| ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ السبت 10 سبتمبر 2011, 9:54 pm | |
|
۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩
أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحي بن سعيد المعروف ببديع الزمان الهمذاني ، (358 هـ/969 م)، كاتب وأديب من أسرة عربية ذات مكانة علمية مرموقة استوطنت همذان وبها ولد بديع الزمان فنسب إليها، وقد كان يفتخر بأصله العربي إذ كتب في أحد رسائله إلى أبي الفضل الأسفرائيني: «إني عبد الشيخ، واسمي أحمد، وهمذان المولد وتغلب المورد، ومضر المحتد». وقد تمكن بديع الزمان بفضل أصله العربي و موطنه الفارسي من امتلاك الثقافتين العربية والفارسية وتضلعه في آدابهما فكان لغوياً وأديبًا وشاعراً وراوية حديث.
أخذ اللغة عن الأديب الكبير واللغوي الشهير صاحب المجمل في اللغة أبو الحسين أحمد بن فارس، وتتلمذ لابن لال وابن تركان، وعبد الرحمن الإمام، و أبي بكر بن الحسين الفراء.
في عام 380 هـ، انتقل بديع الزمان إلى أصفهان فانضم إلى حلبة شعراء الصاحب بن عباد، ثم يمم وجهه شطر جرجان فأقام في كنف أبي سعيد محمد بن منصور وخالط أسرة من أعيان جرجان (تعرف بالإسماعيلية) فأخذ من علمها الشيء الكثير ثم ما فتئ أن نشب خلاف بينه و بين أبي سعيد الإسماعيلي فغادر جرجان إلى نيسابور ، وكان ذلك سنة (382هجرية/ 992ميلادية) واشتدت رغبته في الاتصال باللغوي الكبير والأديب الذائع الصيت أبي بكر الخوارزمي, ولبى هذا الخوارزمي طلب بديع الزمان والتقيا, فلم يحسن الأول استقبال الثاني و حصلت بينهما قطيعة ونمت بينهما عداوة فاستغل هذا الوضع بعض الناس و هيأوا للأديبين مناظرة كان الفوز فيها لبديع الزمان بفضل سرعة خاطرته, و قوة بديهته . فزادت هده الحادثة من ذيوع صيت بديع الزمان عند الملوك و الرؤساء وفتحت له مجال الاتصال بالعديد من أعيان المدينة, والتف حوله الكثير من طلاب العلم, فأملى عليهم بأكثر من أربعمائة مقامة (لم يبقى منها سوى اثنتان وخمسون).
لم تطل'" إقامة بديع الزمان"' بنيسابور و غادرها متوجها نحو سجستان فأكرمه أميرها خلف بن أحمد أيما إكرام, لأنه كان مولعا بالأدباء والشعراء. وأهدى إليه "'بديع الزمان"' مقاماته إلا أن الوئام بينهما لم يدم طويلا, فقد تلقى "'بديع الزمان"' يوما من الأمير رسالة شديدة اللهجة أثارت غضبه, فغادرسجستان صوب غنزة حبث عاش في كنف السلطان محمود معززا مكرماً, وكانت بين أبي العباس الفضل بن أحمد الأسفرائي وزير السلطان محمود عدة مراسلات, و في آخر المطاف حط رحاله بديع الزمان بمدينة هرات فاتخذها دار إقامة وصاهر أبا علي الحسين بن محمد الخشنامي أحد أعيان هذه المدينة و سادتها فتحسنت أحواله بفضل هذه المصاهرة, وبمدينة هرات لفظ أنفاسه الأخيرة سنة(395هجرية/1007ميلادية) ولم يكن قد بلغ الأربعين من عمره، فودع الحياة التي خبرها .
مآثره
صفحة من مقامات بديع الزمان الهمداني
مجموعة رسائل
ديوان شعر
مقامات (وهي أبرز ما خلفه بديع الزمان) طبقت شهرتها الآفاق, وقد كانت و ما زالت منارة يهتدي بها من يريد التأليف في هذا الفن, فيمتع الناس بالقصص لبطريفة والفكاهة البارعة, و يزود طلاب العلم بما يلزمهم من الدرر الثمينة في ميدان سحر الأسلوب, و غرابة اللفظ و سمو المعنى.
المقامات
يعتبر كتاب المقامات أشهر مؤلفات بديع الزمان الهمذاني الذي له الفضل في وضع أسس هذا الفن وفتح بابه واسعاً ليلجه أدباء كثيرون أتوا بعده و أشهرهم أبو محمد القاسم الحريري و ناصف اليازجي . والمقامات مجموعة حكايات قصيرة متفاوتة الحجم جمعت بين النثر والشعر بطلها رجل وهمي يدعى أبو الفتح الإسكندري و عرف بخداعه و مغامراته و فصاحته و قدرته على قرض الشعر و حسن تخلصه من المآزق إلى جانب أنه شخصية فكاهية نشطة تنتزع البسمة من الشفاه و الضحكة من الأعماق. و يروي مغامرات هذه الشخصية التي تثير العجب و تبعت الإعجاب رجل وهمي يدعى عيسى بن هشام.
و لهذا المؤلف فضل كبير في ذيوع صيت ' بديع الزمان الهمذاني لما احتواه من معلومات جمة تفيد جميع القراء من مختلف المشارب و المآرب إذ وضعه لغاية تعليمه فكثرت فيه أساليب البيان و بديع الألفاظ و العروض, و أراد التقرب به من الأمير خلف بن أحمد فضمنه مديحاً يتجلى خاصة فيالمقامة الحمدانية و المقامة الخمرية فنوع و لون مستعملاً الأسلوب السهل, واللفظ الرقيق, والسجع القصير دون أدنى عناء أو كلفة.
و تنطوي المقامات على ضروب من الثقافة إذ نجد بديع الزمان'‘ يسرد علينا أخباراً عن الشعراء في مقامته الغيلانية'‘ و'‘ مقامته البشرية و يزودنا بمعلومات ذات صلة بتاريخ الأدب و النقد الأدبي في مقامته الجاحظية و القريضية و الإبليسية, كما يقدم فيالمقامة الرستانية و هو السني المذهب, حجاجاً في المذاهب الدينية فيسفه عقائد المعتزلة و يرد عليها بشدة وقسوة, ويستشهد أثناء تنقلاته هذه بين ربوع الثقافة بالقرآن الكريم و الحديث الشريف, وقد عمد إلى اقتباس من الشعر القديم و الأمثال القديمة و المبتكرة فكانت مقاماته مجلس أدب و أنس و متعة و قد كان يلقيها في نهاية جلساته كأنها ملحة من ملح الوداع المعروفة عند أبي حيان التوحيدي في "الامتناع و المؤانسة", فراعى فيها بساطة الموضوع, و أناقة الأسلوب, و زودها بكل ما يجعل منها:
وسيلة للتمرن على الإنشاء و الوقوف على مذاهب النثر و النظم.
رصيد لثروة معجمية هائلة
مستودعاً للحكم و التجارب عن طريق الفكاهة
وثيقة تاريخية تصور جزءاً من حياة عصره و إجلال رجال زمانه.
كما أن مقامات الهمذاني تعتبر نوا ة المسرحية العربية الفكاهية, و قد خلد فيها أوصافاً للطباع الإنسانية فكان بحق واصفاً بارعاً لا تفوته كبيرة ولا صغيرة, وأن المقامات هذه لتحفة أدبية رائعة بأسلوبها و مضمونها و ملحها الطريفة التي تبعث على الابتسام والمرح، و تدعو إلى الصدق و الشهامة و مكارم الأخلاق التي أراد بديع الزمان إظهار قيمتها بوصف ما يناقضها، وقد وفق في ذلك أيما توفيق.
إحدى صفحات مقامات بديع الزمان الهمذاني
مقامات بديع الزمان الهمذاني ،أول كتاب ألف في فن المقامات، إلا أنه لم يلق ما لقيته مقامات الحريري من العناية بشرحها وتفسير غريبها لأسباب يعرفها من نظر في مقامات بديع الزمان ورسائله كالرسالة رقم 167، فضاع القسم الأكبر منها ولم يبق من أصل 400 مقامة هي مجموع الكتاب سوى 52 مقامة، عاث بها النساخ كما يقول الأستاذ الإمام محمد عبده (بما أفسد المبنى وغير المعنى مع زيادات تضر بالأصول وتذهب بالذهن عن المعقول، ونقص يُهزّع الأساليب وينقض بنيان التراكيب، فالناظر فيها إن كان ضعيفاً ضل وحار، وإن كان عرّيفاً لم يأمن العثار) وقد أوجز حاجي خليفة التعريف به واكتفي بقوله: (وهو سابق على الحريري والحريري ألف على منواله)، بينما سمى زهاء أربعين شرحاً من شروح مقامات الحريري. وهكذا كان أول من أقدم على شرح مقامات الهمذاني الأستاذ الإمام محمد عبده، بعد عودته من باريس إلى بيروت: (رمضان 1306هـ 1888م). وطبع شرحه في المطبعة الكاثوليكية فيها عام 1889م وصرح أنه أسقط بعض العبارات الفاضحة من مقامتين، كما أسقط المقامة الشامية برمتها (ومكانها بعد المقامة المارستانية) وتبعه على ذلك معظم ناشري المقامات، وكانت هذه المقامة مثبتة في طبعة الجوائب سنة 1298هـ وهي الطبعة الأولىللمقامات. وأثبتها فاروق سعد في نشرته (بيروت 1982 دار الآفاق الجديدة: ص194) إلا أنه أسقط خاتمة المقامة الرصافية (ص228) من غير أن ينبه إلى ذلك، وهي الخاتمة التي اعتذر محمد عبده عن نشرها (ص 157). وتمتاز بعض هذه المقامات بالطرافة كالمقامة الحمدانية التي يصور فيها مساجلة عقدها سيف الدولة لوصف فرس، والمقامة المارستانية التي صور فيها مجنوناً يصب جام غضبه على المعتزلة، والمقامة الجاحظية التي وازن فيها بين الجاحظ وابن المقفع، والمقامة المضيرية التي اشتملت على الكثير من مفردات الحضارة. ألف الهمذاني مقاماته لأمير سجستان خلف بن أحمد، وخصه بست مقامات منها في مدحه. وكان زكي مبارك أول من نبه إلى رأي الحصري في أن الهمذاني نسج في مقاماته على منوال ابن دريد في كتابه الأربعين حديثاً، قال: وهي أحاديث استنبطها من ينابيع صدره، واستنخبها من معادن فكره، وأهداها للأفكار والضمائر...فلما وقف عليها الهمذاني عارضها بأربعمائة مقامة في الكدية، تذوب ظرفاً وتقطر حسناً. انظر في هذا البرنامج تعريفنا بكتاب ابن دريد هذا بعنوان (المطر والسحاب) وكتاب (رسائل الانتقاد) لابن شرف. وفيه أنها: عشرون مقامة.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:04 pm | |
| مقامات بديع الزمان الهمذاني/ المقامة القريضية
حَدّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: طَرَحَتْنيِ النّوَى مَطَارِحَهَا حَتّى إذَا وَطِئْتُ جُرْجَان الأَقْصى. فاسْتَظْهَرْتُ عَلَى الأَيامِ بِضِياعٍ أَجَلْتُ فِيهاَ يَدَ الْعِمَارةِ، وَأَمْوَالٍ وَقَفْتُهَا عَلى التّجَارَةِ، وَحَانُوتٍ جَعَلْتُهُ مَثَابَةٍ، وَرُفْقَةٍ اتّخَذْتُهَا صَحَابَةً، وَجَعَلْتُ لِلْدّارِ، حَاشِيَتَيِ النّهَار، وللحَانُوتِ بَيْنَهُمَا، فَجَلَسْنَا يَوْمًا نَتَذَاكَرُ القرِيضَ وَأَهْلَهُ، وَتِلْقَاءَنا شَابّ قَدْ جَلَسَ غَيْرَ بَعِيدٍ يُنْصِتُ وَكَأَنّهُ يَفْهَمُ، وَيَسْكتُ وَكَأَنّهُ لَا يَعْلَمُ حَتّى إِذَا مَالَ الكَلَامُ بِنَا مَيْلَهُ، وَجَرّ الْجِدَالُ فِينَا ذَيْلَهُ، قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ عُذَيَقَهُ، وَوَافَيتُمْ جُذَيْلَهُ، وَلَوْ شِئْتُ لَلَفْظْتُ وَأَفَضْتُ، وَلَوْ قُلْتُ لأَصْدَرْتُ وَأَوْرَدْتُ، وَلَجَلَوْتُ الْحقّ في مَعْرَضِ بَيَانٍ يُسْمِعُ الصُّمَّ، وَيُنزلُ الْعُصْمَ، فَقُلْتُ: يَا فَاضِلُ أدْنُ فَقَدْ مَنَّيْتَ، وَهَاتِ فَقَدْ أَثْنَيتَ، فَدَنَا وَقَالَ: سَلُونِي أُجِبْكُمْ، وَاسْمَعُوا أُعْجِبْكُمْ. فَقُلْنَا: مَا تَقُولُ فِي امْرِىءِ الْقَيسِ؟ قَالَ: هُوَ أَوَّلُ مَنْ وَقَفَ بِالدِّيارِ وَعَرَصَاتِهَا، وَاغْتَدَى وَالطَّيرُ فِي وَكَنَاتِهَا، وَوَصَفَ الْخيلَ بِصِفَاِتهَا، وَلَمْ يَقُلِ الشِّعْرَ كَاسِيًا. وَلَمْ يُجِدِ القَوْلَ رَاغِبًا، فَفَضَلَ مَنْ تَفَتَّقَ للْحِيلةِ لِسَانُهُ، وَاْنتَجَعَ لِلرَّغْبَة بَنَانُهُ، قُلْنَا: فَما تَقُولُ فِي الْنَّابِغَةِ؟ قالَ: يَثلِبُ إِذَا حَنِقَ، وَيَمْدَحُ إِذَا رَغِبَ، وَيَعْتَذِرُ إِذَا رَهِبَ، فَلَا يَرْمي إِلَّاصَائِبًا، قُلْنَا:فَمَا تَقُولُ فِي زُهَيرٍ؟ قَالَ يُذِيبُ الشِّعرَ، والشعْرُ يُذيبَهُ، وَيَدعُو القَولَ وَالسِّحْرَ يُجِيبُهُ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي طَرَفَةَ: قَالَ: هُوَ ماَءُ الأشْعَارِ وَطينَتُها، وَكَنْزُ الْقَوَافِي وَمَديِنَتُهَا، مَاتَ وَلَمْ تَظْهَرْ أَسْرَارُ دَفَائِنِهِ وَلَمْ تُفْتَحْ أَغْلَاقُ خَزَائِنِهِ، قُلْنَا: فَمَا تَقُولُ فِي جَرِيرٍ وَالْفَرَزْدَقِ؟ أَيُّهُمَا أَسْبَقُ؟ فَقَالَ: جَرِيرٌ أَرَقُّ شِعْرًا، وَأَغْزَرُ غَزْرًا وَالْفَرَزْدَقُ أَمْتَنُ صَخْرًا، وَأَكْثَرُ فَخْرًا وَجَرِيرٌ أَوْجَعُ هَجْوًا، وَأَشْرَفُ يَوْمًا وَالْفَرَزْدَقُ أَكَثَرُ رَوْمًا، وَأَكْرَمُ قَوْمًا، وَجَرِيرٌ إِذَا نَسَبَ أَشْجَى، وَإِذَا ثَلَبَ أَرْدَى، وَإِذَا مَدَحَ أَسْنَى، وَالْفَرزدقُ إِذَا افْتَخَرَ أَجْزَى، وَإِذَا احْتَقرَ أَزرَى، وَإِذا وصَفَ أَوفَى، قُلنَا: فَمَا تَقُولُ فِي المُحْدَثِينَ منْ الشُّعَراءِ والمُتَقَدِّمينَ مِنهُمْ؟ قالَ: المُتَقَدِّمونَ أَشْرفُ لَفْظًا، وَأَكثرُ منْ المَعَاني حَظًا، وَالمُتَأَخِّرونَ أَلْطَفُ صُنْعًا، وَأَرَقُّ نَسْجًا، قُلْنا: فَلَو أَرَيْتَ مِنْ أَشْعارِكَ، وَرَوَيْتَ لَنا مِنْ أَخْبارِكَ، قالَ: خُذْهَما في مَعْرِضٍ واحِدٍ، وَقالَ:
أَما تَرَوْني أَتَغَشَّى طِمْرًا *** مُمْتَطِيًا في الضُّرِّ أَمْرًا مُرًّا مُضْطَبنًا عَلى اللَّيالي غِمَرًا *** مُلاقِيًا مِنْها صُرُوفًا حَمْرَا أَقْصَى أَمانِيَّ طُلُوعُ الشِّعْرى *** فَقَد عُنِينَا بِالأَمَاني دَهْرًا وَكانَ هذَا الحُرُّ أَعْلى قَدْرًا *** وَماءُ هذَا الوَجْهِ أَغْلى سِعْرَا ضَرَبْتُ لِلسَّرّا قِبَابًا خُضْرَا *** فِي دَارِ دَارَا وَإِوَانِ كِسْرى فَانْقَلَبَ الدَّهْرُ لِبَطْنٍ ظَهْرا *** وَعَادَ عُرْفُ العَيْشِ عِنْدي نُكْرَا لَمْ يُبْقِ مِنْ وَفْرِى إِلَّاذِكْرَا *** ثُمَّ إِلى اليَوْمِ هَلُمَّ جَرَّا لَوْلا عَجُوزٌ لِي بِسُرَّ مَنْ رَا *** وَأَفْرُخٌ دونَ جِبَالِ بُصْرَى قَدْ جَلَبَ الدَّهْرُ عَلَيْهِمْ ضُرَّا *** قَتَلْتَ يَا سَادَةُ نَفْسي صَبْرَا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ، فَانَلْتُهُ مَا تَاحَ. وَأَعْرَضَ عَنَّا فَرَاحَ. فَجَعَلْتُ أَنْفيهِ وَأُثْبتُهُ، وَأَنْكِرُهُ وَكَأَنِّي أَعْرِفُهُ، ثُمَّ دَلَّتْنِي عَلَيهِ ثَنَاياهُ، فَقُلْتُ: الإِسْكَنْدَريُّ وَاللَّهِ، فَقَدْ كَانَ فَارَقَنَا خِشْفًا، وَوَافانا جِلْفًا، وَنَهَضْتُ عَلى إِثرِهِ، ثَمَّ قَبَضْتُ عَلَى خَصْرِهِ، وَقُلْتُ: أَلَسْتَ أَبَا الفَتْحِ؟ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ؟ فَأَيُّ عَجُوزِ لَكَ بِسُرَّ مَنْ رَا فَضَحِكَ إِليَّ وَقَالَ:
وَيْحَكَ هذَا الزَّمَان زُورُ *** فَلَا يَغُرَّنَّكَ الغُرُورُ لَا تَلْتَزِمْ حَالَةً، وَلكِنْ *** دُرْ بِالَّليَالِي كَمَا تَدُورُ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:05 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الأزاذية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِبَغْذَاذَ وَقْتَ الاَزَاذِ، فَخَرَجْتُ أَعْتَامُ مِنْ أَنْواعِهِ لاِبْتِيَاعِهِ، فَسِرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إلى رَجُلٍ قَدْ أَخَذَ أَصْنَافَ الفَوَاكِهِ وَصَنَّفَهَا وَجَمَعَ أَنْوَاعَ الرُّطَبِ وَصَفَّفَهَا، فَقَبَضْتُ مِنْ ُكلِ شَيءٍ أَحْسَنَهُ، وَقَرَضْتُ مِنْ كُلِ نَوعٍ أَجْوَدَهُ، فَحِينَ جَمَعْتُ حَوَاشِيَ الإِزَارِ، عَلى تِلْكَ الأَوْزَارِ أَخَذَتْ عَيْنَايَ رَجُلاً َقدْ لَفَّ رَأْسَهُ بِبُرْقُعٍ حَيَاءً، وَنَصَبَ جَسَدَهُ، وبَسَطَ يَدَهُ وَاحْتَضَنَ عِيَاَلهُ، وَتَأَبَّطَ أَطْفَالَهُ، وَهُوَ يَقُولُ بِصَوْتٍ يَدْفَعُ الضَّعَفَ فِي صَدْرِهِ، وَالْحَرضَ فِي ظَهْرِهِ:
وَيْلِي عَلَى كَفَّينِ مِنْ سَويقِ *** أوْ شَحْمَةٍ تُضْرَبُ بالدَّقِيقِ أَوْ قَصْعَةٍ تُمْلأُ مِنْ خِرْدِيقِ *** يَفْتَأُ عَنَّا سَطَواتِ الـرِّيقِ يُقِيمُنَا عَنْ مَنْهَجِ الطَـرِيقِ *** يَارَازِقَ الثَّرْوَةِ بَعْدَ الضِّيقِِ سَهِّلْ عَلى كَفِّ فتىً لَبِـيقِ *** ذِي نَسَبٍ فِي مَجْدِهِ عَرِيقِ يَهْدي إِلَيْنا قَدَمَ التَّـوْفـيقِ *** يُنْقِذُ عَيِشي مِنْ يَدِ التَّرْنيقِ قالَ عِيسى بْنُ هِشامِ: فَأخَذْتُ مِنَ الكِيس أَخْذَةً وَنُلْتُهُ إِياهَا، فَقَالَ: يَا مَنْ عَنَانِي بِجَمِـيلِ بِـرِّهِ *** أَفْضِ إِلى اللهِ بِحُسْنِ سِرِّهِ وَاسْتَحْفظِ الله جَمِيلَ ستْـرِهِ *** إِنْ كانَ لا طَاقَةَ لِي بِشُكْرِهِ فَاللهُ رَبِّي مِنْ وَرَائي أَجْرِهِ قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ فِي الكيسِ فَضْلاً فَاُبْرُزْ لِي عَنْ بَاطِنِكَ أَخْرُجْ إِلَيْكَ عَنْ آخِرِهِ، فَأَمَاطَ لِثَامَهُ، فَإِذَا وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَندريُّ، فَقُلْتُ: وَيْحَكَ أَيُّ دَاهِيَةٍ أَنْتَ؟ فَقَالَ:
فَقَضِّ العُمْرَ تَشْبيهَاً *** عَلَى النَّاسِ وَتَمْويهَا أَرَى الأَيَّامَ لا تَبْقَـى *** عَلَى حَالٍ فَأَحْكِيهَا فَيَوْماً شَرُّهَـا فِـيَّ *** وَيَوْماً شِرَّتِي فِيهَا
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:05 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة البلخية
حَدَّثَنَا عِيسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: نَهَضَتْ بِي إِلى بَلخَ تِجَارَةُ الْبَزِّ فَوَرَدْنُهَا وَأَنَا بِعُذْرَةِ الشَّبَابِ وَبَالِ الفَرَاغِ وَحِلْيَةِ الثَّرْوَةِ، لا يُهِمُّنِي إِلاَّ مُهْرَةُ فِكْرٍ أَسْتَقِيدُهَا، أَوْ شَروُدٌ مِنَ الْكَلِمِ أَصِيدُهَا، فَمَا اسْتَأْذَنَ عَلَى سَمْعِي مَسَافَةً مُقَاِمي؟؟، أَفْصَحُ مِنْ كَلاِمي، وَلمَّا حَنَى الْفِراقُ بِنَاقَوْسَهُ أَو كَادَ دَخَلَ عَليَّ شَابٌّ في زَيٍّ مِلءِ العَيْنِ، وَلْحَيةٍ تَشُوكُ الأَخْدَعَيْنِ، وَطَرفٍ قْد شَرِبَ مَاءَ الرَّافِدَيْنِ، وَلَقِيَنِي مِنَ الْبرِّ فِي السَّناءِ، بِمَا زِدْتُهُ فِي الثَّناءِ، ثُمَّ قَالَ: أَظَعْناً تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: إِيْ وَاللهِ، فَقَالَ: أَخْصَبَ رَائِدُكَ، وَلاَ ضَلَّ قَائِدُكَ، فَمَتَى عَزَمْتَ؟ فَقُلْتُ: غَدَاةَ غَدٍ، فَقَالَ:
صَبَاحُ اللهِ لا صُبْحُ انطِـلاقٍ *** وَطَيرُ الوَصْلِ لا طَيْرُ الفِراقِ فأَيْنَ تُريدُ؟ قُلْتُ: الوَطَنَ، فَقَالَ:بُلِّغْت الوَطَنَ، وَقَضَيْتَ الوَطَرَ، فَمَتَى العَوْدُ؟ قُلْتُ: القَابِلَ، فَقَالَ: طَوَيْتُ الرَّيْطَ، وَثَنَيْتَ الْخيْطَ، فَأَيْنَ أَنْتَ مِنَ الكَرَمِ؟ فَقُلْتُ: بِحَيْثُ أَرَدْتَ، فَقَالَ: إِذَا أَرْجَعَكَ اللهُ سَالِماً مِنْ هَذَا الطَّريقِ، فَاسْتَصْحِبْ لي عَدُوّاً في بُرْدَةِ صَديقٍ، مِنْ نِجار الصُّفْرِ، يَدْعُو إِلى الكُفْرِ، وَيَرْقُصُ عَلَى الظُّفرِ، كَدَارَةِ العَيْنِ، يَحُطُّ ثِقَلَ الدَّيْنِ، وَيُنافِقُ بِوَجْهَيْنِ. قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَلْتَمِسُ دِيناراً، فَقُلْتُ: لَكَ ذلِك نَقْداً، وَمِثْلُهُ وَعْداً، فَأَنْشأَ يَقُولُ:
رَأيُكَ مِمَّا خَطَبْتُ أَعْـلَـى *** لا زِلْتَ لِلمَكْرُمَاتِ أَهْـلا صَلُبْتَ عُوداً، وَدُمْتَ جُوداً *** وَفُقْتَ فَرْعاً، وَطِبْتَ أَصْلا لا أَسْتَطيعُ العَطَاءَ حَمْـلاً *** وَلا أُطيقُ السُّؤَالَ ثِـقْـلا قَصُرْتُ عَنْ مُنْتَهَاكَ ظَنّـاً *** وَطُلْتَ عَمَّا ظَنَنْتُ فِعْـلا يا رُجْمَةَ الدَّهْر والمَعَالـي *** لا لَقِىَ الدَّهْرُ مِنْكَ ثُكْـلا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَام: فَنُلْتُهُ الدِّينَارَ، وَقُلتُ: أَينَ مَنْبِتُ هَذا الفَضْلِ؟ فَقَالَ: نَمَتْنِي قُرَيشٌ وَمُهِّدَ لِيَ الشَّرفُ فِي بَطَائِحِهَا، فَقالَ بَعْضُ مَنْ حَضَرَ: أَلَسْتَ بِأَبِي الْفَتْحِ الإْسْكَنْدَريِ؟ أَلَمْ أَرَكَ بِالْعِراقِ، تَطُوفُ فِي الأَسْواقِ، مُكَدِّياً بِالأَوْرَاقِ؟ فَأَنْشِأَ يَقُولُ:
إِنَّ لـلـهِ عَـبِـيدَاً *** أَخَذُوا الْعُمْرَ خَلِيطاً فَهُمُ يُمْسُونَ أَعْـرَا *** باً، وَيُضْحُونَ نَبِيطا
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:06 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة السجستانية
حَدَثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدا بِي إِلى سِجِسْتَانَ أَرَبٌ، فَاقْتَعَدْتُ طِيَتَّهُ، وَامْتَطَيْتُ مَطِيَّتَهُ، وَاسْتَخَرْتُ الله فِي العَزْمِ جَعَلْتُهُ أَمَامِي، وَالْحَزْمِ جَعَلْتُهُ إِمَامِي حَتَّى هَدَانِي إِلَيْهَا، فَوَافَيْتُ دُرُوبَهَا وَقَدْ وَافَتِ الشَّمْسُ غُرُوبَهَا، وَاتَّفَقَ المَبِيتُ حَيْثُ انْتَهَيْتُ، فَلَمَّا انْتُضيَ نَصْلُ الصَّبَاحِ، وَبَرَزَ جَيْشُ الْمِصْبَاحِ، مَضَيْتُ إِلى السُّوقِ أَخْتَارُ مَنْزِلاً، فَحِينَ انْتَهَيْتُ مِنْ دَائِرَةُ الْبَلَدِ إِلَى نُقْطَتِهَا، وَمِنْ قِلادَةِ السُّوقِ إِلى وَاسِطَتِهَا، خَرَقَ سَمْعِي صَوْتٌ لَهُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ مَعْنىً، فَانْتَحَيْتُ وَفْدَهُ حَتَّى وَقَفْتُ عِنْدَهُ، فَإذَا رَجُلٌ عَلى فَرَسِهِ، مُختَنِقٌ بِنَفسِهِ، قَدْ ولاَّنِي قَذَالَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: مَنْ عَرَفَني فَقَدْ عَرَفَني، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفني فأَنا أُعَرِّفُهُ بِنَفْسي: أَنَا با كُورَةُ اليَمَنِ وَأُحْدُوثةُ الزَّمَنِ أَنَا أُدْعِيَّةُ الرِّجالِ، وَأُحْجيَّةُ رَبَّاتِ الحِجالِ، سَلُوا عنِّي البِلادَ وَحُصُونَها، وَالجِبالَ وَحُزُونَها، وَالأوْدية وَبُطُونَها، وَالبِحارَ وَعُيُونَهَا، والخيلَ وَمُتُونَها، مَنِ الذَّي مَلَكَ أَسْوَارَها، وَعَرَفَ أَسْرَارَهَا، وَنَهَجَ سَمْتَها، وَوَلَجَ حَرَّتَهَا؟ سَلُوا المُلوكَ وَخَزَائِنَها، وَالأَغْلاقَ وَمَعادِنَها، وَالأُمُورَ وَبَوَاطِنَها، وَالعُلُومَ وَمَوَاطِنها، وَالخُطُوبَ وَمَغالِقَهَا، وَالحُروبَ وَمَضَايِقَهَا، مَنِ الذَّي أَخَذَ مُخْتَزَنَها، وَلَمْ يُؤَدِّ ثَمَنَهَا؟ وَمَنِ الذَّي مَلَكَ مَفَاتِحَها، وَعَرَفَ مَصَالِحَها؟ أَنَا وَاللهِ فَعَلْتُ ذلِكَ، وَسَفَرْتُ بَيْن المُلُوكِ الصِّيدِ، وَكَشْفُت أَسْتَارَ الخُطُوبِ السُّودِ، أَنَا وَاللهِ شَهِدْتُ حَتّى مَصارِعَ العُشَّاقِ، وَمَرِضْتُ حَتَّى لِمَرَضِ الأَحْدَاقِ، وَهَصَرْتُ الغُصُونَ النَّاعِماتِ، وَأَجْتَنَيْتُ وَرْدَ الْخُدُودِ الْمُوَرَّداتِ، وَنَفَرْتُ مَعَ ذَلِكَ عَنْ الدُّنْيَا نُفُورَ طَبْعِ الْكَرِيمِ عَنْ وُجُوهِ اللِّئَامِ، وَنَبَوتُ عَنْ الْمُخْزِياتِ نُبُوَ السَّمْعِ الشَّريفِ عَنْ شَنْيعِ الْكَلامِ وَالآنَ لَمَّا أَسْفَرَ صُبْحُ الْمَشِيبِ، وَعَلَتْنِي أُبَهةُ الْكِبَرِ، عَمَدْتُ لإِصْلاحِ أَمْرِ الْمَعَادِ، بإِعْدَادِ الزَّادِ، فَلَمْ أَرَ طَرِيقاً أَهْدَى إِلى الرَّشَادِ مِمَّا أَنْا سَالِكُهُ، يَرَانِي أَحَدُكُمْ رَاكِبَ فَرَسٍ، نَاثِرَ هَوَسٍ، يَقُولُ: هذاَ أَبُو الْعَجَبِ، لاَ وَلَكِّنِيَ أَبُو الْعَجَاِئبِ، عَايَنْتُهَا وَعَانَيْتُهَا، وَأُمُّ الْكَبَائِرِ قَايَسْتُهَا وَقَاسَيْتُهَا، وَأَخُو الاْغْلاَقِ: صَعْباً وَجَدْتُهَا، وَهَوْناً أَضَعْتُهَا، وَغَالِياً اشْتَرَيْتُهَا، وَرَخِيصاً ابْتَعْتُهَا، فَقَدْ واللهِ صَحِبْت لهَا الْمَواكِبَ، وَزَاحَمْتُ الْمَنَاكِبَ، وَرَعَيْتُ الْكَواكِبَ، وأَنْضَيْتَ الْمَراكِبَ، دُفِعْتُ إِلى مَكَارِهَ نَذَرْتُ مَعَهَا أَلاَّ أَدَّخِرَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَنَافِعَهَا، وَلاَ بُدَّ لِي أَنْ أَخْلَعَ رِبْقَةَ هَذِهِ الأَمَانَة مِنْ عُنُقِي إِلَى أَعْنَاِقكُمْ، وَأَعْرِضَ دَوائِي هَذا فِي أَسْوَاقِكُمْ، فَلْيَشْتَرِ مِنِّي مَنْ لاَ يَتَقَزُّزُ مِنْ مَوْقِفِ الْعَبِيدِ، ولاَ يَأَنَفُ مِنْ كَلِمَةِ الْتَّوحِيدِ، وَلْيَصُنْهُ مَنْ أَنْجَبَتْ جُدُودُهُ، وَسَقَى بِالْمَاءِ الطَّاهِرِ عُوُدُهُ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَدُرْتُ إِلَى وَجْهِهِ لأَعْلَمَ عِلْمَه فَإِذَا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنَا أَبْو الْفتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، وَانْتَظَرْتُ إَجْفَالَ النَّعَامَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ تَعَرَّضْتُ فَقُلْتُ: كَمْ يُحِلُّ دَوَاءَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: يُحِلُّ الْكِيسُ مَا شِئْتَ، فَتَرَكْتُهُ وَانْصَرَفْتُ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:07 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الكوفية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا فَتِىُّ السِّنِّ أَشُدُّ رَحْلِي لِكُلِّ عَمَايَةٍ، وَأَرْكُضُ طِرْفَي إِلَى كلِّ غِوَايَةٍ، حَتَّى شَرِبْتُ مِنَ العُمْرِ سَائِغَهُ، وَلَبِسْتُ مِنَ الدَّهْرِ سابِغَهُ، فَلَمَّا انْصَاحَ النَّهَارُ بِجَانِبِ لَيْلَى، وَجَمَعْتُ للمَعَادِ ذَيْلي، وَطِئتُ ظَهْرَ المَرُوضةِ، لأداءِ المَفْرُوضَةِ، وَصَحِبَني فِي الطَّريقِ رَفيقٌ لَمْ أُنْكِرْهُ مِنْ سُوءٍ، فَلَمَّا تجَالَيْنا، وَخَبَّرْنا بحالَيْنا، سَفَرَتِ القِصَّةُ عَنْ أصْلٍ كُوفيّ، وَمَذْهَبٍ صُوفِيّ، وَسِرْنا فَلَمَّا أَحَلَّتْنا الكُوفَةُ مِلْنا إِلى دَارِهِ، وَدَخلْنَاهَا وَقَدْ بَقَلَ وَجْهُ النَّهَارِ وَاخْضَرَّ جَانِبُهُ وَلَّما اغْتَمَضَ جَفْنُ اللَّيْلِْ وَطَرَّ شَارِبُهُ، قُرِعَ عَلَيْنا البابُ، فَقُلْنا: مَنِ القارِعُ المُنْتابُ؟ فقالَ: وَفْدُ اللَّيْلِ وَبَريدُهُ، وَفَلُّ الجُوعِ وَطَريدُهُ، وَحُرُّ قَادَهُ الضُّرُّ، والزَّمَنُ المُرُّ، وَضَيْفٌ وَطْؤُهَ خَفيفٌ، وَضَالَّتُهُ رَغيفٌ، وَجَارٌ يَسْتَعْدِى عَلى الجُوعِ، وَالجْيبِ المَرْقُوعِ، وَغَرِيبٌ أَوقِدَتِ النَّارُ عَلى سَفَرِهِ، وَنَبَحَ العَوَّاءُ عَلَى أَثَرِهِ، وَنُبِذَتْ خَلْفَهُ الحُصَيَّاتُ، وَكُنِسَتْ بَعْدَهُ العَرَصاتُ، فَنِضْوُهُ طَليحٌ ، وَعَيْشُهُ تَبْريحٌ، وَمِنَ دُونِ فَرْخَيْهِ مَهَامِهُ فِيحٌ. قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَقَبَضْتُ مِنْ كِيسي قَبْضَةَ اللَّيْثِ، وَبَعَثْتُها إِلَيهِ وَقُلْتُ: زِدْنا سُؤَالاً، نَزِدْكَ نَوَالاً، فَقَالَ: ما عُرِضَ عَرْفُ العُودِ، عَلى أَحَرَّ مِنْ نَارِ الجُودِ، وَلا لُقِيَ وَفْدُ البِرِّ، بأَحْسَنَ مِنْ بَريدِ الشُّكْرِ، وَمَنْ مَلَكَ الفَضْلَ فَلْيُؤَاسِ، فَلَنْ يَذْهَبَ العُرْفُ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ، وَأَمَّا أَنْتَ فَحَقَّقَ اللهُ آمَالَكَ، وَجَعَلَ اليَدَ العُلْيا لَكَ. قَالَ عِيسى بْنُ هِشامٍ: فَفَتَحْنا لَهُ البَابَ وَقُلْنا: ادْخُلْ، فَإِذا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَريُّ، فَقُلْتُ: يا أَبَا الفَتْح، شَدَّ مَا بَلَغتْ مِنْكَ الخصَاصَةُ. وَهذَا الزِّيِّ خَاصَّةٌ، فَتَبَسَّمَ وَأَنْشأَ يَقولُ:
لاَ يَغُـرَّنَـكَ الـذِي *** أَنَا فيهِ مِنَ الطَّلَـبْ أَنَا فِي ثَـرْوَةٍ تُـشَ *** قُّ لَهَا بُرْدَةُ الطَّرَبْ أَنَا لَوْ شِئْتُ لاَتَّـخَـذْ *** تُ سُقُوفاً مِنَ الذَهَبْ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:08 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الأسدية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كانَ يَبْلُغُنِي مِنْ مَقَامَاتِ الإِسْكَنْدَريِّ وَمَقَالاتِهِ مَا يَصْغَى إِلَيْهِ النُّفُورُ، وَيَنْتَفِضُ لَهُ العُصْفُورُ، وَيَرْوَي لَنَا مِنْ شِعْرِهِ مَا يَمْتَزِجُ بأَجْزَاءِ النَّفْسِ رقَّةً، وَيَغْمُضُ عَنْ أَوْهَامِ الكَهَنَةِ دِقَةً، وَأَنَا أَسْأَلُ اللهُ بَقَاءَهُ، حَتْى أُرْزَقَ لِقَاءَهُ، وَأَتَعَجَّبُ مِنْ قُعُودِ هِمَّتِهِ بِحَالَتِهِ، مَعَ حُسْنِ آلَتِهِ، وَقَدْ ضَرَبَ الدَّهْرُ شُؤُونَهَ، بِأَسِدَادِ دُونَهُ، وَهَلَّمَ جَرًّا، إِلَى أَنْ اتَّفَقَتْ لِيَ حَاجَةٌ بِحِمْصَ فَشَحَذْتُ إِليَهَا الحِرصَ، فِي صُحْبَةِ أَفْرِادٍ كَنُجُومِ اللَّيلِ، أَحْلاسٍ لِظُهُورِ الخَيلِ، وَأَخذْنَا الطَرِيقَ نَنْتَهِبُ مَسَافَتَهُ، وَنَسْتَأْصِلُ شأْفَتَهُ، وَلَمْ نَزَلْ نَفْرِي أَسْنِمَةَ النِّجَادِ بِتِلْكَ الْجِيَادِ، حَتَّى صِرْنَ كَالْعِصِيِّ، وَرَجَعْنَ كَالْقِسِيِّ، وَتَاخَ لَنَا وَادٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ ذِي أَلاءٍ وأَثْلٍ، كَالعَذَارَى يُسَّرِحْنَ الضَّفَائِرَ، وَيَنْشُرْنَ الغَدَائِرَ، وَمَالتِ الهَاجِرَةُ بِنَا إِليْهَا، وَنَزَلْنَا نُغَوِّرُ وَنَغُورُ، وَرَبَطْنَا الأَفْرَاسَ بِالأَمْراسِ، وَمِلنَا مَعَ النُّعَاسِ، فَمَا رَاعَنَا إِلاَّ صَهِيلُ الخَيلِ، وَنَظَرتُ إِلى فَرَسِي وَقَدْ أَرْهَفَ أُذَنَيِهِ، وَطَمَحَ بِعَيْنَيهِ، يَجُّذُ قُوَى الحَبْلِ بِمَشَافِرِهِ، وَيَخُدُّ خَدَّ الأَرْضِ بِحَوافرهِ، ثُمَّ اضْطَرَبَتِ الخَيْلُ فَأَرْسَلَتِ الأَبْوَالَ، وَقَطَّعَتِ الحِبَالَ، وَأَخَذَتْ نَحْوَ الجِبَالِ، وَطَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلَى سِلاحِهِ؛ فإِذَا السَّبُعُ فِي فَرْوَةِ المَوتِ، قَدْ طَلَعَ مِنْ غَابِهِ، مُنْتَفِخاً فِي إِهَابِهِ، كَاشِراً عَنْ أَنْيَابِهِ، بِطَرْفٍ قَدْ مُلِئَ صَلَفاً، وَأَنْفٍ قَدْ حُشِىَ أَنَفَاً، وَصَدْرٍ لاَ يَبْرَحُهُ القَلْبُ، ولاَ يَسْكُنُهُ الرُّعْبُ، وَقُلْنَا خطْبٌ مُلِمٌ، وَحَادِثٌ مُهِمٌ، وَتَبَادرَ إِلَيِهِ مِنْ سُرْعَانِ الرُّفْقَةِ فَتَىً:
أَخْضَرُ الجِلْدَةِ فِي بَيْتِ العَرَبْ *** يَمْلأُ الدَّلْوً إِلَى عَقْدِ الكَـرَبْ بِقَلْبٍ سَاقَهُ قَدْرٌ، وَسَيْفٍ كُلُّهُ أَثْرٌ، وَمَلَكَتْهُ سَوْرَةُ الأَسَدِ فَخَانَتْهُ أَرْضُ قَدَمِهِ، حَتَّى سَقَطَ لِيَدِهِ وَفَمِهِ، وَتَجَاوَزَ الأَسَدُ مَصْرَعَهُ، إِلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ، وَدَعَا الْحَيْنَ أَخَاهُ، بِمِثْلِ مَا دَعَاهُ، فَصارَ إِلَيْهِ، وَعَقَلَ الرُّعْبُ يَدَيهِ، فَأَخَذَ أَرْضَهُ، وَافْتَرشَ اللَّيثُ صَدْرَهُ، وَلَكِّنْي رَمَيْتُهُ بِعِمَامَتِي، وَشَغلتُ فَمَهُ، حَتَّى حَقَنْتُ دَمَهُ، وَقَامَ الفَتَى فَوَجَأَ بَطْنَهُ، حتَّى هَلَكَ الفَتَى مِنْ خَوْفِهِ، والأَسَدُ لِلْوَجْأَةِ في جَوفِهِ، ونَهَضْنا فِي أَثَرِ الخَيْلِ فَتَأَلَّفْنا مِنْهَا ما ثَبَتَ، وَتَرَكْنَا مَا أَفْلَتَ، َوعُدْنَا إِلى الرَّفِيقِ لِنُجَهِّزَهُ
فَلمَّا حَثَونَا التُّرْبَ فَوْقَ رَفِيقَنَا *** جَزِعْنَا وَلَكِنْ أَيُّ سَاعَةِ مَجْزَعِ وَعُدُنَا إِلَى الفَلاةِ، وَهَبَطْنَا أَرْضَهَا، وَسِرْنَا حَتَّى إِذَا ضَمِرَتِ المَزَادُ، وَنَفِدَ الزَّادُ أَوْ كَادَ يُدْرِكُهُ الْنَّفادُ، وَلَمْ نَمْلِكِ الذَّهَابِ وَلاَ الرُّجُوعَ، وَخِفْنَا القَاتِلِينَ الظَّمَأَ وَالجُوعَ، عَنَّ لَنَا فَارِسٌ فَصَمَدْنَا صَمْدَهُ، وَقَصَدْنَا قَصْدَهُ، وَلَمَّا بَلَغَنَا نَزَلَ عَنْ حُرِّ فَرَسَهَ يَنْقُشُ الأَرْضَ بِشَفَتَيهِ، ويَلْقِي التُّرَابَ بِيَدَيْهِ، وَعَمَدَنْي مِنْ بَيْنِ الجَمَاعَةِ، فَقَّبَلَ رِكَابِي، وَتَحَّرَمَ بِجَنَابِي، وَنَظَرْتُ فَإِذْا هُوَ وَجْهٌ يَبْرُقُ بَرْقَ العَارِضِ المُتَهَلِّلِ، وَقَوَامٌ مَتَى مَا تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِ تَسَهَّل، وَعَارِضٌ قَدِ اخْضَرَّ، وَشَارِبٌ قَدْ طَرًّ، وَسَاعِدٌ مَلآنٌ، وَقَضِيبٌ رَيَّانُ، ونِجَارٌ تُرْكِيٌ، وَزِيٌ مَلَكِيٌ، فَقُلْنَا: مَالَكَ لاَ أَبَالكَ؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ بَعْضِ الْمُلوكِ، هَمَّ مِنْ قَتْلي بِهَمٍّ، فَهِمْتُ عَلى وَجْهِي إِلى حَيْثُ تَرانِي، وَشَهِدَتْ شَوَاهِدُ حالهِ، على صِدْقِ مَقَالِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا اليَومَ عَبْدُكَ، وَمَالِي مَالُكَ، فَقُلْتُ: بُشْرَى لَكَ وَبِكَ، أَدَّاكَ سَيْرُكَ إِلَى فِنَاءٍ رَحْبٍ، وَعَيْشٍ رَطْبٍ، وَهَنْأَتْنِي الْجَمَاعَةُ، وَجَعَلَ ينْظُرُ فَتَقْتُلَنَا أَلْحَاظَهُ، وَيَنْطِقُ فَتَفْتِنٌنَا أَلْفَاظَهُ، فَقَالَ: يَا سَادَةُ إِنَّ فِي سَفْحِ الجَبَلِ عَيْنَاً، وَقَدْ رَكِبْتُمْ فُلاَةً عَوْرَاءَ، فَخُذُوا مِنْ هُنَالِكَ الْمَاءَ، فَلَوَيْنَا الأَعِنَةَ إِلى حَيثُ أشَارَ، وَبَلَغْنَاهُ وَقَدْ صَهَرَتِ الهَاجِرَةُ الأَبْدَانَ، وَرَكِبَ الجَنَادِبُ الْعِيدَانَ، فَقَالَ: أَلاَ تَقِيلُونَ فِي الظِّلِّ الْرَّحْبِ، عَلى هَذا المَاءِ الْعَذْبِ؟ فَقُلْنَا: أَنْتَ وَذَاكَ فَنَزَلَ عَنْ فرَسِهِ، وَحَلَّ مِنْطَقَتَهُ، وَنَحَى قُرْطَقَتَهُ فَمَا اسْتَرَعَنَّا إِلاَّ بِغِلاَلَةٍ تَنِمُّ عَنْ بَدَنِهِ، فَمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ خَاصَمَ الوِلْدَانَ، فَفَارَقَ الْجِنَانَ، وَهَرَبَ مِنْ رِضْوَانٍ، وَعَمَدَ إِلَى السُّرُوجِ فَحَطَّهَا، وإِلَى الأَفْراسِ فَحشَّهَا، وإِلَى الأَمْكِنةِ فَرَشَّهَا، وَقَدْ حَارَتِ الْبَصَائِرُ فِيهِ، وَوَقَفْتِ الأَبْصَارُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا فَتَى مَا أَلْطَفَكَ فِي الٍخِدْمَةِ، وَأَحْسَنَكَ فِي الجُمْلَةِ، فَالْوَيْلُ لِمَنْ فَارَقْتَهُ، وَطُوبَى لِمَنْ رَافَقْتَهُ، فَكَيِفَ شُكْرُ اللهِ عَلَى الْنِعْمَةَ بِكَ؟ فَقَالَ: مَا سَتَرُونَهُ مِنِّي أَكْثَرُ، أَتُعْجِبُكُمْ خِفَّتي فِي الخِدْمَةِ، وَحُسْنِيَ فِي الجُمْلَةِ؟ فَكَيِفَ لَوْ رَأَيْتُمُونِي فِي الْرُّفْقًةِ؟ أُرِيكُمْ مِنْ حِذْقِيَ طُرَفَا، لِتَزْدَاُدوا بِي شَغَفَاً؟ فَقٌلْنَا: هَاتِ: فَعَمَدَ إِلَى قَوْسِ أَحَدِنَا فَأَوْتَرَهُ، وَفَوَّقَ سَهْمَاً فَرَمَاهُ فِي السَّماءِ، وَأَتْبَعَهُ بِآخَرَ فَشَقَّهُ في الهَواءِ، وَقَالَ: سَأُرِيكمْ نَوعَاً آخَرَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلى كِنَانَتي فَأَخَذَهَا، وإِلَى فَرَسِي فَعَلاهُ، وَرَمَى أَحَدَنا بِسَهْمٍ أَثْبَتَهُ فِي صَدْرِهِ، وَآخَرَ طَيَّرَهُ منْ ظَهْرِهِ، فَقُلْتُ وَيْحَكَ مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: اسْكُتْ يَا لُكَعُ، وَاللهِ لَيَشُدَّنَ كُلٌ مِنْكُمْ يَدَ رَفِيِقِهِ، أَوْ لأُغِصِنَّهُ بِرِيِقهِ، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَصْنَعْ وَأَفْرَاسُنَا مَرْبُوطَةٌ، وَسُروجَنَا مَحْطُوطَةٌ، وَأَسْلِحَتُنْا بَعِيدَةٌ، وَهْوَ رَاكِبٌ وَنَحْنُ رَجَّالَةٌ، وَالقَوْسُ فِي يَدِهِ يَرْشِقُ بِهَا الظُّهُورَ، وَيَمْشُقُ بِهَا الْبُطُونَ والْصُّدُورَ، وَحِينَ رَأَيْنَا الْجِدَّ، أَخَذْنَا الْقِدَّ، فَشَدَّ بَعْضُنَا بَعْضَاً، وَبَقَيْتُ وَحْدِيَ لاَ أَجِدُ مَنْ يَشُدُّ يَدِي، فَقَالَ: اخْرُجْ بإِهَابِكَ، عَنْ ثِيَابِكَ، فَخَرَجْتُ ثُمَّ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ، وِجِعِلِ يِصْفَعُ الواحِدَ مِنَّا بَعْدَ الآخَرِ، وَيَنْزَعُ ثِيَابَهُ وَصَارَ إِلَيَّ وَعَليَّ خُفَّانِ جَدِيدانِ، فَقَالَ: اخْلَعْهُمَا لاَ أُمَّ لَكَ، فَقُلْتُ: هَذا خُفٌ لَبِسْتُهُ رَطْباً فَلَيْسَ يُمْكِنُي نَزْعَهُ، فَقَالَ: عَلَيَّ خَلْعُهُ، ثُمَّ دَنَا إِلَيَّ لِيَنْزَعَ الخُفَّ، وَمَدَدْتُ يَدْي إِلَى سِكْينٍ كَانَ مَعْي فِي الخُفِّ وَهْوَ فِي شُغْلِهِ فَأَثْبَتَّهُ فِي بَطْنِهِ، وَأَبَنْتَهُ مِنْ َمَتْنهِ، فَمَا زَادَ عَلى فَمٍ فَغَرَهُ، وأَلَقَمَهُ حَجَرَهُ، وَقُمْتُ إِلى أَصْحَابِي فَخَلَلْتُ أَيْدِيِهِمْ، وَتَوَزْعَنَا سَلَبَ القَتِيلَينِ، وأَدَرَكْنَا الرَّفِيقَ وَقَدْ جَادَ بِنَفْسِهِ، وِصِارَ لِرَمْسِهِ، وَصِرْنَا إِلى الطَّرِيقِ، وَوَرَدْنا حِمْصَ بَعْدَ لَيَالٍ خَمْسٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلى فُرْضَةِ مِنْ سُوقِهَا رَأَيْنَا رَجُلاً قَدْ قَامَ عَلى رأَسِ ابْنٍ وَبُنَيةٍ، بِجِرابٍ وَعَصِيةٍ، وهُوَ يَقُولُ:عُهُ، ثُمَّ دَنَا إِلَيَّ لِيَنْزَعَ الخُفَّ، وَمَدَدْتُ يَدْي إِلَى سِكْينٍ كَانَ مَعْي فِي الخُفِّ وَهْوَ فِي شُغْلِهِ فَأَثْبَتَّهُ فِي بَطْنِهِ، وَأَبَنْتَهُ مِنْ َمَتْنهِ، فَمَا زَادَ عَلى فَمٍ فَغَرَهُ، وأَلَقَمَهُ حَجَرَهُ، وَقُمْتُ إِلى أَصْحَابِي فَخَلَلْتُ أَيْدِيِهِمْ، وَتَوَزْعَنَا سَلَبَ القَتِيلَينِ، وأَدَرَكْنَا الرَّفِيقَ وَقَدْ جَادَ بِنَفْسِهِ، وِصِارَ لِرَمْسِهِ، وَصِرْنَا إِلى الطَّرِيقِ، وَوَرَدْنا حِمْصَ بَعْدَ لَيَالٍ خَمْسٍ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلى فُرْضَةِ مِنْ سُوقِهَا رَأَيْنَا رَجُلاً قَدْ قَامَ عَلى رأَسِ ابْنٍ وَبُنَيةٍ، بِجِرابٍ وَعَصِيةٍ، وهُوَ يَقُولُ:
رَحِمَ اللهُ مَنْ حَشَـا *** فِي جِرَابِي مَكَارِمَهْ رَحِمَ اللهُ َمـنْ رَنَـا *** لِسَعِيدٍ وَفَاطِـمَـهْ إِنَّـهُ خَـادِمٌ لَـكُـمْ *** وَهْيَ لاَ شَكَّ خَادِمَهْ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقُلْتُ إِنَّ هَذا الرَّجُلَ هُوَ الإِسْكَنْدَرِيُّ الَّذي سَمِعْتُ بِهِ، وَسَأَلْتُ عَنْهُ، فَإِذَا هُوَ هُوَ، فَدَلَفْتُ إَلَيهِ، وَقُلْتُ: احْتَكِمْ حُكْمَكَ فَقَالَ: دِرْهَمٌ، فَقُلْتُ:
لَكَ دِرْهَمٌ فِي مِثْـلِـهِ *** مَا دَامَ يُسْعِــدُنِي النَّفَسْ فَاحْسُبْ حِسَابَكَ وَالتَمِس *** كَيْمَا أُنِيلُ الْملْتَـمَـس وَقُلْتُ لَهُ: دِرْهَمٌ فِي اثْنَينِ فِي ثَلاثَةٍ فِي أَرْبَعةٍ فِي خَمْسَةٍ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى العِشْرِينَ، ثُمَّ قُلْتُ: كَمْ مَعَكَ؟ قَالَ: عِشْرونَ رَغِيفاً، فَأَمَرْتُ لَهُ بِهَا، وَقُلْتُ: لاَ نَصْرَ مَعَ الخِذَلاَنِ، وَلاَ حِيلَةَ مَعَ الْحِرْمَانِ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:08 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الغيلانية
حَدَثَنْي عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ بِجُرْجَانَ، فِي مُجْتَمَعٍ لنَا نَتَحَدَّثُ، وَمَعَنَا يَوْمَئِذٍ رَجُلُ العَرَبِ حِفْظاُ وَرِوَايةً، وَهَوَ عِصْمَةُ بْنُ بَدْرٍ الفَزَارِيُّ، فأَفْضَى بِنَا الكَلاَمُ إِلَى ذِكْرِ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ حِلْماً، وِمِنْ أَعْرَضَ عَنْ خَصْمِهِ احْتِقَاراً، حَتَّى ذَكَرْنَا الصَّلَتَانَ الْعَبْدِيَّ وَالبَيِثَ، وَمَا كَانَ مِنْ احْتِقَارِ جَريرٍ وَالفَرَزْدَقِ لَهُمَا، فَقَالَ عِصْمَةُ: سَأُحَدِثَكُم بِمَا شَاهَدَتْهُ عَيْني، وَلاَ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ غَيْري، بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي بِلادِ تَمِيمٍ مُرْتَحِلاً نَجِيَبةً، وَقائِداً جَنِيبَةً، عنَّ ليَ رَاكِبٌ عَلىَ أَوْرَقٍ جَعْدِ اللُّغَامِ، فَحَاذَانِي حَتَّى إِذا صَكَّ الشَّبَحُ بِالشَّبَحِ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالسَّلامُ عَلَيْكَ، فَقُلْتُ: وعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، مَنِ الرَّاكِبُ الجَهيرُ الكَلاَمِ المُحَيِّي بِتَحيَّة الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ: أَنَا غَيْلاَنُ بْنُ عُقْبَةَ، فَقُلتُ: مَرْحَباً بِالكَرِيم حَسَبهُ الشَّهِيرِ نَسَبُهُ، السَّائِرُ مَنْطِقُهُ، فَقَالَ: رَحُبَ وَادِيكَ، وَعَزَّ نَاِديَكَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: عِصْمةُ بْنُ بَدرٍ الفَزَارِيُّ، قَالَ: حَياَّكَ اللهُ نِعْمَ الصَّدِيقُ، وَالصَاحبُ والرَّفِيقُ، وَسِرْنَا فَلَمَّا هَجَّرْنا قَالَ: أَلاَ نُغَوِّرُ يَاعِصْمةُ فَقَدْ صَهَرَتْنَا الْشَّمْسُ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ وَذَاكَ، فَمِلْنَا إِلِى شَجراتٍ أَلاَءٍ كَأَنْهُنَّ عَذارَى مُتَبَرِّجاتٌ، قَد نَشَرْنَ غَدائِرَهُنَّ، ِلأثَلاثٍ تُنَاوِحُهُنَّ، فَحَطَطْنَا رِحَالَنَا، وَنِلْنَا مِنَ الطَّعَامِ، وَكانَ ذُو الرُّمَةِ زَهِيدَ الأَكلِ، وَصَلَّيْنَا بَعْدُ، وَآلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إِلى ظِلِّ أَثَلةٍ يُرِيدُ الْقَائِلَةَ، وَاضَطَجَعَ ذُو الرُّمَّةِ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَصْنَعَ مِثَلَ صَنِيعِهِ، فَوَلَّيْتُ ظَهْرِي الأَرْضَ، وَعَيْنَاي لاَ يَمْلِكُهُمَا غُمْضٌ، فَنَظَرْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ إِلَى نَاقَةٍ كَوْمَاءَ قَدْ ضَحِيَتْ وَغَبِيطُهَا مُلْقىً، وَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يَكْلأُهَا كأَنَّهُ عَسِيفٌ أَوْ أَسِيفٌ فَلَهِيتُ عَنْهُمَا، وَما أَنَا وَالسُّؤالَ عَمَّا لاَ يَعْنِينِي؟ وَنَام ذُو الرُّمَّةِ غِرَاراً، ثُمَّ انْتَبَهَ، َوكاَنَ ذلِكَ فِي أَيَّامِ مُهَاجاتِهِ لِذَلكَ الْمُرِّيَّ، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَأَنْشَدَ يَقُولُ:
أَمِنْ مَيَّةَ الطُّلَلُ الـدَّارِسُ *** أَلَظَّ بِهِ العَاصِفُ الرَّامِسُ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَ شَجِيجُ الْقَـذَالِ *** وَمُسْتَوْقَدٌ مَا لَهُ قَـابِـس وَحَوْضٌ تَثَلَّمَ مِنْ جَانِـبَـيْهِ *** وَمُحْتَفَلٌ دَارِسٌ طامِـسُ وَعَهْدي بِهِ وَبِهِ سَـكْـنُـهُ *** وَمَيَّهُ وَالإِنْـسُ وَالآِنـسُ كَأَنِّي بِمَيَّةَ مُسْـتَـنْـفِـرٌ *** غَزَالاً ترَاءَى لَهُ عَاطِسٌ إِذَا جِئْتُهَا رَدَّنيِ عَـابِـسٌ *** رَقِيبٌ عَلَيْها لَهَا حَـارِسٌ سَتَأْتِي امْرِأَ الْقَيْسِ مَأْثُورَةٌ *** يُغَنِّي بِها العَابِرَ الجَالِـسُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ امْرأَ القَيْسِ قَـدْ *** أَلَظَّ بِهِ دَاؤُهُ الـنَّـاجِـسُ هُمُ القَوْمُ لاَ يَأَلَمُونَ الْهِجَاءَ *** وَهَلْ يَأَلَمُ الحَجَرُ الْيَابِـسُ فَمَا لَهُمُ في الْعُلاَ رَاكِـبٌ *** وَلاَ لَهُمُ فِي الوَغَى فَارِسُ مُمَرْطَلةٌ فِي حِياضِ المَلاَمِ *** كَمَا دَعَسَ الاْدَمَ الدَّاعِـسُ إِذَا طَمَحَ النَّاسُ لِلْمَكْرُماتِ *** فَطَرْفُهُمُ المُطْرِقُ النَّاعِسُ تَعَافُ الأَكَارِمُ إِصْهَارَهُـمْ *** فَكًلُّ أَيَامَاهُـمُ عـانِـسُ
فَلَمَّا بَلَغَ هَذا البَيْتَ تَنَبَّهَ ذَلِكَ النَّائِمُ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: أَذُو الرُّمَيْمَةِ يَمْنَعُنِي النَّوْمَ بِشِعْر غيْرِ مُثَقّفٍ وَلاَ سَائِر؟ فَقُلْتُ يَا غَيْلاَنُ، مَنْ هَذا؟ فَقَالَ: الْفَرَزْدَقُ، وَحَمِى ذُو الرُّمَّةِ فَقَالَ:
وَأَمَّا مُجاشِـعٌ الأَرْذَلُـونَ *** فلَم يَسْقِِ مَنْبِتَهُـمْ رَاجِـسُ سَيَعْقِلَهُمُ عَنْ مَسَاعِي الْكِرَام *** عِقَالٌ، وَيَحْبِسهُمُ حَـابِـسُ
فَقُلْتُ: الآنَ يَشْرَقُ فَيَثُورُ، وَيَعُمُّ هذا وَقبِيلَتُهُ بِالهِجَاءِ، فَوَاللهِ مَا زَادَ الفَرَزْدَقُ عَلى أَنْ قَالَ: قُبْحَاً لكَ يا ذَا الرُّمَيْمَةِ! أَتَعْرِضُ لِمِثْلي بِمَقالٍ مُنْتَحَلٍ؟ ثُمَّ عَادَ فِي نَوْمِهِ كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ شَيْئاً، وَسَارَ ذُو الرُّمَّةِ وَسِرْتُ مَعَهُ، وَإِنِّي لأَرَى فِيهِ انْكِسَاراً حَتَّى افْتَرَقْنَا.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:09 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الأذربيجانية
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: لَمَّا نَطَّقَنِي الْغِنَى بِفَاضِلِ ذَيْلِهِ، اتُّهِمتُ بِمَالٍ سلَبْتُهُ، أَو كَنْزٍ أَصَبْتُهُ، فَحَفَزَنيِ اللَّيْلُ، وَسَرَتْ بِي الخَيْلُ، وَسَلكتُ فِي هَرَبِي مَسَالِكَ لَمْ يَرُضْهَا السَّيْرُ، وَلاَ اهْتَدَتْ إِلَيْهَا الطَّيْرُ، حَتَّى طَوَيْتُ أَرْضَ الرُّعْبِ وَتَجاوَزْتُ حَدَّهُ، وَصِرْتُ إِلى حِمَى الأَمْنِ َوَوجَدْتُ بَرْدَهُ، وَبَلَغْتُ أَذْرَبِيجَانَ وقَدْ حَفِيَتِ الرَّوَاحِلُ، وأَكَلَتَّهَا المَرَاحِلُ، وَلَمَّا بَلَغْتُهَا:
نَزَلْنَا عَلى أَنَّ المُـقَـامَ ثَـلاثَةٌ
فَطَابَتْ لَنَا حَتَّى أَقَمْنَا بِها شَهْراً
فَبَيْنَا أَنا يَوْماً في بِعْضِ أَسْوَاقِها إِذْ طَلَعَ رَجُلٌ بِرَكْوَةٍ قَدِ اعْتَضَدَهَا وَعَصاً قَدِ اعْتَمَدَها، وَدنِّيَّةٍ قَدْ تَقَلَّسَهَا، وَفُوطةٍ قدْ تَطَلَّسَهَا، فَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ يا مُبْدِئَ الأَشْيَاءِ وَمُعيدَهَا، وَمُحْيِيَ الْعِظَامِ وَمُبِيدَها، وَخَالِقَ الْمِصْباحِ وَمُدِيرَهُ، وفالِقَ الإِصْباحِ وَمُنِيرَهُ، وَمُوصِلَ الآلاءِ سابِغَةً إِلَيْنا، وَمُمْسِكَ السَّمَاءِ أَنْ تَقَعَ عَلَيْنَا، وَبَارِئَ النَّسَمِ أَزْواجاً وَجَاعِلَ الشَّمْسِ سِرَاجاً، والسَّمِاءِ سَقْفاً والأَرْضِ فِرَاشاً، وَجَاعِلَ اللَّيْلِ سَكَناً وَالنَّهَارِ مَعَاشاً، ومُنْشِئَ السَّحَابِ ثِقَالاً، وَمُرْسِلَ الصَّواعِقِ نِكَالاً، وَعَالِمَ ما فَوْقَ النُّجُومِ وما تَحْتَ التُّخُومِ، أَسْأَلَكَ الصَّلاةَ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلينَ، مُحَمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهِرينَ، وأَنْ تُعِينَني على الغُرْبَةِ أَثْنِي حَبْلَهَا، وَعلى العُسْرَةِ أَعْدُو ظِلَّها، وأَنْ تُسَهِّلَ لِي عَلى يَدَيْ مِنْ فَطَرَتْهُ الفِطْرَةُ، وَأَطْلَعَتْهُ الْطُّهْرَةُ، وَسَعِدَ بالدِّينِ الْمَتِينِ، وَلَمْ يَعْمَ عَنِ الحَقِّ الْمُبِينِ، رَاحِلةً تَطْوِى هَذَا الطَّرِيقَ، وزَاداً يَسَعُنِي والرَّفِيقَ. قَالَ عيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَاجَيْتُ نَفْسِي بِأَنَّ هذَا الرَّجُلَ أَفْصَحُ مِنْ إِسْكَنْدَرِيِّنَا أَبِي الفَتْحِ، وَالْتَفَتُّ لَفْتَةً فَإِذَا هُوَ واللهِ أَبُو الْفَتْحِ، فَقُلْتُ يَا أَبَا الفَتْحِ بَلَغَ هذِهِ الأَرْضَ كَيْدُكَ، وانْتَهى إِلى هذَا الشِّعْبِ صَيْدُكَ؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
أِنا جَوَّالةُ الـبِـلا
دِ وجَوَّابِةُ الأُفُـقْ
أَنَا خُذْرُوَفةُ الزَّمـا
نِ وَعَمَّارَةُ الطُّرُقْ
لاَ َتلُمْنِي لَكَ الَّرشَا
دُ عَلَى كُدْيَتي وذُقْ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:11 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الجرجانية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: بَيْنمَا نَحْنُ بِجُرجَانَ، فِي مَجْمَعٍ لَنَا نَتَحَدَّثُ وما فينا إِلاَّ مِنَّا، إِذْ وَقَفَ عَليْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّويلِ المُتَمَدِّدِ، ولا الْقصيرِ المُتَرَدِّدِ، كَثُّ العُثْنُونِ، يَتْلُوهُ صِغَارٌ فِي أَطْمارٍ، فافْتَتَحَ الْكَلامَ بِالسَّلامِ، وَتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَوَلاَّنا جميلاً، وأَوْلَيْناهُ جَزيلاً، فَقَالَ: يا قَوْمُ إِنِّي امْرؤٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، مِنَ الثُغُورِ الأَمَويَّةِ نَمَتْني سُلَيْمٌ ورَحَّبَتْ بِي عَبْسٌ جُبْتُ الآفاق، وتَقَصَّيْتُ العِرَاقَ، وَجُلْتُ الْبَدْوَ وَالْحَضَرَ، ودَارَيْ رَبِيَعَةَ وَمُضَرَ، ما هُنْتُ، حَيْثُ كُنْتُ، فَلا يُزْرِيَنَّ بِي عِنْدكُمْ ما تَرَوْنَهُ مِن سَمَلي وأَطْماري، فَلَقَدْ كُنَّا وَاللهِ مِنْ أَهْلِ ثَمٍّ وَرَمٍّ، نُرْغِي لَدَى الصَّباحِ ونُثْغِى عِنًدَ الرَّواحِ
وفينَا مَقَامَاتٌ حِسَانٌ وُجُوهُهُم *** وأَنْدِيَةٌ يَنتَابُها القَوْلُ والفِعْلُ عَلَى مُكْثِرِيهِمْ رَزْقُ مَنْ يَعْتَرِيهِمُ *** وَعِنْدَ المُقِلَّينَ السَّمَاحَةُ والبَذْلُ ثُمَّ إِنَّ الدَّهْرَ يا قَوْمُ قَلَبَ لِي مِنْ بَيْنِهمْ ظَهْرَ الْمِجَنَّ، فاعْتَضْتُ بِالنَّوْمِ السَّهَر، وبالإِقامَةِ السَّفَرَ، تَتَرَامى بِي المَرَامي، وتَتَهَادَى بِي المَوَامِي، وَقَلَعَتْنِي حَوَادِثُ الزَّمَنِ قلْعَ الصَّمْغَةِ، فَأُصْبِحُ وأُمْسِي أَنْقَى مِنَ الرَّاحَةِ وأَعْرَى مِنْ صَفْحَةِ الْوَليدِ، وأَصْبَحْتُ فَارِغَ الفِناءِ، صَفِرَ الإِنَاءِ، مالِي إِلَّا كَآبَةُ الأَسْفارِ، ومُعَاَقَرَةُ السِّفَارِ، أُعَانِي الفَقْرَ، وأمَاني الْقَفْرَ، فِراشِي الْمَدَرُ، وَوِسَادِي الحَجَرُ
بِآمدَ مَرَّةً وَبِـرأْسِ عَـيْنٍ *** وأَحْيَاناً بِمَيّا فَـارِقِـينَـا لَيْلَةً بِالشَّآمِ ثُـمَّـتَ بِـالأهْ *** وَازِ رَحْلِي وَلَيلَةً بِالْعِرَاقِ فَما زَالَتِ النَّوَى تَطْرَحُ بيِ كُلَّ مَطْرَحٍ، حَتَّى وَطِئْتُ بِلادَ الحَجَرِ وَأَحَلَّتنِي بَلَدَ هَمَذَانَ، فَقَبِلَنِي أَحْيَاؤُهَا، وَأَشْرَأَبَّ إِلَىَّ أَحِبَّاؤُهَا، وَلكِنِّي مِلْتُ لإِعْظَمِهشمْ جَفْنَةً، وَأَزْهَدِهِمْ جَفْوةً:
َلهُ نَارٌ تُشَبُّ عَلَى يَفَـاعٍ *** إِذَا النِّيرانُ أُلْبِسَتِ الْقِنَاعَا فَوَطَّأَ لِي مَضْجَعاً، وَمَهَّدَ لِي مَهْجَعاً، فَإِنْ وَنَى لِيَ وَنْيةً هَبَّ لِيَ ابْنٌ كأَنَّهُ َسَيْفٌ يَمَانٍ، أَوْ هِلاَلٌ بَدَا فِي غَيْرِ قَتَمانٍ، وَأَوْلاني نِعَماً ضَاقَ عَنْهَا قَدْرِي، وَاتَّسَعَ بِهَا صَدْرِي، أَوَّ لُهَا فَرْشُ الدَّارِ، وَآخِرُها أَلْفُ دِينَارٍ، فَمَا طَيَّرَتْنِي إِلا َّالنِّعَمُ حَيْثُ تَوَالَتْ، وَالدِّيَمُ لَمَّا انْثَالتْ، فَطَلَعْتُ مِنْ هَمَذَانَ طُلُوعَ الشَّارِدِ، وَنَفَرْتُ نِفَارَ الْآبِدِ، أَفْرِي الْمَسَالِكَ، وَأَقْتَفِرُ المَهَالِكَ، وَأَعَانِي الْمَمَالِكَ، عَلَى أَنِّيَ خَلَّفْتُ أُمَّ مّثْوَايَ وَزُغْلوُلاً لِي.
كأَنَّهُ ُدْمُـلٌـج مِـنْ فِـضَّةٍ نَـبَـهٌ *** فِي مَلْعَبٍ مِنْ عَذَارَى الحَيِّ مَفْصُومُ وَقَدْ هَبَّتْ بِي إِلَيْكُمْ رِيحُ الاِحْتِيَاجِ، وَنَسِيمُ الإِلْفَاجِ، فَانْظُرُوا رَحِمَكُمُ اللهُ لِنِقْضٍ مِنَ الأَنْقَاضِ مَهْزُولٍ، هَدَتْهُ الحَاجَةُ، وَكَدَّتْهُ الْفَاقَةُ :
أَخَا سَفَرٍ، جَوَّابَ أَرْضٍ، تَقَاذَفَتْ *** بِهِ فَلَوَاتٌ؛ فَهْوَ أَشْعَثُ أَغْبَـرُ جَعَلَ اللهُ لِلخَيْرِ عَلَيْكُمْ دَلِيلاً، وَلاَ جَعَلَ للِشَّرِّ إِلَيْكُمْ سَبِيلاً. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَرَقَّتْ وَاللهِ لَهُ الْقُلُوبُ، وَاغْرَوْرَقَتْ لِلُطْفِ كلاَمِهِ العُيُونُ، وَنُلْنَاُه مَا تَاحَ فِي ذلِكَ الْوَقْتِ، وأَعْرَضَ عَنَّا حَامِداً لَنا، فَتَبِعْتُهُ، فَإِذَا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الْفَتْح الإِسْكَنْدَرِيُّ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:12 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الأصفهانية
حَدَّثَنا عِيسَى ْبنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ بِأَصْفَهَانَ، أَعْتَزِمُ المَسِيرَ إِلى الرَّيِّ، فَحَلَلْتُهَا حُلُولَ أَلْفَيِّ، أَتَوَقَّعُ الْقَافِلةَ كُلَّ َلْمَحةٍ، وَأَتَرَقَّبُ الرَّاحِلَةَ كلَّ صّبْحَةٍ، فَلَمَّا حُمَّ مَا تَوَقَّعْتُهُ نُودِيَ لِلصَّلاةِ نِدَاءً سَمِعْتُهُ، وتَعَيَّنَ فَرْضُ الإِجَابَةِ، فَانْسَلَلْتُ مِنْ بَيْنِ الصَّحَابةِ، أَغْتَنِمُ الجَمَاَعةَ أُدْرِكُهَا، وأَخْشَى فَوْتَ القَافِلَةِ أَتْرُكَها، لَكِنِّي اسْتَعَنْتُ بِبَركاتِ الصَّلاةِ، عَلى وَعْثَاءِ الفَلاةِ، فَصِرْتُ إِلَى أَوَّلِ الصَُفُوفِ، وَمَثَلْتُ لِلْوُقُوفِ، وَتَقَدَّمَ الإِمَاُم إِلى المِحْرَابِ، فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الكتَابِ، بِقِراءَةِ حَمْزَةَ، مَدَّةً وَهَمْزَةً، وَبِي الْغَمُّ الْمُقِيمُ الْمُقْعِدُ في فَوْتِ القَافِلَةِ، وَالبُعْدِ عَنِ الرَّاحِلَةِ، وَاتْبَعَ الفَاتِحَةَ الوَاقِعَةَ، وَأَنَا أَتَصَلَّى نَارَ الصَّبْرِ وَأَتَصَلَّبُ، وَأَتَقَلَّى عَلى جَمْرِ الغَيْظِ وأَتَقَلَّبُ، َوَلْيَس إِلاَّ السُّكُوتُ وَالصَّبْرُ، أَوِ الكَلاَمُ وَالْقَبْرُ؛ لِمَا عَرَفْتُ مِنْ خُشُونَةِ القَومِ فِي ذَلكَ المَقامِ، أَنْ لَوْ قُطِعًتِ الصَّلاةُ دُونَ السَّلام، فَوَقَفْتُ بِقَدَمِ الضَّرُورَةِ، على تِلْكَ الصُّورَةِ إِلَى انْتِهَاءِ السُّورَةِ، وَقَدْ قَنِطْتُ مِنَ القَافِلَةِ، وَأِيِسْتُ مِنَ الرَّحْلِ وَالرَّاحِلَةِ، ثُمَّ حَنَى قَوْسَهُ لِلْرُّكُوع، بِنَوْعِ مِنَ الخُشُوعِ، وَضَرْبٍ من الخُضُوعِ، لَمْ أَعْهَدْهُ مِنْ قَبْلُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأَسَهُ وَيَدَهُ، وَقَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَقَامَ، حَتَّى مَا شَكَكْتُ أَنَّهُ قَدْ نَامَ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَمِيِنِهِ، وَأَكَبَّ لِجَبِيِنهِ، ثُمَّ انْكَبَّ لِوَجْهِهِ، وَرَفَعْتُ رَأَسِي أَنْتَهزُ فُرْصةً، فَلَمْ أَرَ بَيْنَ الصُّفُوفِ فُرْجَةً، فَعُدْتُ إِلَى السُّجُودِ، حَتَّى كبَّر لِلْقُعُودِ، وَقامَ إِلى الرَّكْعةِ الثَّانِيَةِ، فَقَرَأَ الفَاتِحَةَ وَالقَارِعَةَ، قِرَاءَةً اسْتَوْفَى بِها عُمْرَ السَّاعَةِ، وَاستَنْزَفَ أَرْوَاحَ الجَمَاعَةِ، فَلَمَّا فَرِغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلى التَّشَهُّدِ بِلَحْيَيْهِ، وَمَالَ إِلَى التَّحِيَّةِ بِأَخْدَعَيْهِ، وَقُلْتُ: قَدْ سَهَّلَ اللهُ الَمْخرَجَ، وَقَرَّبَ الفَرَجَ، قَامَ رَجُلٌ وَقَالَ: مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُحِبُّ الصَّحَابَةَ والجَمَاعَةَ، فَلْيُعِرْنِي سَمْعَهُ سَاعَةً. قَالَ عِيَسى بْنُ هِشَامٍ: فَلَزِمْتُ أَرْضِي، صِيِانَةَ لِعَرْضِيَ، فَقَالَ: حَقِيقٌ عَلَيَّ أَنْ لاَ أَقُولَ غَيْرَ الحَقْ، وَلا أَشْهَدَ إِلاَّ بِالصِّدْقِ، قَدْ جِئْتُكُمْ بِبِشَاَرةٍ مِنْ نَبِيكُمْ، لكِنِّي لاَ أُؤَدِّيهَا حَتَّى يُطَهِّرَ اللهُ هَذا المَسْجدَ مِنْ كُلِّ نَذْلٍ يَجْحَدُ نُبُوءَتَهُ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَرَبَطني بِالْقُيُودِ، وَشَدَّني بِالحِبَالِ السُّودِ، ثُمَّ قَالَ: رأَيْتُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَنَامِ، كالشَّمْسِ تَحْتَ الغَمامِ، وَالبَدْرِ لَيْلَ التَّمَامِ، يَسِيرُ وَالنُّجُومُ تتَبْعَهُ، ويَسْحَبُ الذَّيْلَ والمَلائِكَةُ تَرْفَعُهُ، ثمَّ علَمَني دُعَاءً أَوْصَانِي أَنْ أُعَلِّمَ ذَلِك أُمَّتَهُ، فَكَتَبْتُهُ عَلَى هذِهِ الأَوْرَاق بِخَلُوقٍ وَمِسْكٍ، وَزَعْفَرَانٍ وَسُكٍ، فَمَنِ اسْتَوْهَبَهُ مِنيِّ وَهَبْتُهُ، وَمَنْ رَدَّ عَلَيَّ ثَمَنَ القِرْطَاسِ أَخَذْتُهُ. قَالَ عِيسى بْنُ هِشَامٍ: فَلَقَدِ انْثِالَتْ عَليهِ الدَّرَاهِمُ حَتَّى حَيَّرَتْهُ، وَخَرَجَ فَتَبِعْتُهُ مُتَعَجِّبَاً مِنْ حِذْقِهِ بِزَرْقِهِ، وَتَمَحُّلِ رِزِقِهِ، وهَمَمْتُ بِمَسْأَلَتِهِ عَنْ حَالِهِ فَأَمْسَكْتُ، وَبِمُكَالَمَتِهِ فَسكَتُّ، وَتَأَمَّلْتُ فَصَاحَتَهُ فِي وَقَاحَتِهِ، وَمَلاحَتَهُ في اسْتِمَاحَتِهِ، وَرَبْطَهُ النَّاسَ بِحيَلتِهِ، وَأَخْذَهُ المَالَ بوَسِيلَتِهِ، وَنَظَرْتُ فإِذَا هُوَ أَبُو الْفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَقُلْتُ: كَيْفَ اهْتَدَيْتَ إِلَى هذِهِ الحِيلَةِ فَتَبَسَّمَ وأَنْشَأَ يَقُولَ:
النَّاسُ حُمْرٌ فَجَـوِّزْ *** وابْرُزْ عَلَيْهِمْ وبَرِّزْ حَتَّى إِذَا نِلْتُ مِنْهُـمْ *** مَا تَشْتَهِيهِ فَفَرْوِزْ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:13 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الأهوازية
حدثنا عيسى بن هشام قال: كنت بالأهواز، في رفقة مَتَى مَا تَرَقَّ العَيْنُ فِيهِمْ تَسَهَّلِ، لَيْسَ فِينَا إِلاَّ أَمْرَدُ بكْرُ الآمالِ، أَوْ مُخْتَطُّ حَسَنُ الإِقْبالِ، مَرْجُوُّ الايَّامِ وَاللَّيال، فَأَفَضْنَا فِي العِشْرَةِ كَيْفَ نَضَعُ قَوَاعِدَهَا، وَالأُخُوَّةِ كَيْفَ نُحْكِمُ مَعَاقِدَهَا، وَالسُّرورِ فِي أَيِّ وَقْتٍ نَتَقَاضَاهُ، والشُّرْبِ فِي أَيِّ وَقْتٍ نَتَعاطاهُ، وَالانْسِ كَيْفَ نَتَهَاداهُ، وَفَائِتِ الحَظِّ كَيْفَ نَتَلافَاهُ، وَالشَّرَابِ مِنْ أَيْنَ نُحَصِّلُهُ، وَالمَجْلِسِ كَيْفَ نُزَيُّنُهُ. فَقَالَ أَحَدُنا: عَلَىَّ الْبَيْتُ والنُّزْلُ، وَقالَ آخَرُ: عَلَىَّ الشَّرابُ وَالنَّقْلُ، وَلَمَّا أَجْمَعْنَا عَلى المَسيرِ اسْتَقَبَلنَا رَجُلٌ فِي طِمْرَيْنِ فِي يُمْنَاهُ عُكَّازَةٌ، وَعَلى كَتِفَيْهِ جِنَاَزةٌ، فَتَطَيَّرْنَا لَمَّا رَأَيْنَا الجِنَازَةَ وَأَعْرَضْنَا عَنْهَا صَفْحاً، وَطَوَيْنَا دُوَنَها كَشْحاً، فَصَاحَ بِنَا صَيْحَةً كَادَتْ الأَرْضُ لهَا تَنْفَطِرُ، وَالنُّجُومُ تَنْكَدِرُ، وَقَالَ: لَتَروُنَّهَا صُغْراً وَلَتَرْكَبُنَّهَا كَرْهاً وَقَسْراً، مَا لكُمْ تَطَّيَّرونَ مِنْ مَطِّيةٍ رَكِبَهَا أَسْلاَفُكُمْ، وسَيَرْكَبُهَا أَخْلاَفُكُمْ، وَتَتَقَذَّرُونَ سَرِيراً وَطِئَهُ آبَاؤُكُمْ، وَسَيَطؤُهُ أَبْنَاؤُكُمْ، أَمَا واللهِ لَتُحْمَلُنَّ عَلَى هذِهِ العِيدَانِ، إِلَى تِلْكُمُ الدِّيدَانِ، وَلَتُنْقَلُنَّ بِهَذِهِ الجِيَادِ، إِلَى تِلْكُمُ الوِهادِ، وَيْحَكُمْ تَطَيَّرُونَ، كأَنَّكُمْ مُخَيَّرونَ، وَتَتَكَرَّهونَ، كأَنَّكُمْ مُنَزَّهُونَ، هَلْ تَنَفَعُ هَذهِ الطِّيَرَُ، يِا فَجَرَةُ؟ . قَالَ عِيَسى بْنُ هِشَامٍ: فَلَقَدْ نقَضَ مَا كُنَّا عَقَدْنَاهُ، وأَبْطَلَ مَا كُنَّا أَرَدْنَاهُ، فَمِلنَا إِلَيهِ وَقُلنَا لَهُ: مَا أَحْوَجَنَا إِلى وَعْظِكَ، وأَعْشَقَنَا لِلَفْظِكَ، وَلَوْ شِئْتَ لَزِدْتَ قَالَ: إِنَّ وَرَاءَكُمْ مَوَارِدَ أَنْتمْ وَارِدُوهَا، وَقَدْ سِرْتُمْ إِلَيْهَا عِشْرينَ حِجَةً:
وإِنْ امْرأَ قَدْ سَارَ عِشْرِينَ حِجَةً *** إِلى مَنْهَلٍ مِنْ وِرْدِهِ لِقَـرِيبُ وَمِنْ فَوِقِكُمْ مِنْ يَعْلَمُ أَسْرارَكُمْ، وَلَوْ شَاءَ لَهَتَكَ أَسْتَارَكُمْ، يُعَامِلِكُمْ فِي الدُّنْيَا بِحِلمٍ، وَيَقْضِي عَلَيِكُمْ فِي الآخِرَةِ بِعِلمٍ، فَلْيَكُنِ المَوتُ مِنْكُمْ على ذُكْرٍ، لِئَلا تَأَتْوا بِنُكْرٍ، فَإِنَّكُمْ إِذَا اسْتَشْعَرْتُمُوهُ لَمْ تَجْمَحُوا، وَمَتى ذَكَرْتُمُوهُ لَمْ تَمْرَحوا، وإِنْ نَسِيتُمُوهُ فَهْوَ ذَاكِرُكُمْ، وإِنْ نِمْتُمْ عَنْهُ فَهُوَ ثَائِركُمْ، وإِنْ كَرِهْتُمُوهُ فهُوَ زَائِرُكُمْ، قُلْنَا: فَمَا حَاجَتُكَ؟ قَالَ: أَطْوَلُ مِنْ أَنْ تُحَدَّ، وأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُعَدَّ، قُلْنَا: فَسَانِحُ الوَقْتِ، قَالَ: رَدُّ فَائِتِ العُمْرِ، وَدَفَعُ نَازِلِ الأَمْرِ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْنَا، وَلَكِنْ مَا شِئْتَ مِنْ متَاعِ الدُنْيَا وَزُخْرِفِهَا، قَالَ لا حَاجَةَ لِي فِيهَا، وإِنمَا حَاجَتِي بَعْدَ هَذا أَنْ تَخِدُوا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَعُوا.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:14 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة البغدادية
حَدَّثَنَا عِيَسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: اشْتَهَيْتُ الأَزَاذَ، وأَنَا بِبَغْدَاذَ، وَلَيِسَ مَعْي عَقْدٌ عَلى نَقْدٍ، فَخَرْجْتُ أَنْتَهِزُ مَحَالَّهُ حَتَّى أَحَلَّنِي الكَرْخَ، فَإِذَا أَنَا بِسَوادِيٍّ يَسُوقُ بِالجَهْدِ حِمِارَهُ، وَيَطَرِّفُ بِالعَقْدِ إِزَارَهُ، فَقُلْتُ: ظَفِرْنَا وَاللهِ بِصَيْدٍ، وَحَيَّاكَ اللهُ أَبَا زَيْدٍ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ وَأَيْنَ نَزَلْتَ؟ وَمَتَى وَافَيْتَ؟ وَهَلُمَّ إِلَى البَيْتِ، فَقَالَ السَّوادِيُّ: لَسْتُ بِأَبِي زَيْدٍ، وَلَكِنِّي أَبْو عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، لَعَنَ اللهُ الشَّيطَانَ، وَأَبْعَدَ النِّسْيانَ، أَنْسَانِيكَ طُولُ العَهْدِ، وَاتْصَالُ البُعْدِ، فَكَيْفَ حَالُ أَبِيكَ ؟ أَشَابٌ كَعَهْدي، أَمْ شَابَ بَعْدِي؟ فَقَالَ: َقدْ نَبَتَ الرَّبِيعُ عَلَى دِمْنَتِهِ، وَأَرْجُو أَنْ يُصَيِّرَهُ اللهُ إِلَى جَنَّتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوةَ إِلاَّ بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيم، وَمَدَدْتُ يَدَ البِدَارِ، إِلي الصِدَارِ، أُرِيدُ تَمْزِيقَهُ، فَقَبَضَ السَّوادِيُّ عَلى خَصْرِي بِجِمُعْهِ، وَقَالَ: نَشَدْتُكَ اللهَ لا مَزَّقْتَهُ، فَقُلْتُ: هَلُمَّ إِلى البَيْتِ نُصِبْ غَدَاءً، أَوْ إِلَى السُّوقِ نَشْتَرِ شِواءً، وَالسُّوقُ أَقْرَبُ، وَطَعَامُهُ أَطْيَبُ، فَاسْتَفَزَّتْهُ حُمَةُ القَرَمِ، وَعَطَفَتْهُ عَاطِفُةُ اللَّقَمِ، وَطَمِعَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ، ثُمَّ أَتَيْنَا شَوَّاءً يَتَقَاطَرُ شِوَاؤُهُ عَرَقاً، وَتَتَسَايَلُ جُوذَابَاتُهُ مَرَقاً، فَقُلْتُ: افْرِزْ لأَبِي زَيْدٍ مِنْ هَذا الشِّواءِ، ثُمَّ زِنْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الحَلْواءِ، واخْتَرْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الأَطْباقِ، وانْضِدْ عَلَيْهَا أَوْرَاقَ الرُّقَاقِ، وَرُشَّ عَلَيْهِ شَيْئَاً مِنْ مَاءِ السُّمَّاقِ، لِيأَكُلَهُ أَبُو زَيْدٍ هَنيَّاً، فَأنْخّى الشَّواءُ بِسَاطُورِهِ، عَلَى زُبْدَةِ تَنُّورِهِ، فَجَعَلها كَالكَحْلِ سَحْقاً، وَكَالطِّحْنِ دَقْا، ثُمَّ جَلسَ وَجَلَسْتُ، ولا يَئِسَ وَلا يَئِسْتُ، حَتَّى اسْتَوفَيْنَا، وَقُلْتُ لِصَاحِبِ الحَلْوَى: زِنْ لأَبي زَيْدٍ مِنَ اللُّوزِينج رِطْلَيْنِ فَهْوَ أَجْرَى فِي الحُلْوقِ، وَأَمْضَى فِي العُرُوقِ، وَلْيَكُنْ لَيْلَّي العُمْرِ، يَوْمِيَّ النَّشْرِ، رَقِيقَ القِشْرِ، كَثِيفِ الحَشْو، لُؤْلُؤِيَّ الدُّهْنِ، كَوْكَبيَّ اللَّوْنِ، يَذُوبُ كَالصَّمْغِ، قَبْلَ المَضْغِ، لِيَأْكُلَهُ أَبَو َزيْدٍ هَنِيَّاً، قَالَ: فَوَزَنَهُ ثُمَّ قَعَدَ وَقَعدْتُ، وَجَرَّدَ وَجَرَّدْتُ، حَتىَّ اسْتَوْفَيْنَاهُ، ثُمَّ قُلْتُ: يَا أَبَا زَيْدٍ مَا أَحْوَجَنَا إِلَى مَاءٍ يُشَعْشِعُ بِالثَّلْجِ، لِيَقْمَعَ هَذِهِ الصَّارَّةَ، وَيَفْثأَ هذِهِ اللُّقَمَ الحَارَّةَ، اجْلِسْ يَا أَبَا َزيْدٍ حَتَّى نأْتِيكَ بِسَقَّاءٍ، يَأْتِيكَ بِشَرْبةِ ماءٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ وَجَلَسْتُ بِحَيْثُ أَرَاهُ ولاَ يَرَانِي أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ، فَلَمَّا أَبْطَأتُ عَلَيْهِ قَامَ السَّوادِيُّ إِلَى حِمَارِهِ، فَاعْتَلَقَ الشَّوَّاءُ بِإِزَارِهِ، وَقَالَ: أَيْنَ ثَمَنُ ما أَكَلْتَ؟ فَقَالَ: أَبُو زَيْدٍ: أَكَلْتُهُ ضَيْفَاً، فَلَكَمَهُ لَكْمَةً، وَثَنَّى عَلَيْهِ بِلَطْمَةٍ، ثُمَّ قَالَ الشَّوَّاءُ: هَاكَ، وَمَتَى دَعَوْنَاكَ؟ زِنْ يَا أَخَا القِحَةِ عِشْرِينَ، فَجَعَلَ السَّوَادِيُّ يَبْكِي وَيَحُلُّ عُقَدَهُ بِأَسْنَانِهِ وَيَقُولُ: كَمْ قُلْتُ لِذَاكَ القُرَيْدِ، أَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهْوَ يَقُولُ: أَنْتَ أَبُو زَيْدٍ، فَأَنْشَدْتُ:
أَعْمِلْ لِرِزْقِكَ كُلَّ آلـهْ *** لاَ تَقْعُدَنَّ بِكُلِّ حَـالَـهْ وَانْهَضْ بِكُلِّ عَظِـيَمةٍ *** فَالمَرْءُ يَعْجِزُ لاَ مَحَالَهْ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:15 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة البصرية
حدثني عيسى بن هشام قال: دخلت البصرة وأنا من سنّي في فتاء، ومن الزي في حبر ووِشَاء، ومن الغِنَى في بَقَر وشَاء، فأتيت المِرْبَدَ في رُفْقَةٍ تأخذهم العيون، ومشينا غير بعيد إلى بعض تلك المُتنزهات، في تلك المُتَوَجَّهَات، وَمَلَكَتْنَا أرض فَحَلَلْنَاهَا، وَعَمَدْنَا لقِدَاح اللهو فَأجَلْنَاهَا، مُطَرِّحِينَ لِلْحِشمةِ إذ لم يكن فينا إلا منا، فما كان بأسرع من ارتداد الطَّرْفِ حتى عَنَّ لنا سواد تَخْفضُه وِهَادُ، وَتَرْفَعُهُ نِجَاد، وعلمنا أنّه يهم بنا، فأتلعنا له، حتى أَدَّاهُ إلينا سَيْرُهُ وَلَقِيَنَا بِتَحِّيَةِ الإِسْلاَمِ، وَرَدَدْنَا عَلْيْهِ مُقْتَضى السَّلامِ، ثُمَّ أَجالَ فِينَا طَرْفَهُ وَقَالَ: يا قَوْمُ ما مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ يَلْحَظُنِي شَزْراً، وَيوسِعُنِي حَزْراً، وَمَا يُنبئُكُمْ عني، أصْدَقُ مني، أَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ مِنَ الثُّغُورِ الأَمَوِيَّةِ، قَدْ وَطَّأَ لِيَ الفَضْلُ كَنَفَهُ، وَرَحَّبَ بي عَيْش، ونَمَاني بَيْت، ثُمَّ جَعْجَعَ بي الدَّهْر عَنْ ثَمِّهِ وَرَمِّهِ، وأتلاني زَغَاليلَ حُمْرَ الحواصل:
كَأَنَّهُمْ حَيَّاتُ أَرْضِ مَحْلَةٍ *** فلو يَعَضُّونَ لَذَكَّي سَمُّهُمْ إِذَا نَزَلْنَا أَرْسَلُونِي كَاسِباً *** وإن رحلنا ركبوني كُلُّهُمْ وََنَشَزَتُ عَلَيْنَا البِيضُ، وَشَمَسَتْ مِنَّا الصُّفْر، وأَكَلَتْنَا السُّودُ، وَحَطَّمَتْنَا الحُمْرُ، وانتابنا أبو مالك، فَمَا يَلْقَانَا أبو جابر إلا عن عفر، وهذه البَصْرَةُ مَاؤُهَا هَضُوم، وَفَقِيرُهَا مهضوم، والمرء مِن ضِرْسِه في شُغْل، ومِن نفسه في كَل، فكيف بمن:
يُطَوِّفُ مَا يُطَوِّفُ ثُـمَّ يَأَوِي *** إِلَى زُغْبٍ مُحَدَّدَةِ العُـيُونِ كَسَاهُنَّ الْبِلَى شُعْثاً فَتُمْسِـي *** جِيَاعَ النَّابِ ضَامِرَةَ البُطُونِ وَلَقَدْ أَصْبَحْنَ الْيَوْمَ وَسَرَّحْنَ الطَّرْفَ فِي حَيٍّ كَمَيْتٍ، وَبَيْتٍ كلاَ بَيْتٍ، وَقلَّبْنَ الأَكُفَّ عَلَى لَيْتَ، فَفَضَضْنَ عُقَدَ الضُّلُوعِ، وَأَفَضْنَ مَاءَ الدُّمُوعِ، وَتَدَاعَيْنَ بِاسْمِ الجُوعِ.
وَالفَقْرُ فِي زَمَنِ الـلِّـئَا *** مِ لِكُلِّ ذِي كَرَمٍ عَلاَمَهْ رَغِبَ الكِرَامُ إِلَى اللِّـئَا *** مِ ، وَتِلْكَ أَشْرَاطُ الْقِيَامَهْ وَلَقَدِ اُخْتِرْتُمْ يَا سَادَةُ، وَدَلَّتْنِي عَلَيْكُمُ السَّعَادَةُ، وَقُلْتُ قَسَماً، إِنَّ فِيهِمْ لَدَسَما، فَهَلْ مِنْ فَتَىً يُعَشِّيهِنَّ، أَوْ يُغَشِّيهِنَّ؟ وَهَلْ مِنْ حُرٍّ يُغَدِّيهِنَّ، أَوْ يُرَدِّيهِنَّ؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَوَاللهِ مَا اسْتَأْذَنَ عَلَى حِجَابِ سَمْعي كلاَمٌ رَائعٌ أَبْرَعُ، وَأَرْفَعُ وَأَبْدَعُ، مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ، لاَجَرَمَ أَنَّا اسْتَمَحْنَا الأَوْسَاطَ، وَنَفَضْنَا الأَكْمَامَ، وَنَحَّيْنَا الجُيُوبَ، وَنُلْتُهُ أَنَا مُطْرَفِي، وَأَخَذَتِ الجَمَاعَةُ إِخْذِي، وَقُلْنَا لَهُ: الْحَقْ بِأَطْفَالِكَ، فَأَعْرَضَ عَنَّا بَعْدَ شُكْرٍ وَفَّاهُ، وَنَشْرٍ مَلَأ بِهِ فاهُ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:16 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الفزارية
حدثنا عيسى بن هشام قال: كُنْتُ فِي بَعْضِ بلادِ فَزَارَةَ مُرْتَحِلاً نَجِيبَةً، وَقائِداً جَنِيبَةً، يَسْبَحَانِ بِي سَبْحاً، وَأَنَا أَهِمُّ بِالْوَطَنِ، فَلاَ اللَّيْلُ يَثْنِينِي بِوَعِيدِهِ، وَلاَ البُعْدُ يَلْوِينِي بِبِيدِهِ، فَظَلِلْتُ أَخْبِطُ وَرَقَ النَّهَارِ، بِعَصَا التَّسْيَار وَأَخُوضُ بَطْنَ اللَيلِ، بِحَوَافِرِ الخَيْلِ، فَبَيْنَا أَنَا فِي لَيْلَةٍ يَضِلُّ فِيها الغَطاطُ، وَلا يُبْصِرُ فِيهَا الوَطْواطُ، أَسِيَحُ سَيْحاً، وَلا سَانِح إِلاَّ السَّبُعُ، وَلاَ بَارِحَ إِلاَّ الضَّيُعُ، إِذْ عَنَّ لِي رَاكِبٌ تامُّ الالاَتِ، يَؤُمُّ الأَثَلاَتِ، يَطْوي إِلَىَّ مَنْشُورَ الفَلَوَاتِ، فَأَخَذَني مِنْهُ ما يَأْخُذُ الأَعْزَلَ مِنْ شَاكِي السِّلاَحِ، لكِنِّي تَجَلدْتُ فَقُلْتُ: أَرْضَكَ لاَ أُمَّ لَكَ، فَدُونَكَ شَرْطُ الحِدَادِ، وَخَرْطَ الْقَتَادِ، وَخَصْمٌ ضَخْمٌ، وَحَمِيَّةٌ أَزْدِيَّةٌ، وَأَنَا سِلْمٌ إِنْ شِئْتَ، وَحَرْبٌ إِنْ أَرَدْتَ، فَقُلْ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: سِلْماً أَصَبْتَ، فَقُلتُ: خَيْراً أَجَبْتَ، فَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: نَصِيحٌ إِنْ شَاوَرْتَ فَصِيحٌ إِنْ حَاوَرتَ، وَدُونَ إسْمِي لِثَامٌ، لاَ تُميطُهُ الأَعْلاَمُ، قُلْتُ: فَمَا الطُّعْمَةُ؟ قَالَ: أَجُوبُ جُيُوبَ البِلاَدِ، حَتَّى أَقَعَ عَلى جَفْنَةِ جَوادٍ، وَلِي فُؤَادٌ يَخْدِمُهُ لِسَانٌ، وَبَيَانٌ يَرْقُمُهُ بَنَانٌ وَقٌصَارَاي كَرِيمٌ يَخْفِضُ لِي جَنِيبَتَهُ، وَيَنْفُضُ إِليَّ حَقِيبَتَهُ، كَابْنِ حُرَّةٍ طَلَعَ عَلَيَّ بِالأمْسِ، طُلُوعَ الشَّمسِ، وَغَربَ عَنِّي بِغُرُوبِها، لكِنَّهُ غَابَ وَلمْ يَغِبْ تَذْكارُهُ، وَوَدَّعَ وَشَيَّعْتَني آثَارُهُ، وَلا يُنْبِئُكَ عنْهَا، أَقْرَبُ مِنُهَا، وَأَوْمأَ إِلى ما كانَ لَبِسَهُ، فَقُلْتُ: شَحَّاذٌ وَرَبِّ الْكَعْبةِ آخَّاذُ، لَهُ فِي الصَّنْعَةِ نَفَاذٌ، بَلْ هُوَ فِيها أُسْتاذٌ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ تَرْشَحَ لَهُ، وَتَسِحَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا فَتَى قَدْ جَلَّيْتَ عِبَارَتَكَ، فَأَيْنَ شِعْرُكَ مِنْ كَلاَمِكَ؟ فَقَالَ: وَأَيْنَ كَلامِي مِنْ شِعْرِي؟ ثُمَّ اسْتَمَدَّ غَرِيزَتَهُ، وَرَفَعَ عَقِيرَتَهُ، بِصَوْتٍ ملأَ الوَادِي، وَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وأَرْوَعَ أَهْدَاهُ لِيَ اللَّيْلُ وَالْفَلا *** وَخَمْسُ تَمَسُّ الأَرْضَ لكِن كَلاَ وَلا عَرَضْتُ عَلَى نَارِ المَكارِمِ عُوَدهُ *** فَكانَ مُعِماًّ في السِّيَادَةِ مُخْوِلاَ وَخَادَعْتُهُ عَنْ مَالِهِ فَخَدَعْتُهُ *** وَسَاهَلْتُهُ مِنْ بِرِّهِ فَتَسَهـــــَّلاَ وَلَمَّا تَجَالَيْنَا وَأَحْمَدَ مَنْطِقِي *** بَلاَ بِيَ مِنْ نَظْمِ القَرِيضِ بِـمَـا بَـلاَ فَمَا هَزَّ إِلاَّ صَارِماً حينَ هَزَّنِي *** وِلِمْ يَلْقَنِي إِلاَّ إِلَى السَّبْقِ أَوَّلاَ وَلَمْ أَرَهُ إِلاَ أَغَرَّ مُحجَّلاَ *** وَمَـا تحْتَهُ إِلاَّ أَغَرَّ مُحَجَّلاَ
فَقُلْتُ لَهُ: عَلَى رِسْلِكَ يَا فَتَى، وَلَكَ فِيمَا يَصْحَبُنِي حُكْمُكَ، فَقَالَ: الحَقِيبَةُ بِمَا فِيهَا، فَقُلْتُ: إِنَّ وَحَامِلَتَهَا، ثُمَّ قَبَضْتُ بجُمْعِي عَلَيْهِ، وَقُلْتُ: لاَ وَالَّذِي أَلْهَمَهَا لَمْساً، وَشَقَّهَا مِنْ وَاحِدَةٍ خَمْساً، لاَ تُزَايُلنِي أَوْ أَعْلَمَ علْمكَ، فَحَدَرَ لِثَامَهُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذَا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَمَا لَبِثْتُ أَنْ قُلْتُ:
تَوَشَّحْتَ أَبَا الْفَتْـحِ *** بِهَذَا السَّيْفِ مُخْتَالاً فَمَا تَصْنَعُ بِالسَّيفِ *** إِذَا لَمْ تَكُ قَتَّـالاً؟ فَصُغْ مَا أَنْتَ حَلَّيْتَ *** بِهِ سَيْفَكَ خَلْخـالا
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:17 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الجاحظية
رفحَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ: أثَارَتْنِي وَرُفْقَةً وَلِيَمةٌ فَأَجَبْتُ إِلَيْهَا، لِلْحَدِيثِ المَأْثُور عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ" فأَفْضَى بِنَا السَّيْرُ إِلى دَارٍ.
تُرِكَتْ وَالحُسْنَ تـأْخُـذُهُ *** تَنْتَقِي مِنْهُ وَتَنْـتَـحِـبُ فَانْتَقَتْ مِنْـهُ طَـرَائِفَـهُ *** وَاسْتَزَادَتْ بَعْضَ مَا تَهَبُ بِسَاطُهَا، وَبُسِطَتْ أَنْمَاطُهَا، وَمُدَّ سِماطُهَا، وَقَوْمٍ قَدْ أَخَذُوا الوَقْتَ بَيْنَ آسٍ مَخْضُودٍ، وَوَرْدٍ مَنْضُودٍ، وَدَنٍّ مَفْصُودٍ، وَنَايٍ وَعُودٍ، فَصِرْنَا إِِلَيْهِمْ وَصَارُوا إِلَيْنَا، ثُمَّ عَكَفْنَا عَلَى خِوُانٍ قَدْ مُلِئَتْ حِيَاضُهُ، وَنَوَّرَتْ رياضُهُ، وَاصْطَفَّتْ جِفانُهُ، وَاخْتَلَفَتْ أَلْوَانُهُ فَمِنْ حَالِكٍ بِإِزَائِهِ نَاصِعٌ، وَمِنْ قَانٍ تِلْقَاءَهُ فَاقِعٌ، وَمَعَنا عَلى الطَّعَامِ رَجُلٌ تُسَافِرُ يَدُهُ عَلَى الخِوَانِ، وَتَسْفِرُ بَيْنَ الأَلْوَانِ، وَتَأْخُذُ وُجُوهَ الرُّغفَانِ، وَتَفْقأُ عُيُونَ الجِفانِ، وَتَرْعَى أَرْضَ الجِيرانِ، وَتَجُولُ في القَصْعَةِ، كَالرُّخِّ في الرُّقْعَةِ، يَزْحَمُ باِللُّقْمَةِ اللُّقْمَةَ، وَيَهْزِمُ بِالمَضْغَةِ المْضغَة، وَهْوَ مَعَ ذَلِكَ ساكِتٌ لاَ يَنْبِسُ بِحًرفٍ، وَنَحْنُ فِي الحَدِيثِ نَجْري مَعْهُ، حَتَّى وَقَفَ بِنَا عَلَى ذِكْرِ الجاحِظِ وَخَطابَتِهِ، وَوَصْفِ ابْنِ المُقَفّعِ وَذَرَابتِهِ، وَوَافَقَ أَوَّلُ الحَدِيثَ آخِرَ الخِوَانِ، وَزُلْنَا عَنْ ذَلِكَ المَكانِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَيْنَ أَنْتُمْ مِنَ الحَدِيثِ الَّذِي كُنْتُمْ فيِهِ؟ فَأَخَذْنَا فِي وَصْفِ الجَاحِظِ ولَسَنِهِ، وَحُسْنِ سَنَنِهِ فِي الفَصاحَةِ وَسُنَنِهِ، فِيما عَرَفْنَاهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ لِكُلِّ عَمَلٍ رِجَالٌ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالُ، وَلِكُلِّ دَارٍ سُكَّانٌ، ولِكُلِّ زَمَانٍ جَاحِظٌ، وَلَوِ انْتَقَدْتُمْ، لَبَطَلَ مَا اعْتَقَدْتُمْ، فَكُلٌّ كَشَرَ لَهُ عَنْ نابِ الإِنْكَارِ، وَأَشَمَّ بِأَنِْف الإِكْبَارِ، وَضَحِكْتُ لَهُ لأَجلُبَ ما عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: أَفِدْنا وَزِدْنا، فقَالَ: إنَّ الجَاحِظَ في أَحَدِ شِقَّيِ البَلاَغَةِ يَقْطِفُ، وفِي الآخَرِ يقَفُ، والبَليغُ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ نَظْمُهُ عَنْ نَثْرِهِ، ولَمْ يُزْرِ كَلامَهُ بشِعْرِهِ، فَهَل تَرْوُونَ للْجاحِظِ شِعْراً رائِعاً؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَهَلُمُّوا إِلَى كَلاَمِهِ، فَهْوَ بَعِيدُ الإِشارَاتِ، قَلِيلُ الاسْتِعَاراتِ، قَرِيبُ العِبَارَات، مُنْقادٌ لعُرْيَانِ الكَلاَمِ يسْتَعْمِلُهُ، نَفُورٌ مِنْ مُعْتَاصِهِ يُهْمِلُهُ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ لَهُ لَفْظَةً مَصْنُوعَةً، أَوْ كَلِمَةً غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ؟ فَقُلْنَا: لاَ ، فَقَالَ: هَلْ تُحِبُّ أَنْ َتسْمَعَ مِنَ الكَلاَمِ مَا يُخَفِّفُ عَنْ مَنْكِبَيْكَ، وَيَنِمُّ علَى مَا في يَدَيْكَ؟ فَقُلْتُ: إِي وَاللهِ، قَالَ: فأَطْلِقْ لِي عَنْ خِنْصِرِكَ، بِمَا يُعِينُ على شُكْرِكَ، فَنُلْتُهُ رِدَائِي، فَقالَ:
لَعَمْرُ الَّذي أَلقَى عَلَيَّ ثِيَابَهُ *** لَقَدْ حُشِيَتْ تلْكَ الِّثيابُ بِهِ مَجْدَا فَتىً قَمَرَتْهُ المَكْرُمَاتُ رِدَاءَهُ *** وَمَا ضَرَبَتْ قِدْحاً ولاَ نَصَبَتْ نَرْدَا أَعِدْ نَظَراً يا مَنْ حَبَانِي ثِيابَهُ *** وَلاَ تَدَعِ الأَيَّامَ تَهْدِمُنِي هَدَّا وَقُلْ للأُولَى إِنْ أَسْفَرُوا أَسْفَرُوا ضُحىً *** وإِنْ طَلَعُوا في غُمَّةٍ طلَعُوا سَعْدا صِلُوا رَحِمَ العَلْيا، وَبُلُّوا لَهَانَهَا *** فَخَيْرُ النَّدَى ما سَحَّ وَاِبلُهُ نَقْدَا
قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَارْتاحَتِ الجَمَاعَةُ إِلَيْهِ، وَانْثَالَتِ الصِّلاَتُ عَلَيهِ، وَقُلْتُ لَمَّا تآنَسْنَا: مِنْ أَيْنَ مَطْلُع هَذاَ البَدْرِ? فَقالَ:
إِسْكَـنْـدَرِيَّةُ دَارِي *** لَوْ قَرَّ فِيها قَرَارِي لكِنَّ لَيْلِى بِنَـجْـدٍ *** وَبِالحِجَازِ نَهارِي.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:18 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة المكفوفية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: كُنْتُ أَجْتَازُ، فِي بَعْضِ بِلاَدِ الأَهْوَازِ، وَقُصَارَايَ لَفْظَةٌ شَرُودٌ أَصِيدُهَا، وَكَلِمَةٌ بَلِيَغٌة أَسْتَزِيدُهَا، فَأَدَّانِي السَّيْرُ إِلَى رُقْعَةٍ فَسِيحَةٍ مِنَ البَلَدِ، وَإِذَا هُنَاكَ قَوْمٌ مُجْتَمِعُونَ عَلى رَجُلٍ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ يَخْبِطُ الأَرْضَ بعصاً على إِيقَاعٍ لاَ يَخْتَلِفُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ مَعَ الإِيقَاعِ لَحْناً، وَلَمْ أَبْعُدْ لأَنَالَ مِنَ السَّمَاعِ حَظًّاً، أَوْ أَسْمَعَ مِنَ الفَصِيحِ لَفْظاً، فَمَا زِلْتُ بالنَّظَّارَةِ أَزْحَمُ هَذا وَأَدْفَعُ ذَاكَ حَتَّى وَصَلْتُ إِلى الرَّجُلِ، وَسَرَّحْتُ الطَّرْفَ مِنْهُ إِلَى حُزُقَّةٍ كَالَقَرَنْبَي أَعمى مَكْفُوفٍ، فِي شَمْلَةِ صُوفٍ، يَدُورُ كَالخُذْرُوفِ، مُتَبَرْنِساً بِأَطْوَلَ مِنْهُ، مُعْتَمِداً على عَصاً فِيهَا جَلاَجِلُ يَخْبِطُ الأَرْضَ بِهَا عَلى إِيقَاعٍ غَنِجٍ، بِلَحْنٍ هَزِجٍ، وَصَوْتٍ شَجٍ، مِنْ صَدْرٍ حَرِجٍ، وَهْوَ يَقُولُ:
يا قَوْمُ قَدْ أَثْقَلَ دَيْنِي ظَهْـرِي *** وَطَالَبَتْنِي طَلَّتِي بالمَـهْـرِ أَصْبَحْتُ مِنْ بَعْدُ غِنىً وَوَفْرِ *** سَاكِنَ قَفْرٍ وَحَلِيفَ فَـقْـرٍ يا قَوْمُ هَلْ بَيْنَكُمُ مِـنْ حُـرِّ *** يُعِيُننِي على صُرُوفِ الدَّهْرِ يا قَوْمُ قَدْ عِيلَ لِفَقْري صَبْرِي *** وَانْكَشَفَتْ عنِّي ذُيُولُ السِّتْرِ وَفَضَ ذَا الدَّهْرُ بِأَيْدِي البَتْـرِ *** ما كانَ بِي مِنْ فِضَّةٍ وَتِبْـرِ آوِي إِلَى بَيْتٍ كَقِـيدِ شِـبْـرِ *** خَامِلَ قَدْرِ وَصَغِـيرِ قِـدْرِ لَوْ خَتَمَ اللهُ بِـخَـيْرٍ أَمْـرِي *** أَعْقَبَنِي عَنْ عُسُرٍ بِـيُسْـرِ هَلْ مِنْ فَتىً فِيكم كَرِيم النَّجْرِ *** مُحْتَسِبٍ فِيَّ عَظِيمَ الأجْـرِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ مُغْتَنَمِاً للشُّكْرِ؟ قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَرَقَّ لَهُ واللهِ قَلْبِي، وَاغْرَوْرَقَتْ لَهُ عَيْنِي، فَنُلْتُهُ ديناراً كانَ مَعِي، فَمَا لَبِثَ أَنْ قَالَ:
يا حُسْنَهَا فاقِعَةٌ صَفْـراءُ *** مَمْشوقَةٌ مَنْقُوشَةٌ قَـوْرَاءُ يِكَادُ أَنْ يَقْطُرَ مِنهَا المَـاءُ *** قَدْ أَثْمَرَتْها هِمَّةٌ عَـلْـياءُ نَفْسُ فَتىً يَمْلِكُهُ السَّخَـاءُ *** يَصْرِفًهُ فِيهِ كمَـا يَشَـاءُ يا ذَا الَّذِي يَعْنيهِ ذَا الثَّنـاءُ *** ما يَتَقَضَّى قَدْرَكَ الإِطْرَاءُ
امْضِ إلِى اللهِ لِكِ الجِزِاءُ ورَحِمَ اللهُ مَنْ شَدَّهَا فِي قَرَنِ مِثْلِها، وَآنَسَهَا بُأخُتِها، فَنَالَهُ النَّاسُ ما نالُوهُ، ثُمَّ فَارَقَهُمْ وَتَبِعْتُهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّهُ مُتَعَامٍ، لِسُرْعَةِ ما عَرَفَ الدِّينَارَ، فَلَمَّا نَظَمَتْنَا خَلْوَةٌ، مَدَدْتُ يُمْنَايَ إِلى يُسْرَى عَضُدَيْهِ وَقُلْتُ: واللهِ لَتُرَينِّي سِرَّكَ، أَوْ لأَكْشِفَنَّ سِتْرَكَ، فَفَتَحَ عَنْ تَوْأَمَتَيْ لَوْزٍ، وَحَدَرْتُ لِثَامَهُ عَنْ وَجْهِهِ، فإِذَا وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَقُلْتُ: أَنْتَ أَبو الفَتْحِ؟ فَقَالَ: لا
أَنَا أَبُـو قَـلَـمُـونٍ *** فِي كُلِّ لَوْنٍ أَكُـونُ أَخْتَرْ مِنَ الكَسْبِ دُوناً *** فإِنَّ دَهْــرَكَ دُونُ زَجَّ الزَّمَانَ بَحُمْـقٍ *** إِنَّ الزَّمَانَ زَبُـونُ لا تُكَذَبَنَّ بِـعَـقْـلٍ *** ما العَقْلُ إِلاَّ الجُنُونُ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:19 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة البخارية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَحَلَّنِي جَامِعَ بُخَارى يَوْمٌ وَقَدِ انْتَظَمْتُ مَعَ رِفْقَةٍ في سِمْطِ الثُّرَيَّا، َوِحينَ احْتَفَلَ الجَامِعُ بِأَهْلِهِ طَلَعَ إِلَيْنَا ذُوْ طِمْرِينِ قَدْ أَرْسَلَ صِواناً، وَاسْتَتْلى طِْفلاً عُرْيَانَاً، يَضِيقُ بِالضُّرِّ وُسْعُهُ، وَيأْخُذُهُ القُرُّ ويَدَعُهُ، لاَ يَمْلِكُ غَيْرَ القِشْرَةِ بُرْدَةٍ، وَلاَ يَكْتَفِي لِحِمَايَةِ رِعْدَةٍ، فَوَقَفَ الرَّجُلُ وَقَالَ: لاَ يَنْظُرُ لِهَذا الطِّفْلِ إِلاَّ مَنِ اللهُ طَفَّلَهُ، وَلاَ يَرِقُّ لِهذا الضُّرِّ إِلاَّ مَنْ لا يأْمَنُ مِثْلَهُ، يا أَصْحَابَ الجُدودِ المَفْروزَةِ، وَالأَرْدِيةِ المْطُروزَةِ، وَالدُّورِ المُنَّجَدَةِ، والقُصُورِ المَشَّيدَةِ، إِنَّكُمْ لَنْ تَأَمَنُوا حَادِثاً، وَلَنْ تَعْدَمُوا وارِثاً، فَبادِرُوا الخْيرَ ما أَمْكَنَ، وأَحْسِنُوا مَعَ الدَّهْرِ ما أَحْسَنَ، فَقَدْ واللهِ طَعِمْنَا السِّكْبَاجَ، وَرَكِبْنَا الهِمْلاجَ، وَلَبِسْنَا الدِّيبَاجَ، وَافْتَرَشْنَا الحَشَايَا، بِالعَشَايَا، فَمَا رَاعَنَا إِلاَّ هُبوبُ الدَّهْرِ بِغَدْرِهِ، وانْقِلابُ المِجَنِّ لظَهْرِهِ، فَعَادَ الهِمْلاَجُ قَطُوفاً، وانْقَلَبَ الدِّيَباجُ صُوفاً، وَهَلُمَّ جَرًّا إِلى ما تُشَاهِدونَ مِنْ حالي وَزِيِّي، فَهَا نَحْنُ نَرْنَضِعُ مِنَ الدَّهْرِ ثَدْي عَقيمٍ، وَنَرْكَبُ مِنَ الفَقْرِ ظَهْرَ بَهِيمٍ، فَلا نَرْنُو إِلاّ بِعَيْنِ الْيَتيمِ، وَلاَ نَمُدُّ إِلاَّ يَدَ العَدِيمِ، فَهَلْ مِنْ كَرِيمٍ يَجْلو غَياهِبَ هذِهِ البُؤُوسِ، وَيَفُلُّ شَبَا هذِهِ النُّحوسِ؟ ثُمَّ قَعَدَ مُرْتَفِقاً وَقالَ للْطِّفْلِ: أَنْتَ وَشَاْنُكَ، فقالَ: ما عَسى أَنْ أَقُولَ وَهذا الكلامُ لَوْ لَقِيَ الشَّعْرَ لَحَلَقَهُ، أَوْ الصَّخْرَ لَفَلَقهُ، وإِنَّ قَلْباً لَمْ يُنْضِجْهُ ما قُلْتَ لنِيءٌ، وَقَدْ سَمِعْتُمْ يَا قَوْمُ، مَا لَمْ تَسْمَعُوا قَبْلَ اليَوْمِ، فلْيِشْغَلْ كُلُّ مِنْكُمْ بِالجُودِ يَدَهُ، وَلْيَذْكُرْ غَدَهُ، وَاقِياً بِيَ ولَدَهُ، واذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ، وأَعْطُوني أَشْكُرْكُمْ. قَالَ عِيسَى بْنُ هشَامٍ: فَمَا آنَسَني فِي وَحْدَتِي إِلاَّ خَاتَمُ خَتَّمْتُ بِهِ خِنْصَرَهُ، فَلَمَّا تَنَاوَلَهُ أنْشَأَ يصِفُ الخَاتَمَ عَلى الإِصْبَعِ، وَجَعَلَ يَقُولُ:
ومُمَنْطَقٍ مِـنْ نَـفْـسِـهِ *** بِقِلادَةِ الجَوزَاءَ حُـسْـنَـا كَمُتَيَّمٍ لَـقِـيَ الْـحَـبـيـ *** بَ فَضَمَّهُ شَغَفاً وحُـزْنَـا مُتَـأَلّـفٍ مِـنْ غَـيْرِ أَسْـ *** رَتِهِ عَلـى الأَيَّامِ خِـدْنَـا عِلْـقٌ سَـنِـيٌّ قَـــدْرُهُ *** لكِنَّ مَنْ أَهْـدَاهُ أَسْـنـى أَقْسَمْتُ لَوْ كَـانَ الـوَرى *** في المَجْدِ لَفْظاً كُنْتَ مَعْنَى قالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنُلْنَاهُ ما تَاحَ لَنْا منَ الفَوْرِ، فَأَعْرَضَ عَنَّا، حَامِداً لَنَا، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى سَفَرتِ الخَلْوَةُ عَنْ وَجْهِهِ، فَإِذا هُوَ وَاللهِ شَيْخُنَا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، وإِذَا الطَّلاَ زُغْلُولُهُ، فَقُلْتُ:
أَبَا الفَتْحِ شِبْتَ، وَشَبَّ الغُلاَمُ *** فَأَيْنَ السَّلاَمُ، وَأَيْنَ الكَلاَمُ؟ فَقَالَ:
غَرِيباً إِذَا جَمَعَتْنَا الطَّرِيقُ *** أَليفاً إِذَا نَظَمَتْنَا الخِيَامُ فَعَلِمْتُ أَنَّهُ يَكْرَهُ مُخَاطَبَتي، فَتَرَكْتُهُ وانْصَرَفْتُ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:20 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة القزوينية
حَدَّثَّنَا عِيسَى بْنُ هِشَامِ قَالَ: غَزَوْتُ الثَّغْرَ بِقَزْوِينَ، سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فِيَمْن غَزَاهُ، فَما أَجَزْنَا حَزْناً، إِلاَّ هَبَطْنَا بَطْناً، حَتَّى وَقَفَ المَسِيُر بِنَا عَلَى بَعْضِ قُرَاهَا، فَمَالتِ الهَاجِرَةُ بِنَا إِلى ظِلَّ أَثَلاثٍ، في حُجْرتَهِا عَيْنٌ كَلِسَانِ الشَّمْعَةِ، أَصْفَى مِنَ الدَّمْعَةِ، تَسِيحُ فِي الرَّضْرَاضِ سَيْحَ النَّضْنَاضِ ، فَنِلْنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نِلْنَا، ثُمَّ مِلْنَا إِلى الظِّلِّ فَقِلْنَا، فَمَا مَلَكَنَا النَّوْمُ حَتَّى سَمِعْنَا صَوْتاً أَنْكَرَمِنْ صَوْتِ حِمَارٍ، وَرَجْعاً أَضْعَفَ مِنْ رَجْعِ الحُوَارِ، يَشْفَعُهُمَا صَوْتُ طَبْلٍ كَأَنَّهُ خَاِرٌج مِنْ ما ضِغَيْ أَسَدٍ، فَذَادَ عَنِ القَومِ، رَائِدَ النَّوْمِ، وَفَتَحْتُ التَّوْأَمَتَيْنِ إِلَيْهِ وَقَدْ حَالَتِ الأَشْجَارُ دُونَهُ، وَأَصْغَيْتُ فَإِذَا هُوَ يَقُولُ، عَلى إِيَقاعِ الطُّبُولِ:
أَدْعُو إِلَى اللهِ فَهَلْ مِنْ مُـجِـيبْ *** إِلي ذَراً رَحْبٍ وَمَرْعىً خَصِيبْ وَجَـنَّةٍ عَـالِـيَةٍ مَـا تَـنِــى *** قُطُوُفهـا دَانِـيَةً مَـا تَـغِـيبْ يَاقَـومُ إِنِّـي رَجُـلٌ تَـــائِبٌ *** مِنْ بَلَدِ الكُفْرِ وأَمْرِي عَجِـيبْ إِنْ أَكُ آَمَـنْـتُ فَـكَـمْ لَــيْلَةٍ *** جحَدْتُ رَبِّي وَأَتَيْتُ الـمُـريبْ يَا رَبَّ خِنْزيرٍ تَـمَـشَّـشْـتُـهُ *** وَمُسْكِرٍ أَحْرَزْتُ مِنْهُ النَّصِـيبْ ثُمَّ هَدَاني اللـهُ وَانْـتَـاشَـنِـي *** مِنْ ذِلَّةِ الكُفْرِ اجْتِهَادُ المُصِـيبْ فَظَلْتُ أَخْفِي الدِّينَ في أُسْرَتِـي *** وأَعْبِدُ اللهَ بِـقَـلْـبٍ مُـنِـيبْ أَسْجِدُ لـلاَّتِ حِـذَارَ الـعِـدَى *** وَلا أَرَى الكَعْبَةَ خَوْفَ الرَّقِيبْ وَأَسْـأَلُ الـلـهَ إِذا جَـنَّـنِـي *** لَيْلٌ وأَضْنَانِـيَ يَوْمٌ عَـصِـيبْ رَبِّ كَمَـا أَنَّـكَ أَنْـقَـذْتَـنِـي *** فَنَجِّنِي إِنِّـيَ فـيِهِـمْ غَـرِيبْ ثُمَّ اتَّخَذْتُ اللَّيْلَ لَـي مَـرْكـبـاً *** وَمَا سِوَى العَزْمِ أَمَامَي جَنِـيبْ فَقَدْكَ مِنْ سَيْرِيَ فـشـي لَـيْلةٍ *** يِكِادُ رأَسُ الطِّفْلِ فيهَـا يَشِـيبْ حَتَّى إِذَا جُزْتُ بِـلادَ الـعِـدَى *** إِلَى حِمَى الدِّين نَفَضْتُ الوَجِيبْ فَقُلْتُ: إِذْ لاَحَ شِعَـارُ الـهُـدَى *** نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَـتْـحٌ قَـرِيبْ
فَمَا بَلَغَ هَذا البَيْتَ قَالَ: يا قَوْمُ وَطِئْتُ دَارَكُمْ بِعَزْمٍ لا العِشْقُ شاقَهُ، وَلاَ الفْقَرْ سَاقَهُ، وَقَدْ تَرَكْتُ وَرَاءَ ظَهْري حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً، وَكَواعِبَ أَتْرَاباً، وَخَيْلاً مُسَوَّمَةً، وَقَنَاطِيرَ مُقَنْطَرةً، وَعُدَّةً وَعَدِيداً، وَمَراكِبَ وعَبِيداً، وَخَرَجْتُ خُرُوجَ الحَّيةِ مِنْ جُحْرِهِ، وَبَرَزْتُ بُرُوزَ الطَّائِرِ مِنْ وَكْرِهِ، مُؤْثِراً دِيني عَلى دُنْيَايَ، جَامِعاً يُمْنَايَ إِلى يُسْرَايَ، وَاصِلاً سَيْري ِبُسَرايَ، فَلَوْ دَفَعْتُمُ النَّارَ بِشَرَارهَا، وَرَمَيْتُمُ الرُّومَ بِحِجَارِها، وأَعَنْتُمُونِي عَلى غَزْوِها، مُسَاعَدَةً وإِسْعَاداً، ومُرافَدَةً وإِرْفَاداً وَلا شَطَطَ فكُلٌّ عَلى قَدْرِ قُدْرَتِهِ، وَحَسَبِ ثَرْوَتِهِ، وَلا أَسْتَكْثِرُ البَدْرَةَ، وأَقْبَلُ الذَّرَّةَ، وَلاَ أَرُدُّ التَّمْرَةَ، وَلِكُلٍّ مِنِّي سَهْمَانِ: سَهْمٌ أُذَلِّقُهُ لِلِّقَاءِ وآخَرُ أُفَوِّقَهُ بِالدُّعَاءِ، وَأَرْشُقُ بِهِ أَبْوابَ السَّمَاءِ، عَنْ قَوْسِ الظَّلْمَاءِ. قَالَ عِيَسى بْنُ هِشَامٍ: فَاسْتَفَزَّنِي رَائعُ أَلْفاظِهِ، وَسَرَوْتُ جِلْبَابَ النَّوْمِ، وَعَدَوْتُ إِلى القَوْمِ، فَإِذَا واللهِ شَيْخُنا أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ بِسَيْفٍ قَدْ شَهَرَهُ، وَزِيّ قّدْ نَكَّرَهُ، فَلَمَّا رآنِي غَمَزَنِي بِعَيْنِهِ، وَقَالَ: رَحِمَ اللهُ مَنْ أَعَانَنَا بِفَاضِلَ ذَيْلَهِ، وَقَسَمَ لنَا مِنْ نَيْلهِ، ثُمَّ أَخَذَ مَا أَخَذَ، وَخَلْوتُ بِهِ فَقُلْتُ: أَأَنْتَ مِنْ أَوْلادِ النَّبِيطِ؟ فَقَالَ:
أَنَا حَالِي مِـن الـزَّمَـا *** نِ كَحَالِي مَعَ النَّسـبْ نَسَبِي فَـي يَدِ الـزَّمَـا *** نَ إِذَا سَامَهُ انْقَـلَـبْ أَنَا أَمْسِي مِنَ النَّـبِـي *** طِ وأُضْحِي مِنَ العَرَبْ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:21 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الساسانية
حَدَّثَنَا عِيسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَحَلَّتْنِي دِمَشْقَ بَعْضُ أَسْفارِي، فَبَيْنَا أَنَا يَوْماً عَلى بَابِ دارِي، إِذْ طَلعَ عَلَيَّ مِنْ بَنِي سَاسانَ كَتِيبَةٌ قَدْ لَفُّوا رُؤُوَسُهمْ، وَصَلَوْا بالْمَغْرَةِ لَبُوسَهُمْ، وَتَأَبَّطَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَجَراً يَدُقُّ بِهِ صدْرَهُ، وَفِيهِمْ زَعِيمٌ لَهُمْ يَقُولُ وَهُمْ يُرَاسِلونَهُ، وَيْدعُو وَيُجَاوبُونَهُ، فَلَمَّا رآني قَالَ: أُرِيدُ مِنْكَ رَغِيفـاً *** يَعْلُو خُواناً نَظِيفـاً أُرِيدً مِلُحاً جَرِيشـاً *** أُرِيدُ بَقْلاً قَطِيفـاً أُرِيدُ لَحْماً غَريضاً *** أُرِيدُ خَلاً ثَقِـيفَـاً أُرِيدُ جَدْياً رَضِيعـاً *** أُرِيدُ سَخْلاً خَرُوفَا أُريدُ مَاءً بِـثَـلـج *** يَغْشَى إِناءً طَرِيفاَ أُرِيدُ دَنَّ مُـــدَامٍ *** أَقُومُ عَنْهُ نَـزِيفَـا وَسَاقِياً مُسْتَهَـشّـاً *** علَى القُلُوبِ خَفِيفَا أُرِيدُ مِنْكَ قَمِيصـاً *** وَجُّبةً وَنَصِـيَفـا أُرِيدُ نَعْلاً كَثِـيفـاً *** بِها أَزُورُ الكَنِيفَـا أُرِيدُ مُشْطاً وَمُوسَى *** أُرِيدُ سَطْلاً وَلِيفَـا يَا حَبَّذَا أَنا ضَـيْفـاً *** لَكُمْ وَأَنْتَ مُضِيفـا رَضِيتُ مِنُكَ بِهَـذا *** وَلَمْ أَرِدْ أَنْ أَحِيفـاً قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنُلْتُهُ دِرْهَماً، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ آذَنْتُ بِالدَّعْوَةِ وَسَنُعِدُّ وَنَسْتَعِدُّ، وَنَجْتَهِدُ وَنَجِدُّ، وَلَكَ عَلَيْنَا الوَعْدُ مِنْ بَعْدُ، وَهَذا الدِّرْهَمُ تَذْكِرةٌ مَعَكَ، فَخُذِ المَنْقُودَ، وانْتَظِرِ المَوْعُودَ، فَأَخَذَهُ وَصَارَ إِلى رَجُلٍ آخَرَ ظَنَنْتُ أََّنهُ يَلْقَاهُ بِمِثْلِ مَا لَقِيَنِي، فَقَالَ: يا فَـاضِـلاً قَـدْ تَـبَـدَّى *** كَأَنَّـهُ الـغُـصْـنُ قَـدّاً قَدِ اشْتَهى اللَّحْمض ضِرْسِي *** فَاجْلِدْهُ بِالخُـبْـزِ جَـلْـداً وامنُـنُ عـلَّـي بِـشَـيءٍ *** واجْعَلْهُ لِلْـوَقْـتِ نَـقْـداً أَطْلِقْ مِنَ الـيِدِ خَـصْـراً *** واحْلُلُ مِنَ الكِيسِ عَـقْـدا واضْـمُـمُ يَدَيْكَ لأَجْـلـي *** إِلَى جَـنَـاحِـكَ عَـمْـداً قَالَ عَيِسَى بْنُ هِشَامٍ: فَلَمَّا فَتَقَ سَمْعي مِنْهُ هَذا الكَلامُ، عَلِمْتُ أَنَّ وراءَهُ فَضْلاً، فَتَبِعْتُهُ َحَتَّى صَارَ إِلى أُمِّ مَثْواهُ، وَوَقَفْتُ مِنْهُ بِحَيْثُ لاَ يَراني وأَرَاهُ، وَأَمَاطَ السَّادَةُ لُثُمَهُمْ، فإِذَا زَعِيمُهُمْ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَنَظَرْتُ إِليهِ وَقُلْتُ: مَا هَذهِ الحِيلَةُ وَيْحَكَ؟ فأَنشأَ يَقُولُ: هَذا الزَّمَانُ مَشُـومُ *** كَمَا تَراهُ غَشُـومُ الحُمْقُ فِيهِ مَـلِـيحٌ *** والعِقْلُ عَيْبٌ وَلُومُ والمَالُ طَيْفٌ، ولكِنْ *** حَوْلَ اللئَّامِ يحـومُ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:22 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة القردية
حَدَّثنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: بَيْنَا أَنا بِمَديِنَةِ السَّلامِ، قَافِلاً مِنَ البَلَدِ الحرَامِ، أَمِيسُ مَيْسَ الرِّجْلَةِ، على شاطئِ الدِّجْلَةِ، أَتَأَمَّلُ تِلْكَ الطَّرَائِفَ، وَأَتَقَصَّى تِلْكَ الزَّخَارِفَ، إِذْ انْتَهَيْتُ إِلَى حَلْقَةِ رِجَالٍ مُزْدَحِمِينَ يَلْوي الطَّرَبُ أَعْنَاقَهُمْ، وَيَشَّقُ الضَحِكُ أَشْداقَهُمْ، فَسَاقَنِي الحِرصُ إِلى مَا ساقَهُمْ، حَتَّى وَقَفْتُ بِمَسْمَعِ صَوتِ رَجُلٍ دُونَ مَرأَيَ وَجْهِهِ لِشِدَّةِ الهَجْمَةِ وَفَرْطِ الزَّحْمَةِ، فَإِذَا هُوَ قَرَّادٌ يُرْقِصُ قِرْدَهُ، وَيُضْحِكُ مَنْ عِنْدَهُ، فَرقَصْتُ رَقْصَ المُحَرَّجِ، وَسِرتُ سَيْرَ الأَعْرَجِ، فَوْقَ رِقَابِ النَّاسِ يَلْفِظُنِي عَاتِقُ هَذا لِسُرَّةِ ذَاكَ، حَتَّى افْتَرَشْتُ لِحَيَةَ رَجُلَيْنِ، وَقَعَدْتُ بَعْدَ الايْنَ، وَقَدْ أَشْرَقَنِي الخَجَلُ بَرِيقهِ، وَأَرْهَقَنِي المَكانُ بِضِيِقِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ القَّرادُ مِن شُغْلِهِ، وانْتَفَضَ المَجْلِسُ عَنْ أَهْلِهِ، قُمْتُ وَقَدْ كَسَانِي الدَّهَشُ حُلَّتَهُ، وَوَقَفْتُ لأَرَى صُورَتَهُ، فَإِذا هُو واللهِ أَبو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ، فَقُلتُ: مَا هَذِهِ الدَّنَاءَةُ وَيْحَكَ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
الـذَّنْـبُ لِـلأَيَام لاَ لِــي *** فَاعْتِبْ عَلَي صَرْفِ اللَّيالِي بِالحْمْقِ أَدْرَكْتُ الـمُـنَـى *** وَرَفَلْتُ فَي حُلَلِ الجَمَـالِ
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:23 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الموصلية
حدَّثَنا عيسَى بْنُ هِشَامٍ قالَ: لَمَّا قَفِلْنَا مِنَ المُوصِلِ، وَهَمَمْنَا بِالْمَنْزَلِ، وَمُلِكَتْ عَلَيْنَا القَافِلةُ، وَأَخَذَ مِنَّا الرَّحْلُ والرَّاحِلةُ، جَرَتْ ِبي الحُشَاشَةُ إِلَى بَعْضِ قُرَاهَا، وَمَعِي الإِسْكَنْدَِيُّ أَبُو الفَتْحِ، فَقُلْتُ: أَيْنَ نَحْنُ مِنَ الحِيلَةِ? فَقَالَ: يَكْفِي اللهُ، وَدُفِعْنَا إِلَى دَارٍ قَدْ مَاتَ صَاحِبُها، وَقَامَتْ نَوادِبُهَا، واحْتَفَلتْ بِقَوْمٍ قَدْ كَوَى الجَزعُ قلوبَهُمْ، وَشَقَّتِ الفَجِيعَةُ جُيُوبَهُمْ، ونِسَاءٍ قد نَشَرْنَ شعُورَهُنَّ، يَضْرِبْنَ صُدُورَهُنَّ، وَشَدَدْنَ عقُوُدَهُنَّ، يَلْطِمْنَ خدُودَهُنَّ، فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: لَنَا فِي هَذا السَّوادِ نَخْلَةٌ، وَفِي هذا القَطِيعِ سَخْلَةٌ، وَدَخَلَ الدَّارَ لِيَنْظُرَ إِلى المَيِّتِ وَقَدُ شُدَّتْ عِصَابَتُهُ لِيُنْقَلَ، وَسُخِّنَ ماؤُهُ لِيُغْسَلَ، وهُيِّئَ تَابُوتُهُ لِيُحْمَلَ، وَخِيطَتْ أَثْوَابُهُ لِيُكَفَّنَ، وَحُفِرَتُ حُفْرَتُهُ لِيُدْفَنَ، فَلَمَّا رَآهُ الإِسْكَنْدَرِيُّ أَخَذَ حَلْقَهُ، فَجَسَّ عِرْقَهُ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ اتَّقُوا اللهَ لا تَدْفِنُوهُ فَهْوَ حَيٌّ، وإِنَّمَا عَرَتْهُ بَهْتَةٌ، وَعَلتهُ سَكتَةٌ، وَأَنَا أُسَلِّمُهُ مَفْتُوحَ العَيْنَيْنِ، بَعْدَ يَوْمَيْنِ، فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ لَكَ ذَلِكْ؟ فَقَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ إِذا ماتَ بَرَدَ اسْتُهُ، وَهذَا الرَّجُلُ قَدْ لَمْستُهُ فعَلِمْتُ أَنَّهُ حَيٌّ، فَجَعَلوا أَيْدِيَهُمْ فِي اسْتِهِ، فَقَالوا: الأَمْرُ على مَا ذَكَرَ، فَافْعَلُوا كَمَا أَمَرَ، وَقَامَ الإِسْكَنْدَرِيُّ إِلى المَيِّتِ، فَنَزَع ثِيابَهُ ثُمَّ شَدَّ لهُ العَمَائِمَ، وَعَلَّقَ عَليْهِ تَمائِمَ، وَأَلعَقَهُ الزَّيْتَ، وَأَخْلَى لَهُ البَيْتَ، وَقَالَ: دَعُوهُ وَلا تُرَوِّعُوهُ، وَإِنْ سَمِعْتُمْ لَهُ أَنِيناً فَلاَ تُجِيبُوهُ، وَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَقَدْ شَاعَ الخَبَرُ وانْتَشَرَ، بِأَنَّ المَيِّتَ قَدْ نُشِرَ، وَأَخَذَتْنَا المَبارُّ، مِنْ كُلِّ دَارٍ، وَانْثَالَتْ عَلَيْنا الهَدَايا مِنْ كُلِّ جَار، حَتَّى وَرِمَ كِيسُنَا فِضَّةً وَتِبْراً وامْتَلأَ رَحْلُنَا أَقِطاً وَتَمْراً، وَجَهَدْنا أَنْ نَنْتَهِزَ فُرْصَة في الهَرَبِ فَلَمْ نَجِدْهَا، حَتَّى حَلَّ الأَجَلُ المَضْرُوبُ، واسْتُنْجِزَ الوَعْدُ المَكْذُوبُ فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: هَلْ سَمِعْتُمْ لِهَذَا العُلَيِلِ رِكْزاً، أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ رَمْزاً؟ فَقَالوا: لا، فَقالَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ صَوَّتَ مُذْ فَارَقْتُهُ، فَلَمْ يَجِيئْ بَعْدُ وَقْتُهُ، دَعُوهُ إِلَى غَدٍ فَإِنَّكُمْ إِذا سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ، أَمِنْتُمْ مَوْتَهُ، ثُمَّ عَرِّفُونِي لأَحْتَالَ في عِلاجِهِ، وإِصْلاحِ ما فَسَدَ مِنْ مِرَاجِهِ، فَقَالوا: لا تُؤَخِّرْ ذَلِكَ عَنْ غَدٍ، قَالَ: لا، فَلَمَّا ابْتَسَمَ ثَغْرُ الصُّبْحِ وانْتَشَر جَناحُ الضَّوِّ، في أُفُقِ الجَوِّ، جاءَهُ الرِّجَالُ أَفْوَاجاً، والنِّساءُ أَزْوَاجاً، وَقَالوا: نُحِبُّ أَنْ تَشْفِيَ العَلِيلَ، وَتَدَعَ القَالَ والقِيلَ، فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: قُومُوا بِنا إِلَيْهِ، ثُمَّ حَدَرَ التَّمَائِمَ عَنْ يَدِهِ، وَحَلَّ العَمائِمَ عنْ جَسَدِهِ، وَقَالَ: أَنِيمُوهُ على وَجْهِهِ، فَأُنِيمَ، ثُمَّ قَالَ: أَقِيمُوهُ على رِجْلَيْهِ، فَأُقِيمُ، ثُمَّ قَالَ: خَلُّوا عَنْ يَدَيْهِ، فَسَقَطَ رأَسْاً، وَطَنَّ الإِسْكَنْدَرِيُّ بِفِيهِ وَقَالَ: هُوَ مَيِّتٌ كَيْفَ أُحْيِيهِ؟ فَأَخَذَهُ الخُفُّ، وَمَلَكَتُهُ الأَكُفُّ، وَصَارَ إِذَا رُفِعَتْ عَنْهُ يَدٌ وَقَعَتْ عَلَيْهِ أُخْرَى، ثُمَّ تَشَاغَلوا بِتَجْهيزِ المَيِّتِ، فانْسَللْنَا هَارِبينَ حَتَّى أَتَيْنَا قَرْيةً على شَفِيرِ وَادٍ السَّيْلُ يُطَرِّفُها وَالمَاءُ يَتَحَيَّفُها. وأَهْلُهَا مغْتَمُّونَ لا َيمْلِكُهُم غُمْضُ الَّليْلِ، مِنْ خَشْيَةِ السَّيْلِ، فَقَالَ الإِسْكَنْدَرِيُّ: يَا قَوْمُ أَنَا أَكْفِيكمْ هَذا المَاءَ وَمَعَرَّتَهُ، وأَرَدُّ عَنْ هذهِ القَرْيَةِ مَضَرَّتَهُ، فَأَطيعوني، ولا تُبْرِمُوا أَمْراً دُونِي، فَقَالوا: ومَا أَمْرُكَ؟ فَقَالَ: أذْبَحُوا في مَجْرَى هَذا المَاءِ بَقَرَةً صَفْرَاءَ، وأَتُونِي بِجَارِيةٍ عَذْراءَ، وَصَلُّوا خَلْفِي رَكْعَتَيْنِ يَثْنِ اللهُ عَنْكُمْ عِنان هذا المَاءِ، إِلى هَذِهِ الصَّحْراءِ، فَإِنْ لَمْ يَنْثَنِ المَاءُ فَدَمِي عَلَيْكُمْ حَلالٌ، قَالوا: نَفْعَلُ ذَلِكَ، فَذَبَحُوا البَقَرَةَ، وَزَوَّجُوهُ الجَارِيَةَ، وَقَامَ إِلى الرَّكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِما، وَقَالَ: يَا قَوْمُ احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ لاَ يَقَعْ مِنْكُمْ فِي القِيامِ كَبْوٌ، أَوْ فِي الرُّكُوعِ هَفْوٌ، أَوْ في السُّجُودِ سَهْوٌ، أَوْ فِي القُعُودِ لَغْوٌ، فَمَتَى سَهَوْنَا خَرَجَ أَمَلُنَا عَاطِلاً، وَذَهَبَ عَمَلُنا بَاطِلاً، وَاصْبِرُوا عَلى الرَّكْعَتَينِ فَمَسَافَتُهُمَا طَوِيلَةٌ، وَقَامَ لِلْرَكْعَةِ الأُولَى فَانْتَصَبَ انْتِصَابَ الجِذْعِ، حَتَّى شَكَوا وَجَعَ الضِّلْعِ، وَسَجَدَ، حَتَّى ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ هَجَدَ ولمْ يَشْجُعُوا لِرَفْعِ الرُّؤُوسِ، حَتَّى كَبَّرَ لِلْجُلُوسِ، ثُمَّ عَادَ إِلى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ، وَأَوْمَأَ إِلَيَّ، فَأَخَذْنَا الوَادِيَ وَتَرَكْنَا القَوْمَ سَاجِدينَ، لاَ نَعْلَمُ مَا صَنَعَ الدَّهْرُ بِهِمْ، فَأَنْشَأَ أَبُو الفَتْحِ يقُولُ:
لاَ يُبْعِدُ اللهُ مِثْلـي *** وَأَيْنَ مثْلِي أَيْنَـا؟ للهِ غَـفْـلَةُ قَـوْمٍ *** غَنِمْتُهَا بِالْهُوَيْنَـا!
اكْتَلْتُ خَيْراً عَلَيْهِمْ *** وَكِلْتُ زُوراً وَمَيْناً
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:24 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة المضيرية
حَدَّثَنا عِيسَى بْنُ هِشامٍ قَالَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، وَمَعِي أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ رَجُلُ الفَصَاحَةِ يَدْعُوهَا فَتُجِيبُهُ، وَالبَلاغَةِ يَأَمُرُهَا فَتُطِيعُهُ، وَحَضَرْنَا مَعْهُ دَعْوَةَ بَعْضِ التُّجَّارِ، فَقُدِمَتْ إِلَيْنَا مَضِيرَةٌ، تُثْنِي على الحَضَارَةِ، وَتَتَرَجْرَجُ في الغَضَارَةِ، وَتُؤْذِنُ بِالسَّلاَمَةِ، وَتَشْهَدُ لِمَعَاوِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ بِالإِمَامَة،ِ فِي قَصْعَةٍ يَزِلُّ عَنْهَا الطَّرْفُ، وَيَمُوجُ فِيهَا الظَّرْفُ، فَلَمَّا أَخَذَتْ مِنَ الخِوانِ مَكانَهَا، وَمِنَ القُلُوبِ أَوْطَانَهَا، قَامَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ يَلْعَنُهَا وَصَاحِبَهَا، وَيَمْقُتُهَا وَآكِلَهَا، وَيَثْلِبُهَا وَطَابِخَهَا، وَظَنَنَّاهُ يَمْزَحُ فَإِذَا الأَمْرُ بِالضِّدِّ، وَإِذَا المِزَاحُ عَيْنُ الجِدِّ، وَتَنَحَى عَنِ اُلْخِوَانِ، وِتِرِكِ مُسَاعَدَةَ الإِخْوَانِ، وَرَفَعْنَاهَا فَارْتَفَعَتْ مَعَهَا القُلُوبُ، وَسَافَرَتْ خَلْفَهَا العُيُونُ، وَتَحَلَّبَتْ لَهَا الأَفْوَاهُ، وَتَلَمَّظَتْ لَهَا الشِّفَاهُ، وَاتَّقَدَتْ لَهَا الأَكْبَادُ، وَمَضَى فِي إِثْرِهَا الفُؤَادُ، وَلكِنَّا سَاعَدْنَاهُ على هَجْرِهَا، وَسَأَلْنَاهُ عَنْ أَمْرِهَا، فَقَالَ: قِصَّتِي مَعَهَا أَطْوَلُ مِنْ مُصِيبَتي فِيهَا، وَلَوْ حَدَّثْتُكُمْ بِهَا لَمْ آمَنِ المَقْتَ، وَإِضَاعَةَ الوَقْتِ، قُلْنَا: هَاتِ: قَالَ: دَعَاني بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَى مَضِيرَةٍ وَأَنَا بِبَغْدَادَ، وَلَزِمَنِي مُلاَزَمَةَ الغَريمِ، وَالكَلْبِ لأَصْحَابِ الرَّقِيمِ، إِلَى أَنْ أَجَبْتُهُ إِلَيْهَا، وَقُمْنَا فَجَعَلَ طُولَ الطَّرِيقِ ِيُثَنِي عَلَى زَوْجَتِهِ، وَيُفَدِّيهَا بِمُهْجَتِهَ، وَيَصِفُ حِذْقَهَا فِي صَنْعَتِهَا، وَتَأَنُّقَهَا فِي طَبْخِهَا وَيَقُولُ: يَا مَولاْيَ لَوْ رَأَيْتَهَا، وَالخَرْقَةُ فِي وَسَطِهَا، وَهْيَ تَدُورُ فِي الدُّورِ، مِنَ التَّنُّورِ إِلَى القُدُورِ وَمِنَ القُدُورِ إِلَى التَّنُّورِ تَنْفُثُ بفِيهَا النَّارَ، وَتَدُقُّ بِيَدَيْهَا الأَبْزَارَ، وَلَوْ رَأَيْتَ الدُّخَانَ وَقَدْ غَبَّرَ فِي ذَلِكَ الوَجْهِ الجَمِيلِ، وَأَثَّرَ فِي ذَلِكَ الخَدِّ الصَّقِيلِ، لَرَأَيْتَ مَنْظَراً تَحارُ فِيهِ العيُوُنُ: وَأَنَا أَعْشَقُهَا لأَنَّهَا تَعْشَقُنِي، وَمِنْ سَعَادَةِ المَرْءِ أَنْ يُرْزَقَ المُسَاعَدَةَ مِنْ حَلِيلَتِهِ، وَأَنْ يَسْعَدَ بِظَعِينَتِهِ، وَلاَ سِيَمَّا إِذَا كانَتْ مِنْ طِينَتِهِ، وَهْيَ ابْنَةُ عَمِّي لَّحَا، طِينَتُها طِيِنَتِي، وَمَدِينَتُهَا مَدِينَتي، وَعُمُومَتُهَا عُمُومَتِي، وَأَرُومَتَها أَرُومَتي، لَكِنَّها أَوْسَعُ مِنِّي خُلْقاً، وَأَحْسَنُ خَلْقاً وَصَدَّعَنِي بِصِفَاتِ زَوْجَتِهِ، حَتَّى انْتَهَينَا إِلَى مَحَلَّتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَوْلاي تَرَى هَذِهِ المَحَلَّةَ؟ هِيَ أَشْرَفُ مَحَالِّ بَغْدَادَ، يَتَنَافَسُ الأَخْيَارُ في نُزُولِها، وَيَتَغايَرُ الكِبَارُ فِي حُلُولِهَا، ثُمَّ لاَ يَسْكُنُهَا غَيْرُ التُّجَّارِ، وَإِنَّمَا المَرْءُ بِالْجَارِ وَدَارِى فِي السِّطَةِ مِنْ قِلادَتِهَا، وَالنُّقْطَةِ من دَائِرتَهَا، كَمْ تُقَدِّرُ يَا مَوْلايَ أُنْفِقَ عَلى كُلِّ دَارٍ مِنْهَا؟ قُلْهُ تَخْمِيناً إِنْ لَمْ تَعْرِفُهُ يَقِيناً، قُلْتُ: الكَثِيرُ، فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللهِ! مَا أَكْبَرَ هَذا الغَلَطَ! تَقُولُ الكَثِيرَ فَقَطْ؟ وَتَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ، وَقَالَ: سُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ الأَشْيَاءَ، وَانْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ دَارِهِ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي، كَمْ تُقَدِّرُ يَا مَوْلايَ أَنْفَقْتُ على هذِهِ الطَّاقَةِ؟ أَنْفَقْتُ واللهِ عَلَيْهَا فَوْقَ الطَّاقَةِ، وَوَرَاءَ الفَاقَةِ، كَيْفَ ترى صَنْعَتَهَا وَشَكْلَهَا؟ أَرَأَيْتَ باللهِ مِثْلَهَا؟ انْظُرْ إِلَى دَقَائِقِ الصَّنْعَةِ فِيهَا، وَتَأَمَّلْ حُسْنَ تَعْرِيجَهَا، فَكَأَنَّمَا خُطَّ بِالبِرْكارِ وَانْظُرْ إِلى حِذْقِ النَّجَّارِ فِي صَنْعَةِ هذَا البَابِ، اتَخَذَهُ مِنْ كَمْ؟ قُلْ: وَمِنْ أَيْنَ أَعْلَمُ، هُوَ سَاجٌ مِنْ قِطْعَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ مَأْرُوضٌ وَلا عَفِنٌ، إِذَا حُرَِكَ أَنَّ، وَإِذَا نُقِرَ طَنَّ، مَنِ اتَّخَذَهُ يا سَيِّدِي؟ اتَّخَذَهُ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ مَحَمَّدٍ البَصْريُّ، وَهْوَ واللهِ رَجُلٌ نَظِيفُ الأَثْوَابِ، بَصِيرٌ بِصَنْعِة الأَبْوَابِ خَفِيفُ اليَدِ فِي العَمَلِ، للهِ دَرُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ! بِحَياتِي لا اسْتَعَنْتَ إِلا بِهِ عَلى مِثْلِهِ، وَهَذِهِ الحَلَقَةُ تَرَاهَا اشْتَرَيْتُهَا فِي سُوقِ الطَّرَائِفِ مِنْ عِمْرَانَ الطَّرَائِفِيِّ بِثَلاثَةِ دَنَانِيرَ مُعِزِّيَّة، وَكَمْ فِيهَا يَا سَيِّدِي مِنَ الشَّبَهِ؟ فِيهَا سِتَّةُ أَرْطَالٍ، وَهْيَ تَدُورُ بِلَوْلَبٍ فِي البَابِ، بِاللهِ دَوِّرْهَا، ثُمَّ انْقُرْهَا وَأْبْصُرْهَا، وَبِحَياتِي عَلَيْكَ لا اشْتَرَيْتَ الحَلَقَ إِلاَّ مِنْهُ؛ فَلَيْسَ يَبِيعُ إِلاَّ الأَعْلاَقَ، ثُمَّ قَرَعَ البَابَ وَدَخَلْنَا الدِّهْلِيزَ، وَقَالَ: عَمَّرَكِ اللهُ يَا دَارُ وَلاَ خَرَّبَكَ يَا جِدَارُ، فَمَا أَمْتَنَ حِيطَانَكِ، وَأَوْثَقَ بُنْيَانَكِ، وَأَقْوى أَسَاسَكِ، تَأَمَّلْ بِاللهِ مَعَارِجَهَا، وَتَبَيَّنْ دَواخِلَهَا وَخَوارِجَهَا، وَسَلْني: كَيْفَ حَصَّلْتَهَا؟ وَكَمْ مِنْ حِيلَةٍ احْتَلْتَهَا، حَتَّى عَقَدْتَهَا؟ كانَ لِي جَارٌ يُكْنى أَبَا سُلَيْمَانَ يَسْكُنُ هَذِهِ المَحَلَّةَ، وَلَهُ مِنَ المَالِ مَا لا يَسَعُهُ الخْزْنُ، وَمِنَ الصَّامِتِ مَا لاَ يَحْصُرُهُ الوَزْنُ، مَاتَ رَحِمَهُ اللهُ وَخَلَّفَ خَلْفاً أَتْلَفَهُ بَيْنَ الخَمْرِ وَالزَّمْرِ، وَمَزَّقَهُ بَيْنَ النَّرْدِ وَالقَمْرِ، وَأَشْفَقْتُ أَنْ يَسُوَقُه قَائِدُ الاضْطِرَارِ، إِلَى بَيْعِ الدَّارِ، فَيَبِيعَهَا فِي أَثْنَاءِ الضَّجَرِ، أَوْ يَجْعَلَهَا عُرْضَةً لِلْخَطَرِ، ثُمَّ أَرَاها، وَقَدْ فَاتَنِي شِرَاهَا، فَأَتَقَطَّعُ عَلَيْهَا حَسَرَاتٍ، إِلَى يَوْمِ المَماتِ، فَعَمِدْتُ إِلَى أَثْوَابٍ لاَ تَنِضُّ تِجَارَتُهَا فَحَمَلْتُهَا إِلَيْهِ، وَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ، وَسَاوَمْتُهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيهَا نَسِيَّةً، وَالمُدْبِرُ يَحْسَبُ النَّسِيَّةَ عَطِيَّةً، والمُتَخَلِّفُ يَعْتَدُّهَا هَديَّةً، وَسَأَلْتُهُ وَثِيقَةً بِأَصْلِ المَالِ، فَفَعَلَ وَعَقَدَهَا لِي، ثُمَّ تَغَافَلْتُ عَنِ اقْتِضَائِهِ، حَتَّى كَادَتْ حَاشِيَةُ حَالِهِ تَرِقُّ، فَأَتَيْتُهُ فَاقْتَضَيْتُهُ، واسْتَمْهَلَنِي فَأَنْظَرْتُهُ، وَالْتَمَسَ غَيْرَهَا مِنَ الثِيَّابِ فَأَحْضَرْتُهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَجْعَلَ دَارَهُ رَهِينَةً لَدَيَّ، وَوَثِيقَةً فِي يَدَيَّ، فَفَعَلَ، ثُمَّ دَرَّجْتُهُ بِالمُعَامَلاتِ إِلَى بَيْعِهَا حَتَّى حَصَلَتْ لِي بِجَدٍّ صَاعِدٍ، وَبَخْتٍ مُسَاعِدٍ، وَقُوَّة ِسَاعِدٍ، وَرُبَّ سَاعٍ لِقَاعِدٍ، وَأَنَا بِحَمْدِ اللهِ مَجْدُودٌ، وَفي مِثْلِ هَذهِ الأَحْوَالِ مَحْمُودٌ، وَحَسْبُكَ يَا مَوْلاَي أَنِّي كُنْتُ مُنْذُ لَيَالٍ ناَئِماً في البَيْتِ مَعَ مَنْ فَيِهِ إِذْ قُرِعَ عَلَيْنَا البَابُ فَقُلْتُ: مَنِ الطَّارِقُ المُنْتَابُ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مَعَهَا عِقْدُ لآلٍ، فِي جِلْدَةِ مَاءٍ وَرِقَّةِ آلٍ، تَعْرِضُهُ لِلْبَيْعِ، فَأَخَذْتُهُ مِنْهَا إِخْذَةَ خَلْسٍ، وَاْشَتَريْتُهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، وَسَيَكُونُ لَهُ نَفْعٌ ظَاهِرٌ، وَرِبْحٌ وَافِرٌ، بِعَوْنِ اللهِ تَعَالَى وَدَوْلَتِكَ، وَإِنَّمَا حَدَّثْتُكَ بِهَذَا الحَدِيثِ لِتَعْلَمَ سَعَادَةَ جَدِّيَ فِي التِّجَارَةِ، وَالسَّعَادَةُ تُنْبِطُ المَاءَ مِنَ الحِجَارَةِ، اللهُ أَكْبَرُ لاَ يُنْبِئُكَ أَصْدَقُ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ أَقْرَبُ مِنْ أَمْسِكَ، اشْتَرَيْتُ هَذا الحَصِيرَ فِي المُنَادَاتِ، وَقَدْ أُخْرِجَ مِنْ دُورِ آلِ الفُرَاتِ، وَقْتَ المُصَادَرَاتِ، وَزَمَنَ الغَارَاتِ وَكُنْتُ أَطْلُبُ مِثْلُهُ مُنْذُ الزَّمَنِ الَأْطَوِل فَلا أَجِدُ، وَالدَّهْرُ حُبْلَى لَيْسَ يُدْرَى مَا يَلِدُ، ثُمَّ اتَّفَقَ أَنِّي حَضَرْتُ بَابَ الطَّاقِ، وَهَذا يُعْرَضُ بِالأَسْوَاقِ، فَوَزَنْتُ فِيهِ كَذَا وَكَذَا دِينَاراً، تَأَمَّلْ بِاللهِ دِقَّتَهُ وَلِينَهُ، وَصَنْعَتَهُ وَلَوْنَهُ، فَهْوَ عَظِيمُ القَدْرِ، لا يَقَعُ مِثْلُهُ إِلاَّ فِي النَّدْرِ، وَإِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ بِأَبِي عِمْرَانَ الحَصِيريِّ فَهْوَ عَمَلُهُ، وَلَهُ ابْنٌ يَخْلُفُهُ الآنَ فِي حَانُوتِهِ لاَ يُوْجَدُ اعْلاَقُ الحُصُرِ إِلاَّ عِنْدَهُ؛ فَبِحَياتِي لاَ اشْتَرَيْتَ الحُصُرَ إِلا مِنْ دُكَّانِهِ، فَالمُؤْمِنُ نَاصِحٌ لإِخْوانِهِ، لاَ سِيَّما مَنْ تَحَرَّمَ بِخُوَانِهِ، وَنَعُودُ إِلَى حَدِيثِ المَضِيرَةِ، فَقَدْ حَانَ وَقْتُ الظَّهِيرَةِ، يَا غُلاَمُ الطَّسْتَ وَالمَاءَ فَقُلْتُ: اللهُ أَكْبَرُ، رُبَّمَا قَرُبَ الفَرَجُ، وَسَهُلَ المَخْرَجُ، وَتقَدَّمَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: تَرى هذَا الغُلاَمَ؟ إِنَّهُ رُومِيُّ الأَصْلِ، عِرَاقِيُّ النَّشْءِ. تَقَدَّمْ يَا غُلاَمُ وَاحْسِرْ عَنْ رَأْسِكَ، وَشَمِّرْ عَنْ سَاقِكَ، وانْضُ عَنْ ذِرَاعِكَ، وَافْتَرَّ عَنْ أَسْنَانِكَ، وَأَقْبِلْ وَأَدْبِرْ، فَفَعَلَ الغُلاَمُ ذَلِكَ، وَقَالَ: التَّاجِرُ: باللهِ منَ ِاشْتَرَاهُ؟ اشْتَرَاهُ وَاللهِ أَبُو العَبَّاسِ، مِنَ النَّخَّاسِ، ضَعِ الطَّسْتَ، وَهَاتِ الإِبْريقَ، فَوَضَعَهُ الغُلاَمُ، وَأَخَذَهُ التَّاجِرُ وَقَلَّبَهُ وَأَدَارَ فِيهِ النَّظَرَ ثُمَّ نَقَرَهُ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلى هَذَا الشَّبَهِ كَأَنَّهُ جِذْوَةُ اللَّهَبِ، أَوْ قِطْعَةٌ مِنَ الذَّهَبِ، شَبَهُ الشَّامِ، وَصَنْعَةُ العِراقِ، لِيْسَ مِنْ خُلْقَانِ الأَعْلاَقِ قَدْ عَرَفَ دُورَ المُلُوكِ ودَارَهَا، تَأَمَّلْ حُسْنَهُ وَسَلْنِي مَتَى اشْتَرَيْتُهُ؟ اشْتَرَيْتُهُ واللهِ عَامَ المَجَاعَةِ، وَادَّخَرْتُهُ لِهَذِهِ السَّاعَةِ، يَا غُلاَمُ الإِبْرِيقُ، فَقَدَّمَهُ وَأَخَذُه التَّاجِرُ فَقَلَّبَهُ ثُمَّ قَالَ وَأُنْبُوبُهُ مِنْهُ لاَ يَصْلُحُ هَذا الإِبْرِيقُ إِلاَّ لِهَذا الطَّسْت، وَلا يَصْلِحُ هَذا الطَّسْت إِلاَّ مَعَ هَذَا الدَّسْتِ، وَلاَ يَحْسُنُ هَذا الدَّسْتُ إِلاَّ فِي هَذا البَيْتِ، وَلاَ يَجْمُلُ هذَا البَيْتُ إِلاَ مَعَ هَذا الضَّيْفِ، أَرْسِلِ المَاءَ يَا غُلاَمُ، فَقَدْ حَانَ وَقْتُ الطَّعَامِ، باللهِ تَرى هَذَا المَاءَ مَا أَصْفَاهُ، أَزرَقُ كَعَيْنِ السِّنَّوْرِ، وَصَافٍ كَقَضِيبِ البِلَّوْرِ، اسْتُقِىَ مِنَ الفُرَاتِ، وَاسْتُعْمِلَ بَعْدَ البَيَاتِ، فَجَاءَ كَلِسَانِ الشَّمْعَةِ، فِي صَفَاءِ الدَّمْعَةِ، وَلَيْسَ الشَّانُ فِي السَّقَّاءِ، الشَّانُ فِي الإِنَاءِ، لاَ يَدُلُّكَ عَلَى نَظَافَةِ أَسْبَابِهِ، أَصْدَقُ مِنْ نَظَافَةِ شَرَابِهِ، وَهذَا المِنْدِيلُ سَلْنِي عَنْ قِصَّتِهِ، فَهُوَ نَسْجُ جُرْجَانَ، وَعَملُ أَرَّجَانَ، وَقَعَ إِلَيَّ فَاشْتَرَيْتُهُ، فَاتَّخَذَتَ امْرَأَتِي بَعْضَهُ سَرَاوِيلاً، وَاتَّخَذْتُ بَعْضَهُ مِنْدِيلاً، دَخَلَ فِي سَرَاوِيلهَا عِشْرُونَ ذِرَاعاً، وانْتَزَعْتُ مِنْ يَدِهَا هَذَا القْدَرَ انْتِزاعاً، وأَسْلَمْتُهُ إِلى المُطَرِّزِ حَتَّى صَنَعَهُ كَمَا تَرَاهُ وَطَرَّزَهُ، ثُمَّ رَدَدْتُهُ مِنَ السُّوقِ، وَخَزَنْتُهُ في الصُّنْدُوقِ، وَأَدَّخَرْتُهُ لِلْظِّرَافِ، مِنْ الأَضْيَافِ لَمْ تُذِلَّهُ عَرَبُ العَامّةِ بِأَيْدِيهَا، وَلاَ النِّسَاءُ لِمَآقِيهَا، فَلِكُلِّ عِلْقٍ يَوْمٌ، وَلِكُلِّ آلَةٍ قَوْمٌ، يَاغُلاَمُ الْخُوَانَ، فَقَدْ طَالَ الزَّمَانُ، وَالقِصَاعَ، فَقَدْ طَالَ المِصَاعُ، والطَّعَامَ، فَقَدْ كَثْرَ الكَلامَ، فَأَتَى الغُلاَمُ بَالخُوَانِ، وَقَلَّبَهُ التَّاجِرُ عَلَى المَكانِ، وَنَقَرَهُ بِالبَنَانِ، وَعَجَمَهُ بِالأَسْنَانِ، وَقَالَ: عَمَّرَ اللهُ بَغْدَادَ فَما أَجْوَدَ مَتَاعَهَا، وَأَظْرَفَ صُنَّاعَهَا، تَأَمَّلْ بِاللهِ هَذَا الخِوَانُ، وَانْظُرْ إِلَى عَرْضِ مَتْنِهِ، وَخِفَّةِ وَزْنِهِ، وَصَلاَبَةَ عُودِهِ، وَحُسْنِ شَكْلِهِ، فَقُلْتُ: هَذا الشَّكْلُ، فَمَتى الأَكْلُ؟ فقَالَ: الآنَ، عَجِّلْ يَاغُلاَمُ الطَّعَامَ، لكِنَّ الخِوَانَ قَوَائِمُهُ مِنْهُ، قَالَ أَبُو الفَتْحِ الإِسْكَنْدَرِيُّ فَجَاشَتْ نَفْسِي وَقُلْتُ قَدْ بَقِيَ الخَبْزُ وآَلاتُهُ وَالخُبْزُ وَصِفاتُهُ وَالحِنْطَةُ مِنْ أَيْنَ اشْتُرِيَتْ أَصْلاً، وَكَيْفَ اكْتَرى لَهَا حَمْلاً، وَفِي أَيِّ رَحىً طَحَنَ، وَإِجَّانَةٍ عَجَنَ، وَأَيَّ تَنُّورٍ سَجَرَ، وَخَبَّازٍ اسْتَأْجَرَ، وَبَقِيَ الحَطَبُ مِنْ أَيْنَ احْتُطِبَ، وَمَتَى جُلِبَ؟ وَكَيْفَ صُفِّفَ حَتَّى جُفِّفَ؟ وَحُبِسَ، حَتَّى يَبِسَ، وَبَقِيَ الخَبَّازُ وَوَصْفُهُ، وَالتِّلْمِيذُ وَنَعْتُهُ، وَالدَّقِيقُ وَمَدْحُهُ، وَالْخَمِيرُ وَشَرْحُهُ، وَالمِلْحُ ومَلاَحَتُهُ وَبَقِيَتِ السُّكُرَّجاتُ مَنِ اتَّخَذَها، وَكَيْفَ انْتَقَذَهَا، وَمَنِ اسْتَعْمَلَهاَ،؟ وَمَنْ عَمِلَها؟ والخَلُّ كَيفَ انْتُقِى عِنَبُهُ، أَوْ اشْتُرِيَ رُطَبُهُ، وَكَيفَ صُهْرِجَتْ مِعْصَرَتُهُ؟ وَاسْتُخْلِصَ لُبُّهُ؟ وَكَيْفَ قُيِّرَ حَبُّهُ؟ وَكَمْ يُساوِي دَنُّهُ؟ وَبَقِيَ البَقْلُ كيفَ احْتِيلَ لَهُ حَتَّى قُطِفَ؟ وَفِي أَيِّ مَبْقَلَةٍ رُصِفَ؟ وَكَيْفَ تُؤُنِّقَ حَتَّى نُظِّفَ؟ وَبَقيتِ المَضِيرَةُ كَيْفَ اشْتُرِيَ لَحْمُها؟ وَوُفِّيَ شَحْمُهَا؟ ونُصِبَتْ قِدْرُها، وَأَجِّجَتْ نَارُها، وَدُقَّتْ أَبزَارُها، حَتَّى أُجِيدَ طَبْخُها وَعُقِدَ مَرَقُها؟ وَهذَا خَطْبٌ يَطُمُّ، وأَمْرٌ لا يَتِمُّ، فَقُمْتُ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقُلْتُ: حَاجَةً أَقْضِيها، فَقَالَ: يَا مَوْلايَ تُرِيدُ كَنِيفاً يُزْري برَبِيِعيَّ الأَمِيرِ، وَخَريِفِيَّ الوَزِيرِ، قَدْ جُصِّصَ أَعْلاَهُ، وَصُهْرِجَ أَسْفَلُهُ، وَسُطِّحَ سَقْفُهُ، وَفُرِشَتْ بِالمَرْمَرِ أَرْضُهُ، يَزِلُّ عَنْ حائِطِهِ الذَّرُّ فَلاَ يَعْلَقُ، وَيَمْشِي عَلَى أَرْضُهُ الذُّبَابُ فَيَنْزَلِقُِ، عَلَيْهِ بَابٌ غِيِرَانُهُ مِنْ خَلِيطيْ ساجٍ وَعَاجٍ، مُزْدَوجَينِ أَحْسَنَ ازْدِواجٍ، يِتِمِنَّى الضَّيْفُ أَنْ يَأَكُلَ فِيهِ، فَقُلْتُ: كُلْ أَنْتَ مِنْ هَذا الجِرابِ، لَمْ يَكُنِ الكَنِيفُ فِي الحِسابِ، وَخَرَجْتُ نَحْوَ البَابِ، وَأَسْرَعْتُ فِي الذَّهَابِ، وََجَعَلْتُ أَعْدُو وَهُوَ يَتْبَعُني وَيَصِيحُ: يَا أَبَا الفَتْحِ المَضِيرَةَ، وَظَنَّ الصِّبْيَانُ أَنَّ المَضِيرَةَ لَقَبٌ لِي فَصاحُوا صِياحَهُ، فَرَمَيْتُ أَحَدَهُمْ بِحَجَرٍ، مِنْ فَرْطِ الضَّجَرِ، فَلقِي رَجُلٌ الحَجَرَ بِعِمامَتِهِ، فَغَاصَ فِي هامَتِهِ، فَأُخِذْتُ مِنَ النَّعَالِ بِما قَدُمَ وَحَدُثُ، وَمِنَ الصَّفْعِ بِمَا طَابَ وَخَبُثَ، وَحُشِرْتُ إِلَى الحَبْسِ، فَأَقَمْتُ عامَينِ فِي ذلكَ النَّحْسِ، فَنَذرْتُ أَنْ لا آكلَ مَضِيرَةً ما عِشْتُ، فَهَلْ أَنَا فِي ذَا يَالَهَمْدَانَ ظَالمُ؟. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَقَبِلْنَا عُذْرَهُ، وَنَذَرْنَا نَذْرَهُ، وَقُلْنا: قَدِيماً جَنَتِ المَضِيرةُ عَلَى الأَحْرَارِ، وَقَدَّمَتِ الأَرَاذِلِ عَلى الأَخْيارِ.
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:25 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة الحرزية
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: لَمَّا بَلَغَتِ بِيَ الغُرْبَةُ بَابَ الأَبْوَابِ، وَرَضِيتُ مِنَ الغَنِيمَةِ بِالإِيَابِ، وَدُونَهُ منِ َالبَحْرِ وَثَّابٌ بِغَاربِهِ، وَمِنَ السُّفُنِ عَسَّافٌ بِراكِبِهِ، اسْتَخَرْتُ اللهَ فِي القُفُولِ، وَقَعَدْتُ مِنَ الفُلْكِ، بِمَثَابَةِ الهُلْكِ، وَلَمَّا مَلَكْنَا البَحْرُ وَجَنَّ عَلَيْنَا الَّلْيلُ غَشِيَتْنَا سَحابَةٌ تَمُدُّ مِنَ الأَمْطَارِ حِبَالاً، وَتَحْدُو مِنَ الغَيْمِ جِبَالاً، بِرِيحٍ تُرْسِلُ الأَمْواجَ أَزْوَاجاً، وَالأَمْطَارَ أَفْوَاجاً، وَبَقِينا فِي يَدِ الحِينِ، بَيْنَ البَحْرَيْنِ، لاَ نَمْلِكُ عُدَّةً غَيْرَ الدُّعَاءِ، وَلا حِيلَةً إِلاَّ البُكَاءَ وَلا عِصْمَةً غَيْرَ الرَّجَاءِ، وَطَوَيْنَاهَا لَيْلةً نَابِغِيَّةً، وَأَصْبَحْنَا نَتَباكَى وَنَتَشاكَى، وَفِينَا رَجُلٌ لا يَخْضَلُّ جَفْنُهُ، وَلا تَبْتَلُّ عَيْنُهُ، رَخِيُّ الصَّدْرِ مُنْشَرِحُهُ، نَشِيطُ القَلْبِ فَرِخُهُ، فَعَجِبْنَا واللهِ كُلَّ العَجَبِ، وَقُلْنَا لَهُ: مَا الَّذِي أَمَّنَكَ مِنَ العَطَبِ؟ فَقَالَ: حِرْزٌ لا يَغْرَقُ صَاحِبُهُ، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَمْنَحَ كُلاًّ مِنْكُمْ حِرْزاً لَفَعْلتُ، فَكُلُّ رَغِبَ إِلَيْهِ، وَأَلَحَّ فِي المَسْأَلَةِ عَليْهِ، فَقَالَ: لَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يُعْطِيَنِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ دِيناراً الآنَ، وَيَعِدَنِي دِيناراً إِذا سِلِمَ. قاَلَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنَقَدْنَاهُ مَا طَلَبَ، وَوَعَدْنَاهُ مَا خَطَبَ، وَآبَتْ يَدُهُ إِلَى جَيْبِهِ، فَأَخْرَجَ قُطْعَةَ دِيْبَاجٍ، فِيْهَا حُقَّةُ عَاجٍ، قَدْ ضُمِّنَ صَدْرُها رِقَاعاً، وَحَذَفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، فَلمَّا سَلَمتِ السَّفِينَةِ، وَأَحَلَّتْنَا المَدِينَةَ، افْتَضَى النَّاسَ ما وَعَدُوهُ، فَنَقَدُوهُ، وَانْتَهَى الأَمْرُ إِليَّ فَقَالَ: دَعُوهُ، فَقُلْتُ: لَكَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تُعْلِمَنِي سِرَّ حَالِكَ، قَالَ: أَنَا مِنْ بِلادِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ نَصَرَكَ الصَبْرُ وَخَذَلَنَا؟ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:
وَيْكَ لَوْلاَ الصَّبْرُ مَا كُنْ *** تُ مَلأَتُ الكِيسَ تِبْرَا لَنْ يَنالَ المَجْدَ منْ ضَا *** قَ بِما يَغْشاهُ صَـدْرا ثُمَّ مَا أَعْقَبَنِـي الـسَّـا *** عَةَ مَا أُعْطِيتُ ضَرَّا بَلْ بِـهِ أَشْـتَـدُّ أَزْراً *** وَبِهِ أُجْبُـرُ كَـسْـرَا وَلَوَ أَنِّيَ اليَوْمَ في الغَرْ *** قَى لَمَا كُلِّفْتُ عُـذْراً
| |
|
| |
امرؤ القيس
عضو مبدع
الجنس : العمر : 39 الفلاة الواسعة التسجيل : 05/09/2011 عدد المساهمات : 288
| موضوع: رد: ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ الأربعاء 04 أبريل 2012, 11:25 pm | |
| بديع الزمان الهمذاني - المقامة المارستانية
حَدَّثَنا عِيسِى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: دَخَلْتُ مَارسْتانَ البَصْرَةِ وَمَعِي أَبُو داوُدَ المُتَكَلِّمُ، فَنَظَرْتُ إِلَى مَجْنُونٍ تَأْخُذُنِي عَيْنُهُ وَتَدَعُنِي فَقالَ: إِنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ فَأَنْتُمْ غُرَباءُ، فَقُلْنَا: كَذلِكَ، فَقَالَ: مَنِ القَوْمُ للهِ أَبُوهُمْ؟ فَقُلْتُ: أَنَا عِيسَى ابْنُ هِشامٍ وَهَذَا أَبُو دَاوْدَ المُتَكَلِّمُ فَقالَ: العَسْكَرِيُّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: شَاهَتِ الوُجُوهُ وَأَهْلُهَا إِنَّ الخَيْرَةَ للهِ لا لِعَبْدِهِ، وَالأَمُورَ بِيَدِ اللهِ لا بِيَدِهِ وَأَنْتُمْ يا مَجُوسَ هذِهِ الأُمَّةِ تَعِيشُونَ جَبْراً، وَتَمُوتُونَ صَبْراً وَتُسَاقُونَ إِلى المَقْدُورِ قَهْراً، وَلَوْ كُنْتُمْ في بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذينَ كُتِبَ عَلَيْهِم القَتْلُ إِلى مَضَاجِعِهِمْ، أَفَلا تُنْصِفُونَ، إِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا تَصِفُونَ؟ وَتَقُولونَ: خالِقُ الظُلْمِ ظَالِمٌ! أَفَلا تَقُولُونَ: خَالِقُ الهُلْكَ هَالِكٌ؟ أَتَعْلَمُونَ يَقِينَاً، أَنَّكُمْ أَخْبَثُ مِنْ إِبْليسَ دِيناً؟ قَالَ: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَني، فَأَقَرَّ وَأَنْكَرْتُمْ وَآمَنَ وَكَفَرْتُمْ، وَتَقُولونَ: خُيِّرَ فَاخْتَارَ، وَكَلاَّ فَإِنَّ المُخْتارَ لاَ يُبْعَجُ بَطْنَهُ، وَلاَ يَفْقَأُ عَيْنُهُ وَلا يَرْمِى مِنْ حالِقِ ابْنَهُ، فَهَلِ الإِكْرَاهُ إِلاَّ مَا تَرَاهُ؟ وَالإِكْرَاهُ مَرَّةً بِالمَرَّةِ وَمَرَّةً بِالدِّرَّةِ. فَلْيُخْزِكُمْ أَنَّ القُرْآنَ بَغِيضُكُمْ، وَأَنَّ الحَديثَ يَغِيظُكُمْ، إِذَا سَمِعْتُمْ: " مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هَادِيَ لَهُ " أَلْحَدْتُمْ وَإِذَا سَمِعْتُمْ: " زُوِيَتْ لِيَ الأَرْضُ فَأُرِيتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا " جَحَدْتُمْ وَإِذَا سَمِعْتُمْ: " عُرِضَتْ عَلَيَّ الجَنَّةُ حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَقْطِفَ ثِمَارَهَا، وَعُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ حَتَّى اتَّقَيْتُ حَرَّهَا بِيَدِي " أَنْغَضْتُمْ رُؤُوسَكُمْ وَلَوَيْتُمْ أَعْنَاقَكُمْ وَإِنْ قِيلَ: " عَذابُ القَبْرِ " تَطَيَّرْتُم، وَإِنْ قيلَ: " الصِّراطُ " تَغَامَزْتُمْ وَإِنْ ذُكِرَ المِيزَانُ قُلْتُمْ: مِنَ الفِرْغِ كِفَّتَاهُ، وَإِنْ ذُكِرَ الكِتابُ قُلْتُمْ: مِنَ القِدِّ دَفَّتَاهُ، يَا أَعْدَاءَ الكِتابِ وَالحْديثِ، بِماذَا تَطَّيَّرُونَ؟ أَباللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ تَسْتَهْزِئُونَ؟. إِنَّما مَرَقتْ مَارِقَةُ فَكَانُوا خَبَثَ الحَديثِ، ثُمَّ مَرَقْتُمْ مِنْها فَأَنْتُمْ خَبَثُ الخَبِيثِ، يَا مَخَابِيثَ الخَوارجِ، تَرَوْنَ رَأَيَهُمْ إِلاَّ القِتَالَ! وَأَنْتَ يا ابْنَ هِشامٍ تُؤْمِنُ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُ بِبَعْضِ؟ سَمِعْتُ أَنَّكَ افْتَرَشْتَ مِنهُمْ شَيْطَانَةً! أَلَمْ يَنْهَكَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَتَّخِذَ مِنْهُمْ بِطَانَةً؟. وَيْلَكَ هَلا؟ َتَخَيَّرْتَ لِنُطْفَتِكَ، وَنَظَرْتَ لِعَقِبِكَ؟ ثُمَّ قَالَ: الَّلهُمَّ أَْبِدْلِني بِهؤُلاءِ خَيْراً مِنْهُمْ، وَأَشْهِدْنِي مَلائِكَتَكَ. قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَبَقِيتُ وَبَقِي أَبُو دَاوُدَ لا نُحِيرُ جَوَاباً، وَرَجَعْنَا عَنْهُ بِشَرٍ وإِنِّي لأَعْرِفُ فِي أَبي دَاوُدَ انْكِسَاراً، حَتَّى إِذَا أَرَدْنَا الافْتِراقَ قَالَ: ياعِيسَى هَذا وَأَبِيكَ الحَدِيثُ، فَمَا الَّذي أَرَادَ بِالشَّيْطَانَةِ؟ قُلْتُ: لاَ واللهِ مَا أَدْرِي، غَيْرَ أَنِّي هَمَمْتُ أَنْ أَخْطُبَ إِليَّ أَحَدِهِمْ وَلَمْ أُحَدِّثَ بِما هَمَمْتُ بِهِ أَحَداً، وَاللهِ لا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَداً، فَقَالَ: مَا هَذا وَاللهِ إِلاَّ شَيْطَانٌ فِي أَشْطَانٍ، فَرَجِعْنَا إِلَيْهِ، وَوَقَفْنَا عَلَيْهِ، فَابْتَدَرَ بِالْمَقَالِ، وَبَدأَنَا بِالسُّؤَالِ، فَقالَ: لَعَلَّكُمَا آثَرْتُمَا، أَنْ تَعْرِفَا مِنْ أَمْرِي ما أَنْكَرْتُمَا، فَقُلْنَا: كُنْتَ مِنْ قَبْلُ مُطَّلِعَاً على أُمُورِنَا، وَلَمْ تَعْدُ الآنَ مَا في صُدُورِنَا، فَفَسِّرْ لَنَا أَمْرَكَ، وَاكْشِفْ لَنَا سِرَّكَ، فَقالَ:
أَنَا يَنْبُوعُ الـعَـجَـائِبْ *** فِي احْتِيَالِي ذُو مَرَاتِبْ أَنَا فِي الحَـقِّ سَـنَـامٌ *** أَنَا في البَاطِلِ غَارِبْ أَنَا إِسكَنْدَرُ دَارِي *** فِي بِلادِ اللهِ سِـــارِبْ أَغْتَدِي فِي الدَّيْرِ قِسِّيساً *** وَفي المَسْجِدِ رَاهِبْ.
| |
|
| |
| ۩∰۩ مقامات بديع الزمان الهمذاني ۩∰۩ | |
|