[•◊•] فضل الزهد في الدنيا [•◊•]
1- قَالَ الله تَعَالَى: (إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24].
2- قال تَعَالَى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بهِ نَبَاتُ الأَرْضِ فَأصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:45-46].
3- قال تَعَالَى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ) [الحديد:20].
4- قال تَعَالَى: (زُيِّنَ لِلْنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ وَالقَنَاطِيرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالْخَيْلِ المُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الحَياةِ الْدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ المآبِ) [آل عمران:14].
5- قال تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الحَياةُ الْدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ) [فاطر: 5].
6- قال تَعَالَى: (ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ المَقَابِرَ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر:1-5].
7- قال تَعَالَى: (وَمَا هذِهِ الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [العنكبوت: 64].
أحاديث
1- عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ أَبَا عبيدة بنَ الجَرَّاح رضي الله عنه إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأتِي بِجِزْيَتِهَا، فَقَدِمَ بمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِ أَبي عُبيْدَةَ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا صَلَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، انْصَرفَ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِيْنَ رَآهُمْ، ثُمَّ قَالَ: (أظُنُّكُمْ سَمعتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ؟) فقالوا: أجل، يَا رسول الله، فقال: (أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ.
2- عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: جلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، فقال: (إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا) متفقٌ عَلَيْهِ.
3- وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) رواه مسلم.
4- عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ) متفقٌ عَلَيْهِ.
5- وعنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ: أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ: فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيبْقَى عَمَلُهُ) متفقٌ عَلَيْهِ.
6- وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤسَاً في الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأيْتَ بُؤساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فيَقُولُ: لاَ وَاللهِ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلاَ رَأيْتُ شِدَّةً قَطُّ) رواه مسلم.
7- عن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ !) رواه مسلم.
8- عن جابر رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ بالسُّوقِ وَالنَّاسُ كَنَفَتَيْهِ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: (أَيُّكُم يُحِبُّ أنْ يَكُونَ هَذَا لَهُ بِدرْهَم ؟) فقالوا: مَا نُحِبُّ أنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ وَمَا نَصْنَعُ بِهِ ؟ ثُمَّ قَالَ: (أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ ؟) قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيّاً كَانَ عَيْباً، إنَّهُ أسَكُّ فَكَيْفَ وَهُوَ ميِّتٌ ! فقال: (فوَاللهِ للدُّنْيَا أهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ) رواه مسلم.
قوله: (كَنَفَتَيْهِ) أيْ: عن جانبيه. وَ( الأَسَكُّ ): الصغير الأذُن.
9- عن أَبي ذر رضي الله عنه، قَالَ: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبي صلى الله عليه وسلم في حَرَّةٍ بِالمَدِينَةِ، فَاسْتَقْبَلَنَا أُحُدٌ، فقال: (يَا أَبَا ذَرٍّ) قلت: لَبَّيْكَ يَا رسولَ الله. فقال: (مَا يَسُرُّنِي أنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ هَذَا ذَهَباً تَمْضي عَلَيَّ ثَلاَثَةُ أيّامٍ وَعِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ، إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ، إِلاَّ أنْ أقُولَ بِهِ في عِبَادِ الله هكذا وَهَكَذَا وَهكَذَا) عن يَمِينِهِ وعن شِمَالِهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ سَارَ، فقال: (إنَّ الأَكْثَرينَ هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلاَّ مَنْ قَالَ بالمَالِ هكَذَا وَهكَذَا وَهكَذَا) عن يمينِهِ وعن شِمَالِهِ وِمنْ خَلْفِهِ (وَقَلِيلٌ مَاهُمُ). ثُمَّ قَالَ لي: (مَكَانَكَ لاَ تَبْرَحْ حَتَّى آتِيكَ) ثُمَّ انْطَلَقَ في سَوادِ اللَّيْلِ حَتَّى تَوَارَى، فَسَمِعْتُ صَوتاً، قَدِ ارْتَفَع، فَتَخَوَّفْتُ أنْ يَكُونَ أحَدٌ عَرَضَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأرَدْتُ أنْ آتِيهِ فَذَكَرتُ قَوْله: (لا تَبْرَحْ حَتَّى آتِيَكَ) فلم أبْرَحْ حَتَّى أتَاني، فَقُلْتُ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوتاً تَخَوَّفْتُ مِنْهُ، فَذَكَرْتُ لَهُ، فقال: (وَهَلْ سَمِعْتَهُ ؟) قلت: نَعَمْ، قَالَ: (ذَاكَ جِبريلُ أتَانِي. فقال: مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِكَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً دَخَلَ الْجَنَّةَ)، قلت: وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ ؟ قَالَ: (وَإنْ زَنَى وَإنْ سَرَقَ) متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ البخاري.
10- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ) متفقٌ عَلَيْهِ.
11- وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ) متفقٌ عَلَيْهِ، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية البخاري: (إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْقِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَل مِنْهُ).
12- وعنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، وَالدِّرْهَمِ، وَالقَطِيفَةِ، وَالخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ) رواه البخاري.
13- وعنه رضي الله عنه، قَالَ: لَقَدْ رَأيْتُ سَبعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ، مَا منهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ: إمَّا إزارٌ، وَإمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا في أعنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. رواه البخاري.
14- وعنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ) رواه مسلم.
15- عن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبَيَّ، فقال: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ).
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، يقول: إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ. رواه البخاري.
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه: لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ.
16- عن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يَا رسولَ الله، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ، فقال: (ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة.
17- عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قَالَ: ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا، فَقَالَ: لَقَدْ رَأيْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ. رواه مسلم.
(الدَّقَلُ) بفتح الدَّال المهملة والقاف: رديءُ التمرِ.
18- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ. متفقٌ عَلَيْهِ.
قولها: (شَطْرُ شَعير) أيْ: شَيْءٌ مِنْ شَعير، كَذَا فَسَّرَهُ التُرْمذيُّ.
19- عن عمرو بن الحارث أخي جُوَيْرِيّة بنتِ الحارِث أُمِّ المُؤْمِنِينَ، رضي الله عنهما، قَالَ: مَا تَرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً، وَلاَ دِرْهَماً، وَلاَ عَبْداً، وَلاَ أَمَةً، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاَحَهُ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً. رواه البخاري.
20- عن خَبابِ بن الأَرَتِّ رضي الله عنه، قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، فَوَقَعَ أجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَأكُل منْ أجْرِهِ شَيْئاً، مِنْهُمْ: مُصْعَبُ بن عُمَيْرٍ رضي الله عنه، قُتِلَ يَوْمَ أُحُد، وَتَرَكَ نَمِرَةً، فَكُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ، بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رِجْلَيْهِ، بَدَا رَأسُهُ، فَأمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنْ نُغَطِّي رَأسَهُ، وَنَجْعَل عَلَى رِجْلَيْهِ شَيْئاً مِنَ الإذْخِرِ، وَمِنَّا مَنْ أيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا. متفقٌ عَلَيْهِ.
(النَّمِرَةُ): كِساءٌ مُلَوَّنٌ مِنْ صوف. وَقَوْلُه: (أيْنَعَتْ) أيْ: نَضِجَتْ وَأَدْرَكَتْ. وَقَوْلُه: (يَهْدِبها) هُوَ بفتح الياءِ وضم الدال وكسرها لغتان: أيْ: يَقْطُفهَا وَيَجْتَنِيهَا، وهذه استعارة لما فتح الله تَعَالَى عليهم من الدنيا وتمكنوا فِيهَا.
21- عن سهلِ بن سعد الساعدي رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ) رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
22- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَمَا وَالاهُ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً) رواه الترمذي، وقال: (حديث حسنٌ).
23- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ فَتَرْغَبُوا في الدُّنْيَا) رواه الترمذي، وقال: (حديثٌ حسنٌ).
24- عن عبدِ الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قَالَ: مَرَّ عَلَيْنَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نعالِجُ خُصّاً لَنَا، فَقَالَ: (مَا هَذَا ؟) فَقُلْنَا: قَدْ وَهَى، فَنَحَنُ نُصْلِحُهُ، فَقَالَ: (مَا أرَى الأَمْرَ إِلاَّ أعْجَلَ مِنْ ذَلِكَ).
رواه أَبو داود والترمذي بإسناد البخاري ومسلم، وقال الترمذي: (حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
25- عن كعب بن عياض رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وفِتْنَةُ أُمَّتِي: المَالُ) رواه الترمذي، وقال: (حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
26- عن أَبي عمرو، ويقالُ: أَبو عبدِ الله، ويقالُ: أَبو ليلى عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (لَيْسَ لاِبْنِ آدَمَ حَقٌّ في سِوَى هذِهِ الخِصَالِ: بَيْتٌ يَسْكُنُهُ، وَثَوْبٌ يُوارِي عَوْرَتَهُ، وَجِلْفُ الخُبز وَالماء) رواه الترمذي، وقال: (حديث صحيح).
قَالَ الترمذي: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُد سُلَيْمَانَ بنَ سَالمٍ البَلْخيَّ، يقولُ: سَمِعْتُ النَّضْرَ بْن شُمَيْل، يقولُ: الجِلْفُ: الخُبْز لَيْسَ مَعَهُ إدَامٌ، وقال غَيْرُهُ: هُوَ غَليظُ الخُبُزِ. وقَالَ الهَرَوِيُّ: المُرادُ بِهِ هنَا وِعَاءُ الخُبزِ، كَالجَوَالِقِ وَالخُرْجِ، والله أعلم.
27- عن عبدِ الله بن الشِّخِّيرِ - بكسر الشينِ والخاء المعجمتين – رضي الله عنه، أنه قَالَ: أتَيْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَقْرَأُ: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ: (يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مالي، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟!) رواه مسلم.
28- عن عبدِ الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: يَا رسولَ الله، وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، فَقَالَ: (انْظُرْ مَاذَا تَقُولُ ؟) قَالَ: وَاللهِ إنِّي لأُحِبُّكَ، ثَلاَثَ مَرَّات، فَقَالَ: (إنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافاً، فإنَّ الفَقْرَ أسْرَعُ إِلَى مَنْ يُحِبُّني مِنَ السَّيْلِ إِلَى مُنْتَهَاهُ) رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن).
( التجفافُ) بكسرِ التاءِ المثناةِ فوقُ وَإسكانِ الجيمِ وبالفاءِ المكررة: وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُهُ الفَرَسُ، لِيُتَّقَى بِهِ الأَذَى، وَقَدْ يَلْبَسُهُ الإنْسَانُ.
29- عن كعب بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينهِ) رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
30- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قَالَ: نَامَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حَصيرٍ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً. فَقَالَ: (مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) رواه الترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
31- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يدْخُلُ الفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ) رواه الترمذي، وقال: (حديث صحيح).
32- عن ابن عباس وعِمْرَانَ بن الحُصَيْنِ رضي الله عنهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ) متفقٌ عَلَيْهِ من رواية ابن عباس، ورواه البخاري أيضاً من رواية عِمْرَان بن الحُصَيْن.
33- عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابِ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِم إِلَى النَّارِ) متفقٌ عَلَيْهِ.
وَ(الجَدُّ): الحَظُّ والغِنَى. وقد سبق بيان هَذَا الحديث في باب فَضْلِ الضَّعفَة.
34- عن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: (أصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: ألاَ كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللهَ بَاطِلُ) متفقٌ عَلَيْهِ.
آثار
1- في وصية لقمان لابنه قوله: " واعلم أن أعون الأشياء على الدين زهادة في الدنيا " قوت القلوب للمكي.
2- قال علي رضي الله عنه: " اعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فايضاً، وكان عنهم مستغنياً متعففاً، وأكرم الناس عليهم من كان مستعففاً عنهم وإن كان إليهم محتاجاً، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال؛ فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كَرُم عليهم، ومن لم يزاحمهم ومكنهم من بعضها كان أعزّ وأكرم " قوت القلوب.
3- قال أبو هريرة رضي الله عنه: " جلساء الله غداً أهل الورع والزهد " مدارج السالكين.
4- قال بشر بن الحارث: " قيل لسفيان: أيكون الرجل زاهداً، ويكون له مال؟ قال: نعم؛ إذا ابتلي صبر، وإذا أعطي شكر ".
5- قال إبراهيم بن أدهم: " الزهد في الرياسة أشد من الزهد في الذهب والفضة؛ لأنك تبذلهما في تحصيلها " مواعظ الإمام إبراهيم بن أدهم لمحمد الحمد.
6- قال عثمان بن عمارة: " الورع يبلغ بالعبد إلى الزهد في الدنيا، والزهد يبلغ به إلى حب الله عز وجل " الزهد لابن أبي الدنيا.
7- الفضيل بن عياض يقول: " جعل الله الشر كله في بيت، وجعل مفتاحه حب الدنيا، وجعل الخير كله في بيت، وجعل مفتاحه الزهد " إحياء علوم الدين.
8- وقال أحدهم: " الزهد من قوله سبحانه وتعالى: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)؛ فالزاهد لا يفرح بموجود من الدنيا، ولا يتأسف على مفقود منها " الرسالة القشيرية.
9- يقول بشر بن الحارث: " الزهد في الدنيا هو الزهد في الناس " إحياء علوم الدين.
10- قيل ليحيي بن معاذ : متى يكون الرجل زاهداً؟ فقال: " إذا بلغ حرصه في ترك الدنيا حرص الطالب لها كان زاهدا " قوت القلوب.
11- كان أبو سليمان الداراني يقول: " الدنيا كل ما يشغلك عن الله, فكان الزهد عنده التفرغ لله -تعالى- " قوت القلوب.
12- قال أيضاً: " إنما الزاهد من تخلى عن الدنيا، واشتغل بالعبادة والاجتهاد؛ فأما من تركها وتبطل فإنما طلب الراحة لنفسه ".
13- يقال: " من زهد في الدنيا أربعين يوماً أجرى الله تعالى ينابيع الحكمة في قلبه, وأنطق بها لسانه " إحياء علوم الدين.
14- قال أبو عثمان: " الزهد: أن تترك الدنيا، ثم لاتبالي بمن أخذها " الرسالة القشيرية.
15- وقال ابن الجلاء: " الزهد: هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال؛ لتصغر في عينك فيسهل عليك الإعراض عنها " مدارج السالكين.
16- قال الإمام أحمد بن حنبل: " الزهد على ثلاثة أوجه: ترك الحرام: وهو زهد العوام، والثاني: ترك الفضول من حلال: وهو زهد الخواص، والثالث: ترك ما يشغل العبد عن الله تعالى: وهو زهد العارفين " مدارج السالكين.
17- يقول ابن عيينة: " حد الزاهد أن يكون شاكراً عند الرخاء، صابراً عند البلاء ".
18- قال أبو سليمان: " ليس الزاهد من ألقى هموم الدنيا واستراح منها، إنما الزاهد من زهد في الدنيا وتعب فيها للآخرة " حلية الأولياء.
19- قال سفيان الثوري: " الزهد في الدنيا: قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا بلبس العباء " مدارج السالكين.
20- قال أيضاً: " ليس للشيطان سلاح للإنسان مثل خوف الفقر، فإذا وقع في قلب الإنسان: منَعَ الحق، وتكلم بالهوى، وظن بربه ظن السوء" إحياء علوم الدين.
21- في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ نفقة سنة.
* قال ابن الجوزي: " فيه جواز ادخار قوت سنة، ولا يقال هذا من طول الأمل؛ لأن الإعداد للحاجة مستحسن شرعاً وعقلاً, وقد استأجر شعيبُ موسى عليهما السلام، وفي هذا رد على جهلة المتزهدين في إخراجهم من يفعل هذا عن التوكل, فإن احتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر لغد؛ فالجواب أنه كان عنده خلق من الفقراء فكان يؤثرهم " كشف المشكل لابن الجوزي.
22- قال ابن القيم: " وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمُك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويَزِينُ، ويضر ذمُّه ويشين إلا الله وحده كما قال ذلك الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم: إن مدحي زين وذمي شين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ذلك الله عز وجل ) فازهد في مدح من لا يزينك مدحه، وفي ذم من لا يَشِينُك ذمه، وارغب في مدح مَنْ كلُّ الزَّينِ في مدحِه، وكل الشَّينِ في ذمه " الفوائد.
قصص
1- كان أبو سليمان يقول: " إنما زهدوا في الدنيا؛ لتفرغ قلوبهم من همومها للآخرة ".
2- كان الحسن البصري يقول: رأيت سبعين بدريا كانوا والله فيما أحل الله تعالى لهم أزهد منكم فيما حرم الله -تعالى- عليكم, وذكر قول القائل الذي كان يعرض له المال الحلال فلا يأخذه، ويقول: أخاف أن يفسد قلبي.
3- سئل الموصلي: يا أبا محمد إلى أي شيء أفضى بهم الزهد؟ قال: إلى الأنس بالله-تعالى-.
4- حج الخليفة هشام بن عبد الملك الخليفة، وفي الطواف رأى سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه عمامة وثياب ودجلة لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم؛ أتريد حاجة أقضيها لك هذا اليوم؟، قال سالم : أما تستحي من الله تعرض علي الحوائج وأنا في بيت من لا يحوجني إلى غيره؟! فاحمر وجه الخليفة، فلما خرج من الحرم، قال: أتريد شيئاً؟ قال: أمن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: أما حوائج الآخرة فلا أملكها، لكن من حوائج الدنيا، قال سالم: والله الذي لا إله إلا هو، ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟.
5- لقي سفيان الثوري رابعة – وكانت مزرية الحال-، فقال لها: يا أم عمرو أرى حالاً رثة، فلو أتيت جارك فلاناً لغير بعض ما أرى، فقالت له: يا سفيان وما ترى من سوء حالي، ألست على الإسلام فهو العز الذي لا ذلَّ معه والغنى الذي لا فقر فيه، والأنس الذي لا وحشة معه؛ والله إني لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسال من لا يملكها، فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام.
6- روي أن ملكاً بنى قصراً، وقال لحاشيته: انظروا إن كان فيه عيب فأصلحوه, فقال رجل حكيم: أرى فيه عيبين. فقالوا: وما هما؟ قال: يموت الملك ويخرب القصر، قال الملك: صدقت ثم أقبل على الله، وترك القصر، والدنيا.
7- كان مالك بن دينار يقول: إذا قيل له إنك زاهد, قال: إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز جاءته الدنيا وملكها، فزهد فيها؛ فأما أنا ففي أي شئ زهدت؟.
أشعار
عُمْـدَةُ الدِّيْـنِ عِنْدَنَـا كَلِمَـاتٌ *** مُسْنَدَاتٌ مِنْ قَـوْلِ خَيْـرِ الْبَرِيَّهْ
اتْـرُكِ الشُّبُهَاتِ وَازْهَـدْ وَدَعْ مَا *** لَيْـسَ يَعْنِيـكَ واعْمَلْـنَ بِنِيَّـهْ
[............]
إِذَا كُنْتَ بِالدُّنْيَـا بَصِيـرًا فَإِنَّمَـا *** بَلاغُـكَ مِنْهَا مِثْلُ زَادِ الْمُسَافِـرِ
[أبو العتَاهِية]
إِنَّ للهِ عِـبَـــادًا فُـطَـنَــا *** تَرَكُـوا الدُّنْيَـا وَخَافُـوا الْفِتَنَـا
نَظَـرُوا فِيْهَـا فَلَـمَّـا عَلِـمُـوا *** أَنَّـهَـا لَيْسَـتْ لِحـيٍّ وَطَنَـا
جَعَـلُـوهَـا لُجَّـةً وَاتَّـخُـذُوا *** صَالِـحَ الأَعْمَـالِ فِيهَـا سُفُنَـا
[الشافعي]
أَلا يَا نَفْـسُ هَـلْ لَكِ فِي صِيَـامِ *** عَـنْ الدُّنْيَـا لَعَلَّـكِ تَهْتَـدِيْنَـا
يَكُونُ الْفِطْرُ وَقْتَ الْمَـوْتِ مِنْهَـا *** لَعلَّـكِ عِـنْـدَهُ تَسْتَبْشِـرِينَـا
أَجِيبِينِـي هُدِيـتِ وَأَسْعِفِـيـنِ! *** لَعَلَّكَ فِـي الْجِنَـانِ تُخَلَّـدِيْنَـا
[محمد الرُّؤاسي]
مَـا أَقْبَـحَ التَّزْهِيـدَ مِـنْ وَاعِظٍ *** يُـزَهِّـدُ النَّـاسَ وَلا يَـزْهَـدُ
لَوْ كَـانَ فِـي تَزْهِيـدِهِ صَادِقًـا *** أَضْحَـى وَأَمْسَـى بَيْتَه الْمَسْجِدُ
[سَلْم الْخَاسِرْ]
تَجَرَّدْ مِـنَ الدُّنْيَـا فَإِنَّـكَ إِنَّمَـا *** سَقَطْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَـرَّدُ
[..........]
طُوبَى لِعَبْـدٍ بِحَبْـلِ اللهِ مُعْتَصَمَـه *** عَلى صِراطٍ سَـوِيٍّ ثَابِتٍ قَدَمُـهْ
رَثَّ اللِّبَاسِ جَدِيـدَ الْقَلْـبِ مُسْتَتِرٍ *** فِي الأَرْضِ مُشْتَهِرٍ فَوْقَ السَّمَاءِ سِمُهْ
مَا زَالَ يَسْتَحْقِـرُ الدُّنْيَـا بِهِمَّتِـهِ *** حَتَّى تَرَقَّتْ إِلَى الأُخْرَى بِهِ هِمَمُهْ
فَذَاكَ أَعْظَـمُ مِـنْ ذِي التَّاجِ مُتَّكِئًا *** عَلَى النَّمَارِقِ مُحْتَفًّا بِـهِ حَشَمُـهْ
[..........]
حكم
1- حديث: " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ".
2- ما فتحت الدنيا على عبد إلا مكْراً به، ولا زُويت عنه إلا نظراً له.
3- من صدق في زهده أتته الدنيا راغمة.
4- لو سقطت قلنسوة من السماء لما وقعت إلا على رأس من لا يريدها.
5- إذا أردت أن يكون لك عزٌّ لا يفنى - فلا تستعِزَّنَّ بعزٍّ يفنى.
6- الزهد في الدنيا الراحة الكبرى، والرغبة فيها البلية العظمى.
7- فقير بلا صبر كسراج بلا ضوء.
8- لا يسخر غني من فقير عسى أن يكون خيراً منه.
9- الفقر مع راحة البال نعمة.
10- ليس الفقير من ملك القليل، إنما الفقير من طلب الكثير.
11- الفقر فقر القلوب وليس فقر الجيوب.
12- فقر بشرف ولا ذل بترف.
13- ليقلَّ ما تفرح به؛ يقلَّ ما تحزن عليه.