⋐✉⋑ السماع طريق التّدبّر وسبيل التّفكّر ⋐✉⋑
السماع لغة:
مصدر قولهم: سمع يسمع سمعا وسماعا، وهو مأخوذ من مادّة (س م ع) الّتي تدلّ على إدراك الشّيء بالأذن، يقال: سمعت الشّيء سمعا أدركته بأذني، ويعبّر بالسّمع تارة عن الأذن كما في قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) [البقرة: 7]، وتارة عن الفعل (أي إدراك الشّيء بالأذن) كما في قوله تعالى: (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ) [الشعراء: 212] وتارة عن الفهم كما في قولهم (لم تسمع ما قلت) أي لم تفهم، وذلك كما في قوله تعالى: (سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [النور: 51]، أي فهمنا وارتسمنا، أمّا قوله سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) [الأنفال: 21]، يجوز أن يكون معناه فهمنا وهم لا يفهمون، وأن يكون معناه فهمنا وهم لا يعملون بموجبه، ومن ثمّ يكونون في حكم من لم يسمع.
والاستماع: الإصغاء، ومنه قوله تعالى: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) [ق: 41]، ويقال: تسمّعت إليه، فإذا أدغمت قلت: اسّمعت إليه، وقرأ: (لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) [الصافات: 8] يقال: تسمّعت إليه، وسمعت إليه، وسمعت له كلّه بمعنى، وقول اللّه تعالى: (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) [النساء: 46]، أي لا سمعت، وقوله تعالى: (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ) [الكهف: 26]، أي ما أبصره وأسمعه على التّعجّب، ويقال سمّع به، أي شهّر به.
والتّسميع: التّشنيع، ويقال أيضا (في ضدّ ذلك) سمّع به إذا رفعه من الخمول ونشر ذكره، والسّميع: السّامع، والسّميع: المسمّع، وهو من أسماء اللّه- عزّ وجلّ- والسّمع آلة السّمع أو المسامع هنا جمع سمع على غير قياس [مقاييس اللغة لابن فارس (3/ 102)، ومفردات الراغب (242)، ولسان العرب (8/ 162)، والصحاح (3/ 123) بتصرف واختصار] .
السماع اصطلاحا:
قال المناويّ: السّماع فهم (السّامع) ما كوشف به من البيان [التوقيف على مهمات التعاريف ص 197] .
وقال ابن القيّم: وحقيقة السّماع تنبيه القلب على معاني المسموع وتحريكه عنها طلبا أو هربا، وحبّا أو بغضا [مدارج السالكين (1/ 517) ].
آيات
1- قوله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [البقرة: 127] .
2- قوله تعالى: (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) [البقرة: 137] .
3- قوله تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 224- 227] .
4- قوله تعالى: (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لَا انْفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [البقرة: 256] .
5- قوله تعالى: (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ) [آل عمران: 34- 37] .
6- قوله تعالى: (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ ) [آل عمران: 38] .
7- قوله تعالى: (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ) [الإنسان: 1- 3] .
8- قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [البقرة: 93] .
9- قوله تعالى: ( أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [البقرة: 75] .
10- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ ) [البقرة: 104] .
أحاديث
1- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء- وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء وأرسلت علينا الشّهب. قال: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا ما حدث. فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر الّذي حدث؟ فانطلقوا فضربوا مشارق الأرض ومغاربها ينظرون ما هذا الأمر الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء؟ قال: فانطلق الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. بنخلة وهو عامد إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن تسمّعوا له. فقالوا: هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا (يا قومنا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً * عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً). [الجن: 1- 2] وأنزل اللّه- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) [الجن: 1] وإنّما أوحي إليه قول الجنّ. [البخاري- الفتح 8 (4921) ] .
2- عن أسيد بن حضير- رضي اللّه عنه- بينما هو ليلة، يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ. ثمّ جالت أخرى. فقرأ ثمّ جالت أيضا. قال أسيد: فخشيت أن تطأ يحيى فقمت إليها، فإذا مثل الظّلّة فوق رأسي، فيها أمثال السّرج، عرجت في الجوّ حتّى ما أراها. قال: فغدوت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلت: يا رسول اللّه بينما أنا البارحة من جوف اللّيل أقرأ في مربدي، إذ جالت فرسي. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!) قال: فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير!» فقرأت، ثمّ جالت أيضا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «اقرإ ابن حضير». قال: فانصرفت. وكان يحيى قريبا منها، خشيت أن تطأه، فرأيت مثل الظّلّة فيها أمثال السّرج.عرجت في الجوّ حتّى ما أراها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«تلك الملائكة كانت تستمع لك، ولو قرأت لأصبحت يراها النّاس، ما تستتر منهم» [مسلم (796) ] .
3- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذانا أمسك. وإلّا أغار، فسمع رجلا يقول: اللّه أكبر. اللّه أكبر، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «على الفطرة» ثمّ قال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه. أشهد أن لا إله إلّا اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «خرجت من النّار». فنظروا فإذا هو راعي معزى . [مسلم (382) ] .
4- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة ، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة. فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر» [البخاري- الفتح 2 (881). ومسلم (850). متفق عليه] .
5- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من توضّأ فأحسن الوضوء. ثمّ أتى الجمعة فاستمع وأنصت. غفر له ما بينه وبين الجمعة. وزيادة ثلاثة أيّام. ومن مسّ الحصى فقد لغا» [مسلم (857) ] .
6- عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- في قوله تعالى- (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) [القيامة: 16] قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعالج من التّنزيل شدّة، وكان ممّا يحرّك شفتيه، فقال ابن عبّاس: فأنا أحرّكها لكم كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحرّكهما وقال سعيد: أنا أحرّكهما كما رأيت ابن عبّاس يحرّكهما فحرّك شفتيه، فأنزل اللّه تعالى (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) قال: جمعه لك في صدرك وتقرؤه (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) قال: فاستمع له وأنصت ( ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ ) ثمّ إنّ علينا أن تقرأه. فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كما قرأه. [البخاري- الفتح 1 (5) واللفظ له 8 (4929) ومسلم (448) ] .
7- عن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «نضّر اللّه امرأ سمع منّا حديثا، فحفظه حتّى يبلّغه غيره، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، وربّ حامل فقه ليس بفقيه» [الترمذي (2656) وقال حديث حسن، ورواه أحمد (4/ 80) من حديث جبير بن مطعم، والسيوطي في الجامع الصغير، وصحح إسناده الشيخ الألباني (6642) ] .
آثار
1- قال الشّعبيّ، فيما يصف به عبد الملك ابن مروان: واللّه ما علمته إلّا آخذا بثلاث، تاركا لثلاث، آخذا بحسن الحديث إذا حدّث، وبحسن الاستماع إذا حدّث، وبأيسر المؤونة إذا خولف، تاركا لمجاوبة اللّئيم، ومماراة السّفيه، ومنازعة اللّجوج. [انظر العقد الفريد (4/ 55) ] .
2- قال بعض الحكماء لابنه: يا بنيّ، تعلّم حسن الاستماع كما تتعلّم حسن الحديث، وليعلم النّاس أنّك أحرص على أن تسمع منك على أن تقول، فاحذر أن تسرع في القول فيما يجب عنه الرّجوع بالفعل، حتّى يعلم النّاس أنّك على فعل ما لم تقل أقرب منك إلى قول ما لم تفعل. [انظر العقد الفريد (4/ 55) ] .
3- قالوا: من حسن الأدب أن لا تغالب أحدا على كلامه، وإذا سئل غيرك فلا تجب عنه وإذا حدّث بحديث فلا تنازعه إيّاه، ولا تقتحم عليه فيه ولا تره أنّك تعلمه، وإذا كلّمت صاحبك فأخذته حجّتك فحسّن مخرج ذلك عليه، ولا تظهر الظّفر به وتعلّم حسن الاستماع، كما تعلّم حسن الكلام. [انظر العقد الفريد (2/ 264) ] .
4- قالت الحكماء: رأس الأدب كلّه حسن الفهم والتّفهّم والإصغاء للمتكلّم. [انظر العقد الفريد (2/ 264) ] .
أشعار
1- رحم الله من قال:
وكل اجتهاد في سواك مضيّع *** وكلّ كلام لا بذكرك آفات
وكل اشتغال لا بحبك باطل *** وكل سماع لا لقولك زلات
وكل وقوف لا لبابك خيبة *** وكل عكوف لا إليك جنايات
وكل اهتمام دون وصلك ضائع *** وكل اتجاه لا إليك ضلالات
وكل رجاء دون فضلك آيس *** وكل حديث عن سواك خطيئات
[المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص 15 ]
2- وقال آخر
وسمعك صن عن سماع القبيح *** كصون اللسان عن النطق به
فإنك عند سماع القبيح *** شريك لقائله فانتبه
[المنتخب من الشعر والبيان لأمير بن محمد المدري ص 163 ]
متفرقات
1- قال ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: اعلم أنّ الرّجل قد يكون له قلب وقّاد، مليء باستخراج العبر. واستنباط الحكم. فهذا قلبه يوقعه على التّذكّر والاعتبار. فإذا سمع الآيات كانت له نورا على نور. وهؤلاء أكمل خلق اللّه. وأعظمهم إيمانا وبصيرة. حتّى كأنّ الّذي أخبرهم به الرّسول مشاهد لهم، لكن لم يشعروا بتفاصيله وأنواعه. حتّى قيل: إنّ مثل حال الصّدّيق مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كمثل رجلين دخلا دارا. فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيّاته. والآخر: وقعت يده على ما في الدّار ولم ير تفاصيله ولا جزئيّاته. لكن علم أنّ فيها أمورا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها. ثمّ خرجا. فسأله عمّا رأى في الدّار؟ فجعل كلّما أخبره بشيء صدّقه، لما عنده من شواهده. وهذه أعلى الدّرجات الصّدّيقيّة. ولا تستبعد أن يمنّ اللّه المنّان على عبد بمثل هذا الإيمان. فإنّ فضل اللّه لا يدخل تحت حصر ولا حسبان. فصاحب هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نور من البصيرة: ازداد بها نورا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السّمع وشهد قلبه ولم يغب حصل له التّذكّر أيضا (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ ) [البقرة: 265]. والوابل والطّلّ في جميع الأعمال وآثارها، وموجباتها. وأهل الجنّة سابقون مقرّبون، وأصحاب يمين، وبينهما في درجات التّفضيل ما بينهما. حتّى إنّ شراب أحد النّوعين الصّرف يطيب به شراب النّوع الآخر، ويمزج به مزجا. قال اللّه تعالى (وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [سبأ: 6]. فكلّ مؤمن يرى هذا. ولكنّ رؤية أهل العلم له لون، ورؤية غيرهم له لون آخر. [مدارج السالكين (1/ 476- 477) ] .
2-. قال ابن القيّم- رحمه اللّه-: في قول اللّه تعالى: (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق: 36- 37] .
النّاس ثلاثة: رجل قلبه ميّت. فذلك الّذي لا قلب له. فهذا ليست هذه الآية ذكرى في حقّه.
الثّاني: رجل له قلب حيّ مستعدّ، لكنّه غير مستمع للآيات المتلوّة، الّتي يخبر بها اللّه عن الآيات المشهودة: إمّا لعدم ورودها، أو لوصولها إليه، ولكنّ قلبه مشغول عنها بغيرها. فهو غائب القلب، ليس حاضرا. فهذا أيضا لا تحصل له الذّكرى، مع استعداده ووجود قلبه.
والثّالث: رجل حيّ القلب مستعدّ. تليت عليه الآيات. فأصغى بسمعه، وألقى السّمع وأحضر قلبه.ولم يشغله بغير فهم ما يسمعه. فهو شاهد القلب. ملق السّمع. فهذا القسم هو الّذي ينتفع بالآيات المتلوّة والمشهودة.
فالأوّل بمنزلة الأعمى الّذي لا يبصر.
والثّاني بمنزلة البصير الطّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.
والثّالث بمنزلة البصير الّذي قد حدّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره وقابله على توسّط من البعد والقرب. فهذا هو الّذي يراه. فسبحان من جعل كلامه شفاء لما في الصّدور. [مدارج السالكين (1/ 476- 477) ] .