معالم مكة الأثرية
جبل حراء :
كان نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم في جبل حراء في غار فيه يسمى حراء ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيه فيتحنث فيه ـ أي يتعبد ـ وذلك قبل أن يوحى إليه ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت : أولُ ما بُدِئ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان صلى الله عليه وسلم لا يرى رؤيا إلى جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حُبِّب إليه الخلاء ، فكان صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزوّد لذلك ثم يرجع إلى خديجة ـ رضي الله عنها ـ فيتزوّد لمثلها . الحديث .
وفي الحديث الذي روته عائشة ـ رضي الله عنها ـ حتى فاجأه الحق وهو بغار حراء ، فجاء الملك ، فقال :" اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ ، فقلت : ما أنا بقارئ ، فأخذني الثالثة حتى إذا بلغ مني الجهد ، ثم أرسلني فقال : اقرأ " . الحديث .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان على صخرة بحراء ، هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير ـ رضي الله عنهم ـ فتحركت الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اهدأ ، فما عليك إلا نبيٌ ، أو صديق ، أو شهيد " .
جبل ثور :
وهو بأسف مكة ، وقد اختفى النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فيه حين هاجر إلى المدينة ، وذلك في غار مشهور فيه ، وهو الغار الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز حيث قال سبحانه :
{ ثاني اثنين إذ هما في الغار } التوبة : 40 .
لما همّ المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه ، فخرج منهم هارباً بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر الصديق ، فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ، ثم يسيرا نحو المدينة ، فجعل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يجزَع أن يطَّلع عليهم أحد ، فيخلص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أذىً ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يسكّنه ويُثبِّته ويقول : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما .
فعن أني أن أبا بكر حدثه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت آثار المشركين ، قلت ، يا رسول الله ، لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا ، قال : " ما ظنك باثنين الله ثالثهما " .
مسجد الخيف وفضله :
هو من المساجد التي ثبت لها الفضل في بعض الأحاديث والآثار ، ففي حديث ابن عباس مرفوعاً : " صلّى في مسجد الخيف سبعون نبياً " وقد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم في حجته ، كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون لهذا المسجد فضله ، ويذكرونه بخير كثير ، ويحضون الناس على الصلاة فيه أثناء أداء المناسك .
فعن ابن جُريح قال : قلت لعطاء : رجل من التجار شغل في أيام الحج في بيعه ، فلم يستطع الصلاة فيه حتى نفر ، قال : فيصلي فيه ، قلت ـ أتوجب الصلاة فيه ؟ قال : لا ، ولكن صلوا فيه ما استطعتم .
وقال أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ : لو كنت من أهل مكة ، ما جاءت عليّ جمعة إلا صليت فيه.
ولم يثبت في حديث صحيح أنه دُفن في هذا المسجد سبعون نبياً ، وكلُّ مارُوِي فيه ضعيف .
مـنى :
هو الموضع الذي يؤمر الحاج بنزوله والإقامة به حتى تطلع الشمس على ثبير في يوم عرفة ، وفي يوم النحر وفيما بعده من أيام التشريق ، والمبيت به ، وفيه يرمي الحاج الجمار ، يعمر أيام الموسم ويخلو بقية السنة إلا ممن يسكنها .
وحدُّ منى ما بين قرى وادي مُحَسّر إلى العَقَبة التي عدها الجمرة الدنيا إلى مكة ، وهي جمرة العقبة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار عندها .
ومن فضائل منى أن بها مسجد الخيف ، ومنها : أن الله أنزل الكبش على إبراهيم ـ عليه السلام ـ فداء لابنه بها ، والقصة معروفة .
عرفة :
عرفة تسمى أيضاً عرفات ، والوقوف بعرفة ركن ، ومن فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحج لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " ويكون عليه حج قادم وهدي ، وليوم عرفة فضل كبير ، وقد ورد في ذلك كثير من الأحاديث .
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار ، من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ـ عزّ وجلّ ـ ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رُئي الشيطان يوماً هو أصغر فيه ، ولا أدحر ، ولا أحقر ، ولا أغيظ منه في يوم عرفة ، وما ذلك إلا مما يرى من تنزُّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام " .
وعن طارق بن شهاب قال : جاء رجل من اليهود إلى عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أمير المؤمنين ، آيةٌ في كتابكم تقرَؤُنها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً .
قال : أي آية ؟ قال :
{ اليوم أكملت لك دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } المائدة :3}
قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة ، يوم جمعة .
ومن فضائل يوم عرفة أن صيامه يكفِّر سيئات السنة الباقية والماضية ، فعن أبي قتادة أن رجلاً قال : يا رسول الله ، أرأيت صيام عرفة ، قال : " أحتسب على الله أن يكفِّر السنة الباقية والماضية" .
المزدلفة :
مزدلفة هو الموضع الذي يؤمر فيه الحاج بنزوله والمبيت فيه بعد دفعه من عرفه ليلاً ، وهو ما بين مأزِمي عرفة ومُحسِّر . ومأزِمُ عرفة هو الذي يقال له : المَضِيق ، قال بهذا التحديد مجموعة من العلماء ، منهم الشافعي في كتابه ( الأم ) فإنه قال : المزدلفة حدُّها من حين يفضي من مأزمي عرفة إلى أن يأتي قرن محسِّر ، هكذا على يمينك وشمالك من تلك المواطن . القوابل ، والظواهر ، والشعاب ، والشِّجار كلها من المزدلفة .
ويقال للمزدلفة : جَمْعٌ ، سميت بذلك لاجتماع الناس فيها ، وهي المشعر الحرام الذي ذكره الله تعالى في كتابه العزيز فقال :
{ فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام } الآية ، البقرة : 198.
وقال البعض : إن المشعر الحرام موضع من مزدلفة لا كلها ، ففي حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ الطويل ، ما يدل على أن المشعر الحرام موضع من المزدلفة لا كلها ، لأنه قال فيه : بعد أن ذكر نزول النبي صلى الله عليه وسلم المزدلفة ، ومبيته بها ، وصلاته فيها الصبح ـ ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام ، فاستقبل القبلة ، فدعا وكبر وهلل ووحد ، ولم يزل واقفاً .
والمبيت بمزدلفة واجب ، من تركه فعليه دم ، والمستحب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في المبيت إلى أن يُصبح ، ثم يقف حتى يسفر ، ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء ، ثم يدفع إلى منى قبل طلوع الشمس .
المُحَسِّر :
هو الموضع الذي يجب الإسراع فيه وهو واد بين منى والمزدلفة ، على حدِّها وليس منهما . ويقال للمحسِّر : " المُهَّلل " لأن الناس إذا وصلوا إليه في حجهم هلّلوا فيه وأسرعوا السير في الوادي المتصل به ، والأصل في استحباب الإسراع في هذا المكان فعلُ النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فيه . وقد فعل ذلك لأجل أنه مأوى للشياطين فاستحب الإسراع فيه .
المُحَصَّب :
ويستحب للحاج النزول فيه بعد انصرافه من منى ، وهو في مكة بطريق منى هو منزل نزلَه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي رافع ـ وكان على ثقل النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال : لم يأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح ولكن ضربت فيه قبته ، فجاء فنزل .
وقالت عائشة : إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل به لأنه كان أسمح لخروجه حين يخرج ، فمن شاء نزله ومن شاء تركه .
وقال ابن جريج : وكنت أسمع الناس يقولون لعطاء : إنما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلتئذٍ المحصَّب ينتظر عائشة ، فيقول : لا ، ولكن إنما هو مُناخ للركبان فيقول : من شاء حصب ومن شاء لم يحصب .
مسجد التَّنْعِيم :
ويعرف بمسجد عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ ويقع في المكان الذي توجهتَ إليه للإحرام بالعمرة ، حيث أمرها الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، ففي حديث طويل لجابر بن عبد الله جاء فيه :
وإن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حاضت فنسكت المناسك كلها ، غير أنها لم تطف بالبيت ، قال : فلمّا طهرت وطافت قال : يا رسول الله ، أنطلقون بعمرة وحجة وأنطلق بالحج ؟ فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج معها إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج في ذي الحجة .
ويقع المسجد على بعد ( 7.5 كم ) من المسجد الحرام ، على طريق مكة المكرمة ذاهباً إلى المدينة المنورة ، المسمى بطريق الهجرة ، ويعتبر مَعلماً من معالم مكة المكرمة بطرازه الإسلامي الفريد ، وهيئته المتميزة في البناء .
{ وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً }
مسجد الجعْرانة :
الجِعْرانة ماء بين الطائف ومكة ، وهي إلى مكة أقرب ، نزلها النبي صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم هوزان ، مرجِعَه من غزوة حنين ، وأحرم منها ، وله فيها مسجد وهو الذي يعرف بـ ( مسجد الجعرانة ) .
وقال أبو العباس القاضي : أفضل العمرة ، لأهل مكة ومن جاورها ، من الجعران لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر منها .
وعن الزنجي عن ابن جُرَيج قال : أخبرني زياد بن محمد بن طارق أنه اعتمر مع مجاهد من الجعرانة ، فأحرم من وراء الوادي حيث الحجارة المنصوبة ، قال : ومِن ههنا أحرم النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر تقي الدين الفاسي : أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من المسجد الأقصى الذي تحت الوادي بالعُدوة القصوى من الجعران ، وكان مصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم ـ إذا كان بالجعرانة ـ وكان إحرامه صلى الله عليه وسلم ليلةَ الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة ، وكان انتهى إلى الجعران ليلة الخميس لخمس ليالٍ خلَ,ن من ذي القعدة ، وأقام بها ثلاث عشرة ليلة .
والجعرانة أفضل مواقيت العمرة من مكة لإحرام النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المكان ، على مذهب مالك والشافعي وابن حنبل ، وغيرهم من العلماء ـ رضي الله عنهم .
مسجد الجن :
وهو في طرف الحجون ، وبني في المكان الذي خط فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ خطاً ، وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم بقراءة القرآن على الجن ، فأخذ معه ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وانطلق حتى أتى الحجون عند شعب أبي دُبّ .
فعن ابن عثمان ، عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة العشاء ، ثمّ انصرف ، فأخذ بيد ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فخرج به ، حتى أتى أبطح مكة ، فأجلسه ، ثمّ خط عليه خطاً ثم ّ قال له : " لا تبرح ، ويحك . فإنها ستنتهي إليك رجال ، فلا تكلمهم ، فإنهم لن يكلِّموك " ثم انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لم أره ، فبينما أنا كذلك ، فإذا أنا برجال كأنهم الزّط : شعورهم ، وأجسامهم ، لا أرى عورة ، ولا أرى بَشْراً ، فجعلوا ينتهون إلى الخطّ ، فلا يجوزونه ، ثمّ يصدرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان من آخر الليل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في خطيّ فقال : " لقد آذاني هؤلاء منذ الليلة " .
ثم دخل عليّ في الخط ، فتوسد فخذي ثم رقد صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نام نفخ فذكر حديثاً فيه طول .