▼▲▼ قذف البريء والمحصنات من كبائر الذنوب ▼▲▼
القذف لغة:
مصدر قولهم: قذف يقذف إذا رمى بالشّيء، وهو مأخوذ من مادّة (ق ذ ف) الّتي تدلّ على الرّمي والطّرح، ومن ذلك قذف بالشّيء يقذفه إذا رمى به، وبلدة قذوف أي طروح لبعدها تترامى بالسّفر، ومنزل قذف وقذيف أي بعيد، والقذيفة: الشّيء يرمى به، والقذف بالحجارة، الرّمي بها، يقال: هم بين حاذف وقاذف، فالحاذف بالعصا والقاذف بالحجارة، والتّقاذف: سرعة ركض الفرس، وفرس متقاذف: سريع العدو.
وقال ابن منظور: يقال: قذف بالشّيء يقذف قذفا فانقذف: رمى. والتّقاذف: التّرامي، والقذف الرّمي بقوّة.
قال اللّيث: القذف الرّمي بالسّهم والحصى والكلام وكلّ شيء. وقذف المحصنة أي سبّها ورماها بزنية. وفي حديث هلال بن أميّة: أنّه قذف امرأته بشريك. القذف هاهنا رمي المرأة بالزّنا، أو ما كان في معناه، وأصله الرّمي ثمّ استعمل في هذا المعني حتّى غلب عليه. وفي الحديث: إنّي خشيت أن يقذف في قلوبكما شرّا أي يلقي ويوقع [مقاييس اللغة (5/ 68)، الصحاح (4/ 1414)، القاموس (1090) ط. بيروت، النهاية (4/ 30). لسان العرب (9/ 276- 277). والمصباح المنير (2/ 258) وبصائر ذوي التمييز (4/ 250) ].
واصطلاحا:
قال البغويّ: القذف: الرّمي بالزّنا وكلّ من رمى محصنا أو محصنة بالزّنا فقال له: زنيت أو يازاني فيجب عليه جلد ثمانين جلدة إن كان حرّا. وإن كان عبدا فيجلد أربعين. وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التّعزير، وشرائط الإحصان خمسة: الإسلام، والعقل، والبلوغ، والحرّيّة، والعفّة من الزّنا [تفسير البغوي (3/ 323) ].
وقال الكفويّ: القذف: يقال للإلقاء والوضع، ويستعار للشّتم والعيب والرّمي البعيد [الكليات (481) ] .
قال المناويّ: القذف: الرّمي البعيد، واستعير للشّتم والعيب، كما استعير للرّمي (مطلقا) [التوقيف (269) ].
آيات
1- قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ)[النور: 4- 9 ] .
2- قوله تعالى: ( ِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)[النور: 23- 25 ] .
أحاديث
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: «إنّ المفلس من أمّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا. فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته. فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه. ثمّ طرح في النّار»[مسلم (2581) ] .
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات». قيل: يا رسول اللّه وما هنّ؟ قال: «الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم. وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات »[البخاري- الفتح 5 (2766)، ومسلم (89) واللفظ له ] .
3- عن عبد اللّه - رضي اللّه عنه- «أنّ رجلا من الأنصار قذف امرأته فأحلفهما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ فرّق بينهما»[البخاري- الفتح 9 (5306) ] .
4- عن صفوان بن عسّال- رضي اللّه عنه- أنّ يهوديّين قال أحدهما لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ نسأله فقال: لا تقل نبيّ؛ فإنّه إن سمعها تقول نبيّ كانت له أربعة أعين، فأتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألاه عن قول اللّه- عزّ وجلّ- وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا تسرقوا، ولا تسحروا، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان فيقتله، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تفرّوا من الزّحف، شكّ شعبة: وعليكم يا معشر اليهود خاصّة لا تعدوا في السّبت» فقبّلا يديه ورجليه وقالا: نشهد أنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكما أن تسلما؟» قالا: إنّ داود دعا اللّه، أن لا يزال في ذرّيّته نبيّ، وإنّا نخاف إن أسلمنا أن تقتلنا اليهود.[الترمذي (3144)، وقال: حسن صحيح، وأحمد في «المسند» (4/ 240) ] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: سمعت أبا القاسم صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: من قذف مملوكه وهو بريء ممّا قال جلد يوم القيامة، إلّا أن يكون كما قال» [البخاري- الفتح 12 (6858) واللفظ له. ومسلم (1660) ] .
6- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- «أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه ولد لي غلام أسود. فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق؟» قال: نعم. قال: «فأنّى ذلك؟» قال: لعلّ نزعه عرق. قال: «فلعلّ ابنك هذا نزعه»[البخاري- الفتح 9 (5305) ] .
7- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- «أنّ رجلا رمى امرأته فانتفى من ولدها في زمان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمر بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتلاعنا كما قال اللّه، ثمّ قضى بالولد للمرأة، وفرّق بين المتلاعنين»[البخاري- الفتح 8 (4748) ] .
8- عن أنس- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا كان يتّهم بأمّ ولد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعليّ: «اذهب فاضرب عنقه» فأتاه عليّ فإذا هو في ركيّ يتبرّد فيها. فقال له عليّ: اخرج. فناوله يده فأخرجه. فإذا هو مجبوب ليس له ذكر. فكفّ عليّ عنه. ثمّ أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه! إنّه لمجبوب. ما له ذكر»[مسلم (2771) ] .
9- عن ابن شهاب أنّ سهل بن سعد السّاعديّ أخبره أنّ عويمرا العجلانيّ جاء إلى عاصم ابن عديّ الأنصاريّ فقال له: يا عاصم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل؟ سل لي يا عاصم عن ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسأل عاصم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك فكره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسائل، وعابها حتّى كبر على عاصم ما سمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر. فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: عاصم لعويمر: لم تأتني بخير، قد كره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسألة الّتي سألته عنها، فقال: عويمر واللّه لا أنتهى حتّى أسأله عنها. فأقبل عويمر حتّى جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسط النّاس، فقال: يا رسول اللّه أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه. أم كيف يفعل؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قد أنزل اللّه فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها. قال سهل: فتلاعنا، وأنا مع النّاس عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول اللّه إن أمسكتها. فطلّقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال ابن شهاب: فكانت سنّة المتلاعنين»[البخاري- الفتح 9 (5308) ] .
آثار
1- عن عمرة بنت عبد الرّحمن- رحمها اللّه- قالت: إنّ رجلين استبّا في زمان عمر بن الخطّاب فقال أحدهما للآخر: واللّه ما أبي بزان ولا أمّي بزانية، فاستشار في ذلك عمر بن الخطّاب. فقائل يقول: مدح أباه وأمّه، وآخر يقول: قد كان لأبيه وأمّه مدح غير هذا- فجلده عمر الحدّ ثمانين.[أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود وهذا لفظه. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553): إسناده صحيح ] .
2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في ولد الملاعنة: هو الّذي لا أب له، ترثه أمّه، وإخوته من أمّه، وعصبة أمّه، فإن قذفه قاذف جلد قاذفه.[الدارمي (2967) ] .
3- قال أبو الزّناد- رحمه اللّه-: جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين، قال أبو الزّناد: فسألت عبد اللّه بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال: أدركت عمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان والخلفاء، هلمّ جرّا، فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين.[أخرجه الموطأ (2/ 829) في الحدود. وقال محقق جامع الأصول (3/ 553) إسناده صحيح ] .
متفرقات
1- قال ابن كثير في قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... ) هذا وعيد من اللّه تعالى للّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات . [تفسير ابن كثير (3/ 276) ] .
2- قال ابن كثير: وهي عامّة في تحريم قذف كلّ محصنة ولعنة من فعل ذلك في الدّنيا والآخرة . [تفسير ابن كثير (3/ 277) بتصرف ] .