ذهب
عضو مبدع
الجنس : العمر : 31 مهد الذهب التسجيل : 06/09/2011 عدد المساهمات : 232
| |
ذهب
عضو مبدع
الجنس : العمر : 31 مهد الذهب التسجيل : 06/09/2011 عدد المساهمات : 232
| موضوع: رد: {**} المنهج القرآني لحماية المجتمع من العنف {**} الأحد 11 سبتمبر 2011, 2:08 pm | |
|
الأساس الثاني: إباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم. يرسخ القرآن الكريم مبدأ الإخاء الإنساني بإباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، وتصل الإباحة إلى درجة الاستحباب عند الحاجة، وإلى درجة الوجوب عند الاضطرار.
وأدلة إباحة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم كثيرة متعددة ومنها ما يأتي: أ ـ قوله تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) . ولا شك أن التعارف لا يمكن أن يصل إلى الدرجة الكاملة إذا تبعه تعاون وتعامل. ب ـ قوله تعالى: (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) ومن البديهي أن أكل طعام أهل الكتاب والتزوج بنسائهم لا يمكن وضعها في حيز التنفيذ إلا إذا كان هناك تعاون وتعامل بينهم وبين المسلمين، وهما في نفس الوقت وسيلة من الوسائل التي توسع دائرة التعاون بين المسلمين وغيرهم.
جـ ـ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ما يدل على تعامله مع غير المسلمين. ففي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قال: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير ) .
وفيه أيضاً: عن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم جاء رجل مشرك مشعانطويل بغنم يسوقها، فقال صلى الله عليه وسلم بيعاً أم عطية ـ أو قال: أم هبة ـ فقال: لا بيع فأشتري منه شاة. قال ابن حجر: قال ابن بطال: معاملة الكافر جائزة إلا بيع ما يستعين به أهل الحرب على المسلمين.
وقد شرح القرآن الكريم عدة عقود تسهم في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، ورغبة منه في إيجاد عالم تسوده المحبة والوئام وترفرف عليه رايات الأمن والسلام.
وهذه العقود هي: المعاهدات وعقد الذمة، وعقد الأمان.
المعاهدات: الأصل في شرعية المعاهدات قوله تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم). قوله تعالى: ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين). وقد عقد الرسول صلى الله عليه وسلم معاهدة مع اليهود بعد قدومه إلى المدينة، ومعاهدة مع مشركي قريش في السنة السادسة للهجرة.
ويشترط في صحة المعاهدات ثلاثة شروط .
أولها: أن لا تمس المعاهدة قانون الإسلام الأساسي وشريعته العامة التي بها قوام الشخصية الإسلامية. ثانيها: أن تكون بينة الأهداف، واضحة المعالم، تحدد الالتزامات تحديداً لا يدع مجالاً للتأويل والتخريج واللعب بالألفاظ. ثالثها: أن تكون مبنية على التراضي من الجانبين.
وقد أمر القرآن الكريم الم المسلمين بالوفاء والاستقامة على المعاهدات التي أبرموها مع غيرهم طالما كانوا مستقيمين لهم، قال تعالى (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين). وتجلى تقديره الكامل للمعاهدات في نهيه عن قتل من استحق القتل من غير المسلمين إذا لجأ إلى قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق. قال تعالى: (واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً، إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق).
كما تجلى تقديره للمعاهدات في نهيه المسلمين عن نصرة بعض المسلمين الذين آمنوا ولم يهاجروا إذا استنصروا بهم على قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق.
قال تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). وهذا لا يعني ترك المسلمين المقيمين تحت سلطان غير المسلمين نهياً للعدوان والاضطهاد، بدليل قوله تعالى: (وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً)
غاية الأمر أن الميثاق يقيد حركة المسلمين بعض الشيء، بحيث يجب عليهم إعلان المعاهدين المعتدين على المسلمين المقيمين بين أظهرهن بنبذ الميثاق إذا أصروا على عدوانهم.
ويتأكد نبذ الميثاق بتعديهم على أي إنسان شملته المعاهدة حتى ولو كان من الكافرين المعاهدين للمسلمين.
لذلك رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يسارع بنصرة خزاعة حينما اعتدى عليها بنو بكر وحلفاؤهم من مشركي قريش، لأن خزاعة كانت قد خلت في عقد رسول الله وعهده، أما بنو بكر فدخلوا في عقد قريش وعهدهم، بناء على الشرط المشروط في صلح الحديبية.
عقد الذمة:عقد الذمة يسهم إسهاماً فعالاً في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، لأنه يتيح للفريقين الاختلاف والتقارب والتواصل، وبالتالي: يرسخ مبدأ الإخاء الإنساني بينهما.
ويقصد بعقد الذمة العقد الدائم الذي تم بين السلطة الحاكمة وغير المسلمين والذي تترتب عليه حقوق كل منهما على الآخر.
والذمة معناها:العهد والأمانة والكفالة والحق والحرمة ، ويطلق على من يعقد معهم هذا العقد من غير المسلمين ( أهل الذمة ) أو ( الذميين ) لأن لهم بناء على هذا العقد ـ عهداً بأن يعيشوا في كنف المجتمع الإسلامي آمنين مطمئنين.
فقد كفل الإسلام لهم حقوقاً متعددة، منها حماية دمائهم وأعراضهم وأموالهم وكرامتهم، وحريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية وشؤونهم المعيشية، وحقهم في تولي الوظائف والمناصب العامة إلا ما غلب عليه الوصف الديني كالإمامة وقيادة الجيش والقضاء، وغير ذلك من الوظائف التي لها صبغة دينية، وحقهم في كفالة الدولة لهم عند العجز والمرض والفقر، وحقهم في مقاضاة المسلم أياً كان وضعه في المجتمع.
والأصل في هذه الحقوق قوله صلى الله عليه وسلم: ( من قتل معاهداً لم ير رائحة الجنة، وإن ريحها توجد في مسيرة أربعين عاماً ) .
وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أوصى الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيراً، أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلفون فوق طاقتهم ) .
وجاء في عهده رضي الله عنه إلى أهل بيت المقدس: ( هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم، ولا ينقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ).
وفي مقابل هذه الحقوق التي كفلها الإسلام لأهل الذمة يجب عليهم الولاء للدولة الإسلامية،واحترام نظمها وتشريعها سواء أكانت مدنية أم جنائية، أما قوانين الأحوال الشخصية فيتبعون فيها ما يعتقدونه ديناً لهم لصلتها بأصل التدين الذي كفل الإسلام حريته. ومما يجب عليهم أيضاً احترام مشاعر المسلمين، وعدم التعرض لمقدساتهم، وأداء الجزية المفروضة عليهم مقابل الحماية التي كفلتها لهم سيوف المسلمين.
فإن اشتركوا مع المسلمين في الدفاع عن الدولة، أو لم يستطع المسلمون حمايتهم فإن الجزية تسقط عنهم إن كانوا يدفعون ما يدفعه المسلمون لإقامة المرافق العامة التي يتمتع الجميع بمردودها الخدمي.
ولذلك كان المسلمون يستثنون من أداء الجزية المسكين الذي يتصدق عليه، والمرأة والصبي والشيخ الفاني والمجنون والمعتوه والرهبان وكل من ليس أهلاً للقتال، أو كان أهلاً له ولكنه لا يستطيع لفقره أن يدفع ما عليه.
وكانوا يترفقون بأهل الذمة ويخفضون عنهم في تحصيل الجزية، فإن عجز عنها أحدهم أعانوا فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوصي عما له بعدم تحميل أهل الذمة ما لا يطيقون من الجزية.
وهو الذي رأى شيخاً ضريراً يسأل على باب، فسأل، فعلم أنه يهودي، فقال له: ما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: الجزية والحاجة والسن فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه ما يكفيه ساعتها، وأرسل إلى خازن بيت المال: انظر هذا وضرباءه، فو الله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم إنما الصدقات للفقراء والمساكين. وهذا من مساكين أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه.
وقد اقتدى به حفيده عمر بن عبد العزيز فكتب إلى واليه على البصرة: ( وأنظر من قبلك من أهل الذمة قد كبرت سنه، وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجر عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه ) . ومما كتبه خالد بن الوليد رضي الله عنه لنصارى الحيرة بالعراق ( وجعلت لهم ) أيما شيخ ضعفت عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله.
وفي ضوء ما سبق يتبين أن تشريع الجزية لا يقصد به إهانة غير المسلمين أو إذلالهم بسبب عدم قبولهم الإسلام. وقوله تعالى: ( عن يد ) الوارد في قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الأخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ).
معناه: عن قدرة وسعة والصغار يقصد به خضوعهم لأحكام الإسلام، وقبولهم الحياة تحت سلطان المسلمين وحمايتهم، أو أن الصغار جزاء مرتب على محاربة المحاربين منهم، وليس مرتباً على بقائهم على دينهم.
وبهذا يظهر بطلان سائر التزيدات المبتدعة في طريقة تحصيل الجزية، ومعاملة أهلها، وهي التزيدات التي تتضمن إهانتهم وإذلالهم. وقد نقل ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني بعض هذه التزيدات ثم أوضح أن عمل الصحابة والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم كان على خلال ذلك، وأنهم كانوا يتواصون باستحصال هذا الحق بالرفق واللطف.
ولهذا عقد أبو عبيد في كتابه الأموال باباً بعنوان( اجتباء الجزية والخراج وما يؤمر به من الرفق بأهلها وينهى عنه من العنف عليهم فيها ) .
بل إن الجزية ليست هدفاً في حد ذاتها، ولكنها وسيلة لتوسيع دائرة التعاون والتعامل بين الناس جميعاً حتى يترسخ مبدأ الإخاء الإنساني فترفرف على العالم رايات الأمن والسلام، وتسوده المحبة والوئام.
لذلك رأينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقبل أن تسمى الجزية بغير اسمها بعد أن قيل له: يا أمير المؤمنين إن بني تغلب قوم عرب يأنفون من الجزية.
| |
|
ذهب
عضو مبدع
الجنس : العمر : 31 مهد الذهب التسجيل : 06/09/2011 عدد المساهمات : 232
| موضوع: رد: {**} المنهج القرآني لحماية المجتمع من العنف {**} الأحد 11 سبتمبر 2011, 2:08 pm | |
| عقد الأمان:
عقد الأمان يسهم بفعالية في توسيع دائرة التعاون والتعامل بين المسلمين وغيرهم، لأنه يتيح للفريقين الاختلاط والتقارب والتواصل، وبالتالي: يرسخ مبدأ الإخاء الإنساني بينهما.
والأصل في عقد الأمان قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ).
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: والغرض أن من قدم من دار الحرب إلى دار السلام في أداء رسالة أو تجارة أو طلب صلح أو مهادنة أو حمل جزية أو نحو ذلك من الأسباب، وطلب من الإمام أو نائبه أماناً أعطى أماناً ما دام متردداً في دار الإسلام وحتى يرجع إلى مأمنه ووطنه.
وعلى ذلك يكون قوله تعالى: (حتى يسمع كلام الله ) .غاية أو تعليلاً للإجارة لاتصاله بها وحدها، وأن الاستجارة على إطلاقها، وقوله: (ذلك بأنهم قوم يعلمون ) معناه: إنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله تعالى في عباده.
وفي ضوء ما ذكر يتقرر وجوب تأمين غير المسلمين والسماح لهم بدخول الدولة الإسلامية إذا طلبوا التعرف على الإسلام، واستحباب ذلك إذا طلبوه لأمر دنيوي لما في ذلك من المصلحة التي تعود على المسلمين من جراء احتكاكهم بهم، سواء أكانت هذه المصلحة دينية أم دنيوية.
ولهذا: توسعت الشريعة الإسلامية في إعطاء حق عقد الأمان لسائر المسلمين رجالاً كانوا أو نساء.
فقد أجاز الرسول صلى الله عليه وسلم أماناً منحته السيدة أم هانىء ابنة أبي طالب لاثنين من أقاربها، وقال لها: ( قد أجرت من أجرت يا أم هانىء). ووثق رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد الأمان بقوله: ( ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) .
قال النووي: ( المراد بالذمة هنا: الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمنه به أحد المسلمين حرم على غيره التعرض له ما دام في أمان المسلم ) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( فمن أخفر مسلماً ). معناه: من نقص أمان مسلم فتعرض لكافر أمنه مسلم. قال أهل اللغة: يقال: أخفرت الرجل إذا أنقضت عهده.
ولكن ينبغي التنبه إلى أن حق إعطاء الأمان مقيد بإجازة الإمام أو نائبه تبعاً لتقديرها للمصلحة أو الضرر الذي يمكن أن يترتب على ذلك وهذا ما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم لأم هانىء: قد أجرنا من أجرت يا أم هانىء.
ويترتب على عقد الأمان عصمة دم المستأمن وعرضه وماله واستحباب مد يد العون إليه عند الحاجة لقوله تعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
وعليه: بموجب هذا العقد أن يحترم مشاعر المسلمين، ويلتزم بقوانين الدولة الإسلامية إلا قوانين الأحوال الشخصية فإنه يتبع فيها ما يعتقده ديناً له، ولا يكلف بأداء الجزية، لكنه يلتزم بدفع الرسوم أو الضرائب التي تقررها الدولة عليه وعلى أمثاله.
الأساس الثالث: محاربة الدوافع الدنيئة المثيرة للنزاعات والحروب بين المسلمين وغيرهم.
يرسخ القرآن الكريم مبدأ الإخاء الإنساني بمحاربة الدوافع الدنيئة المثيرة للنزاعات والحروب بين المسلمين وغيرهم، ومن هذه الدوافع.
أ ـ التعصب للجنس أو العشيرة: التعصب للجنس أو العشيرة أثار في الماضي، ويثير في الحاضر نزاعات وحروباً كثيرة، ولذلك: حاربه القرآن الكريم بتقرير أن الناس جميعاً متساوون في أصل الخلقة، وميزان التفاضل بينهم هو التقوى. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
وبهذا نفى القرآن الكريم العصبية للجنس أو العشيرة، أو الأرض، ونفر الرسول صلى الله عليه وسلم منها غاية التنفير في قوله: ( ومن قاتل تحت راية عُميّةٍ، يغضب لعصبية، أو يدعو إلى عصبية، أو ينصر عصبة، فقُتلَ، فقتْلَةٌ جاهلية ) .
وعندما تشاجر أحد الأنصار مع أحد المهاجرين فصاح الأول: يا للأنصار. وصاح الثاني: يا للمهاجرين. قال صلى الله عليه وسلم: ( دعوها فإنها فتنة ).
ب ـ طلب المجد والسمعة أو المغانم الدنيوية: كثيراً ما أثار هذا الدافع نزاعات وحروباً كثيرة، لذلك حاربه القرآن الكريم بذم أصحابه ونهى المؤمنين عن أن يحذوا حذوهم، قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) . قال الشوكاني: نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس، وهم قريش، فإنه خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ومعهم القيان والمعازف، فلما بلغوا الجحفة . بلغهم أن العير قد نجت وسلمت، فلم يرجعوا، بل قالوا: لا بد لهم من الوصول إلى بدر ليشربوا الخمر، وتغني لهم القيان، وتسمع العرب بمخرجهم، فكان ذلك منهم بطراً وأثراً وطلباً للثناء من الناس وللتمدح إليهم والفخر عندهم وهو الرياء.
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خوض الحروب لأجل المغانم الدنيوية أو لأجل طلب المجد والسمعة، وذلك عندما سئل عن الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، أي : ذلك في سبيل الله؟ فقال: ( من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ) .
جـ ـ المهاترات الدينية: المهاترات جمع مهاترة، وهي القول الذي ينقض بعضه. يقال: هتر هتراً: حمق وجهل وهتره: سابه بالباطل، وتهاتر الشاهدان: كذب أحدهما الآخر فسقطت شهادتهما. والمهاترات الدينية كثيراً ما أثارت نزاعات وحروباً كثيرة، لذلك نهى القرآن الكريم المسلمين عن الدخول فيها مع غيرهم، قال تعالى: (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
د ـ الرغبة في الانتقام للنفس: الرغبة في الانتقام للنفس كثيراً ما أثارت صراعات وحروباً وأضرمت نيران المنازعات، لذلك حاربها القرآن الكريم بأمره للمؤمنين أن يعفوا وسصفحوا ويتسامحوا مع غيرهم لما لذلك من أثر فعال في تحويل العداوة إلى محبة، قال تعالى: ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )
والعفو والإحسان لا يكونان إلا مع القدرة على جزاء السيئة بالسيئة فهنا يكون للعفو وزنه ووقعه في إصلاح المعتدي، ولا يجوز أن يذكر العفو والإحسان عند العجز، لأنهما غير موجودين أصلاً، وادعاؤها يطمع المعتدي ويذل المعتدى عليه وينشر الفساد في الأرض.
لذلك قال الله عز وجل: (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ).
ويحمد ترك العفو والإحسان عندما تنتهك حرمات الله عز وجل أو يصد عن دينه، لذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ( ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لها ).
هذه هي ملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني، وهي ملامح يحتاج المسلمون إلى فهمها في عصر يفخر الآخرون فيه بتوصلهم إلى الإعلان لحقوق الإنسان، ومن القوانين التي تحمي الأقليات الدينية والعرقية في العالم كله، سواء كان منطلقهم في ذلك إنسانياً أو كان منطلقهم هو الرغبة في التدخل في شؤون غيرهم لفرض السيطرة عليها.
ولا شك أن فهم المسلمين لملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني سينفي عنهم الإحساس بالدونية، وسيغرس في نفوسهم معنى الاعتزاز بالدين الذي ينتسبون إليه، لأنه سبق بقرون كثيرة على رسم ملامح المناهج الأمثل في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني.
وميزة هذا المنهاج العظيمة هي تمثيله في تجربة تاريخية تتمثل في مجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم ومجتمع خير القرون اللذين يشكلان الأنموذج والقدوة في تحويل النظرية إلى ممارسة، والفكر إلى فعل، والقيم إلى برامج.
كما أن فهمهم لملامح المنهاج القرآني في ترسيخ مبدأ الإخاء الإنساني سيجعلهم يحسنون التعبير عنها عملياً في المواقع، ويجيدون التعبير عنها نظرياً في زمن تتصارع فيه المناهج والأفكار للاستيلاء على النفوس والعقول، ولا شك أن حسن التعبير عملياً ونظرياً عن ملامح المنهاج القرآني في هذا الشأن سيكون له أثر كبير في تحويل عداوة الكثيرين للإسلام والمسلمين إلى محبة وسيترتب على ذلك غياب كثير من مظاهر العنف التي تقع في هذا العالم ليصبح عالماً تسوده المحبة والوئام، وترفرف عليه رايات الأمن والسلام.
₪₪₪₪₪₪₪
| |
|
عروة
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 وادي عروة التسجيل : 12/09/2011 عدد المساهمات : 217
| موضوع: رد: {**} المنهج القرآني لحماية المجتمع من العنف {**} الإثنين 12 سبتمبر 2011, 8:54 pm | |
| | |
|