التولي لغة:
التّولّي مأخوذ من مادّة «ولي» الّتي تدلّ على القرب، يقول ابن فارس: «الواو والّلام والياء أصل صحيح يدلّ على قرب، من ذلك الولي: القرب «1» والتّولّي: الإعراض بعد قرب. يقول الجوهريّ: وتولّى عنه، أي أعرض وولّى هاربا: أي أدبر، وقوله تعالى: لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها
(البقرة/ 148) أي مستقبلها بوجهه «2» » .
ويقول الرّاغب: وقولهم: تولّى إذا عدّي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع منه.
يقال: ولّيت سمعي كذا، وولّيت عيني كذا، وولّيت وجهي كذا، أقبلت به عليه. وإذا عدّي بعن لفظا أو تقديرا اقتضى معنى الإعراض، وترك قربه، فمن الأوّل قوله وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة/ 51) ومن الثّاني قوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (آل عمران/ 63) والتولّي، قد يكون بالجسم، وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار، قال الله- عزّ وجلّ-: وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (الأنفال/ 20) ويقال: ولّاه دبره، إذا انهزم، وقال
الآيات/ الأحاديث/ الآثار
6/ 21/ 6
تعالى وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ «3» ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (آل عمران/ 111) .
وولّى الشّيء وتولّى: أدبر. وولّى عنه: أعرض عنه أو نأى، وولّى هاربا: أدبر. وقد يكون ولّيت الشّيء وولّيت عنه بمعنى، وقد تكون التّولية إقبالا، ومنه قوله تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (البقرة/ 144) والتّولية تكون انصرافا. قال الله تعالى: ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ... (التوبة/ 25) وقال أبو معاذ النّحويّ: قد تكون التّولية بمعنى التّولّي. يقال: ولّيت وتولّيت بمعنى واحد ... وقد ولّى الشّيء وتولّى إذا ذهب هاربا ومدبرا، والتّولّي يكون بمعنى الإعراض، ويكون بمعنى الاتّباع قال الله تعالى: وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ (محمد/ 38) أي إن تعرضوا عن الإسلام. وقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ (المائدة/ 51) معناه من يتّبعهم وينصرهم، تقول: تولّيت فلانا أي اتّبعته ورضيت به، وتولّيت الأمر تولّيا إذا وليته، قال الله تعالى: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ (النور/ 11) أي ولي وزر الإفك وإشاعته «4» .
التّولّي اصطلاحا:
قال المناويّ: التّولّي هو الإعراض المتكلّف بما يفهمه (التّفعّل) «1» .
وقال الكفويّ: التّولّي: الإعراض مطلقا، ولا يلزمه الإدبار والتّولّي بالإدبار (يوم الزّحف) قد يكون على حقيقة، وقد يكون كناية عن الانهزام، كما في قوله تعالى ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (التوبة/ 25) .
والتّولّي قد يكون لحاجة تدعو إلى الانصراف مع ثبوت العقد (النّيّة) «2» .
حكم التولي يوم الزحف:
عدّ الإمام ابن حجر التّولّي يوم الزّحف من كافر أو كفّار لم يزيدوا عن الضّعف إلّا لتحرّف لقتال أو لتحيّز إلى فئة يستنجد بها ضمن الكبائر، مستدلّا بقوله تعالى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (الأنفال/ 16) وبما أخرجه الشّيخان من قوله صلّى الله عليه وسلّم «اجتنبوا السّبع الموبقات ... وذكر منها:
التّولّي يوم الزّحف» .
ونقل عن الشّافعيّ- رحمه الله- قوله: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدوّ حرم عليهم أن يولّوا إلّا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحبّ لهم أن يولّوا، ولا يستوجبون السّخط من الله لو ولّوا عنهم على غير التّحرّف للقتال أو التّحيّز إلى فئة، وهذا مذهب ابن عبّاس- رضي الله عنهما- المشهور عنه «3» .
1- قوله تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا قالُوا وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنا وَأَبْنائِنا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ) [البقرة: 246] .
2- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [الأنفال: 15- 16] .
3- قوله تعالى: ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [التوبة: 25- 27] .
4- قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ * يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [آل عمران: 155- 156] .
5- قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً * إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً ) [الأحزاب: 9- 17 ] .
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «اجتنبوا السّبع الموبقات. قيل:يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: «الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [البخاري- الفتح 5 (2766). مسلم (89) واللفظ له ] .
2- عن ابن الخصاصية- رضي اللّه عنه- يقول: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأبايعه على الإسلام فاشترط عليّ «تشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا عبده ورسوله وتصلّي الخمس، وتصوم رمضان، وتؤدّي الزّكاة، وتحجّ البيت، وتجاهد في سبيل اللّه. قال: قلت:يا رسول اللّه، أمّا اثنتان فلا أطيقهما: أمّا الزّكاة فما لي إلّا عشر ذود هنّ رسل أهلي وحمولتهم، وأمّا الجهاد فيزعمون أنّه من ولّى فقد باء بغضب من اللّه فأخاف إذا حضرني قتال كرهت الموت وخشعت نفسي قال: فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده ثمّ حرّكها ثمّ قال: «لا صدقة ولا جهاد، فبم تدخل الجنّة؟». قال: ثمّ قلت: يا رسول اللّه، أبايعك، فبايعني عليهنّ كلّهنّ . [الحاكم في المستدرك (2/ 80) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وبشير بن الخصاصية من المذكورين في الصحابة من الأنصار رضي اللّه عنهم] .
3- عن جابر- رضي اللّه عنه- قال: أوصاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعشر كلمات، قال: «لا تشرك باللّه شيئا، وإن قتلت وحرّقت، ولا تعقّنّ والديك، وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمّدا؛ فإنّ من ترك صلاة مكتوبة متعمّدا، فقد برئت منه ذمّة اللّه، ولا تشربنّ خمرا؛ فإنّه رأس كلّ فاحشة، وإيّاك والمعصية؛ فإنّ بالمعصية حلّ سخط اللّه- عزّ وجلّ- وإيّاك والفرار من الزّحف، وإن هلك النّاس، إذا أصاب النّاس موتان وأنت فيهم فاثبت، وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدبا، وأخفهم في اللّه» . [ أحمد (5/ 238) واللفظ له وذكره الهيثمي في المجمع (4/ 215) وقال: رجال أحمد ثقات، إلا أن عبد الرحمن بن جبير لم يسمع من معاذ، ورواه الطبراني في الكبير، وأخرجه المنذري في الترغيب (1/ 383) وقال نحو قول الهيثمي وقال الألباني في صحيح الترعيب والترهيب حسن لغيره (570) ] .
4- عن البراء بن عازب- رضي اللّه عنهما- قال: جعل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على الرّجّالة يوم أحد عبد اللّه بن جبير، وأقبلوا منهزمين، فذاك إذ يدعوهم الرّسول في أخراهم) . [البخاري- الفتح 7 (4067) ] .
5- عن عمرو بن حزم- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسّنن والدّيات فذكر فيه: «وإنّ أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة: الإشراك باللّه، وقتل النّفس المؤمنة بغير الحقّ، والفرار في سبيل اللّه يوم الزّحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلّم السّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم» . [المنذري في الترغيب (2/ 304) وقال: رواه ابن حبان في صحيحه انظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (14/ 6559) وقال محققه: يشهد له حديث أبي هريرة برقم (5561)، وحديث عبد اللّه بن عمرو برقم (5562) وعبد اللّه بن أحبش برقم (5563) وله شواهد في الصحيحين وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب صحيح لغيره (3541) ] .
6- عن بلال بن يسار بن زيد مولى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: سمعت أبي يحدّثنيه عن جدّي: أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «من قال: استغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فرّ من الزّحف . [أبو داود (1517) واللفظ له، وقال الألباني (1/ 283): صحيح. وأطال محقق «جامع الأصول» (4/ 389) في التعليق عليه ووافق الحاكم والذهبي على تصحيحه] .
7- عن أبي إسحاق. قال: قال رجل للبراء: يا أبا عمارة أفررتم يوم حنين؟ قال: لا واللّه ما ولّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّه خرج شبّان أصحابه وأخفّاؤهم حسّرا ليس عليهم سلاح، أو كثير سلاح، فلقوا قوما رماة لا يكاد يسقط لهم سهم. جمع هوازن وبني نضر. فرشقوهم رشقا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يقود به. فنزل فاستنصر وقال: أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب، ثمّ صفّهم» . [البخاري- الفتح (7/ 4315)، مسلم (1776) واللفظ له ] .
1- عن مالك عن يحيى بن سعيد أنّ عمر ابن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها اللّه حيث شاء، فالجبان يفرّ عن أبيه وأمّه، والجريء يقاتل عمّا لا يؤوب به إلى رحله، والقتل حتف من الحتوف، والشّهيد من احتسب نفسه على اللّه. [الموطأ تنوير الحوالك (2/ 19) ] .
2- عن أبي سعيد- رضي اللّه عنه- قال:نزلت في يوم بدر (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ) [الأنفال: 16] . [أبو داود (2648) وقال الألباني (2/ 502): صحيح ] .
3- عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهما- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استعاذ من سبع موتات: موت الفجاءة، ومن لدغ الحيّة، ومن السّبع، ومن الحرق، ومن الغرق، ومن أن يخرّ على شيء أو يخرّ عليه شيء، ومن القتل عند فرار الزّحف . [أحمد (2/ 171) واللفظ له، وقال الشيخ أحمد شاكر (10/ 100): إسناده صحيح. وهو في مجمع الزوائد (2/ 318) ] .
متفرقات
1- قال المنذريّ- رحمه اللّه-: كان الشّافعيّ- رحمه اللّه- يقول: إذا غزا المسلمون فلقوا ضعفهم من العدوّ حرم عليهم أن يولّوا إلّا متحرّفين لقتال، أو متحيّزين إلى فئة، وإن كان المشركون أكثر من ضعفهم لم أحبّ لهم أن يولّوا، ولا يستوجبون السّخط عندي من اللّه لو ولّوا عنهم على غير التّحرّف للقتال، أو التّحيّز إلى فئة. وهذا مذهب ابن عبّاس المشهور .[ الترغيب والترهيب (2/ 304) ] .
2- قال الإمام النّوويّ- رحمه اللّه-: وأمّا عدّه صلّى اللّه عليه وسلّم التّولّي يوم الزّحف من الكبائر، فدليل صريح لمذهب العلماء كافّة في كونه كبيرة. [ صحيح مسلم بشرح النووي: (مج 1 ج 2، ص 88) ] .
3- قال القرطبيّ عند قوله تعالى: ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ) [الأنفال: 15] أمر اللّه- عزّ وجلّ- في هذه الآية ألّا يولّي المؤمنون أمام الكفّار، وهذا الأمر مفيد بالشّريطة المنصوصة في مثلى المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنين من المشركين فالفرض ألّا يفرّوا أمامهم. فمن فرّ من اثنين فهو فارّ من الزّحف، ومن فرّ من ثلاثة فليس بفارّ من الزّحف، ولا يتوجّه عليه الوعيد، والفرار كبيرة موبقة بظاهر القرآن وإجماع الأكثر من الأئمّة. [تفسير القرطبي (4/ 2905). ط. دار الغد العربي ] .
4- قال ابن كثير: فأمّا إن كان الفرار لا عن سبب من هذه الأسباب فإنّه حرام وكبيرة من الكبائر . [تفسير ابن كثير (2/ 294) ] .
5- عند القرطبيّ: قال ابن القاسم: لا تجوز شهادة من فرّ من الزّحف، ولا يجوز لهم الفرار، وإن فرّ إمامهم لقوله- عزّ وجلّ- ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ) .. الآية [الأنفال: 16] . [ تفسير القرطبي (4/ 2907) ] .
من مضار (التولي)
(1) يسخط الرّبّ- عزّ وجلّ- ويرضي الشّيطان.
(2) الّذي يفرّ يوم الزّحف غير متحيّز إلى فئة أو متحرّف لقتال إنّما يخاف الموت، وهذا دليل على ضعف الإيمان.
(3) من تولّى من الزّحف فقد ارتكب جريمة عظمى في حقّ المجتمع، وأصبح منبوذا ينظر إليه شزرا.
(4) وهو في نفسه منتقص يرى نفسه ذليلا دون غيره في الرّجولة.