"منارات في طريق الحج "
الحمد لله الذي يسر بفضله التوجه إلى بيته الحرام، مهيئا بمنه أسباب النظر إلى القبلة الجامعة
للأمة الإسلامية على اختلاف ألوانها وألسنتها، وتنوع آمالها وآلامها.
والصلاة والسلام على خير من طاف وسعى، وصلى ودعا. وعلم الناس الخير العميم، ودلهم على
البر الرحيم، من مكة أضاء بهديه العالمون، واستنار بنوره المتنورون، وأتم الحق عليه نعمة الدين،
وجعل زيارته في مضجعه الشريف زيادة في اليقين، وقربة لرب العالمين، وجعله هاديا إليه بإذنه إلى
الصراط المستقيم. عليه أنزل سبحانه: ﴿ وأتموا الحج والعمرة لله﴾ .
* فأتموا أيها الحجاج شكر النعم بالتقرب من المنعم بالفرض والنفل، وسائر الأعمال الصالحة.
* أتموا المناسك فتلك تنجي من المهالك، وتقي من الشرور وترضي الرب الرحيم المالك، وإنك لا
تجدها في غير ذاك المقام؛ إحرام وطواف وسعي ووقوف، ورجم للشيطان ودعاء عند المشعر
الحرام، وصبر على ازدحام الصفوف، فلا رفث ولا فسوق وترك في الفعل أو في الخلق أو الكلام.
* أتموا الفرحة بالله، والتوبة إلى الله، والصلح مع الله بعد الرجوع إلى الأهل والأحباب طاهرين من
الذنوب، عاقدين العزم على لزوم الطريق القويم، والاهتداء بالهدي المستقيم، حتى يأتي الأجل
المحتوم، وتنتقل النفس الراضية في عرس الموت إلى جنات الخلود، مع الركع السجود الموفين
بالعهود، الفائزين برضى الغفور الودود.
أيها الحاج الكريم:
عزمت على الحج فتوكل على الله، وأعددت الزاد للسفر فثق بالله وتعلم خلق أولياء الله، تفز
بالمقصد الشريف والمقام المنيف، فالحج للروح قبل الأشباح، والفضل لحميد الخلق والصبر مع
وعلى المومنين ضيوف الكريم الفتاح.
عزمت حبيبي على الحج، فاحمل معك بعض الوصايا تنير لك الطريق وتجعلك من خير من زار البيت
العتيق.
1. إذا أحرمت، ولبست الإزار والرداء، فليكن قلبك مفعما بذكر يوم الغسل والكفن. اليوم أحكمت
لبس الإحرام وغدا يلبسه لك غيرك، ويحكمه لك من سيبقى بعدك ليلحق بك ولو بعد حين .. اللهم
يسر لنا موتا في سبيلك، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
2. إذا لبيت قائلا: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك
لك. فاعلم أنك تجيب نداء الله سبحانه فانو ذاك على الدوام، واسأله التوفيق إلى صالح الأعمال،
فإن المقبول يقال له لبيك وسعديك اللهم اجعلنا عندك من المقبولين.
3. إذا طفقت طائفا بالبيت العتيق فلا تنشغل بالطائفين عمن ينظر إليهم أجمعين، فليكن ديدنك
ذكر المولى الكريم، والتذلل بين يد رب البيت فهو المعطي الحكيم، وأدم النظر إلى البيت الحرام،
فإن النظر إليه عبادة وأي عبادة. وادع لك ولأمتك والصالحين من عباده دعاء رابطة يربط بالمحبة كل
القلوب الصافية، لتندرج معهم في الموكب النوراني. من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة.
4. عند الصلاة خلف المقام، اذكر أبانا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، كيف صدقا الحق
سبحانه، ورفعا القواعد من البيت، وطهراه لك ولمن مضى قبلك ولمن يأتي بعدك من الطائفين
والقائمين والركع السجود.
5. عند السعي بين الصفا والمروة، اذكر السيدة التقية النقية الطائعة الصابرة هاجر تبحث عمن
يروي ابنها، ويسقي فلذة كبدها، فإذا بجبريل عليه السلام ينبع ماء زمزم ليكون الدعاء عند شربه
مستجابا: "اللهم ارزقنا به علما نافعا، ورزقا واسعا، وشفاء من كل داء وسقم".
6. عند الوقوف بعرفات، هناك تنزل الرحمات، ويتجلى الرب بالمن والعطايا فليكن دعاؤك خشوعا،
لتفض عينك دموعا ولتدع لنفسك وأهلك وأحبابك وإخوانك وأمة رسولك صلى الله عليه وسلم، ولا
تشكن في أنك تنزل من عرفات كيوم ولدتك أمك طاهرا من الذنوب، فإن أول وسوسة يقوم بنا
اللعين هو أن يشكك في مغفرة الحق سبحانه فلا تلتفت إلى ذاك واعلم أنك -إن شاء الله- من
الذين غفرت ذنوبهم، وعد بصفحة بيضاء لتستأنف حياة جديدة فعليك بالمومنين ومجالس الذكر
تكن من الناجين.
7. عند رجم الشيطان والرمي بالعقبات، كبر المولى، واحقر الشيطان سبب كل الغفلات، وتذكر أنه
سعى سعيا دؤوبا للصد عن أمر الله، والوقوف غاويا عن سبيل الله، فليكن اعتمادك في رجمه على
الله، واعتصامك بحبل الله، وخالفه بعد رجوعك تكن من أولياء الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
8. عند حلق رأسك بعد الوقوف بعرفات، انس كل ما فات، وابدأ حياة جديدة، بالإيمان مديدة، واعمل
من الصالحات ما وسعك الزمان، وتقلبت بك دروب الأيام، وما طل صباح أو غربت شمس، حت تلقى
الواحد الديان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين، ومن بهم يفرح الملأ الأعلى من
الشهداء والصالحين، فلعمري أولئك هم المقربون فروح وريحان وجنة نعيم.
9. إذا زرت المقام الطاهر، وصليت بالمسجد النبوي الشريف، أكثر من الصلاة على الرسول صلى
الله عليه وسلم واذكر كيف عليه الصلاة والسلام يحنو على الصحب الكرام، ويربيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة ويزكيهم، حتى صنع منهم سادة العالم، وأساتذة الدنيا بهم يهتدي المهتدون، وفي
زمرتهم يود أن يحشر الصالحون، وإلى أخوتهم تهفو عزائم المومنين، واسأل الله لأمته النصر
والتمكين، ورد كيد الكائدين، وزر البقيع حيث الأرواح الطاهرة، تذكر بالآخرة. اللهم اجعلنا مع الوجوه
الناضرة، يوم تبيض وجوه وتسود الفاقرة، ونجنا برحمتك من الكرة الخاسرة، والأعمال الفاجرة،
وأهلك بجبروتك كل العتاة الجبابرة، واحفظ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الأولى والآخرة.
وصل اللهم وسلم على الحبيب وعلى آله وصحبه وإخوانه من بعده
والحمد لله رب العالمين