ماذا تعني كلمة المرابطين؟ وما أصلهم؟.
تعنيالقيام باتخاذ خيامًا على ثغور المسلمين لحمايتها والدفاع عنها، ومن هناأطلق عليهم اسم المرابطين. ويُنسب المرابطون إلى قبيلة جدالة بموريتانيا.
كيف تحولوا من قمة الفساد إلى هذا الصلاح؟ وكيف بلغت هذه القوة؟
كانت أوضاع جدالة في منتهى الفساد والانحلال، ففكر قائدهم يحيى بن إبراهيم: ماذا يفعل ليصلح أحوال قبيلته؟ فاستدعى رجلاً يدعى عبد الله بن ياسين لكييعظ هؤلاء الناس، وتنشأ دولة المرابطين من هذه الدعوة. وبعد وفاة عبد اللهبن ياسين في سنة 451 هـ/ 1059م، يتولى أبو بكر بن عمر اللمتوني زعامةالمرابطين بعد أن كان قد انضم هو وقبيلته إلى المرابطين، ويزداد أعدادالمرابطين في عهده، وتتوسع الدولة، وينيب عنه ابن عمه يوسف بن تاشفينزعيمًا على المرابطين، ويذهب لنشرالإسلامفي السنغال وغيرها من بقاع إفريقيا. أما يوسف بن تاشفين فلقد حارب حاييمبنمنّ الله، وحارب صالح بن طريف؛ لأنهم ادَّعوا النبوة، وبدأ ينشرالإسلام، حتى عاد أبو بكر بن عمر اللمتوني، فلما وجد يوسف بن تاشفين وقدنشر الإسلام وحارب أعداء الدين؛ فتنازل له عن الحكم وذهب إلى إفريقيا لنشرالإسلام، وقبل وفاته كانت دولة المرابطين تسيطر على ثلث إفريقيا.
المرابطون بالأندلس:
فيسنة 478 هـ/ 1085م يعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس ويتحد مع الأندلسيينويهزم ألفونسو السادس في موقعة "الزَّلاَّقة" من أشهر مواقع التاريخالإسلامي، ويوحد المغرب والأندلس تحت راية واحدة، وبعد وفاة يوسف بنتاشفين حرر المسلمون الكثير من الأراضي الإسلامية المحتلة.
ولكن هل تنتهي دولة المرابطين؟
نعم،كان لا بد من نهاية لهذه الدولة، ويعود السبب في ذلك إلى الفتنة بالدنياوالأموال، وانشغال المرابطين بالأمورالخارجية عن الأمور الداخلية، وكثرةالذنوب سواء في بلاد المغرب أو في الأندلس، وتعمق العلماء في الفروع دونالأصول. ومن العوامل المسئولة عن الانهيار أيضًا حدوث أزمة اقتصادية فيآخر عهد المرابطين؛ بسبب البعد عن الطريق الصحيح.
مزيد من التفاصيل
مَنْ هُم المُرَابِطُون؟
قبيلة جُدَالة وأصل المرابطين
كانالتاريخ هو سنة 478 هـ= 1085 م، حيث سقطت طُلَيْطِلَة، وحوصرتإِشْبِيلِيّة، وعُقد مؤتمر القمة، ومن هذا التاريخ نعود إلى الوراء ثمانيةوثلاثين عامًا، وبالتحديد في 440 هـ= 1048 م حيث أحداث "بربشتر" و"بلنسية" السابقة، لنكون مع بداية تاريخ المرابطين.
وكماغوّرنا في أعماق التاريخ، نعود ونغوّر في أعماق صحراء موريتانيا البلدالإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل، حيث الصحراء الممتدة،والجدب المقفر، والحرّ الشديد، وحيث أناس لا يتقنون الزراعة ويعيشون علىالبداوة.
فيهذه المناطق كانت تعيش قبائل البربر، ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة "صنهاجة"، وكانت قبيلتي "جُدَالَة ولَمْتُونة" أكبر فرعين في "صنهاجة"...
كانت "جُدَالة" تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكانعلى رأس جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرةسوّية وأخلاق حَسَنة.
نظريحيى بن إبراهيم في قبيلته فوجد أمورًا عجيبة (كان ذلك متزامنًا مع مأساةبربشتر وبلنسية)، وجد الناس وقد أدمنوا الخمور، وألِفوا الزنى، حتى إنالرجل ليزني بحليلة جاره ولا يعترض جاره، تمامًا كما قال سبحانه وتعالى فيكتابه الكريم: [وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنْكَرَ]{العنكبوت:29}.
ولماذا يعترض الجار وهو يفعل نفس الشيء مع جاره؟!
فقدفشى الزنى بشكل مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثرمن أربعة، والناس ما زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه، فالسلبوالنهب هو العرف السائد، القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكلالضعيفة، والوضع شديد الشبه بما يحدث في دويلات الطوائف، بل هو أشدّ وأخزى.
((وكانالمغرب الأقصى في ذلك الوقت في محنة سياسية ودينية، حيث ظهرت دعوات منحرفةعن الإسلام وحقيقته وجوهره الأصيل، واستطاعت بعض الدعوات الكفرية أن تشكلكيانًا سياسيًا تحتمي به))... د. الصلابي - الجوهر الثمين بمعرفة دولةالمرابطين
لقدكانت هذه الأوضاع سواء في بلاد الأندلس أو في موريتانيا أشد وطأةً مما نحنعليه الآن، فلننظر كيف يكون القيام، ولنتدبّر تلك الخطوات المنظّمة والتيسار أصحابها وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة وإصلاحأحوال الأمة...
يحيى بن إبراهيم يحمل هَمّ المسلمين
كان يحيى بن إبراهيم الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات، لكنه لم يكن بمقدوره التغيير؛فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.
وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان (في تونس الآن)، فيكلّم علماءَها المشهورين بالعلم لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم قبيلته الإسلام.
وبالفعلذهب إلى الحج وفي طريق عودته ذهب إلى القيروان، وقابل هناك أبا عمران موسىبن عيسى الفاسي (368 - 430 هـ= 979 - 1039 م )، وهو شيخ المالكية في مدينةالقيروان (كان المذهب المالكي هو المنتشر في كل بلاد الشمال الإفريقي وإلىعصرنا الحاضر، كما كان هو المذهب السائد في بلاد الأندلس)، قال عنهالحميدي صاحب جذوة المقتبس في ذكر ولاةالأندلس - (جـ 1 / صـ 121) موسى بن عيسى بن أبي حاج واسم أبي حاج: يحج أبو عمرانالفاسي، فقيه القيروان، إمام في وقته دخل الأندلس وله رحلة إلى المشرق،وصل فيها إلى العراق، فمن مشايخه بالأندلس أبو الفضل أحمد بن قاس بن عبدالرحمنصاحب قاسم بن أصبغ، وأبو زيد عبد الرحمن بن يحيى العطار، وأبو عثمان سعيدبن نصر، وسمع بالقيروان من أبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي وغيره،وبمصر من أبي الحسين عبد الكريم بن أحمد ابن أبي جدار وغيره، وبمكة من أبيالقاسم عبيد الله بن محمد بن أحمد السفطي وغيره، والعراق من أبي الفضلعبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وغيره؛ وكان مكثراً عالماً...
وقال عنه الحِميري صاحب الروض المعطار في خبر الأقطار - (جـ 1 / ص 435): الفقيه الإمام المشهور بالعلْم والصلاح...
وقالعنه ابن فرحون صاحب الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب - (جـ 1 / ص 172) قال حاتم بن محمد: كان أبو عمران من أحفظ الناس وأعلمهم جمع حفظالمذهب المالكي إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومعرفة معانية وكانيقرأ القرآن بالسبع ويجوده مع معرفته بالرجال وجرحهم وتعديلهم.
فلماالتقى به يحيى بن إبراهيم الجدالي حكى له قصته وسأله عن الدواء، فما كانمن أبي عمران الفاسي إلا أن أرسل معه شيخًا جليلًا يعلّم النّاس أموردينهم.
تُـرى من هو هذاالشيخ؟!
كانعبد الله بن ياسين ( الزعيم الاول للمرابطين، وجامع شملهم، وصاحب الدعوةالإصلاحية فيهم. ت451 هـ= 1059 م) من شيوخ المالكية الكبار، له طلاب علمكثيرون في أرض المغرب والجزائر وتونس، كانوا يأتون إليه ويستمعون منه،وكان يعيش في حاضرة من حواضر الإسلام على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهاهو يقبل القيام بهذه المهمة الكبيرة، وفضّل أن يُغوّر في الصحراء ويترك كلما هو فيه ليعلّم الناس الإسلام، ويقوم بمهمة الأنبياء والرسل، وهي الدعوةإلى الله سبحانه وتعالى.
لميكن عبد الله بن ياسين فقيهًا فحسب وإنما استوعب العلوم والمناهج التيكانت في زمانه من أصول وفقه وحديث ولغة وغير ذلك وعاش تجارب كثيرة وأحاطبالكثير من مجريات الأمور التي تدور حوله، إضافة إلى ذلك اتصف ابنُ ياسينرحمه الله بالكثير من الصفات الأخلاقية والقيادية منها ما كان فطريًاومنها ما اكتسبه بمجاهدته لنفسه وطول عبادتهلربه، وهذه الأمور مجتمعةً جعلته أهلًا لأن يحمل هذه الأمانة العظيمةوجعلته حريًا أن يختاره شيوخه للقيام بهذه المهمة العظيمة في ذلك الوقتالعصيب من تاريخ تلك المنطقة لتصبح بعد سنواتٍ قليلة منبعَ الخير للأمةكلها ومحضنَ المجاهدين وقبلة الراغبين في الجنة...
ومنأهمّ ما يميّز الشيخ أيضًا فهمه للواقع وأخذه بفقه الأولويات ومعرفة هدفهوالعمل له بجدٍ واجتهادٍ وهمةٍ عاليةٍ وعزيمة صادقة، دون الصدام مع منيريدون لدعوته الفناء حرصًا على مصالح شخصية ومنافع دنيوية وأهداف دنيئة...
عبد الله بن ياسين ومهمّةالأنبياء :
اتّجهالشيخ عبد الله بن ياسين صَوْب الصحراء الكبرى، مخترقًا جنوب الجزائروشمال موريتانيا حتى وصل إلى الجنوب منها، حيث قبيلة جُدَالة، وحيث الأرضالمجدِبة والحرّ الشديد، وفي أناةٍ شديدة، وبعد ما هالَه أمر الناس فيارتكاب المنكرات أمام بعضهم البعض ولا ينكر عليهم منكر، بدأ يعلم الناس،يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.
كانالناس في جهل مطبق وبعدٍ تام عن الإسلام قال القاضي عياض في ترتيب المداركوتقريب المسالك - (جـ 2 / ص 64) واصفًا حال هؤلاء القوم في ذلك الوقت: كانالدين عندهم قليلاً، وأكثرهم جاهلية، ليس عند أكثرهم غير الشهادتين، ولايعرف من وظائف الإسلام سواهما
ولكن - وللأسف - ثار عليه أصحاب المصالح بل وثار عليه الشعب أيضًا، فالكل يريدأن يعيش في شهواته وملذاته ودون قيد أو شرط، وأصحاب المصالح هم أكبرمستفيد مما يحدث، فبدأ الناس يجادلونه ويصدّونه عما يفعل، ولم يستطع يحيىبن إبراهيم الجُدالي زعيم القبيلة أن يحميه، وذلك لأن الشعب كان لا يعرفالفضيلة، وفي ذات الوقت كان رافضًا للتغيير، ولو أصر يحيى بن إبراهيمالجُدالي على موقفه هذا لخلعه الشعب ولخلعته القبيلة
لميقنط الشيخ عبد الله بن ياسين، وحاول المرة تلو المرة، فبدأ الناس يهددونهبالضرب، وحين استمرّ على موقفه من تعليمهم الخير وهدايتهم إلى طريق ربالعالمين، قاموا بضربه ثم هددوه بالطرد من البلاد أو القتل
لميزدد موقف الشيخ إلا صلابة، ومرّت الأيام وهو يدعو ويدعو حتى قاموا بالفعلبطرده من البلاد، ولسان حالهم: دعك عنا، اتركنا وشأننا، ارجع إلى قومكفعلمهم بدلًا منا، دع هذه البلاد تعيش كما تعيش فليس هذا من شأنك، وكأنيأراه رأي العين وهو يقف خارج حدود القبيلة وبعد أن طرده الناس، تنحدردموعه على خدّه، ويقول مشفقًا على قومه: [ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ]{ يس: 26}.
يريدأن يغيّر ولا يستطيع، أنْفس تتفلت منه إلى طريق الغواية والانحراف عنالنّهج القويم ولا سبيل إلى تقويمها، حزّ في نفسه أن يولد الناس في هذهالبلاد فلا يجدون من يعلمهم ويرشدهم، فأراد أن يبقى ولكن كيف يبقى؟ أيدخلجُدالة من جديد؟ لكنهم سيقتلونه، ولو كان في ذلك صلاحًا لهم فأهلا بالموت،لكن هيهات ثم هيهات...