الجنس : العمر : 44 دواوين الشعر التسجيل : 06/09/2011عدد المساهمات : 147
موضوع: .::][ أسباب إفتتاح القرآن بسورة الفاتحة ][::. الإثنين 10 أكتوبر 2011, 7:03 am
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
إن أعظم الكتب كتاب الله تبارك وتعالى ؛ وإن أعظم سورة في ذلك الكتاب هي سورة الفاتحة ؛ فهي بالنسبة للقرآن كالخطبة أو المقدمة بالنسبة للكتاب؛ والقرآن شرح لها؛ ومعلوم أنه كلما كان صاحب الكتاب أعلم وأبلغ كان تلخيصه لمقاصد كتابه في مقدمته أكمل؛ هذا بالنسبة لكلام المخلوقين الذين علَّمهم الله تبارك وتعالى من النطق والبيان بحسب حاجتهم وأهليتهم ؛ فكيف إذا كان الكتاب كتاب رب العالمين ؟!
فالفاتحة أعظم السور وأم القرآن ، افتتح سبحانه كتابه بهذه السورة لأنها جمعت جميع مقاصد القرآن ولذلك سميت أم القرآن ، وارجع إلى التفاسير لترى كثرة أسمائها وفضائلها ، وحُق لمن قرأها بتدبر وامتثال أن يمتلىء قلبه يقيناً وإيماناً ، وأن يكون عالماً راسخاً أكرمه الله بنور العلم واليقين .
ولذلك كان من أسمائها: أم القرآن وأم الكتاب والأساس فصارت كالعنوان وبراعة الاستهلال .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
قال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتب السابقة في القرآن ، ثم أودع علوم القرآن في المفصل ، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة ... فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة أخرجه البيهقي في شعب الإيمان .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله بما هو أهله وعلى التعبد والأمر والنهي وعلى الوعد والوعيد وآيات القرآن لا تخرج عن هذه الأمور .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
قال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة:
الإلهيات والمعاد والنبوات وإثبات القضاء والقدر
فقوله: {الحمدُ للَهِ رَبِ العالمين} يدل على الإلهيات
وقوله: {مالكِ يومِ الدين} يدل على نفي الجبر وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره
وقوله {إِهدِنا الصِراطَ المُستَقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله وعلى النبوات
فقد اشتملت هذه السورة على المطالب الأربعة التي هي المقصد الأعظم من القرآن.
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
وقال البيضاوي: هي مشتملة على الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والإطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين: أحدها: علم الأصول ومعاقدة معرفة الله عز وجل وصفاته وإليها الإشارة بقوله: {رَبِ العالمين الرحمن الرحيم} ومعرفة المعاد وهو ما إليه بقوله: {مالكِ يومِ الدين}
وثانيها: علم ما يحصل به الكمال وهو علم الأخلاق وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية والإلتجاء إلى جناب الفردانية والسلوك لطريقة الاستقامة فيها وإليه الإشارة بقوله: {أَنعمتَ عَليهِم غَيرِ المعضوبِ عليهم ولا الضالين} قال: وجميع القرآن تفصيل لما أجملته الفاتحة فإِنها بنيت على إجمال ما يحويه القرآن مفصلاً فإنها واقعة في مطلع التنزيل والبلاغة فيه: أن تتضمن ما سيق الكلام لأجله ولهذا لا ينبغي أن يقيد شيء من كلماتها ما أمكن الحمل على الإطلاق
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
وقال الغزالي في [خواص القرآن]: مقاصد القرآن ستة ثلاثة مهمة وثلاثة تتمة
الأولى: تعريف المدعو إليه كما أشير إليه بصدرها وتعريف الصراط المستقيم وقد صرح به فيها وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى وهو الآخرة كما أشير إليه بقوله: {مالكِ يومِ الدين}
والأخرى: تعريف أحوال المطيعين كما أشار إليه بقوله {الذينَ أَنعمتَ عَليهِم} وتعريف منازل الطريق كما أشير إليه بقوله: {إِياكَ نَعبُدُ وإِياكَ نَستَعين}
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
البسملة آية من القرآن ولكنها منفصلة من السور ، ونزلت للفصل بين السور .
{ بسم الله الرحمن الرحيم } افتتاح القرآن بهذه الكلمة العظيمة التي هي من أعظم ما أنعم الله جل وعلا على عباده المؤمنين ، وهذا إقرار منك بأن الله عز وجل هو المعين لك في كل أمورك ، وأعظمها قراءة القرآن .
قولك { بسم الله } يعني : أتلو القرآن مستعيناً بكل اسم من أسماء الله ، لأن أسماء الله جل وعلا كلها لمسمى واحد ، هو الله سبحانه ، ولكن كل اسم منها يدل على صفة من صفاته تنـزهه وتقدسه ، فاسم الله هو أصل الأسماء ، والدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى .
حين تستحضر عند قولك :{ بسم الله } بعض الأسماء ، يفتح الله على قلبك أنواعاً من العبودية ،كلٌ مما يناسب حالك ومقصودك ، فإذا قلت :{ بسم الله } وأنت في كرب استحضر أسماء الله التي فيها تفريج الكروب ، وإذا قلت :{ بسم الله } وأنت مغلوب استحضر أسماء الله التي فيها النصر والتأييد، وإذا قلت :{ بسم الله } وأنت مذنب استحضر أسماء الله التي فيها التوبة والعفو والغفران ، وإذا قلت : { بسم الله } وأنت محتاج استحضر أسماء الله التي فيها الرزق والغنى
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } دلالة على سعة رحمته وتقوية الرجاء في قلوب عباده ، وقد اختار سبحانه هذين الوصفين في البسملة التي يرددها المسلم في مختلف شؤونه وحالاته ، فالإنسان في سير حياته تشمله العناية الإلهية بالرحمة الشاملة ، ومن حكمة تكرار هذه الكلمة أننا نحتاج هذه الرحمة في كل طرفة عين ، وفي كل حال ومجال .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } أمر من الله سبحانه وتعالى لعباده بالتوجه إليه بالحمد الكامل والثناء الشامل في كل صلاة ، فالحمد ثناء أثنى به الله تعالى على نفسه ، وقوله : { لله } اللام للاختصاص والاستحقاق ، فالمستحق لهذا الحمد الخالص الشامل هو الله تعالى ، وفي الحديث : ( اللهم لك الحمد كله ) البخاري 1 / 243 .
قول : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } هو الشعور الذي يجب أن يفيض به قلب المؤمن بمجرد ذكره لله ، بل إن وجود هذا الشعور في قلب المؤمن هو من فيوض النعمة الإلهية التي تستجيش الحمد والثناء ، فتفاصيل حمده سبحانه وما يحمد عليه لا تحيط بها الأفكار ولا تحصيها الأقلام ، فهو المستحق للحمد كله في جميع الأوقات ، وبعدد اللحظات ، وكل حمد وقع من أهل السماوات والأرض ، الأولين والآخرين ، إخبار عن ما يستحقه من الحمد ، لا عما يقوله العبد من الحمد .
في قوله تعالى :{ الْحَمْدُ لِلَّهِ } جاء تقديم وصفه بالألوهية على وصفه بالربوبية ، فلم يقل جل وعلا : الحمد لرب العالمين ، بل قال : {الْحَمْدُ لِلَّهِ } ، للتذكير بأعظم نعمة أنعمها عليك وهي نعمة العبودية ، فالله هو المألوه المعبود الذي تألهه الخلائق محبةً وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { رَبِّ العَالَمِينَ } تأكيد لاستحقاقه كل الحمد ، فكل خير ونعمة في العالمين فهي من عنده ؛ وكل خلق وإبداع فهو راجع إليه ، فهو رب كل شيء وخالقه ، لا يخرج شيء عن ربوبيته ، المالك المتصرف في هذا الكون بأجمعه ، وكل من في السموات والأرض عبدٌ له في قبضته ، مربي جميع العالمين بخلقه إياهم ، وإنعامه عليهم ، وتدبير أمورهم ، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم ، وقد جاء وصفه بالربوبيه بعد وصفه بالألوهية ، وذلك إقرار باستحقاقه جل وعلا كل أنواع وأجناس الحمد .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } الذي وسعت رحمته جميع الخلق ، فهو الموصوف بالرحمة مع كمال قوته وقهره وكمال غناه وعزته ، أرحم بعباده من الأم بولدها ، فرحمة والديك بك مهما بلغت فهي جزءٌ من المائة جزءٍ التي خلقها اللَّه فكيف برحمته الواسعة جل جلاله وتقدست أسماؤه ؟! فلو جُمعت رحمة الخلق كلهم لكانت رحمة الله أشد وأعظم. عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : جاءت امرأة في السبي تبحث عن ولدها فلما وجدته أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه المرأة طارحة وَلَدَها في النار ؟ قُلْنَا: لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ ! فقال : إن اللَّه أرحم بعباده من هذه بولدها. صحيح البخاري _ الفتح 5999 ومسلم 2754.
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } تعليق أنظار البشر وقلوبهم بعالم آخر ، فكلمة { يَوْمِ الدِّينِ } تشير إلى الجزاء ، ثواباً على الإحسان، وعقاباً على الإساءة ، فأنت تكرر في كل ركعة هذه الآية التي تعني أن من أوصافه التي نثني عليه بها أنه مالك يوم الجزاء الذي يجازي فيه كل عامل بما عمل ، فيجازيك بحسب عملك ؛ فأنت السبب في كل ما يجري لك وعليك { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ( 8 ) } .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } نتيجة حتمية لكل عبد تفهم كل ما سبق ، ولهذا جاءت الآية بعد تلك الأوصاف الجليلة التي وصف الله بها نفسه في أول السورة لتبعث في القلب المحبة والرجاء والخوف ، ولتكون أساساً عقائدياً متيناً ، يتلمسه الإنسان في واقعه ، ويحس به بفطرته .
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } مدرسة عملية تُذكِّرك يومياً بالتعرف على رسالة رب العالمين التي أرسلها إليك لترددها في كل ركعة ؛ وهي أن يقوم بقلبك من معرفته والمحبة له والرجاء له والخوف منه مايتحقق به العبودية الحقة .
{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } كلمتان مقسومتان بين العبد وربه ، فالعبادة تجمع أصلين : غاية الحب بغاية الذل والخضوع ، والاستعانة تجمع أصلين : الثقة بالله والاعتماد عليه ، فالعبادة هي الغاية التي خلق الخلق من أجلها ، والاستعانة وسيلة إليها .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } لجوءك إلى الله عزّ وجلّ أن يثبتك على دينه ، فالصراط المستقيم هو الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم ، فـ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } التزام بما أوجبه الله عليك من العبادة ، و {َإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} طلب للإعانة على ذلك ، و{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } متضمن للتعريف بالأمرين على التفصيل ، والتوفيق للقيام بهما .
إن حقيقة الصراط المستقيم الذي يتصوره العبد وقت سؤاله هو طريق الله الذي نصبه لعباده عن طريق رسله ، فمن رحمة الله أن أوجب علينا تكرار هذا الدعاء ، فلنتأمل ضرورتنا إلى هذا الدعاء ، فالهداية إلى ذلك تتضمن العلم النافع ، والعمل الصالح ، والثبات على ذلك إلى أن نلقى الله .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } التفصيل بعد قوله الصراط المستقيم ، لبيان هذا الطريق الذي هو طريق الذين تكرّم الله عليهم بأعظم النعم ، وقد ذكرهم الله في سورة النساء بقوله : { وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً } .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
في قوله تعالى : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ } الاستعاذة من طريق المغضوب عليهم والضالين ، والمغضوب عليهم هم اليهود ، الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه ، والضالون هم النصارى الذين فقدوا العلم فهم هائمون في الضلالة لايهتدون إلى الحق .
₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪₪
هذه السورة كما قال ابن القيم : هي المفتاح الأعظم لكنوز الأرض، كما أنها المفتاح لكنوز الجَنَّة، افتتاح القرآن الكريم بالفاتحة وتكرار قراءتها في كل ركعة دليل على أهمية تواصل العقيدة في حياة المسلم ، لتكون سلوكاً وعملاً واقعياً مستمراً في الحياة .