياره كمّاً هائلاً من البيانات اللغوية، وهو ما يتعذر احتواؤه وتقطيره معرفيا دون وسائل لغوية مبتكرة وطيِّعة، تتيح النفاذ إلى عمق النصوص وتحليلها وتصنيفها، والكشف عن شبكة العلاقات اللفظية والسياقية والمنطقية التي تموج بداخلها.

لكي يتسنى للكاتب تناول فجوة العقل اللغوي العربي, كان لزاما عليه أن يدرس مناهج الدراسة في معاهد اللغات وأقسام اللغة العربية بكليات الآداب ودار العلوم وجامعة الأزهر وكلية الألسن، وأن يمسح، بالقدر الذي تتطلبه الدراسة، حصاد ما تصدره المجامع العربية، ودوريات العلوم الإنسانية. وحسْبنا أننا لا نفاجئ أحدا بقولنا كم هي قديمة هذه المناهج، وكم هو هزيل هذا الحصاد، باستثناء نذْرٍ قليل نذكر هنا من أمثلته: مجلة العلوم الاجتماعية التي تصدرها جامعة الكويت, ودورية "ألف" التي تصدرها الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وسلسلة الكتاب السنوي للبرنامج الثقافي للمجمع اللغوي الأردني. إن نظرة سريعة في موقفنا اللغوي الراهن لتؤكد مدى تخلُّفه عن الركب اللغوي العالمي, المنطلق بأقصى سرعة, بعد أن أصبحت اللغة ركيزة أساسية لتطوير الحاسوب فهي ـ أي اللغة مرة أخرى ـ التي ننظر من خلالها إلى العالم الذي يتطور بسرعة هائلة.



أولا: فجوة العقل اللغوي الفلسفي

تتخذ علاقة اللغة بالفلسفة ثلاثة مسالك رئيسية هي:

· الفلسفة اللغوية linguistic philosophy

· فلسفة اللغة philosophy of language

· فلسفة اللسانيات philosophy of linguistics

( أ ) الفلسفة اللغوية: وهي تنظر إلى اللغة ـ من جانب ـ بصفتها إشكالية محورية في الفكر الإنساني عموما، ومن جانب آخر بصفتها أداة لا غنى عنها لصياغة السرد الفلسفي. ومن أبرز الفلاسفة اللغويين فيتجنشتين وفريجه وهيدجر وبرتراند راسل ونيتشه، هذا الرعيل العظيم الذي تدين له اللغة بموقعها المتميز الذي تتبوؤه حاليا في المدارس الفكرية الحديثة، من بنيوية وما بعد البنيوية وتفكيكية, وما بعد الحداثة وما بعد الكولونيالية. ويمكن القول ـ بصفة عامة ـ أن الفلسفة اللغوية تنشغل بسؤال أساسي هو: ماذا تعني اللغة؟ ويقصد بذلك ماذا يمكن للغة أن تولده وتوصله من معان وأفكار وأخيلة وتصورات؟ وماذا يمكن لها أن تطمسه وتحجبه منها؟، سواء بقصدٍ من مستخدمها أو بغير قصد منه نتيجة لقيود كامنة في منظومة اللغة ذاتها.

الموقف العربي الراهن: شهدت نشأة الفلسفة الإسلامية لقاء مثيرا ومثريا بين اللغة العربية، ممثلة بعلم الكلام، وبين فلسفة الإغريق التي أحسن الفكر الإسلامي استقبالها. وقد انشغل الفكر الإسلامي بالعلاقة الثلاثية بين الدين واللغة والمنطق، فكان أن سعى من خلال المنطق لأنْ يقيم لكل قاعدة لغوية سببا منطقيا يكون واسطةً لا بد منها لتفسير الأسباب وراء الأحكام الفقهية تفسيراً منهجياً ومتعمقاً, وذلك نظرا للعلاقة الوثيقة بين اللغة والنص القرآني. وحتى في مقام خصومة هذا الفكر مع الفلسفة كانت اللغة هي المحك أيضا؛ ففي "تهافت الفلاسفة" للغزالي انصب جل نقده على الجانب اللغوي للتفاؤل الفلسفي؛ فتهافت ابن رشد ـ كما يرى إمامنا ـ ناجم عن قضايا لغوية لا فكرية.

وفي فكر المعاصرين كانت اللغة أيضا ركيزة أساسية، ونكتفي هنا بمثالين: المثال الأول نستقيه من منهج محمد عابد الجابري في "بنية العقل العربي" على أساس الصلة بين نظام البيان اللغوي ونظام العقل. وفي قراءته للتراث الإسلامي يتخذ الجابري من اللغة منطلقا أساسيا لنهجه البنيوي في تناوله له، والمثال الثاني نستقيه من الإسلاميات التطبيقية كما وضع إطارها محمد أركون متخذا من اللغة ركيزة أساسية لها، وبرغم تأصل العلاقة الفلسفية-اللغوية في فكر السلف فإن هذا الفكر في حداثته بات عاجزا عن إعادة الوصال بينه وبين الفلسفة, ويرجع ذلك ـ في رأي الكاتب ـ إلى عدة أسباب من أهمها:

· تصور البعض أن النص القرآني لن تكون له القدرة على النفاذ والتأثير إلا بافتراض الشفافية التامة للغة في نقل المعاني، فاللفظ لدى أبي حامد الغزالي "دال على المعنى الذي في النفس، والذي في النفس هو مثال للموجود في الأعيان"، واللغة ـ بالقطع ـ ليست وسيطا شفافا، فالاستتار والغموض واللبس والمجاز خصائص جوهرية في منظومة اللغة. وكما أثبتت اللسانيات الحديثة استحالة المطابقة بين اللفظ وللمعنى، كذلك أثبت علم النص الحديث استحالة مطابقة اللغة للواقع (ذلك الموجود في الأعيان)، فمهما بلغت قدرتها ودقتها ستظل اللغة مجرد تمثيل لهذا الواقع لا مرآة له، وستظل هناك تلك المسافة التي تفصل بين اللفظ وما يشير إليه في عالم الواقع، وسيظل اكتمال المعنى اللغوي مُرْجأً دوما ومنفتحا على التغير, ما بقيت الجماعة الناطقة باللغة ـ كعهدها دوما ـ تستعملها استعمالاً متكراً ومفاجئاً أحيانا. خلاصة القول إيابا إلى ما سبق، إن نصنا المحوري يظل قادرا على النفاذ والتواصل برغم عدم الشفافية اللغوية، وليس من سلطة أحد أن يحرم معانيه ـ باستثناء ما يتعلق بثوابته ـ من حقها في التغير والاستتار، واحتمال تعدد التفسير، والتوسع المجازي، فهذا الحرمان يسيء أشد الإساءة إلى لازمنية هذا النص الفريد وعالميته.

· عدم قدرة الفكر الإسلامي أن يتخلص من حساسيته المفرطة تجاه معظم الفلسفات الحديثة التي أولت إشكالية اللغة اهتماما كبيرا، مثل الوضعية المنطقية التي سعت لوضع لغة منضبطة لصياغة المقولات المنطقية والنظريات العلمية بصورة لا تحتمل الغموض أو اللبس، والفلسفة التأويلية التي سعت لتحاشي سوء الفهم الذي ينجم عن وسيط اللغة، وفلسفة العدم لدى نيتشة التي يطالبنا فيها بإعادة النظر في كل حصاد معارفنا؛ فقد قامت ـ في وجهة نظره ـ على أوهام من صنع اللغة ومجازها وتكتيكاتها ورواسب استعمالاتها السابقة، وفلسفة الوجود لدى هيدجر التي يطالبنا فيها بإرجاع اللغة إلى منابعها الأولى واسترداد نصاعتها وطهارتها بتخليصها مما تسرب إلى كيانها عبر تاريخها، من أفكار وإيحاءات وتوجهات وافتراضات، وذلك كي يمكننا استعادة وجودنا الأصيل الذي يفلت من بين أيدينا دون أن ندري نتيجة لزيغ اللغة وزيفها أحيانا.

· عدم الاهتمام أكاديميا وثقافيا بنظرية المعرفة وفلسفتها, فهما اللتان تلقيان الضوء على الحدود القصوى التي يمكن أن تصل إليها آفاق المعرفة الإنسانية، وعلى القيود الذهنية واللغوية التي تكبل العقل في تجاوز هذه الحدود.

(ب) فلسفة اللغة: تنشغل فلسفة اللغة بسؤال محوري هو كيف تعني اللغة؟ أي كيف تُولدِّ اللغة معانيها؟، معاني ألفاظها وجملها ونصوصها؟ وكيف تتآلف وتتباين هذه المعاني وتتداخل وتتراكب مشيدة معمار الخطاب اللغوي على اختلاف أشكاله ومقاصده؟

لقد كانت الفلسفة دوما هي المنهل الأساسي الذي يلجأ إليه التنظير اللغوي، فكانت الإمبريقية أساس النموذج السلوكي لسكينر لاكتساب الذهنِ اللغةَ بالتقليد والتكرار والمحاولة والخطأ انطلاقا من ثنائية المثيرات والاستجابات، وكانت فلسفة بيرس الرمزية هي الأساس الذي انطلق منه فرديناند دي سوسير في تأسيسه لنظريةٍ للغة تتمحور حول علاقة الرمز بالمعنى، ويأتي بعده نعوم تشومسكي ليضع نموذجه الذهني لاكتساب اللغة على هدى مما خلص إليه كانط, من أن العقل ينشأ وهو يحمل في جوفه بذورا، أو بدائيات، معرفية يقيم من أبجديتها أكثر البنى المعرفية تعقيدا، حيث يقوم هذا النموذج على أساس أننا نُوْلًد بمَلَكَة، أو غريزة لغوية، يشترك فيها كافة البشر، يجري تطويعها لمطالب اللغة الأم خلال التفاعل المباشر مع البيئة اللغوية التي ينمو فيها الطفل.

الموقف العربي الراهن: كما هو معروف تظهر حاجة الفكر العلمي إلى الفلسفة كلما اقترب هذا الفكر من مشارفه القصوى، أي عندما يصطدم بعقبات منهجية أو موضوعية، يصعب احتواؤها في إطار النظريات القائمة بالفعل. ولأننا لم نلحق بعد بالثورة العلمية التي حدثت، وتحدث، في الغرب في مجال اللسانيات منذ منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ فعلى المرء أن يتوقع أن يظل فكرنا اللغوي بمنأى عن اقتحام عالم الفلسفة؛ فأين هي تلك المشارف القصوى، وتلك العقبات التي تستحثه على فعل ذلك؟!، ولنا أن نضيف هنا أن من أهم الأسباب التي أدت إلى ضمور مساهمة الفكر العربي في مجال فلسفة اللغة هو إهمال فكرنا اللغوي الراهن لشق المعنى الذي يمثل ـ كما أشرنا آنفاً ـ الإشكالية المحورية لهذه الفلسفة. و من يريد أن يتحقق من ذلك نوصيه بمراجعة قائمة البحوث والدراسات التي تصدرها المجامع والجامعات ليرى مدى تركيز هذا الفكر على الجوانب الصورية للنحو والصرف والمعجم.

ولا يعني ما سبق أن نستكين فلسفيا على جبهة اللغة، فما زال في الجعبة الكثير من الإشكاليات التي لم يتطرق إليها الفكر اللغوي الفلسفي بعد، من أمثلة ذلك:

· علاقة اللغة بفلسفة المخ خاصة فيما يتعلق بمفهوم الوعي الذي مازال زائغا وحائرا بين جدل الذاتية والموضوعية.

· علاقة اللغة بخارجها، وعلاقة المقال بالمقام وبخلفيات وقدرات المشاركين في الحدث اللغوي، وهو ما تتصدى له حاليا البرجماتية اللغوية التي ما زالت مجالا معرفيا بكرا.

· علاقة اللغة بالفلسفة الاجتماعية الجديدة وليدة مجتمع المعرفة، والتي ما زالت ـ هي الأخرى ـ في مراحلها الأولى.

( ج ) فلسفة اللسانيات: تعددت النظريات اللغوية وتضاربت إلى حد وصفها بـ "الحروب اللسانية"، وهو ما أغرى رائد اللسانيات الحديثة ناعوم تشومسكي أن يعمل على لَمِّ شملها في نظرية شاملة توحد ما بين هذه النظريات اللغوية. وكان لا بد لمسعاه الطموح هذا أن يغوص إلى جوهر منظومة اللغة بحثا عن الحد الأدنى من العناصر التي تتحكم في أداء هذه المنظومة، والتي يمكن بواسطتها تفسير ظواهرها, وتحديد القواسم المشتركة التي تربط بين النظريات اللغوية, برغم ما نبدو عليه ـ عادة ـ من اختلاف. ولتكتمل الحلقة يربط تشومسكي بين عناصر الحد الأدنى هذه واقتصادية استعمال المخ البشري لموارده الفسيولوجية, على أساس أن الذهن يميل ـ بحكم طبيعته ـ إلى استعمال أقل الموارد الممكنة في القيام بوظائفه اللغوية، سواء في توليد المنطوقات اللغوية أو فهمها. وربما يكون ذلك توطئه للمواجهة المرتقبة بين اللغة والبيولوجيا الجزيئية، إذ تستلزم مثل هذه المواجهة العلمية ضرورة التعامل بالاستفادة من عدد محدود من المعطيات المتبادلة, حتى يمكن محاصرة ظاهرة هذا التداخل العلمي الشائك وصياغتها صياغة منهجية منضبطة.

وكان لا بد أن تؤثر هذه الثورة التنظيرية في الفكر الفلسفي، و بالفعل يتبلور حاليا ما يمكن أن نطلق عليه "فلسفة اللسانيات"؛ فلسفة تقيم صرحها هذه المرة من "أسفل إلى أعلى"؛ من النظرية إلى الفلسفة، لا من "أعلى إلى أسفل"، أي من الفلسفة إلى النظرية كما أشرنا سالفاً في حديثنا عن الإمبيريقية والنموذج السلوكي لسكينر، ورمزية بيرس ونظرية دي سوسير، وعقلانية كانط والنموذج الذهني لتشومسكي.

الموقف العربي الراهن: كما هو متوقع فإن الفكر اللغوي الفلسفي لدينا لم يتأهل بعد ليدلي بدلوه في فلسفة اللسانيات, إذ لم يستوعب بعد معظم النظريات اللسانية التي تقوم عليها هذه الفلسفة الجامعة، و مع ذلك فإن بناء الفلسفة من أسفل إلى أعلى انطلاقا من النظريات العلمية يمكن أن يمثل فرصة مواتية لإحياء حوار كاد أن يغيب عن ساحتنا الفكرية بين علمائنا وفلاسفتنا، فمعظم علمائنا مازالوا ينظرون بريبة إلى جدوى الفلسفة، ومعظم فلاسفتنا لم يدركوا بعد دور العلم في الفكر الفلسفي الحديث.



ثانيا: فجوة العقل اللغوي النظري

2 : 1 المقصود بفجوة العقل اللغوي النظري

إجمالا، تنقسم منظومة اللغة إلى شقين أساسيين:

· شق النحو grammar: ويتمثل في نظام القواعد الذي تعمل وفقا له الفروع اللغوية المختلفة من صوتيات phonology وصرف morphology وتركيب syntax ودلالة semantics.

· شق المعجم lexicon: ويتضمن قائمة مفردات اللغة، ومعاني هذه المفردات، والعلاقات الداخلية التي تربط بينها، والعلاقات الخارجية التي تربط بين معاني المفردات والفروع اللغوية المذكورة آنفاً، كعلاقة معنى اللفظ بالصيغة الصرفية، وعلاقته بالسياقات النحوية التي يرد بها اللفظ داخل النص، وهي السياقات التي تحدد معناه، وكذلك علاقة منظومة المعجم في جملته بالواقع خارجه باعتباره ـ أي المعجم ـ هو خط المواجهة الأول بين اللغة والعالم الذي تسعى لِتمثيله وتمثله.

سنتناول هنا فجوة العقل العربي النظري فيما يخص شق النحو, إذ سيتناول مقال قادم في هذه السلسلة فجوة المعجم العربي.

يمكن القول، بوجهٍ عام ، أن ضمور العقل اللغوي النظري لدينا يرجع إلى سببين أساسين شديدي أحدهما بالآخر وهما:

· جفاف الروافد العلمية التي تصب في مسار التنظير اللغوي.

· التخلف عن مواكبة ما أفرزته الثورة اللسانية الحديثة من نظريات ونماذج ومناهج



2 : 2 جفاف الروافد العلمية

كما ذكرنا سابقاً ، أقامت اللغة علاقات وثيقة مع جميع فروع المعرفة الإنسانية، وسنتناول هنا أهم الروافد العلمية التي تصب في مسار التنظير اللغوي الحديث، وقد قسمنا هذه العلوم ـ وفقا لمصطلحات فلسفة العلم ـ إلى علوم صورية formal هي الرياضيات والمنطق والإحصاء، وعلوم إخبارية informative هي علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الطبيعة (الفيزياء) وعلم الأحياء (البيولوجيا) وعلم الإناسة (الإنثروبولوجيا)، وقد أثمر لقاء اللغة مع كل من هذه العلوم الأساسية علما ازدواجيا متخصصا كما يوضح الجدول التالي:

علوم صورية الفرع اللساني الازدواجي

الرياضيات اللسانيات الرياضية

المنطق علم اللغة المنطقي

الإحصاء اللسانيات الإحصائية



علوم إخبارية الفرع اللساني الازدواجي

علم النفس علم اللغة النفسي

علم الاجتماع علم اللغة الاجتماعي

علم الطبيعة (الفيزياء) علم طبيعة الأصوات (الفونتيك)

علم الإناسة (الانثروبولوجيا) علم اللسانيات الأنثروبولوجية

علم الأحياء (البيولوجيا) علم اللغة البيولوجي



وكثيرا ما يكون هذا الفرع العلمي الازدواجي ثنائي الاتجاه، فكما أن هناك ـ على سبيل المثال ـ علم اللغة النفسي, الذي يتخذ من علم النفس أداة للتنظير اللغوي كما سبق أن أشرنا فيما يخص النموذجين السلوكي والذهني، هناك أيضا علم النفس اللغوي الذي يتخذ من اللغة أداة للتنظير النفسي, كما نجده عند جاك لاكان الذي ربط علم نفس الطفل بلغته الأم لا بثدي أمه فقط كما في الطرح الفرويدي.



الجزء الثاني:

النهج التوليدي ذو الأساس الرياضي القادر على توليد جميع المفردات المنطوق بها الممكنة في لغة ما، يواجه جمود النهج التحليلي في اللغة العربية
نجح أهل الإنجليزية والفرنسية في صياغة قواعد لغتيهما في هيئة منطقية، مما جعلهما مؤهلتين للتحليل الدلالي الدقيق.
ثمة مايعيق لحاق اللغة العربية بالموجة الثانية لمعالجة اللغات الإنسانية حاسوبيا، والتي تهدف إلى تطوير برمجيات ذكية تفوق قدرات البرمجيات الراهنة التي توصف بأنها غبية.


تحدثنا في الجزء الأول من هذا البحث، الذي نشر في العدد الماضي عن فجوة العقل اللغوي الفلسفي وفجوة العقل اللغوي النظري، وأسباب ضمور العقل اللغوي النظري، التي تبدأ بجفاف الروافد العلمية التي تصب في مسار التنظير اللغوي الحديث. وقد قسمنا هذه العلوم ـ وفقا لمصطلحات فلسفة العلم ـ إلى علوم صورية formal هي الرياضيات والمنطق والإحصاء، وعلوم إخبارية informative هي علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الطبيعة (الفيزياء) وعلم الأحياء (البيولوجيا) وعلم الإناسة (الإنثروبولوجيا)، وقد أثمر لقاء اللغة مع كل من هذه العلوم الأساسية علما ازدواجيا متخصصا نحاول هنا أن نستكشف آفاقه:

( أ ) اللسانيات الرياضية: اللغة ـ كما قيل ـ هي الاستخدام اللامحدود لموارد محدودة، بمعنى أن الجماعة الناطقة باللغة، تظل دوما قادرة على أن تأتي بعدد لانهائي من التعابير، واستحداث الألفاظ والمعاني والاستعارات وما شابه، والرياضيات هي الوسيلة المثلى لاحتواء هذا اللانهائي اللغوي. فبمعادلة رياضية واحدة يمكن اختزال حالات عديدة من التجليات اللغوية، وذلك بفضل قدرة الوسائل الرياضية على التعامل مع الرموز والعلاقات المجردة، فرمز مثل "ف" أو "س" مثلا يمكن أن يمثل كل فئة الأفعال أو الأسماء أو فئة جزئية منها، وعلاقة مجردة كعلاقة التوافق مثلا يمكن أن تدل على توافق الفعل مع الفاعل في النوع والعدد (مثال: النظريتان تتفقان على ..،)، أو الصفة والموصوف تعيينا ونوعاً وتأنيثا وعددا وإعرابا (مثال: امرأتان جميلتان ، الرجلان الكريمان).

(ب) علم اللغة المنطقي: المنطق ـ كما يعرف أحيانا ـ هو نَحْوُ العقل، لذا كان طبيعيا أن يكون لقاء اللغة بالمنطق لقاء ساخنا وحاسما نظرا لكون الفعل اللغوي فعلاً عقلياً في المقام الأول. وحتى وقت قريب كانت قناعة كثير من اللغويين والمناطقة على حد سواء، أن اللغات الطبيعية لا يمكن أن تخضع للمنطق ،ذلك أن هناك اختلافا شاسعا بين مقولات اللغات الطبيعية ومقولات المنطق الصوري كما أسس له أرسطو؛ فشتان بين مرونة اللغة والتباسها وغموضها وحذفها وإطنابها، وبين صرامة المنطق الأرسطي القاطع الذي لا يتعامل إلا مع العلاقات الصريحة، التي لا تحتمل غموضا أو لبسا أو حذفا أو فائضا. إلا أن هذا "الخجل العلمي" بدأ يتلاشى تدريجيا ليرتد إلى الطرف النقيض، على يد أولئك اللغويين الدلاليين من أصحاب النظرة الجريئة التي ترى أن المنطق ـ ولا شيء سواه ـ هو المدخل الطبيعي لتناول إشكالية اللغة من بوابتها الذهبية، فراحوا يَرْتَقُون بمنطق أرسطو، منطق الأساس، إلى رتب أعلى من المنطق، يمكنها التعامل مع طبيعة المقولات اللغوية السالفة الذكر. وقد نجح أهل الإنجليزية والفرنسية في صياغة قواعد لغتيهما في هيئة منطقية مما جعلهما مؤهلتين للتحليل الدلالي الدقيق.

(ج) علم اللغة الإحصائي: استُخدم علم اللغة الإحصائي منذ أواخر القرن التاسع عشر في تحليل أساليب الكتاب، ذالك بإحصاء معدلات تواتر الوحدات اللغوية المختلفة، من حروف وكلمات وأنماط تركيبية ولوازم لفظية ونحوية. وقد شهدت اللسانيات الإحصائية في بداية النصف الثاني من القرن العشرين نقلة نوعية مثيرة، بظهور نظرية المعلومات التي مكًّنت ـ وتلك أول مرة ـ من قياس كمية المعلومات، مستخدمةً في ذلك نظرية الاحتمالات. وقد قامت على أساسها دراسات عديدة في تحليل النصوص اللغوية، بقياس ما تحمله من كَمِّ المعلومات، وهو ما أدى ـ بدوره ـ إلى تحليل نصوص الأدب والشعر على أساس إحصائي، وهكذا فتح الطريق أمام دراسة أدبية الأدب وشعرية الشعر على أسس موضوعية وفقا لمعايير كمية.

( د ) علم اللغة النفسي: أشرنا في مواقع سابقة إلى علاقة اللغة بعلم النفس، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى ما يحظى به علم النفس اللغوي حاليا، من اهتمام متزايد في إطار البحوث الجارية في مجال علم النفس المعرفي، وكذلك في مجال سبر أغوار المخ البشري، إذ تعد الوظائف اللغوية الذهنية مدخلا أساسيا لكشف الكيفية التي يعمل بها المخ البشري عموما، وذلك لما تتسم به هذه الوظائف من وضوح، سواء فيما يخص مُدْخَلاتها: استماعا أو قراءة، أو مُخْرَجاتها تَحُّدثا أو كتابة، وهي تختلف في هذا عن الوظائف الذهنية الأخرى كتلك المتعلقة بملكة الإبصار على سبيل المثال.

(هـ) علم اللغة الاجتماعي: وهو يتناول اللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، على أساس أن مهمة اللغة ـ في المقام الأول ـ هي أداة التواصل بُغْيةَ القيام بالوظائف الاجتماعية المختلفة، وباعتبار اللغة منظارا نرى من خلاله العالم، لذا فهي تتغير من ثقافة إلى أخرى، وتتحدد معانيها وفقا للسياق الاجتماعي.

ويحظى علم اللغة الاجتماعي باهتمام متزايد في الفكر الحديث، الذي يرى أن الأداء الكلي للمجتمع هو متغَير تابعَ للخطابات التي تسري في كيانه: الخطابات السياسية والاقتصادية والإعلامية والتربوية والدينية والإبداعية، وجميعها يرتبط باللغة بعلاقات وثيقة، إضافة إلى أن الذكاء الجمعي للمجتمع بأسره يتوقف على أدائه اللغوي، سواء من حيث الشفافية اللغوية لفضاء الرأي العام public sphere، أو فاعلية التواصل اللغوي بين الأفراد والمؤسسات التي تعمل في حقل إنتاج المعرفة وتوظيفها.

(و) علم طبيعة الأصوات: اقتصرت علاقة الفيزياء باللغة في بدايتها على دراسة الخصائص الفيزيائية للصوت اللغوي (الفونتيك phonetics)، في إطار دراسة عمل جهازي النطق والسمع، وتشمل هذه الخصائص عددا من الثنائيات المتضادة مثل الجهر والهمس، والتفخيم والترقيق، والإدغام والإشباع، وما شابه. وقد اهتم الفونتيك في بدايته بوحدات اللغة الصوتية الصغرى كأصوات النطق الحروف المفردة (الفونيمات) أو نطق المقاطع الصوتية syllables من ثنائيات الحروف، وثلاثياتها أحيانا. ويتجه الفونتيك الحديث إلى دراسة الخصائص الصوتية للوحدات اللغوية الكبرى للحمل فيما يعرف بأنماط التنغيم intonational patterns التي تختلف وفقا للنمط التركيبي للحمل، فتنغيم الجملة الخبرية ـ على سبيل المثال ـ يختلف عن نمط الجملة الإنشائية، وتنغيم أسلوب التعجب يختلف عن تنغيم المدح والذم.

( ز ) علم اللسانيات الإنثروبولوجية: وهو يدرس الجوانب المتعلقة بنشأة اللغات، خاصة في الثقافات البدائية، والعلاقات التي تربط بين الفصائل والأسر اللغوية ، وكذلك علاقة اللغة وتطورها بثقافة الجماعة الناطقة بها. من جانب آخر، اسُتخدمت اللغة أداةً للبحث الإنثروبولوجي، وقد دشن كلود ليفي شتراوس الأنثروبولوجيا اللغوية، حين استهدى في نهجه البنيوي بما خلص إليه التنظير اللغوي الحديث من أن ظاهر استخدام اللغة، الذي يبدو عفويا بل عشوائيا أحيانا، يبطن بداخله نظاما منسقا من العلاقات ، فراح شتراوس يبحث في أساطير الشعوب، على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، عن البنى العميقة المشتركة التي ترقد تحت ظاهر نصوصها، برغم اختلاف اللغات والشخوص وتفاصيل الأحداث.

(ح) علم اللسانيات البيولوجية: ما إن ظهرت نظرية تطور الكائنات لداروين حتى أسرع البعض في استخدامها لتناول نشأة اللغات وتطورها؛ وفي حين نجحت النظرية في دراسة أصل اللغات ونمو العناصر البيولوجية اللازمة لوظائف اللغة الأساسية نطقا وسمعا، فإنها أخفقت في تفسير عمليات الذهن اللغوية، وهو ما تهدف إليه حاليا اللسانيات الأعصابية neuro-linguistics مستعينة بالإنجازات الهائلة للبيولوجيا الجزيئية، التي يسعى أهلها للكشف عن الأساس الجيني لكيفية اكتساب اللغة، وكيفية قيام الذهن بوظائف توليد اللغة واستقبالها، ويتردد على أسماعنا حاليا اكتشاف جين النحو وجين تكوين الكلمات، أو بصيغة أدق، مجموعة الجينات التي تقوم بهذه المهام اللغوية المركبة التي لا يمكن أن يقوم بها جين منفرد.



2 : 3 تخلُّف الفكر اللغوي النظري عن الثورة اللسانية الحديثة

أثمر التفاعل العلمي بين اللغة والفروع العلمية المختلفة عدة نماذج لغوية ساهم في ظهورها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، التوسع في استخدام الحاسوب في المجال اللغوي، وما يتطلبه ذلك من تمثيل اللغة بصورة منهجية منضبطة تحقيقاً لمطالب المعالجة الآلية. وسنكتفي هنا، لبيان مدى تنوع الفكر بأن نسرد فيما يلي مجموعة من أشدّ هذه النماذج تأثيرا في حركة التنظير اللغوي دون الدخول في التفاصيل، وهذا شاهد على مدى ثراء الفكر اللغوي النظري الحديث:

· النحو التوليدي التحويلي TSG: Transformational Generative Grammar

· نظرية الربط العاملي GB: Government Binding Theory

· نَحْوُ البنية العامة للمقولة اللغوية GPSG: Generalized Phrase Structure Grammar

· نَحْوُ حالات الإعراب من منطلق دلالي CSG: Case Grammar

· النحوُ المعجمي الوظيفي LFG: Lexical Functional Grammar

· النحوُ المتعدد الطبقات SG: Stratificational Grammar

· النحوُ المقولي CG: Categorical Grammar

· النحو العَلائقي RG: Relational Grammar

· نَحْوُ بنية الجملة على أساس الرأس HPSG: Head-driven Phrase Structure Grammar

· نَحْوُ مونتاجيو MG: Montague Grammar

مازال تنظير اللغة العربية أسير النهج التحليلي الذي عَفَاه الزمن، والقائم على إعطاء أمثلة من حالات الاطراد والشذوذ. فقد حل محله ما يعرف بالنهج التوليدي ذي الأساس الرياضي القادر على توليد جميع المفردات المنطوق بها الممكنة في لغة ما.

هناك بعض محاولات متناثرة قام بمعظمها دارسون عرب في الجامعات الأمريكية، لتطبيقٍ جزئيٍ لعدد محدود من النماذج المذكورة آنفاً، وتحديدا النحو التوليدي التحويلي. ولكن أبرز ما تم إنجازه في التنظير للعربية هو ما قام به عبدالقادر الفاسي الفهري، في مراحله المبكرة من تطبيق النحو المعجمي الوظيفي على عدة جوانب من نحو العربية، وما أضاف إليه في "البناء الموازي" فيما يخص اعتمادَه الصريح لنظرية الربط العاملي، وتطبيقه لها على بعض حالات لبناء الكلمة والجملة العربيتين، والنموذج شبه المكتمل الذي قام بوضعه الكاتب لتطوير نظام إعراب آلي للغة العربية باستخدام نموذج النحو العام للمقولات النحوية GPSG. تم في إطاره صياغة نحو رياضي للغة العربية باستيعابٍ شبه كامل لتركيبات الجملة العربية، الخبرية والإنشائية، البسيطة والمركبة، وبلغ عدد القواعد ما يقرب من 20 ألف قاعدة.



ثالثا: فجوة العقل اللغوي التطبيقي

3 : 1 المقصود بفجوة العقل اللغوي التطبيقي

يقصد بفجوة العقل اللغوي التطبيقي تَخَلُّفُ فكرنا اللغوي في توظيف اللغة عمليا في المجالات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وقد رأينا أن نقسمها إلى أربع فجوات فرعية هي:

( أ ) فجوة العقل اللغوي التربوي: يتناول علم اللغة التربوي أمورا عدة من أبرزها:

· الأمور المتعلقة بتعليم اللغة وتعلمها، سواء كانت لغةً أولى للناطقين بها، أو لغةَ ثانية لغير الناطقين بها.

· دور اللغة بوصفها أداة لتنمية القدرات الذهنية والإبداعية.

· تنمية روح الانتماء الثقافي والوطني لدى الناشئة، ذالك بتوطيد ارتباطهم بلغتهم الأم.

الموقف العربي الراهن: تشكو العربية من أزمة حادة في تعليمها وتعلمها: منهجا ومعلِّما ومتعلما، ومن أخطر القضايا المتعلقة في علاقة اللغة بالتربية، هي تلك الخاصة بتعريب تدريس العلوم. ويمكن القول، بصفة عامة، إن خطابنا اللغوي التربوي قد أصابه الترهل إذ لا يني يجتر مقولاته القديمة عاجزا عن الخروج من فلك الدوائر الخبيثة، في إطار فكري تربوي عام يشكو من تبعية مترسخة، وقد غابت عنه رؤية المناهل الجديدة التي تتيحها تقانة المعلومات لتجديد منطلقاته وتحديث أساليبه.

أما فيما يخص علاقة اللغة العربية بتنمية القدرات الذهنية والإبداعية، فأقل ما يقال عنها أنها مهملة. ويرجع ذلك إلى ما سبق ذكره من قصور بحوث علم النفس اللغوي، والأمر فيما يتعلق بعلم النفس التربوي ليس أحسن حالا، فمعظم باحثيه من ذوي الخلفية التربوية الذين يفتقرون ـ أصلا ـ إلى الأساس المعرفي اللازم على صعيد علم النفس. ولا يختلف الأمر كثيرا فيما يخص القصور في استخدام اللغة في تنمية الانتماء الثقافي والوطني، إذ تندر البحوث المتعلقة بذلك في مجال علم اللغة الاجتماعي متضافرا مع نظيره النفسي.

(ب) فجوة العقل اللغوي الإعلامي: يتناول الفكر اللغوي الإعلامي أمورا عدة من أبرزها:

· أثر لغة الرسالة الإعلامية في المتلقي، وما يرتبط بذلك من استخدام الإعلام سلاحاً إيديولوجياً للسيطرة على عقول مشاهديه ومستمعيه وقرائه.

· دور وسائل الإعلام في توليد المصطلحات الجديدة اللازمة لاستيعاب المفاهيم المستحدثة التي يتوالى ظهورها بمعدل شبه يومي، والإعلام بحكم متابعته الفورية للأحداث سَبَّاقُ إلى تناول هذه المفاهيم بصفته خط المواجهة الأول مع الأحداث الجارية.

· دور الإعلام في نشر الثقافة اللغوية، وتطوير الجوانب الحوارية في استخدام اللغة، وهي القضايا التي تتنامى أهميتها مع تعدد أطوار التواصل في عصر المعلومات.

الموقف العربي الراهن: يشكو الفكر الإعلامي العربي عموما من نقص حاد في مجالات البحوث النظرية، إذ طغى على هذا الفكر الطابع العملي الذي تفرضه عليه المؤسسات الإعلامية الرسمية ذات السطوة والغلبة. وكان من الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إهمال الشق اللغوي على الصعيد الإعلامي، باستثناء مبادرات قليلة تشكو من العمق التنظيري، وغالبا ما تتجنب الصدام ملتزمةً الصمتَ إزاء المسكوت عليه في لغة خطاب الإعلام الرسمي.

أما علاقة اللغة بالإعلام فمازالت مقصورة على تصحيح أخطاء الكُتَّاب والمذيعين، وتنمية المهارات اللغوية الأساسية ، وما عدا ذلك فشبه غياب تام لأثر لغة الإعلام في المتلقي، برغم كونه محور منظومة الإعلام.

( ج ) فجوة العقل اللغوي الإبداعي: يتناول الفكر اللغوي الإبداعي أمورا عدة من أبرزها:

· علاقة اللغة بأجناس الفنون المختلفة من أدب وشعر، وموسيقا وتشكيل ومسرح وسينما وغير ذالك.. وذلك باعتبار اللغة هي النسق الرمزي الأم الذي ينطلق منه علم الجمال في مسعاه لتعريف دقيق للغة الموسيقا ولغة التشكيل ولغة المسرح ولغة السينما وغيرها...

· استخلاص الشق المعرفي للفنون المختلفة، فالأدب والشعر ـ على سبيل المثال ـ هما ضرب من المعرفة، وصدق من قال إن كل ما قاله العلم سبق للأدب أن سجله كتابة، ويكفي مثالا هنا مثالُ من علم النفس، هوما قال به فرويد عن نزعة الصراع النفسي مع الأب لدى الذكور، ومع الأم لدى الإناث فيما عرف بعقدة أوديب وإلكترا، والتي تناولها المسرح الإغريقي قبل فرويد بما يزيد عن عشرين قرنا.

· دور اللغة في تنمية القدرات الإبداعية على أساس أن الاستخدام اللغوي في حياتنا اليومية هو بمثابة ممارسة دائمة ومستمرة للإبداع، نتيجة من خلال ابتكار الجديد من المصطلحات والمجازات والتعبيرات.

الموقف العربي الراهن: لا نضيف جديدا بقولنا أن المشهد اللغوي الإبداعي لدينا أشبه بصحراء جدباء، إذ لا يعيره اللغويون الكلاسيكيون أي اهتمام، ولا يعتبره منظرو علم الجمال شاغلا رئيسيا يتعذر بدونه الارتقاء بهذا العلم إلى مصاف العلوم الدقيقة ، ويرجع ذلك في أساس إلى ضمور معظم أجناس الفنون لدينا: إنتاجا وتذوقا.

(هـ) فجوة العقل اللغوي التقاني (التكنولوجي): يتناول العقل اللغوي التِّقانيّ الأمور الرئيسية التالية:

· اللسانيات الحاسوبية، فيما يتعلق بتطبيق أساليب الذكاء الاصطناعي على معالجة اللغات الإنسانية آليا.

· الدراسات اللغوية المقارنة والتقابلية لدعم جهود تطوير نظم الترجمة الآلية.

· دور تقانة المعلومات في دعم جهود علم النفس الأعصابي الذي يعتمد اعتماداً أساسياً على شقه اللغوي، ويقصد به اللسانيات الأَعصابية.

· دعم تقانة المعلومات لبحوث اللسانيات النصية بفضل قدرة هذه التقانة على الكشف على نحوٍ سافرٍ عن شبكة علاقات التماسك السياقي والمنطقي التي تنطوي عليها النصوص.

· الموقف العربي الراهن: حقق فكرنا العربي التقاني إنجازات ملموسة في مجال معالجة اللغة العربية حاسوبيا، على مستوى الحرف والكلمة والجملة، ومن أبرز هذه الإنجازات تطوير نظم آلية للصرف العربي والنحو العربي، أدت إلى تطوير نظام شَكْل النصوص العربية تلقائيا، ونذكر هنا ما قام به سعيد يقطين فيما يخص النص التفاعلي السائد على الإنترنت.

برغم الجهود المثمرة فإنها مهددة بالتوقف نظرا لعزوف القطاعين، الحكومي والخاص، عن الاستثمار في هذا المجال الحيوي، مما سيعوق لحاق اللغة العربية بالموجة الثانية لمعالجة اللغات الإنسانية حاسوبيا، والتي تهدف إلى تطوير برمجيات ذكية تفوق قدرات البرمجيات الراهنة التي توصف بأنها غبية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ж فجوة العقل اللغوي العربي ж
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ™¤¦ العقل الواعي و العقل اللا واعي .. العقل الباطن ¦¤™
»  !~¤§¦>> الذكاء اللغوي <<¦§¤~!
»  }®{؛« .»؛} أجمل الابيات في العقل {؛«' .»؛}®{
»  [◕‿◕]◄ الضعف اللغوي عند الاطفال ►[◕‿◕]
» ►]|௫|[◄ ضرس العقل ►]|௫|[◄

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات العلمية ۞ ::  ₪ الثقافة والآداب ₪-
انتقل الى: