{؛« .»؛} منهج الداعى إلى الله {؛«' .»؛}
إن الداعي إلى الله عزَّ وجلََّ - على حكمة من أمره، وبصيرة من ربِّه - هو الذي يجمِّله الله بلسان البيان، وأخلاق القرآن، ورحمة النبي العدنان، وعلوم أهل الأذواق والعرفان. وفي هؤلاء الدعاة الحكماء يقول أبو العزائم رضى الله عنه: { لهم حَالٌ مع الله يَجْذِبُ الكَافِرَ والنَّافِر، فَمَا بَالُكَ بِالمُؤمِنِ المُطِيع؟!!}.
ويقول الإمام أحمد ابن عطاء الله السكندري رضى الله عنه في حِكَمِه: ( تسبق أنوارهم أقوالهم، فتجذب القلوب، وتؤهّلها للسماع المطلوب )، ويقول أيضاً: ( حالُ رَجُلٍٍ في ألف رجلٍ، خيرٌ من كلام ألف رجلٍ في رجلٍ واحد )، ويضيف أيضاً رضى الله عنه مبيناً سبب إقبال الخلق عليهم: ( كُلُّ كلام يَبْرز وعليه كِسْوةٌ من نور القلب الذي خرج منه ). وفي هذا أيضاً يقول الإمام أبو العزائم رضى الله عنه: ( إذا كان الكلام عن النور حدثَ لسامعيه السرور ).
والمنهج الذي يَبْنِى عليه هذا الداعي الحكيم دعوته، من بعد تحصيل العلوم الأساسية اللازمة له - من علوم الشريعة، وعلوم القرآن الكريم ، وعلوم الحديث النبوى، والسيرة النبوية، ولغة العرب - يَبْنِيهَا على أمور:
أولاً: أن يجعل الإخلاص لله رائده في كل قول أو حركة أو سكنة؛ فيطلب العلم أولاً ليعمل به في نفسه، رغبة فيما عند الله عزَّ وجلَََّ، ويَجعل نَصب عينيه قوله صلى الله عليه وسلم: { مَنْ غَدَا يُرِيدُ الْعِلْمَ يَتَعَلَّمُهُ لِلَّهِ، فَتَحَ اللَّهُ لَهُ بَاباً إلَى الْجَنَّةِ، وَفَرَشَتْ لَهُ الْمَلاَئِكَةُ أَكْنَافَهَا، وَصَلَّتْ عَلَيْهِ مَلاَئِكَةُ السَّموَاتِ، وَحِيتَانُ الْبَحْرِ، وَلِلْعَالِمِ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى الْعَابِدِ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى أَصْغَرِ كَوْكَبٍ فِي السَّمَاءِ. وَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، إنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً، وَلكِنَّهُمْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظِّهِ، وَمَوْتُ الْعَالِمِ مُصِيبَةٌ لاَ تُجْبَرُ، وَثُلْمَةٌ لاَ تُسَدُّ، وَهُوَ نَجْمٌ طُمِسَ. مَوْتُ قَبِيلَةٍ أَيْسَرُ مِنْ مَوْتِ عَالِمٍ }[1].
وليحذر مما حذَّر منه الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله: { لا تَتَعَلَّمُوا العِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ العُلَمَاءَ وَلِتُهَادُوا بِهِ السُّفَهَاءَ وَلِتَصْرِفُوا بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَهُوَ فِي النَّارِ }[2].
ثانياً: أن يبدأ الداعى الحكيم البصير بنفسه أولاً، ثم بأهله[3] ثانياً، ثم الأقرب فالأقرب، عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: { إبْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ }[4]. وأن يجعل الداعية الحكيم ديدنه دائماً وأبداً، قول الإمام علىٍّ رضى الله عنه، وقيل قول أبى الأسود الدؤلى تلميذه، ونسب بعضهم لإبن السماك[5] - وفى ذلك لطيفة وردت أن ابن السماك وعظ يوماً فأعجبه وعظه، ولما رجع إلى منزله ونام، سمع قائلاً يقول هذه الأبيات، فانتبه! وأقسم على نفسه أن لا يعظ شهراً - وهى:
يَأَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلاَّ لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي الْسِّقَامِ وَذِي الْضَّنَى
كَيْمَا يَصِحُّ بِهِ وَأنْتَ سَقِيمُ
وَنَرَاكَ تُصْلِحُ بِالْرَّشَادِ عُقُولَنَا أَبَدَاً وَأَنْتَ مِنَ الْرَّشَادِ عَدِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُسْمَعُ مَا تَقُولُ وَيُشْتَفَى بِالْقَوْلِ مِنْكَ وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ
لاَ تَنْهُ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِي مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
ثالثاً: أن يقصد بتعليمه الخلق وجه الله تعالى عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم لسيدنا أبى ذرٍ رضى الله عنه: { يَا أَبَا ذَرٍّ: لأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ مِائَةَ رَكْعَةٍ، وَلأَنْ تَغْدُوَ فَتَعَلَّمَ بَاباً مِنَ الْعِلْمِ - عُمِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ - خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تُصَلِّيَ أَلْفَ رَكْعَةٍ}[6]. وقوله صلى الله عليه وسلم: { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ عِلْماً، ثُمَّ يُعَلِّمَهُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ }[7]
رابعاً: ألاَّ يطلب الدنيا بعلمه، وذلك عملاً وحذراً مما ورد من حديثه صلى الله عليه وسلم أنه قال - فى الحديث الشريف منبهاً ومحذراً: { مَنْ طَلَبَ عِلْماً مِمَّا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضاً مِنَ الدُّنْيا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ }[8].
ومما روى عنه صلى الله عليه وسلم أيضاً قوله: { أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى بَعْضِ الأَنْبِـيَاءِ: قُلْ لِلَّذِينَ يَتَفَقَّهُونَ لِغَيْرِ الدِّينِ، وَيَتَعَلَّمُونَ لِغَيْرِ العَمَلِ، وَيَطْلُبُونَ الدُّنْيا بِعَمَلِ الآخِرَةِ - يَلْبَسُونِ لِلنَّاسِ مُسُوكَ الكِباشِ، وَقُلُوبُهُمْ كَقُلُوبِ الذِّئَابِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ العَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ - إِيَّايَ يُخَادِعُونَ وَبِـي يَسْتَهْزِئُونَ! لأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَذَرُ الحَلِيمَ حَيْرَانَ }[9].
فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها، وكَدُورَتَها وزوالَهَا، وعِظَمَ الآخرة ودوامَهَا، وصفاء نعيمها وجلالة ملكها، ولذلك قال الحسن رحمه الله: {عقوبة العلماء موت القلب، وموت القلب: طلب الدنيا بعمل الآخرة}. وقال يحي بن معاذ رضى الله عنه أيضاً: (إنما يذهب بهاء العلم والحكمة إذا طلب بهما الدنيا). وقال عمر رضى الله عنه: ( إذا رأيتم العالم مُحِبًّا للدنيا فاتهموه على دينكم، فإنَّ كُلَّ مُحِبٍّ يخوض فيما أَحَبَّ )[10]. وقال مالك بن دينار رضى الله عنه: قرأت في بعض الكتب السالفة أن الله تعالى يقول:} إنَّ أهون ما أصنع بالعالم إذا أحب الدنيا، أن أخرج حلاوة مناجاتي من قلبه}[11].
وفي أخبار داود عليه السلام حكاية عن الله تعالى: { إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوته على محبتي أن أحرمه لذيذ مناجاتي. يا داود: لا تسأل عني عالماً قد أسكرته الدنيا فيصدك عن طريق محبتي، أولئك قطَّاعُ الطريق على عبادي. يا داود: إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً. يا داود: مَنْ رَدَّ إليَّ هارباً كتبته عندي جُهْبَذاً، ومن كتبته جهبذاً لم أعذبه أبداً }[12].
وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: { عُلَمَاءُ هذِهِ الأُمَّةِ رَجُلاَنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فَبَذَلَهُ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يَأْخُذْ عَلَيْهِ طَمَعاً، وَلَمْ يَشْتَرِ بِهِ ثَمَناً، فَذلِكَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ حِيتَانُ الْبَحْرِ، وَدَوَابُّ الْبَرِّ، وَالطَّيْرُ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعاً، وَشَرَى بِهِ ثَمَناً، فَذلِكَ يُلْجَمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: هذَا الَّذِي آتَاهُ اللَّهُ عِلْماً فَبَخِلَ بِهِ عَنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ طَمَعاً، وَاشْتَرَى بِهِ ثَمَناً، وَكَذلِكَ حَتَّى يَفْرُغَ الْحِسَابُ }[13].
وأشد من هذا ما روي فى الأثر: { أن رجلاً كان يخدم موسى عليه السلام، فجعل يقول: حدَّثني موسى صفيُّ الله، حدَّثني موسى نجيُّ الله، حدَّثني موسى كليمُ الله، حتى أثرى وكثر ماله، ففقده موسى عليه السلام، فجعل يسأل عنه ولا يحسُّ له خبراً، حتى جاءه رجل ذات يوم وفي يده خنزير وفي عنقه حبل أسود، فقال له موسى عليهالسلام: أتعرف فلاناً؟ قال: نعم، هو هذا الخنزير!! فقال موسى: يا ربَّ أسألك أن تردَّه إلى حاله حتى أسأله بما أصابه هذا؟ .. فأوحى الله عزَّ وجلََّ إليه: لو دعوتني بالذي دعاني به آدم فمن دونه ما أجبتك فيه!! ولكن أخبرك لِمَ صنعتُ هذا به؟ لأنه كان يطلب الدنيا بالدين } [14].
خامساً: أن تكون عنايته بتحصيل العلم النافع في الآخرة، المرغِّب في الطاعات، مجتنباً للعلوم التي يقلّ نَفْعُها، أو التى يكثر فيه الجدال، والقيل والقال. وخير مثال لذلك ما روى عن حاتم الأصمَّ تلميذ شقيق البلخي رضي الله عنهما، أن شقيق البلخى قال له: منذ كم صحبتني؟ قال حاتم: منذ ثلاث وثلاثين سنة.، قال: فما تعلمت منّي في هذه المدّة؟ قال: ثماني مسائل، قال شقيق له: } إنّا لله وإنا إليه راجعون { (156-البقرة)، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثماني مسائل!! قال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها، وإني لا أحبُّ أن أكذب. فقال: هات هذه الثماني مسائل حتى أسمعها.
قال حاتم: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يحبُّ محبوباً فهو مع محبوبه إلى القبر، فإذا وصل القبر فارقه، فجعلت الحسنات محبوبي، فإذا دخلت القبر دخل محبوبي معي، فقال: أحْسَنْتَ يا حاتم، فما الثانية؟
فقال: نظرت في قول اللهَ عزَّ وجلََّ: ]وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[ (40،41-النازعات)، فعلمت أن قوله سبحانه هو الحقّ، فأجهدت نفسي في دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى.
أما الثالثة: أني نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل من معه شئ له قيمة ومقدار رفعه وحفظه، ثم نظرت إلى قول الله عزَّ وحلَّ: ]مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ [ (96-النحل)،فكلما وقع معي شئ له قيمة ومقدار وجهته إلى الله ليبقى عنده محفوظاً.
والرابعة: أني نظرت إلى هذا الخلق، فرأيت كل واحد منهم يرجع إلى المال وإلى الحسب والشرف والنسب، فنظرت فيها فإذا هي لا شئ، ثم نظرت إلى قول الله تعالى: ] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ (13-الحجرات) فعملت في التقوى حتى أكون عند الله كريماً.
أما الخامسة: أني نظرت إلى هذا الخلق، وهم يَطْعَنُ بعضُهم في بعض، ويلعنُ بعضُهم بعضاً، وأصل هذا كله الحسد، ثم نظرت إلى قول الله عزَّ وجلََّ:] نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [ (32-الزخرف)، فتركت الحسد، واجتنبت الخلق، وعلمت أن القسمة من عند الله سبحانه، فتركت عداوة الخلق عني.
السادسة: نظرت إلى هذا الخلق يَبْغِي بعضُهم على بعض، ويقاتلُ بعضُهم بعضاً، فرجعت إلى قول الله عزَّ وجلََّ: ]إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [ (6-فاطر)، فعاديته وحده، واجتهدت في أخذ حذري منه، لأن الله شهد عليه أنه عدوٌ لي، فتركت عداوة الخلق غيره.
أما السابعة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد منهم يطلب هذه الكِسْرَةَ فيَذِلُّ فيها نفسه، ويدخل فيما لا يحلُّ له، ثم نظرت إلى قوله تعالى عزَّ وجلََّ: ]وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا[ (60-العنكبوت)، فعلمت أني واحد من هذه الدواب التي على الله رزقها، فاشتغلت بما لله تعالى علىَّ، وتركت ما لي عنده.
والثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيتهم كلَّهم متوكلين على مخلوق، هذا على ضيعته، وهذا على تجارته، وهذا على صناعته، وهذا على صحة بدنه، وكلُّ مخلوق متوكل على مخلوق مثله، فرجعت إلى قوله تعالى: ]وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [ (3-الطلاق)، فتوكلت على الله عزَّ وجلََّ فهو حسبي.
عندها قال شقيق رضى الله عنه: يا حاتم وفقك الله تعالى، فإني نظرت في علوم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم، فوجدت جميع أنواع الخير والديانة وهي تدور على هذه الثمان مسائل، فمن استعملها فقد استعمل الكتب الأربعة ( إنتهى).
سادساً: أن يحدِّث بالأحاديث الصحيحة، ويروي القصص القرآنية والنبوية الثابتة، ويحذر من ذكر الروايات الإسرائيلية في قصص الأنبياء - والتي امتلأ بها الكثير من الكتب، وخاصة كتاب قصص الأنبياء المسمى (بالعرائس للثعالبي) - ولذا عليه أن ينتقي من قصص السلف الصالح ما يقبله العقل ويوافق النقل، ويركز في سرده للقصص على ذكر العظة والعبرة منها عملاً بقوله عزَّ وجلََّ: ]ôلَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ3[ (111-يوسف).
سابعاً: أن يتبحر في علم الشريعة، ويلم بالفتاوي التي يحتاجها العصر، على أن يأخذها من العلماء أهل الخشية الذين بلغوا رتبة الاجتهاد في التشريع، وشهد لهم علماء العصر بذلك. ومن أبرز الكتب التي يرجع إليها في عصرنا في المسائل الفقية العصرية:
كتاب "فتاوي فقهية عصرية" للشيخ جاد الحق، وقد طبع مجمع البحوث الإسلامية منه خمسة مجلدات، وكتاب "الفتاوي العصرية" للدكتور يوسف القرضاوي، و"الفتاوي للشيخ الشعراوي"، و"الفتاوى" لفضيلة مفتى الديار المصرية الدكتور على جمعة.
ومما يعين على الإحاطة بذلك أيضاً الاطلاع على الأسئلة الفقهية والشرعية والردود عليها، ومن أبرز الكتب في هذا المجال كتاب "أحسن الكلام في الفتاوي والأحكام" للشيخ عطية صقر.
على أن يراعي في ذلك ألا يكون مسارعاً إلى الفتيا إذا سُئل، بل يكون متوقفاً ومتحرزاً ما وجد إلى الخلاص سبيلاً، فإن سئل عن ما يعلمه تحقيقاً بنص كتاب الله أو بنص حديث أو إجماع أو قياس جليٍّ أفتى، وإن سئل عن ما يشك فيه قال: لا أدري، وإن سئل عما يظنه باجتهاد وتخمين احتاط ودفع عن نفسه وأحال إلى غيره إن كان في غيره غنْية. هذا هو الحزم لأن تقلد خطر الاجتهاد عظيم. وفي الخبر:{ العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنَّة قائمة، ولا أدري } [15]، وقال الشعبي رضى الله عنه: {لا أدري نصف العلم}.
ثامناً: أن يراعي في تفسير الآيات الكونية ربطها بالنظريات العلمية الحديثة التي ثبتت مصداقيتها علمياً وتجريبياً، على ألا يلوى الآيات القرآنية، أو يتعسَّف في معانيها لتحقيق ذلك، ويطالع في سبيل ذلك كتب الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، ككتب جمال الدين الفندي، والدكتور منصور حسب النبي، والدكتور كارم غنيم، وغيره. ويمكن الاقتصار على كتاب تفسير الآيات الكونية للدكتور عبد الله شحاته.
ولا ننسى بالطبع أن ننوه بقيمة مواقع الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة الموجودة على الإنترنت، والتى أنشأها ثُلَّةٌ من العلماء المسلمين المتخصصين، والثرية بالمادة العلمية القيمة، والقائمة على المبادى للعلمية الصحيحة.
وننبه أيضا إلى وجوب ملاحظة الداعى عند مطالعته لكتب التفسير التراثية أن يتوقف عند تفسير السابقين للظواهر الكونية وأسبابها، كالزلازل والمطر والرياح وغيرها، فما وافق النظريات العصرية الثابتة قَبَلَهُ وتحدَّث به، وما كان غير ملائم للعصر أعرض عنها ولم يشر إليها، وذلك لأن السابقين اجتهدوا في تفسير تلك الظواهر بحسب ما وصل إليه العلم في عصرهم فهذه طاقتهم، وعلينا أن نكمل مسيرتهم فنلغي أو نعدِّل آراءهم بحسب ما وصل إليه العلم اليقيني في عصرنا الحديث.
كما يجب علينا أيضاً أن يتحرز من الأخذ بالفروض والملاحظات قبل كمال تحقيقها؛ لأنها تعدّ أثناء ذلك مجرد افتراضات وليست قوانيناً ولا نظريات، وألا تكون رغبة الداعى الحكيم فى الحديث عن إعجاز القرآن أو السنة العلمى دافعا للخوض فيما لم يثبت باليقين العلمى، وأن يتعود النقل فى ذلك عن المصادر الموثوقة، وأن يفهم ويعى جيداً ما يتناوله بأحاديثه وإلا فلا.
تاسعاً: عليه أن يُضْفي على العبادات والأحكام الشرعية - عند ترغيب الناس في القيام بها - الحِكَمَ الطبيَّة والعلميَّة التي تصاحب أداءها، لماذا؟ لأن ذلك يشدَّ الناس شدّاً شديداً للقيام بها، فيذكر مثلاً مع الصلاة الأمراض النَّفْسِيَّة والجسديَّة التي يعالجها الانتظام في أداء الصلاة، وكذلك مع الصيام يوضح الحِكَمَ الطبيَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة للصيام، وهكذا.
وقد ألمحنا إلى هذا المنهج في كتابنا "مائدة المسلم بين الدين والعلم".
عاشراً: أن يركز في حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم على شمائله وأخلاقه وصفاته، ويستطيع تحصيل ذلك من كتاب "الشمائل المحمدية - للترمذي" و"أخلاق النبي - للأصفهاني" و"المواهب اللدنية - للقسطلاني"، وأجمع كتاب في هذا الباب "سبيل الهدى والرشاد في هدى خير العباد - للحافظ الشامي"، وقد طبعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. ولنا في ذلك أيضاً كتب عدة، وهى: (حديث الحقائق عن قدر سيد الخلائق)، و (الرحمة المهداة) ، و (الكمالات المحمدية) ، و ( إشراقات الإسراء) جزءان، وكتاب (واجب المسلمين المعاصرين نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم).
حادى عشر: وإذا كانت الدعوة فى أوساط النساء تقوم بها إمرأة داعية حكيمة..متفقهة وملتزمة ، فيلزمها إضافة لكل ماتقدم من منهج الدعاة الحكماء:
ألا تُقَصِّرَ في حقِّ زوجها، ولا بيتها، ولا أولادها، بحجة أنها مشغولة بتبليغ الدعوة، وأن تكون على دراية كاملة بفقه النساء وما يخصهنَّ من الكتاب والسنة، مع معرفة الحكم الشرعيّ المناسب لمقتضيات مستجدات العصر. وأن ترتكز في طريقتها في الدعوة إلى الله على التبشير لا التنفير - كما أمر البشير النذير. وعليها - هذه الأيام - أن تلم بالإجابات الشافية على الشبهات التى يثيرها أعداء الأسلام فى شأن علاقة الإسلام بالمرأة والميراث وغيرها.
[1] عن أبى الدرداء tرواه أبو داود وابن حبان والبيهقي وهذا لفظه
[2] رواه ابن ماجة من حديث جابر بإسناد صحيح
[3] ولنا فى ذلك فصل كامل فى هذا الكتاب، الفصل الثانى: دعوة الرجل لأهله وذويه.
[4] رواه الطبراني عن حكيم بن حزام، ورواه الشيخان عن أبي هريرة t.
[5] مرآة الجنان وعبرة اليقظان، شرح شذور الذهب فى أخبار من ذهب، المستطرف في كل فن مستظرف
[6] عن أبى ذر t رواه ابن ماجه بإسناد حسن
[7] رواه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه
[8] عن أبى هريرة رضي الله رواه أبو داود وابن ماجة بإسناد جيد
[9] رواه ابن عبد البر، عن أبى الدرداء رضي الله عنه
[10] إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى
[11] إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى
[12] إحياء علوم الدين للإمام أبى حامد الغزالى، الجهبذ: العالم الكبير.
[13] أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف، الترغيب والترهيب
[14] إحياء علوم الدين، وفى تاريخ دمشق عن عثمان بن عبدالله ، وفيه "وفى يده خززاً فى عنقه حبل " والخزز الأرنب الذكر.
[15] أخرجه أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر مرفوعاً.