اللغات الأناضولية Anatolian Languages هي مجموعة من اللغات القديمة الميتة ظهرت في مناطق مختلفة من الأناضول في الألفين الثاني والأول قبل الميلاد ثم تلاشت واختفت في أزمنة متباينة متباعدة حتى انقرض آخرها في العصر الروماني. وقد دعيت سابقاً باسم اللغات الآسيانية Asianic Languages نسبة إلى آسيا الصغرى وهو الاسم القديم لتركية الآسيوية.
وكانت المعارف بهذه اللغات محدودة جداً في السابق ولا تتعدى كلمات وإشارات وأسماء أعلام وردت في المصادر الكلاسيكية وفي الكتاب المقدس، حتى جاءت الكشوف الأثرية الحديثة التي زودت الباحثين بآلاف الوثائق والنصوص التي مكنتهم من دراستها على أسس علمية ومعرفة طبيعتها وتصنيفها. وقد تبين نتيجة الأبحاث اللغوية والتاريخية أنها تنتمي في معظمها إلى ما شاعت تسميته أسرة اللغات الهندية - الأوربية Indo-European Languages.
ولكن بعض هذه اللغات - المنعزلة - استعصى على التصنيف ولم يتمكن الباحثون من نسبتها إلى أي مجموعة لغوية معروفة كالقفقاسية مثلاً ويقترح بعضهم تخصيص التسمية القديمة «آسيانية» بها.
وبما أن لغة الحثيين كانت أهم هذه اللغات قاطبة من الناحية التاريخية فقد نشأ علم خاص يتولاها بالدراسة والبحث يدعى علم الحثيات Hethitolog ويرتبط بعلم اللغات الهندية - الأوربية من الناحية اللغوية بقدر ما ينتمي حضارياً إلى العلوم والدراسات الشرقية القديمة. وقد توسع مجال هذا العلم ليشمل دراسة كل اللغات التي انتشرت في الأناضول قبل الحقبة الإغريقية الرومانية بما في ذلك تاريخها وحضارتها سواء أكانت هندية - أوربية أم لا.
ويأتي تنوع هذه اللغات وعددها الكبير من تنوع بلاد الأناضول جغرافياً وبشرياً وتعدد أقاليمها وشعوبها وانعدام الوحدة السياسية فيما بينها، إذ كانت كل منطقة منها كياناً مستقلاً قائماً بذاته.
والأناضول Anatolia تسمية (إغريقية الأصل تعني المشرق) تطلق على القسم الآسيوي من تركية Anadolu، ويستخدمها علماء الآثار والتاريخ للدلالة على الحضارات الأولى التي قامت في هذه المنطقة. وتعود أولى الروايات التاريخية التي تتحدث عن الأناضول وشعوبها إلى عصر الامبراطورية الأكدية (2350 - 2150ق.م) وذلك عندما قام الملك صرغون الكبير وحفيده نارام سين بحملات وصلت إلى جبال طوروس وألهبت خيال الشعراء والكتاب الذين مجدوا أعمالهما وبطولاتهما في أشعارهم الملحمية الرافدية.
ولكن العصور التاريخية بالمعنى الحقيقي للكلمة لم تبدأ في الأناضول إلا في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما قامت في منطقة كبدوكية الغنية بمعادنها مستوطنات وجاليات تجارية آشورية وأمورية عرفت باسم كاروم Karum التي كانت تتولى الإشراف على استخراج النحاس وتصنيع البرونز وتنظيم المبادلات التجارية مع بلاد الرافدين وسورية كما كانت تشرف على الأمراء المحليين في المنطقة باسم ملوك آشور. وقد ترك أولئك التجار الآشوريون آلاف الوثائق المعروفة باسم «الألواح الكبدوكية» التي اكتشفت في أشهر مراكزهم وهي مدينة كانيش Kanesh (كول تبه حالياً) وكلها مكتوبة باللغة الآشورية وبالخط المسماري الرافدي وهي تعود إلى القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد.
ولكن حضارة كاروم - كانيش المزدهرة انهارت فجأة وسط سلسلة من الدمار أصاب المنطقة نتيجة صراعات محلية على ما يبدو، واختفى معها استعمال الكتابة المسمارية قرناً من الزمن حتى عادت ثانية إلى الظهور في أرشيف الامبراطورية الحثية نحو عام 1620ق.م.
وهكذا فإن اللغة الآشورية كانت أول لغة مدونة ظهرت في الأناضول. كما تضم رُقُم كانيش مجموعة كبيرة من أسماء الأشخاص ذوي الأصول المختلفة: فهناك فئة تحمل أسماء حاتية، وأخرى أسماء حورية ولكن العدد الأكبر يتمثل في أسماء حثية - لوفية وهي أقدم الوثائق الكتابية التي ظهرت في الأناضول.
غير أن أهم حدث في تاريخ اللغات الأناضولية كان اكتشاف العاصمة الحثية حاتوشا Hattusa (بوغازكوي Bogazköy اليوم، نحو 150 كم إلى الشرق من أنقرة) وبدء التنقيبات الأثرية فيها منذ عام 1906، بإشراف هـ.فينكلر H.Winkeler، حتى عام 1912 وتابعها عدد من كبار الباحثين الألمان ولا تزال مستمرة حتى اليوم.
وقد أظهرت التنقيبات آلاف الوثائق المدونة بالكتابة المسمارية (نحو 25 ألف رقيم فخاري) وبلغات مختلفة منها:
الأكدية لغة المراسلات الدولية في الألف الثاني ق.م، والحورية والحاتية واللوفية والبالائية، ولكن غالبيتها العظمى كانت باللغة الحثية التي عكف العلماء على دراستها وفك رموزها. وقد تمكن الباحث التشيكي روزني Rozny في عام 1915 من إثبات انتماء الحثية إلى اللغات الهندية - الأوربية، عن طريق مقارنتها بالإغريقية واللاتينية والهندية السنسكريتية، واضعاً بذلك حجر الأساس لولادة علم الحثيات. ثم تتابعت الأبحاث التاريخية واللغوية التي أظهرت قرابة الحثية من اللغات الأناضولية الأخرى المكتشفة وخاصة البالائية واللوفية. ولكن لا يزال النقاش دائراً في الأوساط العلمية حول موقع اللغة الأناضولية ضمن أسرة اللغات الهندية - الأوربية عامة، وموقع اللغة الحثية في تلك الأسرة اللغوية خاصة. فهناك من يرى أن اللغة الأناضولية الأم (المفترضة) ما هي إلا شقيقة للغة الهندية - الأوربية الأم (المفترضة أيضاً)، ويقول من ثم بوجود أسرة اللغات الهندية - الحثية. ولكن معظم الباحثين يرى أنها تمثل أحد فروع اللغات الهندية - الأوربية، ولكن نظراً لقدمها وخصائصها المتميزة فلا بد أنها انفصلت عنها في وقت مبكر قبل بقية اللغات والفروع الأخرى.
وقد قام العلماء بتصنيف اللغات التي ظهرت في الأناضول في مجموعتين: تضم الأولى اللغات الأناضولية الهندية - الأوربية، وأهمها: الحثية واللوفية والبالائية واللوفية الهيروغليفية واللوقية والليدية، وتضم المجموعة الثانية لغات ليست هندية - أوربية، وأبرزها: الحاتية والحورية والأورارتية.
اللغة الحثية Hittite
هي أهم اللغات الأناضولية وأكثرها تطوراً وأفضل ممثل لها في النحو والصرف والمفردات. وتعد في نظر من يرى انتماءها إلى الهندية - الأوربية أقدم لغة في هذه الأسرة مدونة وموثقة بالنصوص التي تعود إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد.
لقد كانت لغة الامبراطورية الحثية التي بسطت سيطرتها على معظم أنحاء الأناضول وشمالي سورية أكثر من أربعة قرون حتى انهيارها بفعل غزوات شعوب البحر المدمرة في أواخر القرن الثالث عشر ق.م.
وتعود تسميتها بالحثية، التي وردت في المصادر المصرية القديمة والآشورية وكذلك العهد القديم، إلى العالم وليم رايت William Wright الذي أطلقها على نص حثي هيروغليفي اكتشف في حماة عام 1872 ثم انتشرت في الأوساط العلمية. وهي مستقاة أصلاً من اسم البلاد (حاتي) الذي سبق الوجود الحثي في الأناضول. أما الحثيون فكانوا يسمون لغتهم نيشية Nesili (تعني حرفياً: في لغة نيشا) نسبة إلى مدينة نيشا (كانيش) عاصمتهم القديمة قبل حاتوشا. وقد مرت اللغة الحثية بمرحلتين أساسيتين هما:
1ـ الحثية القديمة: من القرن السابع عشر إلى القرن الخامس عشر ق.م، ولم يصل إلينا سوى مجموعة صغيرة من النصوص.
2 - الحثية الحديثة (الكلاسيكية): واستمرت من القرن الخامس عشر إلى نهاية القرن الثالث عشر ق.م. وكتبت بها معظم النصوص المكتشفة في أرشيف حاتوشا. كما اكتشف بعض النصوص والرقم الحثية في أغاريت Ugarit وفي إيمار (مسكنة) وألالاخ Alalakh وأماكن أخرى.
أما عن مضمونها فهي تضم وثائق تاريخية ومعاهدات ومراسلات دبلوماسية ونصوصاً إدارية واقتصادية وقانونية وأدبية ودينية وأسطورية، وتقدم من ثم مادة ثرية للباحثين والدارسين.
وقد كتبت الحثية بالخط المسماري ولكن ليس ذاك الذي كان مستعملاً في المستوطنات الآشورية (كانيش) وإنما بخط مسماري أقدم عهداً يشبه الخطوط المسمارية المستخدمة في آلالاخ وأغاريت وقَطْنة، مما يدل على أن الحثيين قد اقتبسوا نمط كتابتهم من إحدى «مدارس الكتابة» في شمالي سورية، ولعل ذلك تم في عهد الملك حاتوشيلي في النصف الثاني من القرن السابع عشر ق.م. ولكن الحثيين استخدموا في نقوشهم وتماثيلهم وأختامهم كتابة تصويرية دعيت بالهيروغليفية الحثية واختفت مع زوال مملكتهم، ثم عادت إلى الظهور في مطلع الألف الأول ق.م.
اللغة البالائية Palaic
هي لغة منطقة «بالا» الواقعة إلى الشمال الغربي من حاتوشا. وأثبتت الأبحاث أنها شقيقة الحثية واللوفية وشديدة القرب منهما وأنها تأثرت باللغة الحاتية، ولكن لم يصل إلينا منها سوى آثار لغوية ضئيلة (نحو مئتي كلمة ومئة نصف كلمة) وكلها تتعلق بالديانة والطقوس والأساطير. وقد انقرضت البالائية في وقت مبكر وخاصة بعد هجوم قبائل الكاسكا من منطقة البحر الأسود. ولكن النصوص القانونية الحثية بقيت تذكر بالا إلى جانب خاتي ولوفية حتى العصور الأخيرة بوصفها الأقاليم الرئيسة في المملكة.
اللغة اللوفية المسمارية Cuneiform Luwian:
هي شقيقة الحثية وترد كثيراً في رُقُم حاتوشا المسمارية ولاسيما الدينية منها. وهي معروفة أفضل من سابقتها وعاشت زمناً أطول وكان لها تأثير قوي في الحثية وخاصة في العصر المتأخر كما يظهر في الكثير من المفردات المقتبسة منها. وقد انتشرت هذه اللغة في القسم الجنوبي والشرقي من الأناضول وتفرعت إلى عدة لهجات ظهرت في الألف الأول قبل الميلاد. كما أنها ذات صلة وثيقة بلغات غرب الأناضول.
اللوفية الهيروغليفية Hiroglyphic Luwian
وهي لهجة لوفية متأخرة كتبت بالهيروغليفية الحثية المذكورة آنفاً وظهرت على كثير من النقوش التي تركتها تلك الممالك الصغيرة التي قامت في جنوبي الأناضول وشمالي سورية في أوائل الألف الأول قبل الميلاد واستمر بعضها حتى القرن الثامن ق.م، حين سقطت على أيدي الآشوريين وعرفت باسم الدول الحثية الحديثة. وقد دخل اللوفية في هذه المرحلة كثير من الكلمات الأمورية - الكنعانية من شمالي سورية.
بدأت محاولات فك رموز هذه الكتابة الهيروغليفية منذ أن اكتشف أول نقش دوِّن فيها، ولكنها بقيت مستغلقة زمناً طويلاً مع تحقيق بعض النجاح حتى اكتشف في عام 1947 نص مزدوج اللغة في موقع قره تبه Karatepe من قبل العالم الألماني بوسيرت H.Bossert يعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد ومكتوب باللغتين الفينيقية (الكنعانية) واللوفية الهيروغليفية. وكذلك اكتشفت أختام جديدة في أوغاريت عام 1953 بنقوش تصويرية ساعدت في تذليل الصعاب القائمة بعد تسعين سنة من البحث الدؤوب وتكللت جهود الباحثين بالنجاح وأصبحت اللغة اللوفية الهيروغليفية وكتابتها التصويرية معروفة إلى حد كبير.
اللغة اللوقية (الليسية) Lycian
هي لغة منطقة لوقية (ليسية) الجبلية في جنوب غربي الأناضول وقد كتبت بأبجدية خاصة بها مأخوذة عن اليونانية. وتعد النقوش أهم مصدر لدراسة هذه اللغة، ويزيد ما اكتشف منها على 150 نقشاً يبرز بينها نص أكسانتوس Xanthos التذكاري الذي كان حاكماً في عهد السيطرة الفارسية الأخمينية، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن الخامس ق.م وهناك أيضاً كتابات النقود من القرن الخامس أيضاً. يضاف إلى ذلك أسماء الأعلام اللوقية المذكورة في النقوش اليونانية واللاتينية. ولكن بعد عهد الاسكندر المقدوني وما تبعه من هَلْيَنَة آسيا الصغرى بدأ اللوقيون يكتبون نقوشهم باللغة والكتابة اليونانية وتراجعت لغتهم لتنقرض بعد ذلك. وقد تأثرت اللوقية باليونانية واقتبست منها مفردات كثيرة. ونتيجة الأبحاث التي قام بها عدد كبير من العلماء لم يعد هناك شك حول قرابة اللوقية واللوفية، بل ذهب بعضهم إلى عدها إحدى اللهجات اللوفية إلى جانب الكيليكية المعروفة فقط من أسماء الأعلام.
وهناك ثلاث لغات في غربي الأناضول موثقة على نحو ضئيل جداً وكلها مكتوبة بحروف أبجدية ومن المحتمل أنها تنتمي إلى اللغات الأناضولية الهندية الأوربية وهي:
اللغة الكارية Carian: وكتب بها عدد من النصوص المؤرخة بين القرنين السابع والرابع قبل الميلاد. ولكن فك رموز كتابتها ما يزال غير مكتمل بعد. وكان هنالك محاولات لربطها بلغات كريت وقبرص أو باللغة الأتروسكية لم يكتب لها النجاح.
اللغة السيدتية Sidetic (نسبة إلى مدينة سيدة Side): ممثلة بعدد قليل جداً من النقوش من منطقة بمفيلية Pamphylia العائدة إلى القرن الثالث ق.م.
اللغة البيسيدية Pisidian: وتضم بعض النقوش من القرن الثالث الميلادي ولكنها لا تتضمن سوى أسماء أعلام.
اللغة الليدية Lydian
هي لغة سادت في منطقة ليدية الواقعة في الجزء الشمالي الغربي من هضبة الأناضول المطل على بحر إيجة. وكانت معرفتنا بها تقتصر على مجموعة من الأسماء والكلمات التي حفظتها اللغة اليونانية ثم تفاقمت نتيجة اكتشاف مجموعة من النقوش الليدية وخاصة بعد التنقيبات الأمريكية التي جرت في سرديس Sardes عاصمة تلك المقاطعة، وتعود في معظمها إلى القرن الرابع قبل الميلاد ولكن بعضها يرقى إلى القرنين السادس والخامس ق.م، وكتبت بأبجدية إغريقية المنشأ. وقد كان لاكتشاف نقش آرامي - ليدي دور مهم في انطلاق الدراسات اللغوية الليدية، وتمكن الباحث الإيطالي مريجي Meriggi من تحديد هوية هذه اللغة بوصفها من اللغات الهندية - الأوربية وتنتمي إلى الفرع الأناضولي لهذه اللغات. ولكن قلة النصوص المكتشفة لم تسمح بإزالة الصعوبات القائمة ولا بتحديد درجة قرابتها من اللغات الحثية - البالائية - اللوفية.
أهم خصائص اللغات الأناضولية
إن كل هذه اللغات الأناضولية المذكورة آنفاً هي لغات هندية - أوربية في بنيتها الأساسية وفي قواعدها وكثير من مفرداتها. كما تشترك معها في حالات الإعراب (يوجد سبع حالات إعراب في الحثية القديمة). وهناك بعض الكلمات التي يمكن مقارنتها بسهولة مع مثيلاتها في بعض اللغات الهندية - الأوربية الحديثة مثل:
كلمة ماء water بالحثية = water بالإنكليزية = wasser بالألمانية
كلمة جديد mewa بالحثية =new بالإنكليزية = neu بالألمانية = neos باليونانية = novus باللاتينية
كلمة سنة wett بالحثية = fetos باليونانية.
كلمة طريف itar بالحثية = iter باللاتينية.
وأبرز سمات هذه اللغات الأناضولية هي:
ـ وجود الحرف الحلقي خ الذي اختفى بعد ذلك من اللغات الهندية - الأوربية.
ـ يلاحظ غياب جنس المؤنث، إذ لا يوجد سوى جنس عام (للمذكر والمؤنث) وجنس محايد.
ـ يقتصر تصريف الفعل على صيغتين ولكل منهما نهاية خاصة به.
ـ لا تعرف الأناضولية سوى زمني الماضي والحاضر، أما بقية الأزمنة (كالماضي الناقص والماضي التام والمستقبل فلا وجود لها.
ـ يتميز نحوها بوجود سلسلة طويلة من الأدوات اللصقية التي تتبع الكلمة الأولى في الجملة والفعل في آخر الجملة.
اللغة الفريجية Phrygian
هي لغة هندية - أوربية ولكنها لا تنتمي إلى المجموعة الأناضولية، وإنما هي أقرب إلى الفرع اليوناني. جاء الفريجيون إلى الأناضول مع موجة شعوب البحر الإيجية وشاركوا في القضاء على المملكة الحثية واستقروا في المنطقة التي حملت اسمهم في وسط الأناضول. وأقاموا مملكة قوية في القرن الثامن ق.م واصطدموا بالآشوريين الذين خاض ملكهم صرغون الثاني معارك في مواجهة الملك ميتا، الذي هو ميداس Midas المشهور بثرائه وعاصمته غوردون Gordiun. ويرى بعض الباحثين أنه كان لهؤلاء الفريجيين دور مهم في نقل الحضارة الشرقية إلى اليونان.
وتعرف اللغة الفريجية بالدرجة الأولى عن طريق النقوش، ويمكن تمييز مرحلتين فيها: قديمة وحديثة. واستخدمت منذ القرن الثامن ق.م أبجدية مقتبسة من اليونانية والفينيقية عثر على نحو 250 نصاً مكتوباً بها، يصل تاريخها حتى منتصف القرن الرابع ق.م ومعظمها قبل العصر الأخميني ومنها نقش تذكاري للملك ميداس. وتراجعت الفريجية إبان العصر الهليني الروماني لتقتصر على لغة الحديث ولكنها عادت إلى الظهور لغة مكتوبة في القرون الثلاثة الأولى الميلادية مستخدمة الأبجدية اليونانية. وقد وصلنا ما يزيد على 100 نقش فريجي حديث وكلها نصوص قصيرة. تأثرت الفريجية باليونانية (العامة Koine) واختفت نهائياً في القرن الخامس الميلادي.
لغات «أناضولية» غير هندية - أوربية
اللغة الحاتية Khattian أو Khattic: هي أقدم لغة غير هندية - أوربية ظهرت في الأناضول ويعود الفضل إلى اللغة الحثية في حفظ هذه اللغة، التي كان لها تأثير لغوي وحضاري كبير على الحثية التي لا يمكن دراستها بمعزل عنها. وقد وجدت آثارها في أرشيف حاتوشا وفي أسماء الأماكن والأشخاص والآلهة التي جاءت في الألواح الكبدوكية الآشورية.
وقد اقتبس الحثيون من الأدب الحاتي كثيراً من الأمور المتعلقة بالآلهة والطقوس الدينية كما ترجموا بعض النصوص. وحمل ملوكهم في عصر المملكة القديمة (1650 - 1500ق.م) أسماء حاتية مثل: لابارنا Labarna وحاتوشيلي Khattsili. وفي عهد المملكة الحديثة (1400 - 1200ق.م) يعثر على ألقاب ملكية حاتية: تابارنا (للملك): توانانا (للملكة). وكان الحثيون يسمون أنفسهم: رجال بلاد «حاتي» وعاصمتهم حاتوشا وهي تسميات حاتية.
كانت الحاتية لغة محكية في وسط وشمالي الأناضول عند قدوم الحثيين في أوائل الألف الثاني ق.م وبقيت كذلك حتى عام 1400ق.م تقريباً ثم انقرضت. والحاتية لغة منعزلة يصعب نسبتها إلى أسرة لغوية معروفة فهي شبيهة بالسومرية والحورية والأوراتية.
اللغة الحورية Hurrian: كانت تدعى سابقاً ميتانية Mitanni (تبعاً لرسائل تل العمارنة) ثم اقترح تسميتها سوبارتية Subarian (بناء على النصوص الرافدية) ولكن الأرشيف الحثي يسميها لغة الحوريين (خورليلي Khurlili).
لقد انحدر الحوريون من هضبة أرمنية واستقروا في أعالي بلاد الرافدين وكانت الطبقة العليا الحاكمة من أصول هندية آرية، برزوا في القرن الرابع عشر ق.م بقيادة توشراتا تحت اسم الامبراطورية الميتانية التي تغلب عليها الحثيون في عام 1375ق.م. وبعد ظهور الآشوريين اختفى الحوريون من مسرح التاريخ بعد أن تركوا كثيراً من الشواهد التي تدل عليهم. وتعد وثيقة تأسيس معبد أوركيش Urkish (في أعالي الخابور) أقدم آثارهم اللغوية. ولكن أطول نص حوري معروف حتى اليوم (نحو 400 سطر) يتمثل في رسالة الملك توشراتا إلى أمنحوتب الثالث Amenhotep III، وهي إحدى رسائل تل العمارنة. ويضم الأرشيف الحثي عدداً من النصوص الحورية بعضها لغوي الطابع يضم قوائم كلمات متقابلة سومرية - أكادية - حورية - أغاريتية، والبعض الآخر نصوص دينية.
لقد كتبت الغالبية العظمى من النصوص الحورية بالخط المسماري البابلي ولكن بعضها كتب بأبجدية أُغاريت.
واللغة الحورية من اللغات اللصقية agglutinatin وقد حاول بعض الباحثين في الماضي نسبتها إلى اللغات القوقازية، مثلما حصل للغتين الأخريين الحاتية والأوراتية وسواهما، ولكن هذه اللغات حديثة نسبياً، من حيث تدوينها، ولا يعرف شيء عن ماضيها وصيغها القديمة ولا يجوز من الناحية المنهجية إجراء مقارنة بين لغات تفصل فيما بينها نحو ثلاثة آلاف سنة تقريباً، ولذلك تبقى مثل هذه المقارنات غير مجدية علمياً. ولكن الأبحاث اللغوية الحديثة أثبتت وجود قرابة بين الحورية والأوراتية الأحدث منها.
اللغة الأوراتية Uratian: أوراتو تسمية أطلقها الآشوريون على شعب ومملكة قامت في أرمينية حول بحيرة فان Van في القرن التاسع قبل الميلاد وبقيت خصماً لهم قرنين من الزمن حتى أخضعها آشوربانيبال ثم اختفت بعد ذلك وحل محلها الأرمن وهم من الشعوب الهندية - الأوربية. ولم يترك الأورارتيون سوى اسم جبل آرارات الذي يدل عليهم ومئات النقوش التي تتحدث عن غزوات ملوكهم وأعمالهم وبعض النصوص الاقتصادية. كما اكتشفت نصوص أورارتية - آشزرية ساعدت على دراسة هذه اللغة التي أصبحت معروفة في مجال البحث أكثر من الحورية.
وقد كتبت الأوراتية مثل باقي لغات المنطقة بالخط المسماري (الآشوري) ونسب الأورارتيون في السابق خطأ إلى كبير آلهتهم خلدي Khaldi وتؤكد الأبحاث والدراسات الحديثة قرابة الأوراتية من الحورية ولكن التشابهات الكثيرة بينهما يقابلها أيضاً عدد كبير من الاختلافات ومن ثم فإن الأوراتية ليست سليلة الحورية ولا تشكل مرحلة أحدث بالنسبة لها.