طرق و وسائل الصيد الغير تقليديه في التراث العربي
كان الصيد ومازال مما يشغل الشعوب، فيعنى بأمره وتتخذ له وسائل شتى، وتبذل من أجله أوقات طويلة وأموال كثيرة، لاسيما في زماننا الحالي، حيث سخرت له المناظير المقربة للمسافات من أجل رؤية الحيوانات عن كثب من دون إزعاجها أو تخويفها.
والكاميرات التي تصيد دون قتل أو إيذاء فتعرض على الناس بواسطة محطات التلفزيون مما لا يمكن الوصول إليه من أنواع الحيوانات في أماكنها الطبيعية كالجبال والصحارى والغابات والبحار، والتي يكمن فيها الصيادون بالكاميرات بين الأدغال، أو يبنون لهم أبراجا يتخفون بها فوق الأشجار أو يتخذون هياكل تخفي أجسامهم ويتحركون بداخلها للفوز بتصوير مشهد للطيور النادرة، والحيوانات المفترسة في أوضاعها المختلفة من معيشة أو قنص ومطاردة.
إذا توغلن في التاريخ فسنجد البشرية قاطبة مارست الصيد منذ أقدم عصورها، ورسم الصيادون ما صادوه على جدران الكهوف وسفوح الجبال. وكان العرب منذ أقدم أزمان الجاهلية قد مارسوا الصيد واستمروا يمارسونه في الإسلام أيضاً، وقد حدد لهم الإسلام الأوقات ووضع بعض القيود على ممارسة الصيد. وسوف نتناول في هذا الموضوع بعض الوسائل غير التقليدية في الصيد.
الصيد باليد
وهي أبسط الوسائل التي استخدمها الصيادون وقد أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ ، أي ليختبركم الله في حال إحرامكم بالحج أو العمرة بشيء من الصيد تناله أيديكم وقد اختلف المفسرون في نوع الحيوان الذي يصاد باليد قال البيضاوي: نزل الحكم في عام الحديبية إذ ابتلاهم الله سبحانه بالصيد وكانت الوحوش تغشاهم في رحالهم بحيث يتمكنون من صيدها أخذا بأيديهم، وطعنا برماحهم وهم محرمون، إلا أن بعض المفسرين رأى أن المقصود بالآية صيد صغار الوحوش، وفراخ الطير وما لا يستطيع أن يفر، وأما كبار الوحوش فتنال بالرماح أي الرماح والنشاب، ورأى آخرون أن الله خص الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفاً في الاصطياد فيها تدخل الجوارح والحبالات وما عمل باليد من فخاخ وشباك، وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد وفيها يدخل السهم ونحوه. وأورد الطبري أن الله تعالى إنما أراد أن يبلوهم بشيء لأنه لم يبتلهم بصيد البحر، وإنما ابتلاهم بصيد البر وكان الأرنب مما يصاب باليد.
وقد ذكر الفخاخ الشاعر طرفة بن العبد بقوله:
يا لكِ من قُبرةٍ بمعمرِ
خلا لك الجوُ فبيضي وصْفري
ونقري ما شئيت أن تنقري
قد رُفع الفخُ فماذ تحذري
ورجعَ الصيادُ عنك فابشري
لابد من أخذكِ يوماً فاحذري
ووصف الشاعر السري الرفاء 360هـ الصيد بالشباك فقال:
وقد اغتدي قبل وجوبِ الفرضِ
والجفن قد ودع طيب الغُمضِ
وبارقُ الأفق كليل الومضِ
كأنه عرق ضعيفُ النبض
بكل وافي الطرفين محض
مبتذل الوفر مصون العِرضِ
قد نصبو للخائن المنقضِ
قدّا يعض الساق أي عضِ
ضعفُ عيون لم تشن بعضِ
لها مآقٍ رسبتْ في الأرضِ
طارقها في قلقٍ ونقضِ
تضرب بعض ريشه ببعض
بين عُلوٍ موبقٍ وخفضِ
وأمسكت بكرا على مفتضِ
معاجِلٍ سوارها بفضِ
يا لك من آلة رزقٍ غضِّ
تملأ كفي رائدٍ وترضي
الصيد بالمعراض
وهي خشبة محدودة الطرف، وقيل في طرفها حديدة يرمى بها الصيد، وقيل هي سهم لا ريش له فإن أصاب بحده وطوله أكل الصيد، لأنه جرح وقطع. وما أصاب بعرضه لم يؤكل لأنه رض. واضح أن المقصود بالمعراض أن تكون للحديدة أو الخشبة نهاية حادة كالسنان للرمح فتقتل الطريدة، أما إذا أصاب الطريدة بجانب الخشبة أو الحديدة فرضها فلا تؤكل لأن ذلك مدعاة إلى تعذيب الحيوان.
وهذا يشبه الصيد بالحذف أي برمي الحجر أو غيره، فقد نهى رسول الله (ص) عن الحذف «لأنه لا يصاد به الصيد، ولا ينكأ به العدو، ولكنه يكسر السن، ويفقأ العين».
والصيد بالحذف يشبه الصيد بالحديد الذي يكون في الحبالة إذا قتل ذلك الحديد الحيوان، لأنه لا يقوم مقام السهم الذي يرمى له فيقتله، ولأن فعل الحديد لم يتصل بيد الصياد لذا لا يجوز أكل ذلك الصيد.
ومثله إذا رمى الصياد صيداً واقفاً على رابية فوقع فمات إذا أصبح متردياً لا يجوز أكله، وهذا مخالف لما عليه صيد الطائر الذي يرمى وهو طائر فيسقط.
الصيد بالحيلة
مثل إصدار أصوات أو صفير يشابه أصوات بعض الحيوانات، فتأنس بالصفير أو صوت الصياد فتقترب من الصياد الكامن لها، المستتر والمتربص حتى يفاجئها ويمسك بها كالذي يحصل للدراج، وبهذه الوسيلة تصاد الإبل الضالة أو الشاردة إذ إنها تستجيب للغناء والصفير.
وجاء عن صيد الإبل بالصوت الجميل ما رواه أبو طاهر السلفي عن أحمد بن علي ابن الحكم الصقلي أنه رأى بجزيرة صقلية إيلاً، ورجلا طيب الصوت يحدو وينشد ويقرب منه (وأقسم بالله) أنه واقف يتسمع كالمغمى عليه إلى أن طعن ووقع.
ومن هذه الحيل صيد النعام بالخرق، وذلك أن الصياد يعمد إلى وضع الخرق في مرابض النعام حتى تعتاد لمنظرها ثم يلبسها الصياد ويكمن للنعامة فإذا قربت منه مسكها.
ومن الحيل الصيد بالقرعة (اليقطين) وهذا ما يحصل لطيور الماء التي تأتي في بعض المواسم فتسبح في الماء، فيعمد الصياد إلى رمي القرعة فتطفو قريبا من الطيور فتألف منظرها ثم يأتي الصياد بقرعة فارغة أعدها، وحفر فيها ثقبين ويلبسها في رأسه ليرى منها الطيور وينزل إلى الماء فعندها تقترب منه الطيور يمسك بها.
الصيد بقصب الدبق
أو عيدان الدبق وهي قضبان من أغصان الشجر تطلى بدبق بعد تسويتها وتنصب عند مشارع المياه وغيرها مما يسقط عليه الطير فإذا وقف الطائر فوقها علق بها، وكلما رام الخلاص ازداد بها علوقا وعليها التصاقا. وقد اشتهر بهذه الوسيلة رجل في زمن الخليفة الرشيد واسمه إبراهيم البازيار.
الصيد بالنار
إن كثيراً من الحيوانات إذا أبصرت النار دهشت وذهلت وأُخذت، فالظبي مثلاً يصطاد بإيقاد النار قريبا منه، فهو لايزال يتأملها ويدمن النظر إليها حتى يعشى بصره ويذهل عقله ولاسيما إذا أضيف إلى النار تحريك الأجراس فإنه يفتر ويضعف ولا يبقى به حراك البتة.
والنعام يصاد بالنار أيضاً، فإنه إذا رآها دهش وتسمر في مكانه فيتمكن منه الصائد ويأخذه.
الصيد بالحفائر
كالزبى جمع زبية وهي حفرة تتخذ في مكان مرتفع من الأراضي وتغطى بما يسترها، ويوضع فوقها أو بالقرب منها حيوان مما يشتهيه الأسود فإذا رآه الأسد أتى إليه ليفترسه فيسقط في الزبية، ويؤخذ، والسبب في اتخاذ الزبية في مكان عال حتى إذا سقط المطر لا تمتلئ بالسيل لذلك قيل في الأمثال (بلغ السيل الزبى) أي عظم وطم.
ومن حفائر الصيد الكمحة وهي مما تصاد به الذئاب، والحبالة وهي مما تصاد به الضباء.
الصيد بالدرية
وهي الناقة التي يتوغلون بها في المرعى ويختبئ صاحبها بجانبها، فتراها الظباء وتألف وجودها فإذا اقتربت الظباء من الناقة قبض عليها الصياد أو رماها عن قرب، وكان الأعراب الشديدو العدو يجرون وراء الظباء حتى يقبضون عليها بالإمساك من قرونها