الجنس : العمر : 30 المدينة المنورة التسجيل : 12/03/2012عدد المساهمات : 53
موضوع: ¦[|☆|]¦ البشارة من عند الله ¦[|☆|]¦ السبت 17 مارس 2012, 3:29 pm
¦[|☆|]¦ البشارة من عند الله ¦[|☆|]¦
تعريف البشارة: البشارة يعرفها العلماء أنها: ما يبشر به الإنسان غيره من أمر( بشارة) بكسر الباء . والبُشارة ـ بضم الباء ـ : ما يعطاه المبشر بالأمر. فإذا بشرك إنسان فأعطيته شيئاً فهذه العطية تسمى بُشارة. والأمر الذي بشرك به يسمى بِشارة. قال ابن الأثير رحمه الله: البُشارة ـ بالضمة ـ ما يعطى البشير. وبالكسر الإسم، سميت بذلك من البشر وهو السرور، لأنها تظهر طلاقة وجه الإنسان وهم يتباشرون بذلك الأمر أي يبشر بعضهم بعضا. والبشارة إذا أطلقت فهي للبشارة بالخير ـ هذا هو الأصل ـ ويجوز إستعمالها مقيّدة في الشر كقوله تعالى : )فبشرهم بعذاب أليم( [آل عمران:21] . وقد جاء في الحديث الصحيح في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بُشّر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه) والآيات التي فيها البشارة بالعذاب الأليم للكفار كثيرة. واستعمال البشارة في الخير -وهو الأصل- قد ورد به القرآن في أشياء كثيرة: ) فبشرناه بغلام عليم( [الصافات:101] ،)فبشرناه بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب([هود:71]، وبُشّرت مريم بكلمة من الله. والبشارات التي ذكرت في القرآن في الخير كثيرة. فإذا أُستعملت البشارة في الشر لابد أن تستعمل مقيدة بشر أو عذاب ونحو ذلك، فلايقال بشر فقط بدون أن يذكر المبشر به، فلا تستعمل في الشر إلاّ مقيداً. والبشارة تكون من المخبر الأول بخلاف الخبر فإنه يكون من المخبر الأول والثاني .. والثالث .. كلهم مخبرون . أما البشارة فهي من المخبر الأول فقط، فإذا جاء واحد وكرره فلا تكون بشارة. وكذلك فالخبر قد يكون صادقاً أوكاذباً أما البشارة فإنها تختص بالخبر الصادق السار غالباً. والبُشاره ما يعطى المبشر.. كالجعل الذي يعطى على عمل معين. لكنّ الجعل يُعطى قبل العمل فتقول: من فعل لي كذا أعطيته كذا .. أمّا البشاره فتعطى بعد الإخبار بالأمر السار، ولو ما قال من بشرني بكذا أعطيته. والتهنئة في اللغة هي بخلاف التعزية، فيقال هنأه بالأمر والولاية تهنئةً وتهنيئاً إذا قال له ليهنأك و ليهنك و هنيئاً.. وإذن قال أي عبارة تحمل معنى التهنئة فهي كذلك. والهنيء والمهنأ: ما أتاك بلا مشقة ولا تنغيص ولاكدر . والهنيء من الطعام: الطيب السائغ. واستهنأت الطعام يعني إستمرأته. وقد تدخل التهنئة في التبشير ولها مرادفات أخرى تشترك معها في بعض المعنى مثل التبريك والترفئة ونحو ذلك. أما بالنسبة للتبريك (مصدر برّك) فهو أن يقول الشخص للآخر مثلاُ بارك الله عليك، أو بارك الله لك، ومعنى هذا: الدعاء للإنسان بالبركة، والبركة هي النماء والزيادة.
البشرى في القرآن:
وردت البشارة في القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في مثل قوله الله تعالى : )فنادته الملائكة وهو قائم يصلى في المحراب أن الله يبشرك بيحيى ( [آل عمران:39] وكذلك قال عزوجل: )ولمّا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى( . وقال فبشرناه بغلام حليم ( . وقال: ) وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب( . واستدلوا بهذا على جواز أن تكون البشرى في أمر لم يحصل بعد، فإنّه قال: " فبشرناها بإسحاق " وإسحاق لم يولد بعد، " ومن وراء إسحاق يعقوب " كذلك، إذاً يمكن أن يبشره بشيء يعلم أنه سيأتيه قبل أن يأتيه مثلاً. وكذلك قوله عزوجل : )إذ قالت الملائكة يا مريم أن الله يبشرك بكلمة منه ( [آل عمران:45]، وبشرالله سبحانه وتعالى المؤمنين بالجنة في آيات كثيرة. منها قوله سبحان وتعالى: ) وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون ([فصلت:30] هذه هي الجنّة بشرى المؤمنين عند نزول الموت .. وقال الله عزوجل : )فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه( [الزمر:17].. إلى آخرالآيات. عقد النووي رحمه الله في كتاب الأذكار باباً بعنوان : "إستحباب التبشير والتهنئة" وبعد أن أورد فيه بعض الآيات قال: وأمّا الأحاديث الواردة في البشارة فكثيرة جداً في الصحيح مشهورة، فمنها حديث تبشير خديجة رضي الله عنها ببيت في الجنة من قصب لانصب فيه ولاصخب، ومنها حديث كعب بن مالك رضي الله عنه المخرّج في الصحيحين.
والتبشير بالخبر الطيّب والأمر المفرح السارّ من السنة ومن الآداب الإسلامية العظيمة. فأما أعظم ما يبشر به املؤمن فهو البشارة بما أعد الله له، قال الله تعالى : ) وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار( .. الآية ، وكذلك فإن الله سبحانه قد بشرالمؤمنين بمدد الملائكة فقال : )إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدّكم بألفٍ من الملائكة مردفين. وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم( [الأنفال:9] والنبي صلى الله عليه وسلم كان يبشر بالأمور الدينية كثيراً، وليس فقط بالدنيويات كمن جاءه ولد أومال أو منصب..ونحو ذلك .... فكان كثيراً ما يبشر بالأمور الدينية.
وقد جاءه أعرابي كما في صحيح البخاري في كتاب المغازي ، فقال: ألا تنجزلى ما وعدتني ـ قيل أنه وعده وعداً خاصاً أو أنه يعجل له نصيبه من الغنيمة ـ فقال : ألا تنجز لي ما وعدتني ؟! فقال له: أبشر. فقال : قد أكثرت علي من أبشر. استثقل الأعرابي كثرة البشرى دون أن يرى شيئاً بعد .. فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : ردّ البشرى، فاقبلا أنتما، قالا : قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء، فغسل يديه ووجهه فيه ومجَّ فيه ثم قال: اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا. فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما ـ لأنها أم المؤمنين ـ فأفضلا لها منه طائفة. فكان هذا خيراً لهما من كل مال وغنيمة.. لكنّ الأعرابي لم يكن يفقه.
و قد جاءهُ صلى الله عليه وسلم أيضاً بنو تميم، فقال: يابني تميم أبشروا .. قالوا: بشرتنا فأعطنا ـ هؤلاء أيضاً أعراب ما يفهمون البشرى إلاّ في الأمور الماديّة ـ والنبي عليه الصلاة والسلام يقول لهم: إقبلوا البشرى أولا، فيريد أن يعلّمهم شيئاً ينفعهم في معادهم وآخرتهم..ولم يكن عند هؤلاء أبعد من قضية الأموال والعطايا، فقالوا: بشرتنا فأعطنا..هات أموال. فتغيّر وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه أهل اليمن، فقال يا أهل اليَمن: إقبلوا البشرى إذ لم يقبلها بنو تميم، قالوا: قبلنا، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بدأ الخلق والعرش..إلى آخر الحديث. و بشر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه به بأن صلاة العشاء عند نصف الليل خير عظيم، وقال: أبشروا، إن من نعمة الله عليكم أنّه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم..هذه كلها بشارات دينية. وهناك بشارات دينية خاصة لبعض الصحابة. ومثل ذلك قصة ثابت بن قيس لمّا غاب عن النبي عليه الصلاة والسلام، فقال رجل يا رسول الله: أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالساً في بيته منكّساً رأسه، فقال ما شأنك؟! فقال: شر..كان يرفع صوته يعني نفسه فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله فهو من أهلالنار. فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا .. وكذا. فرجع موسى بن أنس إلى ثابت ابن قيس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشارة عظيمة، حيث قال: إذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة. فهذه بشارة عظيمة جداً، وهل أعظم من أن يبشر الإنسان بأنه من أهل الجنة؟!!.
كذلك من البشائر الدينية الشرعية الرؤيا الصالحة، فإن النبي عليه الصلاة والصلام أخبر أن النبوة تذهب، لكن تبقى المبشرات بعده عليه الصلاة والسلام وهي الرؤيا الصالحة، يراها الرجل أوترى له. وقال في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم : ( الرؤيا الصالحة من الله ) ثم قال في آخر الحديث ـ ( فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب ).
أحاديث
1- عن أَبي إبراهيم، ويقال: أَبُو محمد، ويقال: أَبُو معاوية عبد اللهِ بن أَبي أوفى رضي الله عنهما: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ خَدِيجَةَ رضي اللهُ عنها ببَيْتٍ في الجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ، وَلاَ نَصَبَ. متفقٌ عَلَيْهِ. (القَصَبُ): هُنَا اللُّؤْلُؤُ الْمُجَوَّفُ. وَ(الصَّخَبُ): الصِّياحُ وَاللَّغَطُ. وَ(النَّصَبُ): التَّعَبُ. 2- وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أَنَّهُ تَوَضَّأ في بَيْتِهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: لأَلْزَمَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا، فَجَاءَ الْمَسْجِدَ، فَسَألَ عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا وجَّهَ هاهُنَا، قَالَ: فَخَرَجْتُ عَلَى أثَرِهِ أسْألُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أريسٍ، فَجَلَسْتُ عِندَ البَابِ حتَّى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتهُ وتوضأ، فقمتُ إليهِ، فإذا هو قد جلسَ على بئرِ أريسٍ وتوَسَّطَ قُفَّهَا، وكشَفَ عنْ ساقيهِ ودلاّهُما في البئرِ، فسلمتُ عَليهِ ثمَّ انصَرَفتُ، فجلستُ عِندَ البابِ، فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ بَوَّابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَدَفَعَ الْبَابَ، فقلتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ، فقُلتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهبْتُ، فقلتُ: يَا رسول الله، هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَستَأْذِنُ، فَقَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) فَأقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبي بَكْرٍ: ادْخُلْ وَرسول الله صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُكَ بِالجَنَّةِ، فَدَخَلَ أَبُو بَكرٍ حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَمينِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ في القُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئْرِ كَمَا صَنَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أخِي يَتَوَضَّأ وَيَلْحَقُنِي، فقلتُ: إنْ يُرِدِ الله بِفُلانٍ – يُريدُ أخَاهُ – خَيْراً يَأتِ بِهِ. فَإذَا إنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَاب، فقلتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بن الخَطّابِ، فقلتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ يَسْتَأذِنُ؟ فَقَالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بالجَنَّةِ) فَجِئْتُ عُمَرَ، فقلتُ: أَذِنَ وَيُبَشِّرُكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالجَنَّةِ، فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القُفِّ عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ في البِئرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، فَقُلتُ: إنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلاَنٍ خَيْراً – يَعْنِي أخَاهُ – يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ. فَقُلتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بن عَفَّانَ. فقلتُ: عَلَى رِسْلِكَ، وجِئْتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُهُ، فقالَ: (ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ) فَجِئْتُ، فقلتُ: ادْخُلْ وَيُبَشِّرُكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصيبُكَ، فَدَخَلَ فَوجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فجلس وِجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الآخرِ. قَالَ سَعيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فَأوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ. متفقٌ عَلَيْهِ. وزاد في رواية: وأمرني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحفظِ الباب. وَفيها: أنَّ عُثْمانَ حِيْنَ بَشَّرَهُ حَمِدَ اللهَ تَعَالَى، ثُمَّ قَالَ: اللهُ المُسْتَعانُ. وَقَوْلُه: (وَجَّهَ) بفتحِ الواوِ وتشديد الجيمِ. أيْ: تَوَجَّهَ. وَقَوْلُه: (بِئْر أَرِيْسٍ) هُوَ بفتح الهمزة وكسرِ الراءِ وبعدها ياءٌ مثناة من تحت ساكِنة ثُمَّ سِين مهملة وَهُوَ مصروف ومنهم من منع صرفه، وَ(القُفُّ) بضم القاف وتشديد الفاءِ: وَهُوَ المبنيُّ حول البئر. وَقَوْلُه: (عَلَى رِسْلِك) بكسر الراء عَلَى المشهور، وقيل: بفتحِهَا، أيْ: ارفق. 3- وعن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كُنَّا قُعُوداً حَوْلَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَمَعَنَا أَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما في نَفَرٍ، فَقَامَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ أظْهُرِنَا فَأبْطَأ عَلَيْنَا، وَخَشِينَا أنْ يُقْتَطَعَ دُونَنَا وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا، فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ، فَخَرَجْتُ أبْتَغِي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، حَتَّى أتَيْتُ حَائِطاً للأنصَارِ لِبَني النَّجَارِ، فَدُرْتُ بِهِ هَلْ أجِدُ لَهُ بَاباً؟ فَلَمْ أجِدْ! فَإذَا رَبيعٌ يَدْخُلُ في جَوْفِ حَائِطٍ مِنْ بِئْرٍ خَارِجَهُ – وَالرَّبِيعُ: الجَدْوَلُ الصَّغِيرُ – فَاحْتَفَرْتُ، فَدَخَلْتُ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (أَبُو هُرَيْرَةَ ؟) فقلتُ: نَعَمْ، يَا رسول اللهِ، قَالَ: (مَا شأنُكَ ؟) قُلْتُ: كُنْتَ بَيْنَ أظْهُرِنَا فَقُمْتَ فَأبْطَأتَ عَلَيْنَا، فَخَشِينَا أنْ تُقْتَطَعَ دُونَنَا، ففزعنا، فَكُنْتُ أوّلَ مَنْ فَزِعَ، فَأتَيْتُ هَذَا الحَائِطَ، فَاحْتَفَرْتُ كَمَا يَحْتَفِرُ الثَّعْلَبُ، وهؤلاء النَّاسُ وَرَائِي. فَقَالَ: (يَا أَبَا هُرَيرَةَ) وَأعْطَانِي نَعْلَيْهِ، فَقَالَ: (اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الحَائِطِ يَشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ الله مُسْتَيْقِنَاً بِهَا قَلْبُهُ، فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ...) وَذَكَرَ الحديثَ بطوله، رواه مسلم. (الرَّبِيعُ): النَّهْرُ الصَّغَيرُ، وَهُوَ الجَدْوَلُ – بفتح الجيمِ – كَمَا فَسَّرَهُ في الحديث. وَقَوْلُه: (احْتَفَرْتُ) روِي بالراء وبالزاي، ومعناه بالزاي: تَضَامَمْتُ وتَصَاغَرْتُ حَتَّى أمْكَنَنِي الدُّخُولُ. 4- وعن ابن شِمَاسَة، قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بنَ العَاصِ رضي الله عنه وَهُوَ في سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، فَبَكَى طَوِيلاً، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ، يَقُولُ: يَا أبَتَاهُ، أمَا بَشَّرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكَذَا؟ أمَا بَشَّرَكَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِكَذَا؟ فَأقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إنَّ أفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ الله، وَأنَّ مُحَمَّداً رسول اللهِ، إنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أطْبَاقٍ ثَلاَثٍ: لَقَدْ رَأيْتُنِي وَمَا أحَدٌ أشَدُّ بُغضاً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِنِّي، وَلاَ أحَبَّ إليَّ مِنْ أنْ أكُونَ قدِ اسْتَمكنتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُه، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تلكَ الحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الإسلامَ في قَلْبِي أتَيْتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقُلْتُ: ابسُطْ يَمِينَكَ فَلأُبَايِعُك، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: (مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟) قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِطَ، قَالَ: (تَشْتَرِط مَاذا؟) قُلْتُ: أنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: (أمَا عَلِمْتَ أن الإسلامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأن الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبلَهَا، وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟) وَمَا كَانَ أحدٌ أحَبَّ إليَّ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أجَلَّ في عَيني مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطيقُ أن أملأ عَيني مِنْهُ؛ إجلالاً لَهُ، ولو سئلت أن أصفه مَا أطقت، لأني لَمْ أكن أملأ عيني مِنْهُ، ولو مُتُّ عَلَى تِلْكَ الحالِ لَرجَوْتُ أن أكُونَ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، ثُمَّ وَلِينَا أشْيَاءَ مَا أدْرِي مَا حَالِي فِيهَا؟ فَإذَا أنَا مُتُّ فَلاَ تَصحَبَنِّي نَائِحَةٌ وَلاَ نَارٌ، فَإذا دَفَنْتُمُونِي، فَشُنُّوا عَليَّ التُّرابَ شَنّاً، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أَسْتَأنِسَ بِكُمْ، وَأنْظُرَ مَا أُرَاجعُ بِهِ رسُلَ رَبّي. رواه مسلم. قَوْله: (شُنُّوا) رُوِي بالشّين المعجمة والمهملةِ، أيْ: صُبُّوه قَليلاً قَليلاً.
من آداب التبشير:
وينبغي أن تكون نفسية التبشير للآخرين بالفأل الحسن وإنشراح الصدر والوجه الطلق هي سمة المؤمن، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً وأبا موسى إلى اليمن قال يسرا ولا تعسرا .. وبشرا ولا تنفرا). ولذلك ينبغي على الخطيب والواعظ ألاّ يذكر للناس صفة النار وعذاب جهنم وأهل الناروحالهم دون أن يخبرهم بصفة الجنة وما أعد الله لأهلها وما فيها من النعيم المقيم وأنواعه المتعددة. وكذلك الجمع المتوازن بين الترغيب والترهيب مع مراعاة ما روى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن ربّه: (إن رحمتي سبقت غضبي). أيضاً من مواطن البشارة التى وردت في السنة البشارة بالفتوح .. كما بوّب البخاري رحمه الله في كتاب الجهاد والسير " باب البشارة في الفتوح" إذا فتح بلد وانتصر المسلون فينبغي أن يُنقل الخبر على أنه بشارة لعموم المسلمين، ويُنشر على أنّه من البشائر السارّة.
قال الله تعالى : ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) البشرى تعني البشارة في الحياة الدنيا وفي الآخرة والبشارة في الحياة الدنيا أنواع .
فمنها الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له أحد يراها له يعني يرى في المنام ما يسره أو يرى له أحد من أهل الصلاح ما يسره مثل أن يرى أنه يبشر بالجنة أو يرى أحد من الناس أنه من أهل الجنة أو ما أشبه ذلك أو يرى على هيئة صالحة المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرؤيا الصالحة يراها أو ترى له تلك عاجل بشرى المؤمن . ومنها إن الإنسان يسر في الطاعة، ويفرح بها وتكون قرة عينه، فإن هذا يدل على أنه من أولياء الله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلك المؤمن فإذا رأيت من نفسك أن صدرك ينشرح بالطاعة، وأنه يضيق بالمعصية فهذه بشرى لك، أنك من عباد الله المؤمنين ومن أوليائه المتقين، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: وجعلت قرة عيني في الصلاة .
ومن ذلك أيضاً أن أهل الخير يثنون عليه ويحبونه ويذكرونه بالخير، فإذا رأيت أن أهل الخير يحبونك ويثنون عليك بالخير، فهذه بشرى للإنسان أنه يثنى عليه من أهل الخير، ولا عبرة بثناء أهل الشر ولا قدحهم، لأنهم لا ميزان لهم ولا تقبل شهادتهم عند الله، لكن أهل الخير إذا رأيتهم يثنون عليك وأنهم يذكرونك بالخير ويقتربون منك ويتجهون إليك فاعلم أن هذه بشرى من الله لك .
ومن البشرى في الحياة الدنيا، ما يبشر به العبد عند فراق الدنيا، حيث تتنزل عليه الملائكة ( ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلاً من غفور رحيم ) ومن البشارة أيضاً أن الإنسان عند موته بشارة أخرى، فيقال لنفسه: اخرجي أيتها النفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، فتفرح وتسر .
ومن ذلك أيضاً البشارة في القبر، فإن الإنسان إذا سئل عن ربه ودينه ونبيه وأجاب بالحق، نادى مناد من السماء أن صدق عبدي ؛ فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً من الجنة .
ومنها أيضاً البشارة في الحشر، تتلقاهم الملائكة ( هذا يومكم الذي كنتم توعدون ) و ( وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون )
المهم أن أولياء الله لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
آثار
1- سئل سفيان بن عيينة عن البشارة تكون في المكروه؟ فقال: ألم تسمع قوله: ( َبَشّرِ الذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ). فتح القدير للشوكاني.
قصص
1- في قصة تبشير الثلاثة الذين خلفوا بالتوبة: فآذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بتوبة الله - عز وجل - علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي ، وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوتهما إياه ببشارته.
حكم
1- إنك ما وخيراً. أي: إنك وخيراً مجموعان أو مقترنان. يضرب في موضع البشارة بالخير وقرب نيل المطلوب. 2- أَبْشِرْ بِغَزْوٍ كَوَلْغِ الذّئِبِ: أي بغزو متدارك؛ يضرب في البشارة بخير متصل. 3- بما سرك عيني تختلج: أي بما سرك فإن عيني تختلج. يضرب في التبشير بالخير لظهور أماراته.
متفرقات
1- قال الطبري معقباً على كلام قتادة: " وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنّ لأوليائه المتقين البشرى في الحياة الدنيا، ومن البشارة في الحياة الدنيا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. ومنها: بشرى الملائكة إياه عند خروج نفسه برحمة الله. ومنها: بشرى الله إياه ما وعده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الثواب الجزيل، كما قال جل ثناؤه وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) الآية [سورة البقرة: 25]. وكل هذه المعاني من بشرى الله إياه في الحياة الدنيا بشره بها، ولم يخصص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك مما عمه جل ثناؤه : أن (لهم البشرى في الحياة الدنيا)، وأما في الآخرة فالجنة " تفسير الطبري. 2- قال الطبري: في قوله تعالى: (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (البقرة:97) قال: " وأما البشرى فإنها البشارة. أخبر الله عباده المؤمنين جل ثناؤه، أن القرآن لهم بشرى منه؛ لأنه أعلمهم بما أعد لهم من الكرامة عنده في جناته، وما هم إليه صائرون في معادهم من ثوابه، وذلك هو البشرى التي بشر الله بها المؤمنين في كتابه؛ لأن البشارة في كلام العرب هي: إعلام الرجل بما لم يكن به عالماً مما يسره من الخبر، قبل أن يسمعه من غيره، أو يعلمه من قبل غيره " تفسير الطبري. 3- قال أبو حيان في تفسيره: " البشارة: أول خبر يرد على الإنسان من خير كان أو شر، وأكثر استعماله في الخير " البحر المحيط. 4- قال ابن عطية: " الأغلب استعماله في الخير، وقد يستعمل في الشر مقيدا به منصوصا على الشر للمبشر به، كما قال تعالى : (فبشرهم بعذاب أليم) ومتى أطلق لفظ البشارة فإنما يحمل على الخير " البحر المحيط. 5- قال أبوحيان: " قيل عن سيبويه: هو خبر يؤثر في البشرة من حزن أو سرور " البحر المحيط. 6- قال أبو محمد البربهاري: " واعلم أن البشارة عند الموت ثلاث بشارات: يقال: أبشر يا حبيب الله برضا الله والجنة، ويقال: أبشر يا عدو الله بغضب الله والنار، ويقال: أبشر يا عبد الله بالجنة بعد الإسلام. هذا قول ابن عباس " شرح السنة.