*¤ô§ô¤* دنو الهمة خلق المنافق وضعيف الإيمان *¤ô§ô¤*
الصّغر لغة:
الصّغر خلاف الكبر، مأخوذ من مادّة «ص غ ر» الّتي تدلّ على القلّة والحقارة، يقول ابن فارس: الصّاد والغين والرّاء أصل صحيح يدلّ على قلّة وحقارة. من ذلك الصّغر ضدّ الكبر، والصّغير خلاف الكبير [المقاييس (3/ 290) ] .
وقد صغر الشّيء، وهو صغير، وصغار، وأصغره غيره، وصغّره تصغيرا. واستصغره عدّه صغيرا، وتصاغرت إليه نفسه، تحاقرت، والصّغار، بالفتح: الذّلّ والضّيم، وكذلك الصّغر بالضّمّ.
والمصدر الصّغر- بالتّحريك- وقد صغر الرّجل- بالكسر- يصغر صغرا. يقال: قم على صغرك وصغرك، والصّاغر، الرّاضي بالضّيم [الصحاح (2/ 713) ] .
والصّغر والصّغارة خلاف العظم، وقيل: الصّغر في الجرم، والصّغارة في القدر وأصغره وصغّره: جعله صغيرا.
والإصغار خلاف الإكبار، وأرض مصغرة: نبتها صغير لم يطل، وفلان صغرة أبويه، وصغرة ولد أبويه، أي أصغرهم وهو كبرة ولد أبيه أي أكبرهم .. وتصاغرت إليه نفسه: صغرت وتحاقرت ذلّا ومهانة، وفي الحديث: «إذا قلت ذلك تصاغر حتّى يكون مثل الذّباب» يعني الشّيطان أي ذلّ وامّحق، قال ابن الأثير: ويجوز أن يكون من الصّغر والصّغار، وهو الذّلّ والهوان، وفي حديث عليّ يصف أبا بكر- رضي اللّه عنهما- «برغم المنافقين وصغر الحاسدين» أي ذلّهم وهوانهم، وصغرت الشّمس: مالت للغروب [اللسان (4/ 2452، 2453)
] . ومن أمثال العرب: المرء بأصغريه، وأصغراه قلبه ولسانه، ومعناه أنّ المرء يعلو الأمور ويضبطها بجنانه ولسانه.
الهمّة لغة:
الهمّة: واحدة الهمم، وهمّ بالشّيء يهمّ همّا: نواه وأراده، وعزم عليه. والهمّة والهمّة: ما همّ به من أمر ليفعله، وتقول: إنّه لعظيم الهمّ وإنّه لصغير الهمّة، وإنّه لبعيد الهمّة. والهمّة- بالفتح- والهمام: الملك العظيم الهمّة. وقيل: الهمام اسم من أسماء الملك لعظم همّته، وقيل: لأنّه إذا همّ بأمر أمضاه لا يردّ عنه بل ينفذ كما أراد، وقيل: الهمام السّيّد الشّجاع السّخيّ [اللسان (12/ 620، 621) ] .
قال الماورديّ- رحمه اللّه-: فأمّا شرف النّفس: إذا تجرّد عن علوّ الهمّة، فإنّ الفضل به عاطل، والقدر به خامل، وهو كالقوّة في الجلد الكسل،والجبان الفشل، تضيع قوّته بكسله، وجلده بفشله.
وشرف النّفس مع صغر الهمّة أولى من علوّ الهمّة مع دناءة النّفس، لأنّ من علت همّته مع دناءة نفسه، كان متعدّيا إلى طلب ما لا يستحقّه، ومتخطّيا إلى التماس ما لا يستوجبه، ومن شرفت نفسه مع صغر همّته، فهو تارك لما يستحقّ ومقصّر عمّا يجب له، وفضل ما بين الأمرين ظاهر، وإن كان لكلّ واحد منهما من الذّمّ نصيب [أدب الدنيا والدين للماوردي (308- 309) ] .
صغر الهمة اصطلاحا:
قال الجاحظ: صغر الهمّة: هو ضعف النّفس عن طلب المراتب العالية، وقصور الأمل عن بلوغ الغايات، واستكثار اليسير من الفضائل، واستعظام القليل من العطايا والاعتداد به، والرّضا بأوساط الأمور وأصاغرها. [تهذيب الأخلاق للجاحظ (34) ] .
وقال الرّاغب: صغر الهمّة: ترك الإنسان لما يستحقّه وهو والدّناءة سواء. وقال أيضا: الكبير الهمّة على الإطلاق هو من لا يرضى بالهمم الحيوانيّة قدر وسعه فلا يصير عبد عارية بطنه وفرجه، بل يجتهد أن يتخصّص بمكارم الشّريعة فيصير من خلفاء اللّه وأوليائه في الدّنيا ومجاوريه في الآخرة، والصّغير الهمّة من كان على الضّدّ من ذلك [الذريعة إلى مكارم الشريعة (291) ] .
آيات
1- قول الله تعالى: (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) [ التوبة: 19- 20] .
2- قوله تعالى: (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [ التوبة: 41- 42] .
3- قوله تعالى: (وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ * رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ* لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [ التوبة: 86- 88] .
4- قوله تعالى: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً * قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلًا) [ الإسراء: 83- 84] .
5- قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها* فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها * وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [ الشمس: 7- 10] .
أحاديث
1- عن عمر- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزّرع، وتركتم الجهاد سلّط اللّه عليكم ذلّا لا ينزعه حتّى ترجعوا إلى دينكم» [رواه أبو داود (3462)، قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 423 في صحيح الجامع وقال محقق جامع الأصول (11/ 765): صحيح] .
2- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لعن اللّه السّارق. يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده» [رواه البخاري. الفتح 12 (6783)، ومسلم (1687) ] .
3- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من سأل النّاس، وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش، أو خدوش أو كدوح» قيل: يا رسول اللّه؛ وما يغنيه؟ قال: «خمسون درهما أو قيمتها من الذّهب» [رواه الترمذي (650)، وقال: حديث حسن، أبو داود (1626)، النسائي (5/ 97)، وابن ماجة (1841) قال الشيخ الألباني صحيح ، انظر صحيح أبي داود ( 1438 ) ، المشكاة ( 1847 ) ] .
4- عن ثوبان- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها»، فقال قائل: ومن قلّة نحن يومئذ؟ قال: «بل أنتم يومئذ كثير، ولكنّكم غثاء كغثاء السّيل، ولينزعنّ اللّه من صدور عدوّكم المهابة منكم، وليقذفنّ اللّه في قلوبكم الوهن»، فقال قائل: يا رسول اللّه، وما الوهن؟ قال: «حبّ الدّنيا وكراهية الموت» [رواه أبو داود (4297)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3610): صحيح وهو في المشكاة (5369)، وأحمد وسنده قوي] .
آثار
1- سمع عمر- رضي اللّه عنه- سائلا يسأل بعد المغرب، فقال لواحد من قومه: عشّ الرّجل فعشّاه، ثمّ سمعه ثانيا يسأل فقال: ألم أقل لك عشّ الرّجل، قال: قد عشّيته. فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا، فقال: لست سائلا ولكنّك تاجر، ثمّ أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصّدقة، وضربه بالدّرّة، وقال: لا تعد.[ إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي (4/ 211) ] .
2- قال شقيق بن إبراهيم بن الأزديّ، البلخيّ: أغلق باب التّوفيق عن الخلق من ستّة أشياء:
اشتغالهم بالنّعمة عن شكرها، ورغبتهم في العلم وتركهم العمل، والمسارعة إلى الذّنب وتأخير التّوبة، والاغترار بصحبة الصّالحين، وترك الاقتداء بفعالهم، وإدبار الدّنيا عنهم وهم يبتغونها، وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
قلت: وأصل ذلك عدم الرّغبة والرّهبة، وأصله ضعف اليقين، وأصله ضعف البصيرة، وأصله مهانة النّفس ودناءتها واستبدال الّذي هو أدنى بالّذي هو خير. وإلّا فلو كانت النّفس شريفة كبيرة لم ترض بالدّون. فأصل الخير كلّه بتوفيق اللّه ومشيئته وشرف النّفس ونبلها وكبرها. وأصل الشّرّ خسّتها ودناءتها وصغرها، قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها* وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس9- 10]، أي أفلح من كبّرها وكثّرها ونمّاها بطاعة اللّه، وخاب من صغّرها وحقّرها بمعاصي اللّه. فالنّفوس الشّريفة لا ترضى من الأشياء إلّا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنّفوس الدّنيئة تحوم حول الدّناءات وتقع عليها كما يقع الذّباب على الأقذار. فالنّفس الشّريفة العليّة لا ترضى بالظّلم ولا بالفواحش ولا بالسّرقة والخيانة لأنّها أكبر من ذلك وأجلّ. والنّفس المهينة الحقيرة الخسيسة بالضّدّ من ذلك. فكلّ نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها، وهذا معنى قوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) [الإسراء: 84]، أي على ما يشاكله ويناسبه فهو يعمل على طريقته الّتي تناسب أخلاقه وطبيعته، وكلّ إنسان يجري على طريقته ومذهبه وعاداته الّتي ألفها وجبل عليها، فالفاجر يعمل بما يشبه طريقته من مقابلة النّعم بالمعاصي والإعراض عن المنعم، والمؤمن يعمل بما يشاكله من شكر المنعم ومحبّته والثّناء عليه والتّودّد إليه والحياء منه، والمراقبة له، وتعظيمه وإجلاله.[ الفوائد لابن القيم (312- 313) ] .
أشعار
1- وما أجمل ما قال الشيخ القرضاوي وهو يجادل الخاملين، ويحاج الخامدين، ويوبخ الهامدين:
قالوا: السعادة في السكون *** وفي الجمود وفي الخمـــــــود
في العيش بين الأهـــــــــــــــــــــــل *** لا عيش المهاجر والطريد
في المشي خلف الركب في *** دعة وفي خطو وئيــــــــــــــــــــــــد
في أن تقول كما يقــــــــــــــــال *** فلا اعتــــــــــــــراض ولا ردود
في أن تسير مع القطـــــــــــع *** وأن تقاد ولا تقــــــــــــــــــــــــــــــود
في أن تصيح لكــــــل وال *** عاش عهدكم المجيـــــــــــــــــد
قلت: الحياة هي التحرك *** لا السكون ولا الهمــــــود
وهي الجهاد، وهل يجاهد *** من تعلق بالقعــــــــــــــــــــــود؟
وهي التلذذ بالمتاعــــــــــــــــب *** لا التلذذ بالرقــــــــــــــــــــــــــــــود
هي أن تذود عن الحياض *** وأي حر لا يـــــــــــــــذود؟
هي أن تحس بأن كــــــــأس *** الذل من ماء صــــــــديد
هي أن تعيش خليفــة في *** الأرض شأنك أن تسود
وتقول: لا، ونعم، إذا ما *** شئت في بصر حديـــــــــد
[علو الهمة لمحمد إسماعيل]