بسم الله الرحمن الرحيم
تأملت طويلا وتدبرت كثيرا، وقرأت عدداً من التقارير، وتصفحت موقعا عـلى الشبكة العنـكبوتيـة ( الانترنت) وسمعت الكثير من القصـص حـول العدو القديم الجديد للبشرية (الشيطان) الرجيم، الذي حذر منه الله من خلال آيات: منها في سورة البقرة 208 (يا أيها الـذين ءامنـواادخلـوافي السلم كافةولاتتبعـواخـطـوات الشيطـان إنه لكم عدو مبين ) وفي السورة ذاتها 68 قوله تعالى (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حللاً طيباًولاتتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبـين ) وغيرهما 0
كما نبه على شره الرسول محمد عليه السلام في جملة من أحاديثه الشريفة منها قوله عليه السـلام : ( إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) أخرجه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه، وغير ذلك من الأحاديث الشريفة، في إشارة واضحة لخطره المحقق على البشرية، تأملي تمحور حول مدى ما حققته كثير من ذرية ذلك الأب الآبق عن أمر ربه، بخلاف زرافات من الجن، من مكاسب هائلة، أبرزها: كساء جملة وافرة من بني قومي (الإنـس) ثوب التية والظلامية المعتمة بكافة ضروبها، عن التمسك الحق بتعاليم دين الإسـلام العـظيم.
قـال تعالى : ( ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون) سورة يس 62، رغم وجود كافة الوسائل الناجعة للنجاة من كيدهم جميعاً فغمرتني لوعة مارقة جراء هذا التأمل المفصلي، بل وتجذرت تلك اللوعة في نفسي مع مرور الوقت، مما أشاع استنفاراً لدي، وشرعت الأسئلة المختلفة تتفاقم من حولي عن هذا العالم المستتر عن أنظار المخاليق، حتى تأزمت عندي؛لأني مسلم على السنام يؤلمني حال أمتي حتى العضام وأي مسلم متعب بهم أمته المسلمة لابد أن يحمل قلبه ويشده، مثل أي أم لم تجد لطفلها مأوى، خاصة وأني مارست فعليا الرقية الشرعية منذ مواسم طويلة خلت، كنت أمكث خلالها مع المصاب وقتا يسيراً، أحسبه الدهر، جراء ما يبوح به من أنين ووخز خلفتها معاناة لا يعلم مداها إلا الله الرحيم بالعباد، وأنصح في الحقيقة من هذا المنبر كل من لديه الخبرة الكافية من الإخوة الرقاة الشـرعيين والمغلفة بصفتين مهمتين لابد من توفرهما في الـراقي همـا : (الـقـوة والأمانة) في العمل الميداني الشاق، الذي يتطلب ممارسة مقننة وثقافة وعي، من أجل تقديم أفضل الخدمات الإنسانية لإخواننا الذين ابتلاهم الله الكريم بالمس أو العين أو السحر، أقول: على الرقاة الشرعيين المخلصين البقاء في باحة الكلمة القوية ضد أعدائنا من الجن و الشياطين، بدلا من الانصراف وترك الساحة لبعض الرقاة المهرولين نحو مطامع الدنيا، عديمي العلم، بخلاف السحرة والمشعوذين والدجالين، الذين أضرموا نار الخديعة في نفوس الكثير من الناس، ومعروف أنه من سأل كاهنا (فصدقه) فيما قال فقد كفر بالله تعالى ؛ لأنه صدقه في دعوى علم الغيب ، وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى : ( قل لا يعلم من في السموت والأرض الغيب إلا الله ) النمل 65 ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح : " من أتى كاهنا أو ساحراً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد " أخرجه الترمذي ، وابن ماجة، وصححه العلامة أحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي ( 1/244)0
بل لا يجوز مطلقـاً طلب العلاج من السحرة أو المشعوذين أو الكهان لمنع النبي عليه السلام أيضا لقوله عليه السلام: " تداووا عباد الله ولاتتداووا بحرام" وقـوله عليـه السلام : "ما جعل الله شفاء أمتي فيما حرم عليها"، وزحف كثير من البشر صوب أبواب السحرة والدجالين والمشعوذين لاريب أنه يعكس واقعاً مظلماً في حياتهم مما يتطلب من الدعاة والعلماء والمصلحين إنارة الطريق للناس؛ حتى يخرج البعض من نفق الاستعانة في دفع أمراضهم (النفسية)، على وجه الخصوص، بالمشعوذ والدجال والكاهن من جهة، ويتلفع المبتلون بتلك الأمراض بالرغد النفسي من الجهة الأخرى، تمهيداً لعودتهم إلى ممارسة حياتهم الطبيعية والتي حرمتهم منها الكثير من الجــن و الشياطين الذين يسعون و بكل قوة إلى تقويض عرى الدين العظيم في نفوس الإخوة المبتلين بهذه الأمراض، من خلال الزيارات الكفرية الدنئية والمكثفة على النفوس، وإلقـاء الشبـه المتنوعة و القذرة، عن طريق داء الوسوسة التشكيكي، أقول: رغم ما يهدف له أولئك الأعداء المارقون من شر، إلا أن الإسلام العظيم يبقى نوراً معتقاً في خبايا الروح، يفوح شذا يشد خيوط أوردة أمة المليار مسلم،ويهدم ما بنى ونسج الظلام الشيطاني من أسوار الغـواية والضلال والعتــمة 0
ومن مـنطلـق قـوله تـعـالى: ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) سورة المائدة ،و تأكيد الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث إلى أنه من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل؛ لما يترتب على ذلك من الأجر الوافر، فضلا عن تعزيز روح المودة بين المؤمنين، ساهمنا بهذا الجهد المتواضع، بعد النظر والتأمل الطويل جداً في الحالات والسؤال والمراجعة؛ أملاً في علاج كل من يبحث عن دواء نافع بإذن الله من المرض الغامض و المستشري في العـالم أجمع، دون تحديد بقعة معينــة ( المـس )، من خلال طرحه في قالب سؤالي؛ لتقريب الفهم لدى أطياف المجتمع في هذا العالم الفسيح ومضابيطه :
oما المس ؟
o ما أسباب تمكنه من الإنسان ؟
oما عوامل انتشاره بصورة مرعبة في قبيلة البشر ؟
oما طرق التخلص منه ؟
ويسبق هذه المحاور استعراض لجوانـب عـدة عن حياة ( القرين ) العضيد الأبدي للجان، تتلـخص فـي:
•من القرين ؟
•ما دوره في حياة الإنسان ؟
•ما أسرار قوته وضعفه ؟
• كيف يستعيد المصاب توازن العيش في المجتمع دون تأثيرات نفسية ؟
وقد أسهبت في إجابات بعض الأسئلة التي وجهت لي سواء عن المس أو القرين، ليس من باب الاستعراض، ولكن في محاولة لسد أي ثغرة قد تتولد لدى القارئ الكريم خلال تدقيقه في الإجابات، ومن الطبيعي أن صاحب العلة النفسية بحاجة ماسة للحوار الدافئ المستفيض حول علته؛ للوصول إلى حل، خاصة وأن بعضاً من عصاة الجن ، و كثيراً من الشياطين يتعاطون الفوضى ،ويتناولون الشتات، ويتفاخرون بالضياع، وتستحوذ عليهم الغفلة ،ويمتازون بالغياب، ويغوصون في بحيرة الذهول، هم يهيمون في ملاحقة التعب، ويعشقون معانقة العناء، ويستغلون أشباه الفرص؛ لتمرير أي تدمير للنفس البشرية المكلومة والعجيب أنك تجد كثرة كاثرة من البشر في سبات عميق، وغفلة مذهلة، بل ولا يعرفون عن عالم الشياطين والجن إلا القليل؛ مما دفع الكفرة من الشياطين والجن إلى التحرك بالناس وبقوة في بيداء ضياع، والنتيجة التي شاهدناها كثيراً في واقعنا المعاصر، ومع التدثر بثوب البعد عن هدي القران والسنة، وقوع جملة من البشر في بحيرة الخطايا المتفرقة وبغزارة أمثال: الكفر، الانتحار، والقتل والإرهاب، بل والإقامة الدائمة على المعاصي بكافة صورها، وقد يصل الحال ببعض ممن تمكن منهم المس أو السحر أو العين، المتهاونين في التمسك بتعاليم الدين الإسلامي السمحة، فضلاً عن المنسلخين منه بالكلية، إلى أمراض الجنون والهلوسة والخرف والهذيان، وهذا قليل مما تبغيه خلق من الجن والشياطين من البشر، من كثير مما تطويه من حقد دفين؛ بسبب طرد الله الكريم لأبيهم إبليس من الجنة؛لرفضه الأحمق أمره سبحانه وتعالى بالسجود التكريمي لأبينا آدم عليه السلام المرشح لخلافة الأرض، وقد هاله أن يقدم عليه آدم عليه السلام، وعاجلته طبيعته النارية بإذن الله، فلم يتمالك إلا أن يعلن حقـده التـاريخي على ذلك المنـافس، مؤكـداً أفضليته قـال تـعـالى: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) سورة الأعراف 12 و صرح إبليس لربه تعالى سبحانه بعزمه القاطع على إضلال خصمه وذريته جميعا، إلا من اعتصـم بحبـل اللـه قـال تعالى: ( قال ربي بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) سورة الحجر40، ولم يدع الله الحكيم خليفته في الأرض يواجه تلك الملحمة الأبدية مجرداً من العون والمدد؛ حيث حذره سبحانه من شره، وعرفه بمكايده، وزوده بالسلاح الذي يقضي على فورته، وهو الالتزام الجاد بالوحيين (الكتاب والسنة) قولاً وعملا قال تعالى: " ونزلنا عليك الكتب تبيناً لكل شئ " سورة النحل 89 قال ابن كثير في تفسيره: وَقَوْله: " وَنَزَّلْنَا عَلَيْك الْكِتَاب تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْء " قَالَ اِبْن مَسْعُود: قَدْ بَيَّنَ لَنَا فِي هَذَا الْقُرْآن كُلّ عِلْم وَكُلّ شَيْء، وَقَالَ مُجَاهِد: كُلّ حلال وَكُلّ حَرَام وَقَوْل اِبْن مَسْعُود أَعَمّ وَأَشْمَل؛ فَإِنَّ الْقُرْآن اِشْتَمَلَ عَلَى كُلّ عِلْم نَافِع مِنْ خَبَر مَا سَبَقَ وَعِلْم مَا سَيَأْتِي، وَكُلّ حلال وَحَرَام وَمَا النَّاس إِلَيْهِ مُحْتَاجُونَ فِي أَمْر دُنْيَاهُمْ وَدِينهمْ وَمَعَاشهمْ وَمَعَادهمْ 0انتهى كلام ابن كثير
والكتاب والسنة بإذنه سبحانه يعصمان العباد من السقوط في حبائل الشيطان قال عليـه الـسـلام " يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) السلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 330)،
ومعلوم أن أبانا آدم عليه السلام وأمنا حواء ، كانا أول ضحايا الشيطان عندما استدر جهما للأكل من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، وكان نهياً تحريميا، بدليل أن الله رتب الظلم إذا تم الأكل منها قال تعالى: ( وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كان فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) البقرة 36