السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأملت في يوم قادم يقف فيه شاب أمامي ويلح في السؤال: كيف ُأصبح رجلا؟
واحترت في الجواب من الآن!
واسترجعت الذاكرة بعد مشاورة، واستهديت بالآية والحديث، واستوعبت السؤال كاملا..
فإذا الإجابة طويلة ومتشعبة، وكل صاحب معرفة يسير بك في واد، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق!
أيها الشاب: ستمر بك الأيام عجلى، وتتوالى عليك الليالي سريعة، فإذا بك تقف ممتلئا صحة ونشاطا تطاول أباك طولا وقد منحك الله بسطة في الجسم.
أيها الشاب:
مقاييس الرجولة تختلف حسب نظرة المجتمع والأسرة والشاب نفسه، فرجولة المهازيل إضاعة الوقت وازجاء الزمن دون فائدة، ورجولة المرضى والسفهاء السعي وراء الشهوات المحرمة!
أما رجولة أهل الهمم والمعالي: فهي السعي الحثيث إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ومن متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره، وأن تنال من الأدب أكثره، ومن معالي الأمور وجميلها ما يزين رجولتك، ويجعلك محط الآمال ومعقد الأماني، بعيدا عن عثرات الطريق ومزالق المسير.
تصبح رجلا أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء الجسم ونضارته وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى! وهذه كلها تشترك فيها أمة مثلك من الشباب.. صالحهم وطالحهم، ومسلمهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم.. وبعض الحيوانات تشترك مع الإنسان في هذه الصفات من عضلات وقوة تحمل!
لكنك رجل مميز وشاب متفرد.. نريدك رجلا مسلما لا رجلا مجردا!! ولكي تكون كذلك فالآفاق أمامك مفتوحة، ودروب الخير سهلة ميسورة، وحصاد العلم قد دان وقرب، وغراس الخلق ينتظر الجاني.. فهيا لتنال نصيبا وافيا من ذلك فتكون رجلا كما نريد، وكما تريد، بل وكما يريد الله عز وجل ذلك، فالأسرة والمجتمع والأمة بحاجة إلى شباب صالحين مصلحين، فهذا الدين يحتاج إلى رجل.. ولكن ليس رجل فحولة فحسب، بل رجل بطولة وصبر، يحمل هم الدعوة ويقوم بها ويصبر على ما يلاقيه، يسعى جادا لنيل العلم والارتقاء في درجاته، عفيف اللسان نزيه الجوارح.. تسارع قدمه إذا سمع الأذان.. ويتردد بين جنباته آيات القرآن. وبعيدا عن التنظير والكلمات الإنشائية أذكرك بأمور إن تمسكت بها وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة ..
-------------------------
أولاً: خلقت لأمر عظيم فاحذر أن يغيب ذلك عن بالك طرفة عين .
ثانيا: الصلاة.. الصلاة! فإنها عماد الدين والركن الثاني العظيم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فلا تتهاون ولا تتكاسل ولا تتشاغل عن أدائها في وقتها مع جماعة المسلمين .
ثالثاً: ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر.. مثل حياة الفارغين، وأصحاب الهوايات الضائعة والأوقات المسلوبة، ممن همهم إضاعة الساعات والأوقات في لهو وعبث، فاحرص على وقتك فإنه أغلى من المال، وإن كان مالك تستطيع أن تحافظ عليه وتنميه وتستثمره، فإن الوقت قاتل وقاطع والأنفاس لا تعود.
رابعاً: العلم طريق الوصول إلى خشية الله عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به أمور دينك، وما نلت من علم دنيوي تحتاجه الأمة فاجعل نيتك فيه خدمة الإسلام والمسلمين حتى تؤجر عليه
خامساً: حسن الخلق كلمة لطيفة طرية على اللسان، ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفترق الرجال إلى أصول وفروع! ولا يغيب عن بالك أن حسن الخلق من صلب هذا الدين؟ فبر والديك، وارفق بأخيك، وأحسن إلى صديقك، وتعاهد جارك
سادساً: مع تنوع المعارف والعلوم لابد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات حتى تكون قوي الفكر، ثابت المعلومة، على اطلاع واسع لتنمي ثقافتك، ومثلك يحذر الطروحات الفكرية التي يدعيها بعض الموتورين والمرجفين ممن لا يذكرون الله إلا قليلا!
سابعاً: القدوة علم تسير خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه، فمن قدوتك يا ترى؟ ولا أعرف لابن الإسلام قدوة سوى محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وسلفه الصالح.
ثامناً: أنت - ولا ريب - تتطلع إلى غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف، فعليك بتقوى الله في السر والعلن فإنها وصية الله للأولين والآخرين وطريق النجاة يوم الدين .
تاسعاً: لتكن قوي الإرادة، ماضي العزيمة، وألق ما تقع عليه عينك من المحرمات، وابتعد عن الرذائل ومواطن الشبه والريب، ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك بمراقبة الله عز وجل على كل حين ومداومة العمل الصالح .
عاشراً: الدعاء هو العبادة، وكم أنت فقير إلى ربك ومولاك، فبالدعاء يكون انشراح النفس وطمأنينتها وطلب العون من الله عز وجل، فلا تغفل عنه، واحرص على البعد عن موانع الإجابة، وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء الأنبياء لأنفسهم وحرصهم على ذلك .
أيها الشاب:
تستوحش من إقبال الزمان ودورته، وسيقف ابنك أمامك بعد زمن ليسألك: كيف أصبح رجلا يا أبي؟ وأعتقد - وأنت معي في ذلك - أن نقطة البداية لهذا الجواب هو ما تسير عليه اليوم وترسمه غدا، فالقدوة مثل أعلى لمن هم حولك، فابدأ واستعن بالله، وأراك قد أصبحت رجلا ينطلق في مضمار الحياة لا ترهبه هبوب الرياح ولا تثنيه مسالك الطريق الوعرة.
وأخيــراً
قد يطرق قلبك سؤال مفاجىء تصوبه نحو قلمي: كل ما ذكرت كلمات وعظية مكررة نسمعها بين حين وآخر!
وجوابي لصوتك الحبيب: أيها الرجل الشاب! يا من استقبلت الدنيا بوجهك.. إنها كلمات وإن كانت مكررة فأبشر وأمل أن وقعت في نفسك موقعا، فعندها تكون رجلا ولا كل الرجال، بل رجل أثنى الله عز وجل عليه في مواضع عدة من كتابه الكريم. وحسبك هذا الثناء لتكون رجلا..