مابين الركن والمقام
في خير البقاع تسكب العبرات وترتفع الأكف بالدعوات
كل غال ونفيس من اللؤلؤ والزبرجد والألماس والبلور والفضة والذهب والياقوت وغيرها من الجواهر المرصعة .. جلبت من ارجاء المعمورة واصقاع الدنيا لتزيين وتجميل الكعبة المشرفة وهو ما يؤكد المكانة المرموقة التي تحظى بها على امتداد الحقب التاريخية , اول من حلى الكعبة عبدالمطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم بالغزالين اللذين وجدهما في بئر زمزم حين حفره وحلى بهما باب الكعبة .
ثم حلاها الوليد بن عبدالملك بعد ذلك ثم عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما ثم الأمين العباسي والمتوكل والمعتضد والمقتدر وغيرهم .
ثم تتابع العهود في ذلك وكان عهد الدولة السعودية بدءاً بمؤسسها الملك عبدالعزيز رحمه الله مروراً بأبنائه الملوك الميامين رحمهم الله وحتى عهدنا الزاهر بقيادة الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله.يدخل في تحلية الكعبة المشرفة تجميل أجزاء منها بالذهب والفضة مثل أركان جوفها وميزابها وبابها وأعمدتها الداخلية وقفلها وهداياها من حليتها .
وتتمثل حليتها في الغزالين الذهبيين والأسلحة المحلاة والمرصعة وجواهر وأهلة وشمسات وقوارير نادرة وياقوت ودرر وزبرجد وتاج فضة وقفل وطوق ألماس وسلاسل درر وقناديل محاريب ولؤلؤ وقطع خشبية وبلور ونحاسيات وزجاج وشمع مكلل.
غير ان هدايا الكعبة ونماذج تحليتها كثيرا ما تتعرض للضياع بسبب ما كان في الماضي من كوارث السيول والهدم والعدوان وغير ذلك
ولكن الوضع في الوقت الحالي يختلف تماما إذ إن كل شيء متعلق بالكعبة الشريفة هو في موضع الصون والأمان .
كان باب الكعبة المشرفة أيام سيدنا ابراهيم الخليل عليه السلام مجرد فتحة للدخول ثم جعل له الملك أسعد تبع الثالث أحد ملوك اليمن المتقدمين على البعثة المحمدية بزمن بعيد باباً بمصراع يغلق ويفتح كما رواه ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق المطلبي ورواه الازرقي في تاريخ مكة وقيل حول ذلك ايضا في روايات اخرى ان من جعل الباب هو أنوش بن شيث عليه السلام وقيل ايضاً ان جرهم هي التي فعلت ذلك والله اعلم , فقامت قريش بجعل ذلك الباب بمصراعين وكان طوله احد عشر ذراعاً وكذلك كان الباب في بناء عبدالله بن الزبير رضي الله عنه الا ان الحجاج جعل طول الباب ستة اذرع الى ان جدد ذلك الباب وحليته عدة مرات عبر التاريخ وجعل له قفلاً ومفتاحاً مميزاً موضوعاً عند آل الشيبي لا ينازعهم فيه أحد وذلك بأمر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
حيث تم تركيب بابين للكعبة المشرفة في العهد السعودي الاول كان في عهد جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله حين امر بصنع باب جديد للكعبة وكان ذلك الباب من الالمنيوم المدعم بالحديد والمغطى بالألواح الفضية المطلية بالذهب والمزينة بأسماء الله الحسنى حيث كلف الملك عبدالعزيز رحمه الله كلا من الشيخ محمود بن يوسف بدر والشيخ ابراهيم بن يوسف بدر بصناعة ذلك الباب الذي تم تركيبه في عام 1363هـ حيث كان سمكه 2,5سم وارتفاعة 3,10أمتار وقد ظل ذلك الباب في مكانه ثلاثة وثلاثين عاما الى ان أمر الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله باستبدال ذلك الباب بعد ان ظهرت به اثار الخدوش التي شاهدها الملك خالد عندما كان يصلي في جوف الكعبة فما كان منه رحمه الله الا ان اصدر امره الكريم الى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله (ولي العهد انذآك) بصناعه باب اخر جديد من الذهب الخالص يكون بالمظهر الجيد والجليل الذي يرتضيه كل مسلم , وعلى ضوء ذلك تم تكليف شيخ الصاغة بمكة المكرمة الشيخ احمد بدر لصناعة الباب الجديد وفق ارقى التصاميم لينسجم مع الشكل العام لكسوة الكعبة المشرفة وكذلك روعي في تصميم الباب تنفيذ اعمال الزخرفة الاسلامية بواسطة الحفر والنقش على الذهب والفضة فيما هو مكتوب على الباب من الآيات القرآنية وتم تصميم وتنفيذ الباب وفق المواصفات التي توصل اليه في الشكل النهائي للباب الذي تم تركيبه في الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة عام 1399هجرية.
ولايزال هو الباب الحالي للكعبة المشرفة وحتى تاريخه وفي نفس الوقت تمت صناعة باب التوبة المركب في داخل الكعبة على السلالم المؤدية الى سطح الكعبة المشرفة وهو أيضا من قام بصناعة إطار الحجر الأسود والذي تم استبدله في عهد الملك خالد رحمه الله وتم تركيب الاطار الحالي للحجر الأسود في شهر رمضان عام 1399هـ .
وقد تكلفت صناعة البابين ـ باب الكعبة ـ وباب التوبة ـ (13.420.000) ريال ، عدا كمية الذهب التي تم تأمينها بواسطة مؤسسة النقد العربي السعودي ، وكميتها مائتين وثمانين كيلو جراماً ، وكان الذهب عيار999.9% ، واستغرق العمل منذ بدء العمل التنفيذي فيه في غرة ذي الحجة عام 1398هـ اثنى عشر شهراً ، وقد أقيمت ورشة خاصة لصناعته.
مواصفات باب الكعبة
وفي البدء وضعت أفكار مبدئية للباب ، تتلخص في النقاط التالية:
أولاً: تحقيق الانسجام بين التصميم الجديد للباب وستارة الباب باستخدام خط الثلث كعنصر هام مميز مع الزخرفة.
ثانياً: اختيار نسبة وحجم بروز الزخرفة في التصميم الجديد ومطابقة ذلك على الموقع.
ثالثاً: تحقيق طريقة تنفيذ الزخرفة بالحفر والنقش على الذهب مع استخدام قليل من الفضة بالامكانات المحلية .
رابعاً: امكانية الربط بين طريقة التنفيذ والزخرفة الإسلامية الاصيلة التي تمتد إلى التراث العريق في التزيين المعماري الهندسي.
خامساً: استخدام احدث الطرق التقنية في الهيكل الانشائي للتوصل إلى درجة عالية من المتانة والجودة بحيث يقوم الباب بوظيفته بدون الاحتياج الى الصيانة.
وضمن زخرفة خفيفة كتب في الدرفة اليمنى عبارة:
(تشرف بافتتاحه بعون الله تعالى الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود في الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة سنة 1399هـ ).
وفي الدرفة اليسرى ، عبارة : صنعه أحمد ابراهيم بدر بمكة المكرمة ، صممه منير الجندي ، واضع الخط : عبدالرحيم أمين).
كما وضعت زخرفة دقيقة خاصة لأنف الباب المثبت على الدرفة اليسرى.
وعلى القاعدة الخشبية ثبتت لوحات الذهب الخالص المزخرفة بطريقة النقش والحفر ، وهذه القاعدة الخشبية مؤلفة من ثلاثة مستويات ، في البروز عملت الزخرفة الاطارية المستمرة والثانية تحمل الآيات الكريمة.
مقاسات الباب
ويزيد ارتفاع باب الكعبة المشرفة عن ثلاثة أمتار ، ويقارب عرضه المترين ، وبعمق يقرب من النصف متر ، وهو مكون من درفتين ، ويتألف الهيكل الانشائي من قاعدة خشبية بسماكة عشرة سنتيمترات من خشب التيك واسمه الخاص (ماكامونغ) ووزنه النوعي 40.8سم2.
قفل الباب
أما بالنسبة لقفل باب الكعبة المشرفة الجديد ، فقد صرف النظر عن استخدام القفل الخاص بالباب القديم ، والذي يعود إلى عهد السلطان عبدالحميد ، وتمت صناعة قفل جديد بنفس مواصفات القفل القديم بما يناسب التصميم الخاص بالباب الجديد ، ومع زيادة ضمانة الاغلاق دون الحاجة إلى صيانة.
باب التوبة
يقع هذا الباب في الناحية الشمالية حيث يصعد من خلاله إلى سطح الكعبة ، وقد تم تصميمه على أساس أن يأتي مطابقاً للباب الرئيس من حيث الزخرفة وطريقة الكتابة ، بحيث يظهر التجانس بين البابين ، ويبلغ عرضه 701سم وارتفاعه 230سم ، وصنع من نفس نوع الخشب المصنوع منه باب الكعبة (ماكامونغ) ولكن بسماكة أقل.
حجر إسماعيل عليه السلام
يعرف حجر إسماعيل عليه السلام بالمساحة الواقعة شمال الكعبة المعظمة ما بين الركنين العراقي والشامي من ناحية الميزاب والذي يعرف بالحطيم وهو بساط النور المثلث والساحة العظمى وقطعة الأرض المثلى وهو ذلك المكان المحصور بين مصاعد الأنوار ركن الحجر وزمزم والمقام التي تتحطم فيه الذنوب.
حيث تعددت حول الحطيم العديد من الروايات التاريخية التي تشير الى أن إسماعيل عليه السلام وأمه هاجر مدفونان في ذلك الموقع حيث كان يطلق عليه قديماً قبور عذارى بني إسماعيل كما ورد ايضا في تلك الروايات أن تحت ميزاب الكعبة موضع التزام مجاب فيه الدعاء كما ورد أثر غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقال في الطواف عند محاذاة الميزاب اللهم إني أسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب.
وسمي بالحطيم كون مكانه يعتبر امتدادا للكعبة المشرفة او جزءا منها بمقدار ستة أذرع وشبر هي الجزء الذي حطم وأنقصته قريش من الكعبة عندما قامت بتجديد بنائها فبني عليها ذلك الجدار على شكل قوس نصف دائري يرتفع عن الأرض بمقدار متر ونصف المتر تقريبا وعليه ثلاثة فوانيس إضاءة وزينة .
أما حجر إسماعيل فقد اكتسب الشرف من نواح عدة، منها ملاصقته للكعبة ومحاذاته لها ومنها ايضا أن نحو ما يقارب من ستة أذرع من أصل البيت هي الآن داخلة فيه ومن مساحته وفي حديث صحيح للرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال لعائشة: (لولا أن قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا وزدت فيه ستة أذرع من الحجر، فإن قريشا نقصتها حين بنت الكعبة ).
وللحجر فضائل وميزات عديدة منها كما روي عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: (من قام تحت الميزاب فدعا استجيب له وأن على باب الحجر ملكا يقول لمن دخل فصلى ركعتين: مغفور لك ما مضى ) رواه الأزرقي حيث جاء ايضا في روايه للأزرقي قال فيها ( الحطيم ما بين الركن الاسود والمقام وزمزم والحجر سمي حطيماً لان الناس يزدحمون على الدعاء فيه ويحطم بعضهم بعضاً والدعاء فيه مستجاب) ومما تجدر إليه الإشارة أن الطواف داخل الحجر لا يصح، بل من ورائه لأن ستة أذرع منه هي من أصل البيت، والطواف داخل البيت لا يصح كما أن الصلاة المكتوبة داخل الحجر لا تصح كالصلاة داخل البيت للعلة السابقة وهي أن ستة أذرع من البيت في الحجر الآن.أما النافلة فجائزة في كليهما بل إنها مستحبة فيه وقد تم ترميم الحطيم أكثر من 25 مرة.
ميزاب الكعبة المشرفة
لم يكن للكعبة الشريفة ميزاب عند بنائها الأول حيث كانت الكعبة بغير سقف الى ان قامت قريش بوضع ميزاب للكعبة والذي يعرف بالجزء المثبت على سطحها في الجهة الشمالية من ناحية الحطيم وحجر إسماعيل عليه السلام لتصريف مياه الأمطار عن سطح الكعبة المشرفة او عند غسل السطح وكان ذلك حين بنتها سنة 35 من ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم وعندما قام عبد الله بن الزبير رضي الله عنه ببناء الكعبة في شهر رجب عام 946هـ وضع لها ميزابا وجعل مصبه على حجر إسماعيل كما فعلت قريش ثم لما أنقص منها الحجاج بن يوسف ما زاده فيها عبدالله بن الزبير رضي الله عنه على بناء قريش على حسب قواعد إبراهيم عليه السلام وضع الميزاب في موضعه من الجهة الشمالية للكعبة وجعل مصبه على حجر إسماعيل عليه السلام كما كان .
قال الأزرقي: وذرع طول الميزاب أربعة أذرع وسعته ثمانية أصابع في ارتفاع مثلها والميزاب ملبس بصفائح الذهب وكان الذي جعل عليه الذهب الوليد بن عبد الملك. وقد وقع تغيير وتبديل في ميزاب الكعبة المشرفة وذلك لسببين أحدهما كان إذا اعتراه خراب عمل غيره والثاني كان بعض الملوك أو الأغنياء من عظماء المسلمين يهدي للكعبة المعظمة ميزابا فيركب في الكعبة المشرفة وينزع الذي قبله.
وقد قام السلطان عبدالمجيد خان بعمل ميزاب مصفح بنحو 50 رطلاً من الذهب تم صنعه بالقسطنطينية سنة 1276هـ وتم تركيبه في الكعبة في نفس ذلك العام وفي عهد جلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله حينما قام بترميم سطح الكعبة المشرفة في عام 1375هـ حيث أدخلت عليه بعض الترميمات الجزئية في المسامير العلوية المانعة لوقوف الحمام عليه.
شاذروان الكعبة
وهو البناء الذي يحيط بالكعبة المعظمة مما يلي ارض المطاف او الوزرة المحيطة بأسفل جدار الكعبة من جهاتها الثلاث الشرقية والغربية والجنوبية ما عدا جهة حجر اسماعيل عليه السلام وهو مسنم الشكل مبني من الرخام وارتفاعه نحو اربعة قراريط عن حجر اسماعيل وهو جزء من الكعبة المشرفة على الأرجح ويقال إن أول من بناه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه لاستمساك البناء وحمايته من تسرب المياه إلى الأساسات فهو من الحجر الصوان من نفس نوع الحجر الذي بنيت به الكعبة المشرفة وقد رمم وعمّر عدة مرات.