|▒|╣☼ العصبية التي يأثم عليها صاحبها ☼╠|▒|
عباد الله ..
إن الإسلام حرَّم العصبية والظلم ..
وأوجب التسامح والعدل ..
كانت الجاهلية تقول :
انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ..
ويعنون بذلك ظاهر الكلام ، فهم ينصرونه في الحالين سواء كان ظالماً أو مظلوماً ، ولم يقصد أنهم يكفونه عن الظلم كما أمر الإسلام ..
يقول أحدهم :
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
قال تعالى : { وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}..
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينصر قومه تعصباً بوصف شنيع ينبأ عن شناعة فعله ..
ففي الحديث الذي أخرجه داود في سننه وابن حبان في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال :
( من نصر قومه على غير حق فهو كالبعير الذي ردي ، فهو ينزع بذنبه ) ..
سُئل زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهم ؛ عن التعصب المذموم فقال : العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خير من خيار قوم آخرين ..
اسمع بارك الله فيك ..
العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خير من خيار قوم آخرين ..
وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه ..
ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم ..
عباد الله ..
لقد أصبحت القبلية هي المقياس عند كثير من الناس ..
عجيبٌ أمرهم ..
يغضبونللقبلية ، ولا يغضبون للدّين!!..
ينتصرون للقبلية ، ولا ينتصرون للدّين!!..
يُعادون ويوالون للقبلية ، ولا يوالون للدّين!!..
أصبحنا نعظم العادات والتقاليد أكثر من تعظيمنا للشرع والدين ..
يسرق أحدهم ، ويزني ، ويرابي ، ويعلم هذا عنه فلا يُنكر عليه ..
ولو زوَّج ابنته لرجل من غير قبيلة لثارت ثائرته ، واشتعلت عنده الحمية حمية الجاهلية ..
أصبحت مجتمعاتنا محكومة بنظرة التعالي وتغليب معيار القبلية على كل المعايير ولو على حساب الدين ..
أحبتي ..
إن منهج لا إله إلا الله جاء ليضمن مبدأ المساواة بين الناس ..
وأنهم كلهم عند الله سواسية كأسنان المشط ..
فكان اتباع الأنبياء هم الضعفاء والفقراء ..
لأنهم استشعروا العدل والإنصاف في ظل لا إله إلا الله ..
قال سادة القوم لنوح عليه السلام لما التف حوله الضعفاء : { أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَقَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ، وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ } ..
وكذا قال كبراء القوم من قريش لنبينا صلى الله عليه وسلم لما رأوا حوله بلالاً وابن مسعود والضعفاء من القوم ..
قالوا اطردهم حتى نؤمن بك ونجلس معك ..
فقال الله لنبيه : { وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ } ..
أما علم أهل الترفع وأهل العصبية ، أنَّ من يحتقرونهم ومن يزدرونهم قد يكونون أحسن منهم عند الله ..
قال صلى الله عليه وسلم : ( ربَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ) ..
تقول السير والأخبار أن جبلة ملك غسان أسلم ..
أسلم على زمن عمر وجاء إلى المدينة في موكب ما رأت المدينة مثله ، فبايع عمر ثم مضى إلى مكة للعمرة ..
فبينما هو يطوف على الكعبة ، وقد جرَّ إزاره فداسه إعرابي _ داس الإزار إعرابي _ دون أن يقصد ذلك ، فصفعه جبلة على وجهه ، فذهب الإعرابي يشتكي عند عمر رضي الله عنه وأرضاه فاستدعى عمر جبلة وسأله عن الأمر فقال : نعم صفعته ..
قال : نعم صفعته ، ولولا حرمتك يا أمير المؤمنين لقطعت رقبته ..
فال عمر رضي الله عنه : أما و قد اعترفت فلا بدّ من القصاص ..
لا بدّ أن يصفعك كما صفعته إلا أن يتنازل عن ذلك ويسمح ..
فقال جبلة الذي لا تزال رواسب الجاهلية باقية في عقله :إيصفعني وأنا ملك ..
أيصفعني وأنا ملك وهو من سوقة الناس ..
فقال عمر رضي الله عنه _ واسمع وافهم ما قال _ ..
قال : إنَّ الإسلام قد ساوى بينكما ..
الكل عند الله سواسية ..
لا فضل لأحد على أحد ..
كلكم لآدم وآدم من تراب ..
فقال جبلة : أمهلني إلى الغد ..
فأمهله عمر رضي الله عنه ..
ففرَّ إلى الشام مرتداً عن دينه ، ولو علم الله فيه خيراً لأسمعه ..
هذه هي معتقدات وأفكار الجاهلية التي جاء الإسلام لينبذها ويحاربها ويعيد الأمور إلى نصابها ..
إن الإسلام عباد الله ..
يرفض العصبية ، والنعرات الجاهلية ، ويحارب هذه الأفكار الدنيئة التي تجعل تفرقة بين المسلم وأخيه ..
ونحن إذ نطلق هذه الكلمات من هذا المنبر لنحذر الناس من مغبة العصبية القبلية..
فإنَّ من أسباب ضعف المسلمين وضعف العرب خاصة هذه الإنقسامات وهذه الجاهلية التي مزقت وحدة الأمة وكانت سبباً في إضعافها ..
فأصبحت مصالح القبلية مقدمة على مصالح الآخرين ..
بل حتى على مصالح الإسلام والدين ..
وصلنا إلى حالة ضاع فيها الولاء والانتصار للدين ..
وأصبح الولاء ، والانتصار ، والغضب للقبيلة والجاهلية ..
إن هذا الدفاع المصرف والتعصب القبلي كان مصدراً لكثير من الحروب النزاعات ..
وهذا التعصب ساعد على انتشار عادات وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان ..
في بعض المجالس يُستهزأ بدين الله ، فلا ينتصر للدين أحد ..
ولو ذكرت قبيلة فلان أو فلان أو انتقصت ، لاقتتل المجلس ..
ولقد شهدت هذا بأم عيني ..
والله شهدت مثل هذا بأم عيني ..
ولوكان بأيدي القوم السلاح لاقتتلوا ..
أين الاحتكام للشرع والغيرة على الدين !..
والمجتمع يغرق في الربا ، والزنا ، والمحرمات !..
لي فيك يا ليل آهات أرددها
أنَّا التفت للإسلام في بلد
أوّاه لو أجت المحزون أوّاه
وجدته كالطير مقصوصاً جناحاه
وصل الأمر عباد الله إلى حد لا يُسكت عليه ..
ذهبت إلى إحدى مدن الشمال منذ أشهر..
فوصلت عصراً ، وكانت الأجواء متوترة ، وغيوم الحقد منتشرة ..
فالتقيت رئيس المحاكم أول ما وصلت ..
فكان من كلامه لي أن تكلم عن خطر التعصب القبلي ، وآثاره على المجتمع ..
فقلت : وما سبب هذا الكلام ؟!..
اسمع رعاك الله ..
لقد وصل الأمر إلى درجة أنه حتى أفراد القبيلة الواحدة بينها فروقات ، ومفاضلات ، ودرجات ..
وأصبحنا نربي صغارنا ونغرس في أنفسهم مثل هذه النعرات ..
ألا فليفرح وليشمت فينا الأعداء ..
قال لي رئيس المحاكم :
حدثت عندنا اليوم جريمة قتل راح ضحيتها أحد الشباب
وكاد القوم يقتتلون ولكن الله سلم ..
ما القصة ، وما الخبر !!..
هما شابان من طلاب الثانوية لم تتجاوز أعمارهما السابعة عشرة من الأعمار ينتميان إلى نفس القبيلة ، لكن هذا من طبقة وهذا من طبقة أخرى _ كما يقولون _ ..
الذي حدث أن أحدهما عيَّر صاحبه بشيء من ماضي أهله ، فثارت ثائرة الشاب وحرَّضه الأصحاب ..
فتربص لصاحبه حين خرج من المدرسة فأطلق في رأسه النار ..
وأطلق في رأسه النار فأرداه قتيلاً ..
ألا فليفرح الآباء !!..
ألا فليفرح الآباء بمثل هذا على مرأى ومسمع من الجميع انتصاراً للماضي الذي قد مضى وكان ..
واجتمع أهل هذا وأهل ذاك ، وكادت تكون مقتلة ولكن الله سلم ..
ووالله لقد سمعت في مجلس من المجالس ابن العاشرة يسأل قرينه :
ما أصلك أنت ، وما فصلك ؟!..
ابن العاشرة يسأل قرينه ..
ما أصلك أنت ، وما فصلك ؟!..
وتعالت أصوات الصغار في المجلس ..
ألا فليفرح الآباء على مثل هذه التربية !!..
بدل أن يحببوهم بالإسلام وبدينهم ؛ يرغبونهم بماضي الآباء والأجداد !!..
اتقوا الله عباد الله ..
اتقوا الله عباد الله ..
هذه هي ..هي الجاهلية التي حاربها الإسلام ..
من كنا قبل الإسلام ، وماذا صرنا بعد الإسلام ..
لقد علم نبينا صلى الله عليه وسلم أنَّ الأمة لا تقوم لها قائمة إلا بالأخوة بين أفرادها وقبائلها..
فكانت أول خطوة بعد الهجرة من مكة إلى المدينة ..
أن آخى بين المهاجرين والأنصار ..
وبلغت الأخوة الإيمانية ذروتها ..
فكان الأنصاري يقول لأخيه من المهاجرين :
هذا مالي اقسمه بيني وبينك ..
ولي زوجتان أطلق إحداهما فتتزوجها أنت ..
وقد أغضب أعداء الله من يهود ومنافقين ومشركين ما رأوا من حب ، وودّ ووئام بين المسلمين ، وكيف زالت بينهم الطبقية والعصبية تحت راية الإسلام ..
فحرصوا على إيقاد الفتن ، وإشعال النيران ..
وما وجدوا إلى ذلك سبيلاً إلا عن طريق النعرات الجاهلية والتعصبات القبلية ..
فمرَّ أحد أحبار اليهود الحاقدين ، وكان عظيم الحقد على المسلمين ؛ عظيم الكفر ؛ ومن رؤوساء المنافقين ..
مرَّ على نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فغاظه ما رآهم عليه من ألفة ومحبة ، وهم الذين كانوا إلى عهد قريب لا يلتقون إلا في معارك تسيل فيها الدماء ، وتزهق فيها الأرواح ..
فقال بكل حقد : لا والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم في المدينة من قرار ..
مالنا في المدينة معهم من قرار إذا ظلوا على هذه المحبة والمودة ..
علموا أن ..
قوتنا في اعتصامنا ..
وتآلف قلوبنا ..
وزوال آثار الجاهلية من مجتمعاتنا ..
فأمر ذلك اليهودي أحد الشباب اليهود أن يندس بين جمع الأوس والخزرج ، وأن يثير بينهم أخبار الجاهلية ، ونعرات القبلية ، ويذكرهم بالذكريات الأليمة ..
وخاصة يوم بعاث ذلك اليوم الذي تقاتل فيه الأوس والخزرج لأتفه الأسباب ..
حصدت فيه الأرواح من الفريقين ومن الخزرج خاصة ، وكاد الأوس يبيدون أخوانههم من الخزرج عن بكرة أبيهم ..
فاندس الخبيث بين الجمع وأخذ باشعال النار ، وإيقاد الفتنة ، وأخذ ينشد الأشعار ، ويذكر بما كان في حرب بعاث من أخبار ..
فظهرت الفتنة ، وتلاسن الحيّان ، وأخذ كل منهما يفاخر الآخر وينازعه ..
وتحول الجدل إلى ما هو أخطر من ذلك ..
فقام أحد زعماء الخزرج متحدياً للأوس قائلاً : إن شئتم رددناها ..
إن شئتم رددناها ..
فاشتط الغضب بالفريقين ، وتواعدوا للحرب ، وأعلنوا النفير ، وأخذوا سلاحهم ، وتوجهوا للمكان المحدد ..
وكاد اليهود ينجحون في أهدافهم الخبيثة لولا لطف من الله تبارك وتعالى ..
بلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقام مسرعاً ، فوجد القوم قد اجتمعوا وعلى وشك الاقتتال ؛ فقام بينهم خطيباً فقال :
( يا معشر المسلمين ) _ ما قال أوس أو خزرج _ ..
قال :
( يا معشر المسلمين .. الله .. الله ..أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ..
الله .. الله ..أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ..
دعوها فإنها منتنة ..
بعد أن هداكم الله للإسلام ، وأكرمكم به ..
وقطع عنكم أمر الجاهلية ..
واستنقذكم به من الكفر ..
وألَّف بين قلوبكم ) ..
فلما سمع الرجال الكلام عادوا إلى رشدهم ، وأدركوا أنها مكيدة يهودية ، فأغمدوا سيوفهم ، ونكسوا رماحهم ، ثم استرجعوا ، وبكوا ، وأخذ الرجال من القبيلتين يعانق بعضهم بعضاً ..
فأنزل الملك العلَّام :{ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ..
نعم عباد الله ..
القوة ..
في الاعتصام ، والاجتماع ..
والضعف ..
في الفرقة ، والانشقاق ..
وحبل الله هو القرآن الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } ..
كيف كنا قبل القرآن ، وقبل الاعتصام بكلام الرحمن !!..
كنا قبائل متناحرة متقاتلة لأتفه الأسباب ..
يسطو القوي على الضعيف ، وكأنها حياة في الغاب ..
فألف الإسلام بين القلوب ..
وزكّى تلك النفوس ..
ورفع الإسلام شعار :
{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ..
أي في الدين والحرمة لا في النسب ..