التعريف
البذاذة والتبذل لغة:
مصدر قولهم: بذّت هيئته بذاذة، وهو مأخوذ من مادّة (ب ذ ذ) الّتي تدلّ على الغلبة والقهر والإذلال، يقال: بذّ فلان أقرانه يبذّهم فهو باذّ: إذا غلبهم، وإلى هذا يرجع قولهم: هو باذّ الهيئة وبذّ الهيئة، وبيّن البذاذة، أي أنّ الأيام أتت عليها فأخلقتها فهي مقهورة، ويكون فاعل (باذّ) في معنى مفعول (أي مبذوذ)، ومعنى قولهم: حال فلان بذّة: سيّئة وقد بذذت بعدي (بالكسر) فأنت باذّ الهيئة وبذّها أي رثّها، وقيل: رثّ اللّبسة ويكنى بذلك عن التّواضع في اللّباس وترك التّبجّح به، وقال ابن منظور: يقال: بذذت بذذا وبذاذة وبذوذة: أي رثّت هيئتك وساءت حالتك وفي الحديث: «البذاذة من الإيمان» البذاذة: رثاثة الهيئة وهي أن يكون الرّجل متقهّلا، يقال منه: رجل باذّ الهيئة، وفي هيئته بذاذة وقال بعضهم: البذّ: الرّجل المتقهّل الفقير، وقيل: البذاذة: أن يكون يوما متزيّنا، ويوما شعثا، أو هي ترك مداومة
الزّينة، وحال بذّة أي سيّئة، ورجل بذّ البخت: سيّئه، رديئه، وتمر بذّ: متفرّق لا يلزق بعضه ببعض [مقاييس اللغة (1/ 177)، الصحاح (2/ 561)، النهاية في غريب الحديث (1/ 112)، ولسان العرب (بذل) (ص 238) (ط. دار المعارف) ] .
التبذّل والبذاذة قريبة في معناها اللّغويّ من التبذّل والابتذال، يقول ابن الأثير: وفي حديث الاستسقاء: «فخرج متبذّلا ..» التّبذّل: ترك التّزيّن والتّهيّؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التّواضع، وبمثل ذلك فسّر حديث سلمان «فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة» وفي رواية «مبتذلة[النهاية لابن الأثير (1/ 111) ]» والبذلة من الثّياب، ما يلبس ويمتهن ولا يصان، وابتذال الثّوب وغيره امتهانه، والتّبذّل: ترك التّصاون [لسان العرب (1/ 238) (ط. دار المعارف) ] .
البذاذة والتبذل اصطلاحا:
قال فيها ابن القيّم- رحمه اللّه تعالى-: هي سوء الهيئة والتّجوّز في الثّياب ونحوها، يقال: رجل باذّ الهيئة: إذا كان رثّ الهيئة والثّياب [مختصر سنن أبي داود (6/ 84، 85) بتعليق محمد حامد الفقي] .
وقال فيه ابن حجر- رحمه اللّه تعالى-: التّبذّل والابتذال بمعنى واحد، وهو لبس ثياب البذلة وهي المهنة [فتح الباري (4/ 248) ] .
وقال المناويّ: البذلة: ما يمتهن من الثّياب في الخدمة، يقال: بذل الثّوب وابتذله: لبسه في أوقات الخدمة والامتهان [التوقيف على مهمات التعاريف (73) ] .
أحاديث
1- عن أبي جحيفة- رضي اللّه عنه- أنّه قال: آخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين سلمان وأبي الدّرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أمّ الدّرداء متبذّلة فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدّرداء ليس له حاجة في الدّنيا. فجاء أبو الدّرداء، فصنع له طعاما فقال له: كل.قال: فإنّي صائم، قال: ما أنا بآكل حتّى تأكل. قال:فأكل، فلمّا كان اللّيل ذهب أبو الدّرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثمّ ذهب يقوم فقال: نم. فلمّا كان من آخر اللّيل قال سلمان: قم الآن، فصلّيا. فقال له سلمان: إنّ لربّك عليك حقّا، ولنفسك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقّا، فأعط كلّ ذي حقّ حقّه. فأتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر ذلك له، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «صدق سلمان»[رواه البخاري- الفتح 4 (1968)].
2- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: دخلت عليّ خولة بنت حكيم بن أميّة، وكانت عند عثمان بن مظعون- قالت: فرأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذاذة هيئتها، فقال لي: «يا عائشة، ما أبذّ هيئة خويلة».قالت: فقلت: يا رسول اللّه، امرأة لا زوج لها ، يصوم النّهار ويقوم اللّيل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها. قالت: فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: «يا عثمان أرغبة عن سنّتي؟» قال: فقال: لا واللّه يا رسول اللّه ولكن سنّتك أطلب، قال: «فإنّي أنام وأصلّي، وأصوم وأفطر، وأنكح النّساء. فاتّق اللّه يا عثمان، فإنّ لأهلك عليك حقّا، وإنّ لضيفك عليك حقّا، وإنّ لنفسك عليك حقّا فصم وأفطر، وصلّ ونم»[رواه أحمد (6/ 268). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 301): رواه أحمد ورجاله ثقات وقال الألباني هذا إسناد جيد انظر إرواء الغليل ( 7/78)].
3- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: «أتانا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فرأى رجلا ثائر الرّأس فقال: «أما يجد هذا ما يسكّن به شعره»[رواه النسائي (8/ 183- 184) واللفظ له. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (4/ 751). وصحيح سنن النسائي (4832) وقال الألباني: صحيح].
4- عن أبي الأحوص عن أبيه- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، في ثوب دون فقال: «ألك مال؟» قال: نعم من كلّ المال. قال: من أيّ المال؟». قال: قد آتاني اللّه من الإبل والغنم والخيل والرّقيق. قال: فإذا آتاك اللّه مالا فلير أثر نعمة اللّه عليك وكرامته»[رواه أبو داود (4063). والنسائي (8/ 181) وقال الألباني: صحيح (3/ 1062) رقم (4820). ورواه أيضا أحمد في «المسند» (3/ 473)].
5- عن وائل بن حجر- رضي اللّه عنه- أنّه قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولي جمّة. قال: «ذباب» وظننت أنّه يعنيني فانطلقت فأخذت من شعري.فقال: «إنّي لم أعنك، وهذا أحسن»[رواه النسائي (8/ 135) وقال الألباني: صحيح (3/ 1042) رقم (4691). وأبو داود (4190). وقال محقق جامع الأصول: إسناده حسن (4/ 755)].
6- عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّها قالت: كان النّاس يسكنون العالية فيحضرون الجمعة وبهم وسخ فإذا أصابهم الرّوح سطعت أرواحهم فيتأذّى بها النّاس فذكر ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «أو لا يغتسلون؟»[رواه النسائي (3/ 94) وقال الألباني: صحيح (1/ 298) رقم (1306)].
ولفظه عند البخاريّ: كان النّاس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم فقيل لهم: لو اغتسلتم»[رواه البخاري- الفتح 2 (903)].
7- عن عبد اللّه بن سلام- رضي اللّه عنه- أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول على المنبر في يوم الجمعة: «ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته؟»[رواه أبو داود (1078). وابن ماجة (1095) واللفظ له وقال في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات. وقال محقق جامع الأصول: إسناده صحيح (7/ 330) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة(898)].
آثار
قال عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- إيّاكم ولبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة.[أدب الدنيا والدين (340)].
أشعار
قال المعري:
وإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمدُه والحمائل
[شرح ديوان سقط الزند للمعري ص57].
متفرقات
قال أبو حاتم بن حبّان البستيّ- رحمه اللّه تعالى-: الواجب على العاقل أن يكون حسن السّمت، طويل الصّمت؛ فإنّ ذلك من أخلاق الأنبياء، كما أنّ سوء السّمت وترك الصّمت من شيم الأشقياء.[ روضة العقلاء (25)].