أم عمارة نسيبة بنت كعب قدوة النساء
الصورة النقية للمسلمة الأولى من أهم الصور الإنسانية التي تحتاج المرأة المعاصرة استجلائها والتوقف أمامها، وأخذ القدوة والعبرة من نساء عايشن زمن الوحي وكانت حياتهن تكاملية مع أشقائهن الرجال دون تزيد أو صخب، كالذي تحاول أن تحدثه اليوم جماعات الضغط على المجتمعات الإسلامية باسم حرية المرأة وحقوقها!
هؤلاء النساء ساندن الرجال في بناء مجمعاتهن دون تجاوز لدورهن كما أرادها الله، ومن هؤلاء النساء أم عمارة نسيبة بنت كعب المازينة التي أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من نفسها، وقاتلت دونه يوم أحد، وروت عنه الأحاديث الشريفة.
كانت أم عمارة نسيبة بنت كعب المازينة زوجة لوهب الأسلمي، وبعد موته تزوجها زيد بن عاصم المازني الذي ولدت له عبد الله، وهو الذي قتل مسيلمة الكذاب.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لابنها عبدالله بن زيد بن عاصم في غزوة أحد "بارك الله عليكم من أهل البيت، مقام أمك خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت ومقام ربيبك (يعني زوج أمه) خير من مقام فلان وفلان رحمكم الله أهل البيت، قالت ادع الله أن نرافقك في الجنة، فقال: اللهم اجعلهم رفقائي في الجنة فقالت: ما أبالي ما أصابني من الدنيا".
وكانت أم عمارة من النساء اللواتي شهدن أحداثا مفصلية مهمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، فقد شهدت نسيبة وزوجها زيد بن عاصم بن كعب وأبناؤها: حبيب وعبد الله ابنا زيد: شهدوا بيعة العقبة، وشهدت هي وزوجها "غزية بن عمرو" وأبناؤها: أُحدًا، وكانت إحدى المرأتين اللتين حضرتا بيعة العقبة.
كما كانت صاحبة صبر وثبات فيما تلاقي في سبيل الله تعالى، ومن ذلك حينما قتل مسيلمة الكذاب ابنها، فلم تجزع فقالت (لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته).
وكان ابنها حبيب قد أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب باليمامة، فكان مسيلمة إذا قال له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. وإذا قال: أتشهد أني رسول الله؟ قال: أنا أصم لا أسمع، ففعل ذلك مرارا، فقطعه مسيلمة عضوا عضوا حتى مات شهيدا رضي الله عنه.
قاتلت نسيبة مع المسلمين في يوم اليمامة، وفقد ذراعها يومذاك، وعنها حدثت أم سعد بنت سعد بن الربيع فقالت: رأيت نسيبة بنت كعب ويدها مقطوعة فقلت لها: متى قطعت يدك؟ قالت: يوم اليمامة كنت مع الأنصار فانتهينا إلى حديقة فاقتتلوا عليها ساعة، حتى قال أبو دجانة الأنصاري: أحملوني على الترسة حتى تطرحوني عليهم فأشغلهم فحملوه على الترسة، وألقوه فيهم فقاتلهم حتى قتلوه رحمه الله.
قالت: فدخلت وأنا أريد عدو الله مسيلمة الكذاب، فعرض إلى رجل منهم فضربني فقطع يدي فو الله ما عرجت عليها ولم أزل حتى وقعت على الخبيث مقتولا وابني يمسح سيفه بثيابه. فقلت له: أقتلته يا بني؟ قال: نعم يا أماه فسجدت لله شكرا. قال: وابنها هو: عبد الله بن زيد بن عاصم.
وقد كان لنسيبة الموقف الأهم من موقفها في يوم اليمامة، إذ شهدت مع زوجها "غزية بن عمرو" وابنيها غزوة أحد، وقد خرجت معهم في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا، وجرحت اثني عشر جرحا، بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، فكانت أم سعيد بنت سعد بن ربيع، تقول: دخلت عليها، فقلت حدثيني خبرك يوم أحد، قالت: خرجت أول النهار إلى أحد، وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف، وأرمي بالقوس حتى خلصت إلي الجراح.
قالت: فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف، فقلت: يا أم عمارة من أصابك هذا؟ قالت: أقبل بن قميئة وقد ولى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه فكنت فيهم، فضربني هذه الضربة، ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكن عدو الله كان عليه درعان.
وحكى ضمرة بن سعيد المازني عن جدته، أنها شهدت غزوة أحد، وكانت تسقي الماء، وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لمقام نسيبة بنت كعب اليوم خير من مقام فلان وفلان، وكان يراها يومئذ تقاتل أشد القتال، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جرحت ثلاثة عشر جرحا، وكانت تقول: إني لأنظر إلى ابن قميئة وهو يضربها على عاتقها، وكان أعظم جراحها فداوته سنة، ثم نادى منادي رسول الله إلى حمراء الأسد، فشدت عليها ثيابها، فما استطاعت من نزف الدم، ولقد مكثنا ليلتنا نضمد الجراح، حتى أصبحنا فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحمراء ما وصل رسول الله إلى بيته، حتى أرسل إليها عبد الله ابن كعب المازني يسأل عنها، فرجع إليه يخبره بسلامتها فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
كانت هذه السطور بعض لمحات من تاريخ امرأة مسلمة، عاشت حياتها كما يحب ربنا ويرضى؛ زوجة وأما ومجاهدة، تدافع عن دينها ومجتمعها، وقد توفيت رضي لله عنها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 13هـ.