∫ਊ∫ غض البصر .. أمر رباني ∫ਊ∫
الغض لغة:
مصدر قولهم: غضّ بصره يغضّه غضّا، وهو مأخوذ من مادّة (غ ض ض) الّتي تدلّ على معنيين: أحدهما: الكفّ والنّقص، والاخر: الطّراوة، وغضّ البصر من المعنى الأوّل، وكلّ شيء كففته فقد غضضته، ومنه قولهم تلحقه في ذلك غضاضة، أي أمر يغضّ له بصره، وقال بعضهم: الغضّ: الخفض، والكفّ والكسر، وأصل الكلمة: غضّ يغضّ غضّا (بالكسر) وغضّا وغضاضة وغضاضا (بالفتح). فقولك: غضّ طرفه أي خفضه، وكذا غضّ صوته، وكلّ شيء غضضته كففته، والأمر منه في لغة أهل الحجاز: اغضض وأهل نجد يقولون: غضّ طرفك. وانغضاض الطّرف: انغماضه.
والإغضاء: إدناء الجفون، وهذا مشتقّ من اللّيلة الغاضية: الشّديدة الظّلمة، ومثله الغضاضة فمعناها: الفتور في الطّرف، فيقال: غضّ وأغضّ وذلك إذا وانى بين جفنيه ولم يلاق (أي بينهما) [مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 248) والصحاح (3/ 1095) ولسان العرب (5/ 3265، 3266) ] .
البصر لغة:
اسم لالة الإبصار، وهو مأخوذ من مادّة (ب ص ر) الّتي تدلّ على العلم بالشّيء، ومنه أيضا: البصيرة، وقال الجوهريّ: البصر: حاسّة الرّؤية، وأبصرت الشّيء رأيته، والبصير خلاف الضّرير، وباصرته إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد، والبصر: العلم، وبصرت بالشّيء: علمته، قال تعالى: (قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ) [طه: 96]، والبصير: العالم، وقد بصر بصارة، والتّبصّر: التّأمّل والتّعرّف، والبصيرة: الحجّة، والاستبصار في الشّيء، وقولهم: أريته لمحا باصرا، أي نظرا بتحديق شديد، ومعناه: ذو بصر وهو من أبصرت، والمعنى: أريته أمرا شديدا يبصره، وقال اللّيث: البصر: العين، وقال ابن سيده: البصر: حسّ العين، والجمع أبصار، والفعل من ذلك قال ابن منظور: بصر به بصرا وبصارة وأبصره وتبصّره: نظر إليه ببصره، وقال سيبويه: بصر: صار مبصرا، وأبصره: إذا أخبر بالّذي وقعت عينه عليه، وأبصرت الشّيء: رأيته، وباصره: نظر معه إلى شيء أيّهما يبصره قبل صاحبه، وباصره أيضا أبصره، ويقال: أبصر الرّجل إذا خرج من الكفر إلى بصيرة الإيمان [مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 253)، والصحاح (2/ 925)، ولسان العرب (1/ 290)، وتاج العروس ط. دار الفكر (5/ 61- 62) ] .
غض البصر اصطلاحا:
أن يغمض المسلم بصره عمّا حرّم عليه، ولا ينظر إلّا لما أبيح له النّظر إليه، ويدخل فيه أيضا إغماض الأبصار عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره سريعا [تفسير ابن كثير 2/ 598 (بتصرف) ] .
-1 قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ ما يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[النور: 30- 31 ] .
1-عن عبادة بن الصّامت- رضي اللّه عنه-، أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم أضمن لكم الجنّة: اصدقوا إذا حدّثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدّوا إذا ائتمنتم، واحافظوا فروجكم، وغضّوا أبصاركم، وكفّوا أيديكم»[أحمد (5/ 323) واللفظ له، الحاكم (4/ 358- 359) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: مرسل وله شاهد. والخرائطي في مكارم الأخلاق (31). وذكره الألباني في الصحيحة (3/ 454) برقم (1470). وكذا في صحيح الجامع (1/ 339) رقم (1029) ] .
-2 عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إيّاكم والجلوس في الطّرقات». فقالوا: يا رسول اللّه، ما لنا من مجالسنا بدّ، نتحدّث فيها. فقال: «فإذا أبيتم إلّا المجلس فأعطوا الطّريق حقّه». قالوا: وما حقّ الطّريق يا رسول اللّه؟. قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر» [البخاري- الفتح 11 (6229) واللفظ له. ومسلم (2121) ] .
3- عن جرير بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- أنّه قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري.[مسلم (2159) ] .
4- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصّوم؛ فإنّه له وجاء»[البخاري- الفتح 4 (1905). ومسلم (1400) واللفظ له] .
5- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «وإذا زوّج أحدكم خادمه- عبده أو أجيره- فلا ينظر إلى ما دون السّرّة وفوق الرّكبة»[أبو داود (496) واللفظ له، وقال محقق جامع الأصول (5/ 187): إسناده حسن وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود ] .
6- عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: أردف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الفضل بن عبّاس يوم النّحر خلفه على عجز راحلته، وكان الفضل رجلا وضيئا، فوقف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للنّاس يفتيهم وأقبلت امرأة من خثعم وضيئة تستفتي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فطفق الفضل ينظر إليها وأعجبه حسنها، فالتفت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والفضل ينظر إليها، فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النّظر إليها. فقالت: يا رسول اللّه! إنّ فريضة اللّه في الحجّ على عباده، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على الرّاحلة، فهل يقضي عنه أن أحجّ عنه؟ قال: «نعم» [البخاري- الفتح 11 (6228) واللفظ له. ومسلم (1334) ] .
7- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة، ولا يفضي الرّجل إلى الرّجل في ثوب واحد، ولا تفضي المرأة إلى المرأة في الثّوب الواحد»[مسلم (338) ] .
8- عن بريدة الأسلميّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعليّ: «يا عليّ، لا تتبع النّظرة النّظرة؛ فإنّ لك الأولى وليست لك الآخرة» [أبو داود (2149) واللفظ له. والترمذي (2777) وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك. وأحمد (5/ 353، 357)، الحاكم (3/ 123)، وقال محقق جامع الأصول (6/ 660): الحديث حسن وقال الألباني: ( حسن ) انظر حديث رقم : 7953 في صحيح الجامع ] .
9- عن أبي سعيد الخدريّ- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ألا أدلّكم على ما يكفّر اللّه به الخطايا ويزيد به في الحسنات» قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى هذه المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، ما منكم من رجل يخرج من بيته متطهّرا فيصلّي مع المسلمين الصّلاة ثمّ يجلس في المجلس ينتظر الصّلاة الاخرى، إنّ الملائكة تقول: اللّهمّ اغفر له، اللّهمّ ارحمه. فإذا قمتم إلى الصّلاة فاعدلوا صفوفكم، وأقيموها وسدّوا الفرج، فإنّي أراكم من وراء ظهري، فإن قال إمامكم: اللّه أكبر، فقولوا: اللّه أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع اللّه لمن حمده فقولوا: اللّهمّ ربّنا لك الحمد، وإنّ خير صفوف الرّجال المقدّم، وشرّها المؤخّر، وخير صفوف النّساء المؤخّر، وشرّها المقدّم. يا معشر النّساء! إذا سجد الرّجال فاغضضن أبصاركنّ، لا ترين عورات الرّجال من ضيق الأزر» [أحمد (3/ 3- 293- 387) واللفظ له. والبيهقي في السنن (2/ 26)- الإحسان في تقريب ابن حبان وقال محققه: إسناده صحيح على شرط البخاري (2/ 127 برقم 402) وابن خزيمة (177- 357) والحاكم (1/ 191- 192) ومسلم عن أبي هريرة (441) وأبو داود (678) والترمذي (244) والنسائي (2/ 93) ] .
1- قال عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه: حفظ البصر أشدّ من حفظ اللّسان.[الورع لابن أبي الدنيا (62) ] .
2- قال ابن مسعود- رضي اللّه عنه- الإثم حوّاز القلوب، وما من نظرة إلّا وللشّيطان فيها مطمع.[الترغيب والترهيب (3/ 36، 37) وقال: الموقوف أصح وروي مرفوعا] .
3- قالت أمّ سلمة- رضي اللّه عنها-: حماديات النّساء غضّ الأطراف .[لسان العرب (6/ 3266) ] .
4- قال أنس بن مالك- رضي اللّه عنه-: إذا مرّت بك امرأة فغمّض عينيك حتّى تجاوزك.[الورع لابن أبي الدنيا (66) ] .
5- قال سعيد بن أبي الحسن: قلت للحسن: إنّ نساء العجم يكشفن صدورهنّ ورؤوسهنّ. قال: اصرف بصرك. يقول اللّه تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)[النور: 30] [أضواء البيان (6/ 189- 190) وعزاه للبخاري انظر الفتح 11 (9) ] .
6- قال الزّهريّ- رحمه اللّه تعالى- في النّظر إلى الّتي لم تحض من النّساء: لا يصلح النّظر إلى شيء منهنّ ممّن يشتهى النّظر إليه وإن كانت صغيرة.[البخاري- الفتح (11/ 9) ] .
7- قال وكيع بن الجرّاح- رحمه اللّه تعالى:خرجنا مع سفيان الثّوريّ في يوم عيد فقال: إنّ أوّل ما نبدأ به في يومنا غضّ أبصارنا.[الورع لابن أبي الدنيا (963) ] .
8- قال العلاء بن زياد العدويّ- رحمه اللّه تعالى-: لا تتبع بصرك حسن ردف المرأة، فإنّ النّظر يجعل الشّهوة في القلب.[الورع لابن أبي الدنيا(68) ] .
9- قال شجاع بن شاه- رحمه اللّه تعالى-: من عمّر ظاهره باتّباع السّنّة، وباطنه بدوام المراقبة، وغضّ بصره عن المحارم، وكفّ نفسه عن الشّهوات، (وذكر خصلة سادسة) هي أكل الحلال. قال: لم تخطيء له فراسة.[مجموع الفتاوى (15/ 425- 426) ] .
10- قال بعض السّلف: من حفظ بصره أورثه اللّه نورا في بصيرته . [تفسير ابن كثير (3/ 283) ] .
11- قال بعض أهل العلم: اتّقوا النّظر إلى أولاد الملوك فإنّ فتنتهم كفتنة العذارى .[ مجموع الفتاوى (15/ 420) ] .
1- قال الشّاعر:
وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي *** حتّى يواري جارتي مأواها
[أضواء البيان (6/ 189) ] .
2- قال الحافظ ابن حجر نظما في آداب الطّريق:
جمعت آداب من رام الجلوس على *** الطّريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السّلام وأحسن في الكلام *** وشمّت عاطسا وسلاما ردّ إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث *** لهفان اهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مر، وانه عن نكر وكفّ أذى *** وغضّ طرفا وأكثر ذكر مولانا
[الفتح (11/ 13) ] .
3- ويقول الشاعر:
كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم من نظرة فتكت بقلب صاحبها *** فتك السهام بين القوس والوتر
والعبد ما دام ذا عين يقلبها وفي *** أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته لا *** مرحبا بسرور عاد بالضرر
[الجامع في الرسائل الدعوية ص454] .
1- قال ابن دقيق العيد- رحمه اللّه تعالى-: إنّ التّقوى سبب لغضّ البصر، وتحصين الفرج.[الفتح (9/ 109) ] .
2- قال ابن كثير. رحمه اللّه تعالى-: عند تفسير قوله تعالى: ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ )[النور الاية: 30] هذا أمر من اللّه تعالى لعباده المؤمنين أن يغضّوا من أبصارهم عمّا حرّم عليهم فلا ينظروا إلّا إلى ما أباح لهم النّظر إليه، وأن يغضّوا أبصارهم عن المحارم، فإن اتّفق أن وقع البصر على محرّم من غير قصد فليصرف بصره عنه سريعا.[بتصرف يسير من التفسير (3/ 282) ] .
3- قال ابن تيميّة- رحمه اللّه تعالى-: قد أمر اللّه في كتابه بغضّ البصر وهو نوعان: غضّ البصر عن العورة، وغضّه عن محلّ الشّهوة.
فالأوّل منهما: كغضّ الرّجل بصره عن عورة غيره، كما قال النّبيّ «لا ينظر الرّجل إلى عورة الرّجل ولا المرأة إلى عورة المرأة» ويجب على الإنسان أن يستر عورته. وأمّا النّوع الثّاني: فهو غضّ البصر عن الزّينة الباطنة من المرأة الأجنبيّة وهذا أشدّ من الأوّل.[مجموع الفتاوى (15/ 414- 436) ] .