الحمد لله الذي جعل الأضاحي شعيرة من شعائر الإسلام ، وفداءً للنّفس منّة من الرحمن ، فدى بها إسماعيل بن خليل الرحمن عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام ، فالحمد لله حمداً كثيراً على عظيم نعمه وجزيل الإحسان .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : (( هي من نعمة الله على الإنسان أن يشرع الله له ما يشارك به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية، ولهذا نجد من فضل الله ورحمته أنه جعل لأهل الأمصار نصيباً مما لأهل المناسك، مثل اجتناب الأخذ من الشعر والظفر في أيام العشر؛ من أجل أن يشارك أهل الأمصار أهل الإحرام بالتعبد لله تعالى بترك الأخذ من هذه الأشياء؛ ولأجل أن يشاركوا أهل الحج بالتقرب إلى الله ـ تعالى ـ بذبح الأضاحي؛ لأنه لولا هذه المشروعية لكان ذبحها بدعة، ولنهي الإنسان عنها، ولكن الله شرعها لهذه المصالح العظيمة)) أهـ.(1).
وقال الشيخ صالح آل الشيخ ـ حفظه الله ـ : ((هذا الموضوع يُذكر في كتب أهل العلم بعد أحكام الحج؛ لأن أحكام الهدي والأضحية متعلقة بالحج، لأن الهدي يُفعل في مكة -يفعله الحاج- والأضحية أيضا يفعلها الحاج ويفعلها غيرُه .
بعض أهل العلم يذكر أحكام الهدي والأضاحي بعد كتاب الذبائح في أواخر أبواب الفقه؛ وذلك لأن بعضهم درج على ذكر أحكام الأطعمة والأشربة في أواخر كتب أهل العلم، ويذكر بعد الأطعمة الذبائح، ويذكر بعد الذبائح الأضاحي والهدي وعلى كلٍّ فهذا الموضوع مهم؛ لأنه متعلق بعبادة عظيمة يحبها الله جل وعلا ويرضاها ألا وهي إراقة الدم تقربا إلى الله جل وعلا )) أهـ .(2) .
ـــــــــــــــــ
(1) نقلاً من مقدمة" أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ1) .
(2) نقلاً من مقدمة " أحْكَـام ُالهَـدْيِ والأضَاحِي " لفضيلة الشيخ / صالح آل الشيخ ـ حفظه الله .
الأُضْحِيَةُ :
تعريفها :الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل .(1) .
سبب تسميتها : وسميت بذلك؛ لأنها تذبح ضحى، بعد صلاة العيد .(2) .
مشروعيتها : هي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، وإجماع المسلمين.
أولاً:الكتاب:قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر آية: (2)] ، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام آية: (162)، (163)]. والنسك الذبح، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل.(3) وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }[الحج آية: (34)]. قلت : وهذه الآية تدل على أن الذبح تقرباً إلي الله تعالى مشروع في كل أمة ، وهو برهان بيِّن على أنه عبادة ومصلحة في كل زمان ومكان وأمة .
ثانياً : السنة :فقد ثبتت مشروعية الأضحية فيها بقول النبيصلي الله عليه وعلي آله وسلم ، وفعله ، وإقراره فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة : القول ، والفعل ، والتقرير .
أ ـ السنة القولية : ما في " الصحيحين " من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t قَالَ : أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال : ((مَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ )) (4) .
ب ـ السنة الفعلية : ما في " الصحيحين " من حديث أَنَسٍ t قَالَ : ((ضَحَّى النَّبِيُّ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلمبِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا )) (5) .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ tقَالَ : (( أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي )) (6) .
ج ـ السنة التقريرية : ما في " الصحيحين " من حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ t قَالَ : ((قَسَمَ النَّبِيُّ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم بَيْنَ أَصْحَابِهِ ضَحَايَا فَصَارَتْ لِعُقْبَةَ جَذَعَةٌ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صَارَتْ لِي جَذَعَةٌ ، قَالَ : " ضَحِّ بِهَا " )) (7) .
ـــــــــــــــــ
(1) " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ2) ،" الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ(7/517).
(2) " الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (7/453) .
(3) الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في " تفسير " : ( 2/198) ط دار التراث .
(4) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 5546 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 1960) .
(5) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 5565 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 5199) .
(6) رواه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في " مسنده " ح (4715) ، والإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ في " سننه " ح ( 1427) قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وحسنه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " المشكاة " ح ( 1475) .
(7) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 5547 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 5197) .
ثالثاً : الإجماع : ضحى أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلموضحى أصحابه y ، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم، ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها، كما نقله غير واحد من أهل العلم .(1) .
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ : ((أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأُضْحِيَّةِ )) (2) .
وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ: ((قَالَ الإمام اِبْن حَزْم ـ رحمه الله ـ:" وَلَا خِلَاف فِي كَوْنهَا مِنْ شَرَائِع الدِّين " )) (3).
حكمها : مع إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا هل هي سنة مؤكدة، أو واجبة لا يجوز تركها ؟ على قولين :
الأول : أنها واجبة : قَالَه الأئمة رَبِيعَةُ ، وَمَالِكٌ ، وَالثَّوْرِيُّ ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ، وَاللَّيْثُ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ـ رحمهم الله ـ وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وقال: هو أحد القولين في مذهب الإمام مالك ـ رحمه الله ـ، أو ظاهر مذهب مالك .ثم قال ـ رحمه الله ـ : ((وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُهَا أَيْضًا فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ النُّسُكُ الْعَامُّ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالنُّسُكُ مَقْرُونٌ بِالصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ : { إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } فَأَمَرَ بِالنَّحْرِ كَمَا أَمَرَ بِالصَّلَاةِ .وَهِيَ مِنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ الَّذِي أُمِرْنَا بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِ .
وفي بقبة كلامه ـ رحمه الله ـ : على الأضحية قال : " وَوُجُوبُهَا حِينَئِذٍ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهَا فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ . كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ " (4) .
الثاني : أنها سنة مؤكدة وهو الراجح وعليه الفتوى(5): رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (6) وَبِلَالٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ y ، وَبِهِ قَالَ سُوَيْد بْنُ غَفَلَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ ـ رحمهم الله ـ ومالك، وأحمد في المشهور عنهما وهو ما ذهب إليه الْجُمْهُور .(7) .
قلت :وقد بوب الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " باب (سُنَّةِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ)،قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : " وَكَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِالسُّنَّةِ إِشَارَة إِلَى مُخَالَفَة مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا " ، قَالَ : الإمام اِبْن حَزْم ـ رحمه الله ـ :" لَا يَصِحّ عَنْ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة أَنَّهَا وَاجِبَة ، وَصَحَّ أَنَّهَا غَيْر وَاجِبَة عَنْ الْجُمْهُور ، وَلَا خِلَاف فِي كَوْنهَا مِنْ شَرَائِع الدِّين ، وَهِيَ عِنْد الشَّافِعِيَّة وَالْجُمْهُور سُنَّة مُؤَكَّدَة عَلَى الْكِفَايَة ، وَفِي وَجْه لِلشَّافِعِيَّةِ مِنْ فُرُوض الْكِفَايَة "، وَقَالَ : الإمام أَحْمَد ـ رحمه الله ـ:" يُكْرَه تَرْكهَا مَعَ الْقُدْرَة " ، وَعَنْ مُحَمَّد بْن الْحَسَن ـ رحمه الله ـ : " هِيَ سُنَّة غَيْر مُرَخَّص فِي تَرَكَهَا " .
ـــــــــــــــــ
(1) " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ2) .
(2) " المغني " ( 10/542) .
(3) " فتح الباري " ( 10/5 ) .
(4) " مجموع الفتاوى " ملخصاً (5/298) ، " فتح الباري " ( 10/5 ) .، " المغني " ( 10/542) ، " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ2) .
(5) " فتاوى اللجنة الدائمة "(السؤال الأول من الفتوى رقم (5993)(9/413)،والسؤال الثاني من الفتوى رقم (10809) (13/465) ، والفتوى رقم (1490) (13/472)، والسؤال الأول والثاني والرابع من الفتوى رقم (4382) (13/476) ، والفتوى رقم (1765)(13/490) ) .
(6) قلت : " روي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبا " في " السنن الكبرى للبيهقي " ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " الإرواء " ح ( 1139) .
(7) " المغني " ( 10/542) مَسْأَلَةٌ رقم : ( 7851 ) ، " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ2) ،" الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ(7/517 ـ 520).
قَالَ : الإمام الطَّحَاوِيُّ ـ رحمه الله ـ : " وَبِهِ نَأْخُذ ، وَلَيْسَ فِي الْآثَار مَا يَدُلّ عَلَى وُجُوبهَا" ا هـ .(1) .
قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : قَالَ الإمام التِّرْمِذِيّ ـ رحمه الله ـ
( الْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أَهْل الْعِلْم أَنَّ الْأُضْحِيَّة لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ )) (2) .
قلت: وقد صرح كثير من أرباب هذا القول بأنه " يُكْرَه تَرْكهَا مَعَ الْقُدْرَة " .(3) .
وقتها: الأضحية عبادة مؤقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال ، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر .
أ ـ أول وقتها: بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان ، أو بعد قدرها ( أي : صلاة العيد ) من يوم العيد لمن لا يصلون ( العيد ) كالمسافرين وأهل البادية .(4) .
فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شَاةُ لَحْمٍ وليست بأضحية وعليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ : في "صحيحه " ح ( 5545 ) من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ t قَالَ : أن النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال : ((مَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْءٍ )) ، ولما في " الصحيحين " من حديث جُنْدَبَ بْنَ سُفْيَانَ الْبَجَلِيَّ قَالَ
(شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُعِدْ مَكَانَهَا أُخْرَى)) (5).
قلت:ولكن الأفضل أن يكون الذبح بعد الخطبة وبعد ذبح الإمام، وهذا إن فعل الإمام السنة في الذبح، وهو أن يخرج بأضحيته إلى مصلى العيد ويذبحها في مصلى العيد؛ لأن هذه هي السنة الثابتة عن النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلمينحر ويذبح بالمصلى لما روى الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 5552 ) : من حديث ابْنَ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى )) إظهاراً للشعيرة وتعميماً للنفع. (6) .
ب ـ وينتهي وقتها: بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون الذبح في أربعة أيام ، وثلاث ليال : هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم .(6) .
جنس ما يضحي به :أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }[الحج آية: (34)]وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.(
.
وَأَفْضَلُ الْأَضَاحِيِّ: الْبَدَنَةُ ، ثُمَّ الْبَقَرَةُ ، ثُمَّ الضَّأْنُ ، ثُمَّ الْمَعْزُ ، ثُمَّ سُبْعُ الْبَدَنَةُ ، ثُمَّ سُبْعُ الْبَقَرَةُ .(9) .
قلت : والأفضل من كل نوع أسمنه ، وأكثره لحماً ، وأكمله خلقاً ، وأحسنه منظراً .(10). لما في " الصحيحين " من حديث :أَنَسٍ
ـــــــــــــ
(1) " فتح الباري " ( 10/5 ) .
(2) بواسطة حاشية " الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (7/519) .
(3) " فتح الباري " ( 10/6 ) .
(4) " المغني " ( 10/553) ، " الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (7/495) .
(5) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 6851 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 6322) .
(6) " الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (7/501) .
(7) " الشرح الممتع " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (7/499) .
(
" أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ6) .
(9) " المغني " ( 10/544) .
(10) " الإنصاف " (4/73) .
t قَالَ (( ضَحَّى النَّبِيُّ e بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ )) (1) قَالَ الإمام الْكِسَائِيّ ـ رحمه الله ـ: الْأَمْلَح هُوَ الَّذِي فِيهِ بَيَاض وَسَوَاد وَالْبَيَاض أَكْثَر.كما جاء عند الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1967) : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلمأَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ )) قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ : (مَعْنَاهُ أَنَّ قَوَائِمه وَبَطْنه وَمَا حَوْل عَيْنَيْهِ أَسْوَد ) (2) .
وعَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى t رَسُولِ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم : (( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرَى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ )) (3) .
عمن تجزئ :تجزىء الأضحية الواحدة من الغنم عن الرجل وأهل بيته ومن شاء من المسلمين ؛لما روي الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1967) من حديث عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قَالَتْ : أن النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم: ((أَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ )) . فإذا ضحى الرجل بالواحدة من الغنم الضأن أو المعز عنه وعن أهل بيته أجزأ عن كل من نواه من أهل بيته من حي وميت، فإن لم ينو شيئاً يعم أو يخص دخل في أهل بيته كل من يشمله هذا اللفظ عرفاً أو لغة، وهو في العرف لمن يعولهم من زوجات وأولاد وأقارب، وفي اللغة: لكل قريب له من ذريته وذرية أبيه وذرية جده وذرية جد أبيه .
ويجزىء سبع البعير أو سبع البقر عما تجزىء عنه الواحدة من الغنم، فلو ضحى الرجل بسبع بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأه ذلك؛ لما روي الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1381) من حديثجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ : (( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ )).(4) .
شروط ما يضحي به :الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه سبحانه ، ولا يرضى الله سبحانه من العبادات إلا ما جمع شرطين :
الأول : الإخلاص لله تعالى .
الثاني : المتابعة لرسول الله أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم .
ولا تكون الأضحية على أمر النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها .
وشروطها أربع :
الأول : أن تكون ملكاً للمضحي .
الثاني : أن تكون من الجنس الذي عينه الشارع من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها .
الثالث : بلوغ السن المعتبر شرعاً بأن تكون ثنيَّاً إن كان من الإبل أو البقر أو المعز ، وجذعاً من الضأن ، لما روي الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1963) من حديثجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم
(لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ )) .(5) .
ـــــــــــــــــ
(1) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 5558 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 1966) .
(2) " شرح مسلم للنووي " (5/1310) .
(3) صحيح : رواه الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في " مسنده " ح ( 25937 ) ، صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " سنن ابن ماجة " ح (3122) .
(4) " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ11 ، 12) .
(5) " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ5 ) .
قلت :وَثَنِيُّ الْغَنَمِ مِنْ الضَّأْنِ والْمَعْزِ إذَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ ، وَالْبَقَرَةُ إذَا صَارَ لَهَا سَنَتَانِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ ، وَالْإِبِلُ إذَا كَمَلَ لَهَا خَمْسُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي السَّادِسَةِ ، وَالْجَذَعُ (1) مِنْ الضَّأْنِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ، وَدَخَلَ فِي السَّابِعِ . (2) .
الرابع :أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء وهي أربعة :لِمَا في حديث الْبَرَاءُ t قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم فَقَالَ: (( أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ (وفي رواية : لَا تُجْزِئُ )؛ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا ، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي ( وفي رواية : الْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي )) .(3) .
بيان العيوب المانعة من الإجزاء :
1ـ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا : هي الَّتِي قَدْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا ، أو برزت ، والعمياء أولى بعدم الإجزاء .
2ـ الْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا : هي الَّتِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا : فَهِيَ الَّتِي بِهَا مَرَضٌ قَدْ يَئِسَ مِنْ زَوَالِهِ ، وما أخذتها الولادة حتى تنجو ، وما أصابها سبب الموت : كالمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع أولى بعدم الإجزاء .
3ـ الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا : هِيَ الَّتِي بِهَا عَرَجٌ فَاحِشٌ ، وَذَلِكَ يَمْنَعُهَا مِنْ اللِّحَاقِ بِالْغَنَمِ فَتَسْبِقُهَا إلَى الْكَلَإِ فَيَرْعَيْنَهُ وَلَا تُدْرِكُهُنَّ ، فَيَنْقُصُ لَحْمُهَا ، والزمني وهي العاجزة عن المشي لعاهة ، والمقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين أولى بعدم الإجزاء .
4ـ وَالْعَجْفَاءُ أو الْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقِي : هِيَ الَّتِي لَا مُخَّ لَهَا فِي عِظَامِهَا ؛ لِهُزَالِهَا ؛ لِأَنَّهَا لَا لَحْمَ فِيهَا ، إنَّمَا هِيَ عِظَامٌ مُجْتَمِعَةٌ .
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ : (هذه الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّهَا تَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ ) . (4) .
فيما يؤكل منها وما يفرق :يشرع للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ }. [الحج آية: (28)] (5)، وقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَـنِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَـهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }. [الحج آية: (36)] فالقانع السائل المتذلل، والمعتر المتعرض للعطية بدون سؤال،وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ t قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم: ((كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا )) . (6) والإطعام يشمل الهدية للأغنياء والصدقة على الفقراء، وعَنْ عَائِشَةَ ـ رضي الله عنها ـ قالت : أَنَّ النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال : ((كُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا )) . (7).وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في مقدار ما يأكل ويهدي ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، وَالِاسْتِحْبَابُ أَنْ يَأْكُلَ ثُلُثَ أُضْحِيَّتِهِ ، وَيُهْدِيَ ثُلُثَهَا ، وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثِهَا ، وَلَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ جَازَ قَالَ الإمام أَحْمَدُ ـ رحمه الله ـ: نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ t: (( يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثَ ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِالثُّلُثِ )) .
ــــــــــــــــ
(1) قلت : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ : وَسَمِعْت أَبِي يَقُولُ : سَأَلْت بَعْضَ أَهْلِ الْبَادِيَةِ :" كَيْفَ تَعْرِفُونَ الضَّأْنَ إذَا أَجْذَعَ ؟ قَالَ : لَا تَزَالُ الصُّوفَةُ قَائِمَةً عَلَى ظَهْرِهِ مَادَامَ حَمَلًا ، فَإِذَا نَامَتْ الصُّوفَةُ عَلَى ظَهْرِهِ ، عُلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَجْذَعَ " " المغني " ( 10/545) .
(2) " المغني " ( 10/545) .
(3) صحيح : رواه الخمسة ،وقال الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ :" وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ " وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " الإرواء " ح ( 1148) .
(4) " المغني " ( 10/545) ، " أحكام الأضحية والذكاة " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (صـ6 ) .
(5) قلت : قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ : [وقد احتج بهذه الآية الكريمة مَن ذهب من العلماء إلى أن الأضحية تُجزَّأ ثلاثة أجزاء: فثلث لصاحبها يأكله [منها] ، وثلث يهديه لأصحابه، وثلث يتصدق به على الفقراء؛ لأنه تعالى قال: { فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ } . وفي الحديث الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال"فكلوا وادخروا وتصدقوا" . وفي رواية: "فكلوا وأطعموا وتصدقوا "] أهـ . " تفسير ابن كثير " : ( 3/223) ط دار التراث .
(6) متفق عليه : الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح ( 5143 ) ، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ ح ( 3648) .
(7) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 3637 ).
قَالَ عَلْقَمَةُ : بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدِيَّةٍ ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا ، وَأَنْ أُرْسِلَ إلَى أَهْلِ أَخِيهِ عُتْبَةَ بِثُلُثٍ ، وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ t قَالَ : (( الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا ثُلُثٌ لَك ، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك ، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ )) ، ومَا رُوِيَ { عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ t فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قَالَ :" يُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَّالِ بِالثُّلُثِ "} رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ ، فِي الْوَظَائِفِ ، وَقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ .وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ نَعْرِفْ لَهُمَا مُخَالِفًا فِي الصَّحَابَةِ ، فَكَانَ إجْمَاعًا.(1) .
ولا يعطي الجازر منها شيئاً : ولَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ من لحم ، أو شحم ، أو دهن ، أو جلد ، أو غيره لأنها مال أخرجه لله ـ تعالى ـ فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة ، لقوله أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم : ((من باع جلد أضحيته فلا أضحية له )) .(2) ، وَلَا يُعْطَى الْجَازِرُ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا .وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ ، وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ .لمَا رُوى عَنْ عَلِيٍّ t قَالَ
( أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلمأَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ ، وَأَنْ أَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلَالَهَا ، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا ، وَقَالَ : نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا )). (3) .وَلِأَنَّ مَا يَدْفَعُهُ إلَى الْجَزَّارِ أُجْرَةً عِوَضٌ عَنْ عَمَلِهِ وَجِزَارَتِهِ ، وَلَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ بِشَيْءٍ مِنْهَا .
فَأَمَّا إنْ دَفَعَ إلَيْهِ لِفَقْرِهِ ، أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ ، فَلَا بَأْسَ ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْأَخْذِ ، فَهُوَ كَغَيْرِهِ ، بَلْ هُوَ أَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا ، وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا .(4) .
فيما يجتنبه من أراد الأضحية :مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَدَخَلَ الْعَشْرُ ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا ، لما في " صحيح " الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ من حديث أُمِّ سَلَمَةَ ـ رضي الله عنها ـ قالت : (( أَنَّ النَّبِيَّ أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلمقَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ " )) وفي لفظ ((مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ)) . (5) .قلت : ففي هذا الحديث النهي عن أخذ شيء من الشعر أو الظفر أو البشرة لمن أراد أن يضحي من دخول شهر ذي الحجة ، إما برؤية هلاله، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً حتى يضحي ، وهذا حكم خاص بمن يضحي، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به؛ لأن النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم قال: « وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ » ولم يقل أو يضحى عنه؛ ولأن النبي أن النبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك .
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة .
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.
الذكاة وشروطها : تعريف الذكاة: فعل ما يحل به الحيوان الذي لا يحل إلا بها من نحر، أو ذبح، أو جرح. (6).
فالنحر للإبل: والذبح لغيرها. والجرح لما لا يقدر عليه إلا به.
__________________