█▒▒▒█ العنف وإلإكراه من منظور الإسلام █▒▒▒█
بالرغم من وجود العنف وحدوثه في جميع مناطق العالم، وبالرغم من أن مرتكبي أحداث العنف ينحدرون من توجهات وخلفيات دينية متنوعة، إلا أن العالم الغربي دأب على ربط العنف بالإسلام عن غيره من العقائد.
ولذا، فهناك حاجة ماسة لتوضيح المنظور الإسلامي إزاء العنف بجميع أشكاله ومظاهره.
تعريف العنف
لعل النقطة المثالية التي ينبغي علينا البدء بها، هي تحديد معني كلمة العنف، فمن العسير نوعاً ما - إن لم يكن مستحيلاً ـ أن نتحدث عن رأي الإسلام في العنف، بدون أن نتفق على الأمور التي نعنيها بكلمة العنف. إليك بعض تعريفات كلمة العنف في القواميس الشائعة :
العنف هو استخدام القوة البدنية بقسوة أو الإتيان بسلوك يسبب الضرر للآخرين، التعامل بقسوة؛ استخدام القوة الجسدية ( بشكل غير مشروع) لإيذاء الآخرين، استخدام القوة بشكل غير مبرر أو بشكل جائر لانتهاك حقوق الآخرين، القسر، الحدة، الشدة.
إذا كان المعنى المقصود بكلمة عنف هو استخدام القوة بقسوة وجور للإيذاء أو إلحاق الضرر بالآخرين، فإن موقف الإسلام تجاه العنف بمعناه هذا يعتمد على العوامل التالية:
أ. من هو الشخص الذي يستخدم العنف بمعناه السابق.
ب. من هو الشخص الذي وقع عليه العنف.
جـ. سبب القيام به.
د. مشروعية القيام به.
العنف لغة: العنف مصدر عنف يعنف عنفا فهو عنيف إذا لم يترفّق في أمره، يقول ابن فارس: (العين والنّون والفاء) أصل صحيح يدلّ على خلاف الرّفق، قال الخليل: العنف ضدّ الرّفق، يقال اعتنفت الشّيء إذا كرهته ووجدت له عنفا عليك، ومشقّة [المقاييس (4/ 58) ] . والعنيف: الّذي ليس له رفق بركوب الخيل، والجمع عنف، واعتنفت الأرض: أي كرهتها[الصحاح (4/ 407) ] .
وقال ابن منظور: الخرق بالأمر وقلّة الرّفق به، وهو ضدّ الرّفق: عنف به وعليه يعنف عنفا وعنافة، وأعنفه وعنّفه تعنيفا، وهو عنيف إذا لم يكن رفيقا في أمره. واعتنف الأمر: أخذه بعنف.
وفي الحديث: «إنّ اللّه تعالى يعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف»، هو بالضّمّ، الشّدّة والمشقّة، وكلّ ما في الرّفق من الخير ففي العنف من الشّرّ مثله.
والتّعنيف: التّعيير واللّوم. وأعنف الشّيء أخذه بشدّة، والعنف والعنيف المعتنف، وهو الّذي لا يترفقّ [لسان العرب لابن منظور (4/ 3132) ط. دار المعارف ].
العنف اصطلاحا: قال المناويّ: العنف هو عدم الرّفق [التوقيف (248) ] ، وإذا كان قد عرّف الرّفق بأنّه حسن الانقياد لما يؤدّي إلى الجميل[التوقيف (179) ] ، فإنّ العنف يمكن تعريفه بأنّه: سوء الانقياد الّذي يؤدّي إلى القبيح.
وإذا أخذنا بتعريف الكفويّ للرّفق بأنّه التّوسّط والتّلطّف في الأمر [الكليات للكفوي (482) ]. فإنّ العنف يكون عبارة عن انعدام ذلك التّوسّط وفقدان هذا التّلطّف عند تناول أمر من الأمور، أو هو بعبارة أخرى التّطرّف والغلوّ المصحوبان بالفظاظة في معاملة الآخرين حتّى ولو أساءوا الأدب.
الإكراه لغة: الإكراه مصدر قولهم: أكرهه على الشّيء بمعنى حمله على فعل شيء هو له كاره، قال ابن منظور: يقال: أكرهته حملته على أمر هو له كاره ، وفي المثل: أساء كاره ما عمل وذلك أنّ رجلا أكرهه آخر على عمل فأساء عمله، وامرأة مستكرهة غصبت نفسها فأكرهت على ذلك، وأمر كريه أي مكروه، ووجه كره وكريه معناه قبيح لأنّه يكره.
الإكراه اصطلاحا: الإكراه: أن تنال (شيئا) بشيء من العذاب كالضّرب والخنق والعصر والحبس والغطّ في الماء مع الوعيد، أمّا الوعيد بمفرده فليس بإكراه، وقيل: هو إكراه إذا خاف القتل أو الضّرب الشّديد، وهذا قول أكثر الفقهاء [المغني (الفهارس) ص 88 ]. وقال الإمام ابن حجر: الإكراه هو إلزام الغير بما لا يريده [فتح الباري (12/ 326) ] .
1- قوله تعالى: ( لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ )[البقرة: 256 ] .
2- قوله تعالى: ( وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ )[يونس: 99 ] .
3- قوله تعالى: ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ )[النحل: 106 ] .
4- قوله تعالى: ( إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنا لِيَغْفِرَ لَنا خَطايانا وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقى )[طه: 73 ] .
5- قوله تعالى: ( وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ )[النور: 33 ] .
على سبيل المثال، إذا كان من يقوم بهذه الأفعال التي تتضمن استخدام القوة لإلحاق الضرر هي جهات شرعية أو كيانات ذات سلطة قانونية، وليسوا أشخاصا نصبوا أنفسهم للقيام بذلك، وكان الأشخاص الواقع عليهم العنف هم مجرمين مدانين يتم عقابهم على جرائمهم بما يتفق مع تعاليم الدين الإسلامي؛ أي أنها عقوبة مقررة، حينئذ، فالإسلام لا يعارض العنف بهذا المعني، بل يشجعه، لأن العقوبة ينبغي أن تكون رادعة.
يقول الله تعالى:
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (النور : 2)
وفى الحديث الثابت عند أبي داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: تعافوا الحدود بينكم فما بلغني من حد فقد وجب.
إلا أن الإسلام لا يسمح للأشخاص المدنيين العاديين أن ينفذوا الحدود بأنفسهم، بل يضع الأمر في يد ولي الأمر الرسمي، أو من يخولهم ولي الأمر للقيام بذلك.
وبالمثل، لا يعارض الإسلام العنف بهذا المعنى إذا كان صادرا عن دولة ذات سلطة وسيادة تجاه دولة أخري تقوم بأفعال تهدد وجودها، وتنتهك سيادتها وحريتها، وتستبيح أمنها القومي.
وبرغم ذلك، فالإسلام يعارض بشدة جميع أشكال الاستخدام المفرط والغير مبرر للقوة في هذا السياق. إذ أن الإسلام يشترط في حالة الحرب أن يكون استخدام القوة والعنف وإلحاق الضرر موجهاً فقط لمقاتلي العدو في ميدان المعركة. حيث يحرم الإسلام إلحاق أي أذى بالنساء أو الأطفال أو من لا يحملون السلاح، ويمنع تماما استخدام القوة تجاه المدنيين.
روى عبد الله ابن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: قتل النساء والصبيان.
ومن المهم أيضاً أن نلحظ أنه برغم أن الإسلام يحل العنف في هذا السياق، وهو نتيجة طبيعية للحرب وله شروط معينة، إلا أنه يفضل الحلول السلمية كبديل للحرب وسفك الدماء، يقول الله تعالى: الأنفال:61 ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)
ويقول أيضاً: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ البقرة : 193
وحتى عندما أصبح القتال أمراً لا مناص عنه، واضطر المسلمون للقتال ليدافعوا عن وجودهم وحريتهم الدينية، فإن المسلمون قد سعوا للحلول السلمية كبديل للنزاع المسلح لحل الخلافات القائمة.
لذا فيما يتعلق بالعنف بمعنى القوة، فإن الإسلام لا يعترض تماماً على استخدامه، وإنما يعمل على تقنينه لئلا يجاوز الحد الذي أمرنا به الله سبحانه وتعالى.
1- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّ يهود أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: السّام عليكم. فقالت عائشة: عليكم ولعنكم اللّه وغضب اللّه عليكم، قال: «مهلا يا عائشة، عليك بالرّفق وإيّاك والعنف والفحش». قالت: أو لم تسمع ما قالوا. قال: «أو لم تسمعي ما قلت؟. رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم فيّ»[البخاري- الفتح 10 (6030) واللفظ له، ومسلم (2593) ] .
2- عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- قال: استأذن عمر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعنده نساء من قريش يكلّمنه ويستكثرنه عالية أصواتهنّ، فلمّا استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب. فأذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يضحك. فقال عمر: أضحك اللّه سنّك يا رسول اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «عجبت من هؤلاء اللّاتي كنّ عندي، فلمّا سمعن صوتك ابتدرن الحجاب» قال عمر: فأنت يا رسول اللّه أحقّ أن يهبن. ثمّ قال عمر: أي عدوّات أنفسهنّ أتهبنني ولا تهبن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قلن: نعم. أنت أغلظ وأفظّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده ما لقيك الشّيطان قطّ سالكا فجّا إلّا سلك فجّا غير فجّك»[البخاري- الفتح 7 (3683)، ومسلم (2396) واللفظ له ] .
3- عن أبي مسعود- رضي اللّه عنه- قال: أشار النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بيده نحو اليمن. فقال: ألا إنّ الإيمان هاهنا. وإنّ القسوة وغلظ القلوب في الفدّادين . عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشّيطان.في ربيعة ومضر»[البخاري- الفتح 6 (3302)، ومسلم (51) واللفظ له ] .
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ أعرابيّا بال في المسجد فثار إليه النّاس ليقعوا به. فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دعوه وأهريقوا على بوله ذنوبا من ماء أو سجلا من ماء فإنّما بعثتم ميسّرين ولم تبعثوا معسّرين»[البخاري- الفتح 10 (6128) واللفظ له، ومسلم (234) ] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتقاضاه فأغلظ، فهمّ به أصحابه فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دعوه، فإنّ لصاحب الحقّ مقالا». ثمّ قال: «أعطوه سنّا مثل سنّه». قالوا: يا رسول اللّه إلّا أمثل من سنّه. فقال: «أعطوه، فإنّ من خيركم أحسنكم قضاء»[البخاري- الفتح 4 (2306) واللفظ له، ومسلم (1601) ] .
6- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صوت خصوم بالباب عالية أصواتهما، وإذا أحدهما يستوضع الآخر ويسترفقه في شيء وهو يقول: واللّه لا أفعل. فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهما، فقال: «أين المتألّي على اللّه لا يفعل المعروف». قال: أنا يا رسول اللّه. فله أيّ ذلك أحبّ»[البخاري- الفتح 5 (2705)، ومسلم (1557) واللفظ له ] .
7- عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول في بيتي هذا: «اللّهمّ من ولي من أمر أمّتي شيئا فشقّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمّتي شيئا فرفق بهم فارفق به»[مسلم (1828) ] .
8- عن سهل بن الحنظليّة- رضي اللّه عنه- قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: «اتّقوا اللّه في هذه البهائم المعجمة ، فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة»[أبو داود (2548)، وقال محقق جامع الأصول (4/ 528) إسناده حسن وقال الألباني صحيح] .
9- عن خنساء بنت خدّام الأنصاريّة رضي اللّه عنها- أن أباها زوّجها وهي ثيّب فكرهت ذلك، فأتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فردّ نكاحها . [البخاري- الفتح (6945) ] .
10- عن أمّ سلمة- رضي اللّه عنها- قالت: ذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الجيش الّذي يخسف بهم. فقالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه! لعلّ فيهم المكره؟ قال: «إنّهم يبعثون على نيّاتهم»[مسلم (4065) ] .
الإسلام وجذور العنف
من الأمور الأخرى التي تثبت حقيقة أن الإسلام ُمصنف بشكل ظالم بأنه دين عنف، أن الإسلام لم يحرم فقط العنف الغير مبرر والجائر، ولم يكتفي بفرض قيود عدة على استخدام القوة فقط عند الضرورة إليها، كما لم يقتصر على دعوة أتباعه إلى التحلي :بالرفق وحسن الخلق في كل شيء حتى في مواجهة الجهالة والوحشية، بل لقد قطع الإسلام شوطاً زائداً في مواجهة العنف وضربه في مهده وذلك من خلال منع الأسباب التي تؤدي إليه، وهي
الغضب
يصف الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين المتقين في القرآن فيقول:
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران: 134.
ومما يروى أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَوْصِنِي. قَالَ لاَ تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ لاَ تَغْضَبْ.
يقول المفسرون: المقصود بذلك ألا تترك العنان لغضبك ليتحول إلى فعل...حيث أن كثير من المصائب إنما تحدث عندما ينجرف الناس وراء غضبهم.
التطرف
يقول الله تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ... النساء: 171.
يقول بعض العلماء في تفسيرهم لتلك الآية: ومن المعلوم أن هذا التحريم الموجه لأهل الكتاب هو في ذات الوقت موجه للأمة الإسلامية كذلك؛ حيث أن المغالاة في الدين هي أمر مكروه ويستحق اللوم....
ومن الأحاديث التي يرويها لنا أئمة السلف فيما يتعلق بالمغالاة والتطرف:
قول النبي صلى الله عليه وسلم: إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
ويقول أيضا صلى الله عليه وسلم: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ و قَالَهَا ثَلاثاً.
التكبر
كيف يؤدي الكبر والغطرسة وافتراض الأفضلية عن الآخرين إلى الوقوع فى العنف؟ يقول القرآن الكريم في هذا الشأن مبيناً:
إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص: 76.
الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ غافر: 35.
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، يَقُولُ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَدْخَلْتُهُ النَّارَ .
بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ : إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ ، وَغَمْطُ النَّاسِ.
الإجحاف
على مر العصور كان الإجحاف شرارة أشعلت نيران العنف وأججت لهيبه، ولذا فإن القرآن قد حرم على المسلمين الاتصاف بالإجحاف والتحيز لعرق أو لون أو جنسية أو التعصب القبلي، يقول الله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات: 13.
ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى.
الجشع
إن المرء عندما يدقق النظر في أغلب حوادث العنف؛ ويركز اهتمامه على العوامل التي أدت إلى وقوعها، فسيجد أن الجشع هو أحد الأسباب الأساسية لعديد من الأفعال التي تنطوي على قهر أو استخدام للقوة والشدة. ولهذا السبب حذر الإسلام أتباعه من الجشع والانسياق وراء شهوة الطمع الإنسانية.
يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
وَالَّذِينَ تَبَوَّأوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
ويقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم.
1- عن قتادة في قوله تعالى: ( فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ )... الآية: قال: إي واللّه طهّره من الفظاظة والغلظة، وجعله قريبا رحيما رؤوفا بالمؤمنين.[الدر المنثور للسيوطي (2/ 169) ] .
2- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ) الآية: قال: كانوا إذا مات الرّجل كان أولياؤه أحقّ بامرأته، إن شاء بعضهم تزوّجها، وإن شاءوا زوّجوها وإن شاءوا لم يزوّجوها، فهم أحقّ بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك .[البخاري- الفتح (6948) ] .
يمكن للمرء أن يرى بوضوح أنه إذا كانت المبادئ الإسلامية هي أساس الحساب العادل يوم القيامة، فإن الدين الإسلامي لا يمكن اعتباره ديناً يحض على العنف أو يغض الطرف عنه أو عن ارتكاب الأعمال الإرهابية. وإذا احتج البعض بأفعال بعض المسلمين المضَللين كدليل على ذلك، فإننا نقول أن تلك الاعتداءات إنما هي انتهاك للمبادئ الإسلامية وليست نتاجاً لها. فالدين الإسلامي بكماله ومثاليته ليس هو السبب، وإنما السبب هو الإنسان بعيوبه ونقائصه.
كما ينبغي أن نضع في حسباننا أمراً آخر، وهو انه إذا كان الدين الأكثر نمواً وانتشاراً فى العالم والبالغ عدد أتباعه 1.2 مليار شخص، يحض على العنف كمبدأ أساسي فيه، فكيف يتأتي أن عدداً ضئيلاً جداً من المسلمين هم من ارتكبوا أعمال العنف التي ُيربط بينها وبين الإسلام دائماً؟ وكيف يتأتي أن مستوى العنف في المجتمعات الإسلامية الفقيرة ماديا وصناعيا واجتماعيا، أقل بكثير منه في المجتمعات الصناعية و المتحضرة ؟