الإعجاز في الكون - ظاهرة الأمطار النيزكية
ظاهرة الأمطار النيزكية
من أغرب أنواع المطر المذكورة في القرآن تلك الأمطار من الحجارة الملتهبة التي عذب الله بها أعداءه، ماذا يقول العلم الحديث حول هذه الظاهرة العجيبة؟ ....
تحدث القرآن في العديد من آياته عن عذاب قوم لوط الذين ارتكبوا الفواحش وجاءوا بالمنكرات وكذبوا برسالة الأنبياء، فأرسل الله عليهم مطراً من الحجارة، فأرسل الله ملائكة إلى سيدنا إبراهيم يقول تبارك وتعالى: (قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ) [الذاريات: 31-34]. ويقول تبارك وتعالى في آية أخرى عن عذاب قوم لوط: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) [هود: 82].
إذن حدد لنا الله تعالى نوع الحجارة وهي (مِنْ سِجِّيلٍ) أي من طين ملتهب، و(مَنْضُودٍ) أي متتابعة في النزول و(مُسَوَّمَةً) أي معلَّمة بحيث أن الله تعالى قد خصص لكل فرد منهم حجراً يصيبه ولا يخطئه أبداً.
في هذه الآيات الكريمات ظاهرة غريبة وهي نزول أمطار من السماء على شكل حجارة، هذه الأمطار هل هي حقيقة علمية يمكن أن تحدث في أي وقت أم أنها خاصة بأقوام عصوا الله تعالى، وانتهى أمرهم؟ لنتأمل ما يقوله العلم الحديث حول هذه الظاهرة.
حقائق علمية
في شهر آب من كل سنة وفي شمال الكرة الأرضية نرى عدداً كبيراً من النيازك تتساقط من السماء وتصطدم بالغلاف الجوي وتحترق وتتحطم وتحدث أشرطة من الضوء في مشهد رائع. ويقول العلماء إن هذه النيازك ما هي إلا حجارة انفصلت عن كواكب أخرى مثل المريخ ولا تزال تسبح في هذا الكون الواسع.
إن معظم الحجارة المتساقطة على الأرض تحترق بسبب احتكاكها بالغلاف الجوي، فهي تأتي وتدخل هذا الغلاف الجوي بسرعة كبيرة وعند احتكاكها بالطبقات العليا للغلاف الجوي ترتفع درجة حرارتها آلاف الدرجات المئوية وتتبخر وتتلاشى وبهذه الطريقة يحفظ الغلاف الجوي الحياة على الأرض من الكميات الكبيرة من الحجارة، وإلا لو سقطت هذه الكميات الكبيرة لأحرقت الأرض بمن عليها.
الحفرة التي أحدثها أحد النيازك الحديدية منذ خمسين ألف سنة في أريزونا، وقطرها 1.6 كيلو متر، وعمقها 180 متراً. وتقول الحسابات إن هذا النيزك ضرب الأرض بسرعة أكثر من 40 ألف كيلو متر في الساعة، ويقدر العلماء طول النيزك بأكثر من 40 متراً، ويزن أكثر من 300 ألف طن. المصدر
www.nasa.gov عندما تكون كتلة الحجر كبيرة بما فيه الكفاية فإنه ينجح باختراق الغلاف الجوي ويسقط على الأرض ولكنه يكون ملتهباً، بسبب الحرارة التي يولدها الاحتكاك، وعندما يصل إلى الأرض يحدث ثقباً في البناء أو حريقاً في الشجر، وإذا أصاب أي إنسان أو حيوان قتله على الفور.
صورة للسماء وتظهر فيها مئات النيازك التي تحترق على حدود الغلاف الجوي لتظهر بألوان زاهية، هذه الحجارة لو سقطت على الأرض لأحدثت الكوارث الطبيعية. المصدر
www.nasa.gov يمكن أن يكون حجم النيازك الساقطة على الأرض بحجم الحصى أو أصغر من ذلك بحجم ذرة الغبار أو أكبر بحجم الصخور الكبيرة، ويمكن أن يصل قطر الحجر إلى أكثر من 900 كيلو متر! وهناك أحجار تدور حولها أقمار تابعة لها!
صورة لحجر نيزكي يدور حوله قمر تابع له، يبلغ طول الحجر 56 كيلو متر، أما طول القمر التابع له فيبلغ 1.2 كيلو متر، تأمل هذا النظام الكوني البديع، ألا يدل على عظمة الصانع سبحانه وتعالى؟
تأتي معظم النيازك من الحزام الذي يدور حول الشمس بين كوكبي المريخ والمشتري، حيث تدور بلايين الأحجار في فلك محدد حول الشمس، ويقول العلماء إن الجاذبية الهائلة لكوكب المشتري باعتباره أكبر كواكب المجموعة الشمسية، هذه الجاذبية تشد هذا الحزام الحجري إلى الكوكب وتمنع الأحجار من السقوط على الأرض أو الاقتراب منها إلا بكميات ضئيلة جداً يبددها الغلاف الجوي للأرض، وهذه نعمة من نعم الله تعالى علينا.
نرى في هذا الرسم الشمس في المركز وتدور حولها الكواكب ونرى حزاماً كبيراً من الحجارة التي تقع بين كوكبي المريخ والمشتري، ويحوي هذا الحزام بلايين الأحجار النيزكية منها مليون حجر قطره 1 كيلو متر، والتي يأتينا منها باستمرار دفعات لتصل إلى الغلاف الجوي للأرض. يبعد هذا الحزام من 300-600 مليون كيلو متر عن الشمس، وتدور دورة كاملة حول الشمس في مدة قدرها 3-6 سنوات.
الخطر القادم
يؤكد العلماء وحسب قانون الاحتمالات أن هناك إمكانية لدخول زخات من المطر النيزكي إلى الأرض بنتيجة ظروف معينة، وأن هذه العملية ممكنة الحدوث لأن الأحجار تسبح في كل مكان تقريباً في المجموعة الشمسية وبالقرب من الأرض.
ولذلك عندما نزل القرآن وحدث المشركين عن عذاب الله بالحجارة التي تمطر من السماء، أنكروا هذه الحجارة واعتبروها من أساطير الأولين، قال تبارك وتعالى: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال: 32].
فهؤلاء لم يدركوا أن نزول الأحجار من السماء هي ظاهرة كونية حدثت في الماضي مع المكذبين ويمكن أن تحدث لأي قوم، فأنكروا هذه الظاهرة وكذبوا بها، بل وطلبوا من الله أن يمطر عليهم هذه الحجارة، ولكن الله تعالى رحيم بعباده على الرغم من كفرهم فقال لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33]. كذلك حذَّرنا الله تعالى من هذه الأمطار الحجرية، وأنه يجب علينا أن نحذر من عذاب الله تعالى وأنه قادر على أن يرسل علينا هذه الحجارة في أي وقت، يقول تعالى: (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك: 17].
وعند هذه النقطة نتوقف قليلاً لنتساءل: لو كان القرآن كتاب أساطير كما يقول بعض الملحدين فهل جاء الحديث عن الأمطار من الحجارة على سبيل المصادفة؟ إن وجود هذه الحقائق العلمية في القرآن لهو دليل مادي على صدق كل آية من آياته.
وينبغي أن نشير إلى أننا في هذه الأبحاث نحاول فهم الحقيقة العلمية الكامنة وراء كل آية من آيات القرآن، ولا نجزم بصحة تفسيرنا أو فهمنا، بل هي محاولات واجتهادات قد تصيب وقد تخطئ، ونحن مأمورون بتدبر القرآن، وقد تكون الحجارة التي أمطرها الله على قوم لوط من نوع خاص لا يعلمه إلا الله، وهدفنا من هذه المقارنة بين الحقيقة القرآنية والحقيقة العلمية أن نستيقن بأن القرآن يتفق مع العقل ومع المنطق العلمي ولا يخالف العلم أبداً وهذا ما أشار إليه تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].