✬闦✬ الاستغاثة بالله من أهم وأعظم أسباب النجاة ✬闦✬
الاستغاثة لغة:
قال الزبيدي: الاستغاثةُ: طلب الغَوْث وهو التخليصُ من الشدة والنقمة والعون على الفكاك من الشدائد، ولم يتعدَّ في القرآن إلا بنفسه كقوله تعالى {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ} [الأنفال: 9] وقد يتعدى بالحرف كقول الشاعر:
حتى استغاث بماءٍ لا رشاء له* من الأباطح في حافاته البرك
وفي المعجم الوسيط: (الاستغاثة) طلب الغوث و(عند النحاة) نداءُ من يخلّص من شدة، أو يعين على دَفْع بلية، ويُقْرَن المستغاث به بلام مفتوحة، والمستغاث له بلام مكسورة، يقال: يا لله للمسلمين، وقد يجر المستغاث من أجله بمن، إذا كان مستنصرًا عليه كقوله:
يا للرجال ذوي الألباب من نَفَرٍ* لا يبرح السفه المردي لهم دينًا
الاستغاثة اصطلاحًا:
عند أهل السنة لا تخرج عن المعنى اللغوي وهي: طلب الغَوْث وهو التخليصُ من الشدة والنقمة، والعون على الفكاك من الشدائد، وهي عند أهل السنة: عبادةٌ لا تكون إلا لله عز وجل .
عند أهل السنة والجماعة: فالاستغاثة لا تصلح إلا من الله فيما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: فالاستغاثةُ طلب الغوث، وطلب الغوث لا يصلح إلا من الله فيما لا يقدر عليه إلا الله جل جلاله؛ لأن الاستغاثة يمكن أن تُطلب من المخلوق فيما يقدر عليه.
آيات
1- قول الله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال: 9- 10] .
2- قوله تعالى: (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) [القصص: 15] .
3- قوله تعالى: (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ * فَقالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) [ يونس: 84- 86] .
أحاديث
1- عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بواكي ، فقال:" اللّهمّ اسقنا غيثا مغيثا مريئا مريعا نافعا غير ضارّ عاجلا غير آجل". قال: فأطبقت عليهم السّماء. [رواه أبو داود (1169)، وذكره الألباني في الصحيحه برقم (1036) وقال: صحيح (2/ 216) ] .
2- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: إنّ رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائما ثمّ قال: يا رسول اللّه، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع اللّه يغثنا. قال: فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يديه ثمّ قال: " اللّهمّ أغثنا. اللّهمّ أغثنا.اللّهمّ أغثنا ". قال أنس: ولا واللّه ما نرى في السّماء من سحاب ولا قزعة ، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل التّرس فلمّا توسّطت السّماء انتشرت ثمّ أمطرت قال: فلا واللّه ما رأينا الشّمس سبتا قال: ثمّ دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائم يخطب فاستقبله قائما فقال: يا رسول اللّه، هلكت الأموال، وانقطعت السّبل، فادع اللّه يمسكها عنّا. قال: فرفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يديه ثمّ قال: " اللّهمّ حولنا ولا علينا، اللّهمّ على الآكام والظّراب وبطون الأودية ومنابت الشّجر". فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشّمس.[رواه مسلم (897) ] .
3- عن عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- قال: لمّا كان يوم بدر نظر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلا.فاستقبل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القبلة ثمّ مدّ يديه فجعل يهتف بربّه " اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني، اللّهمّ آت ما وعدتني، اللّهمّ إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" فما زال يهتف بربّه مادّا يديه مستقبل القبلة، حتّى سقط رداؤه عن منكبيه فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثمّ التزمه من ورائه، وقال يا نبيّ اللّه:كذاك مناشدتك ربّك، فإنّه سينجز لك ما وعدك، فأنزل اللّه- عزّ وجلّ-: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال/ 9] فأمدّه اللّه بالملائكة ... الحديث. [رواه مسلم (1763) ] .
آثار
1- كان موسى- عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام- يقول: " اللّهمّ لك الحمد، وإليك المشتكى، وأنت المستعان، وبك المستغاث وعليك التّكلان، ولا حول ولا قوّة إلّا بك"[ مجموع الفتاوى (1/ 112) ] .
2- قال أبو يزيد (البسطاميّ)- رحمه اللّه تعالى-: " استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق" [مجموع الفتاوى (1/ 106) ] .
متفرقات
1- قال الطّبريّ في قوله تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ ُرْدِفِينَ) [الأنفال: 9] أي تستجيرون به من عدوّكم، وتدعونه للنّصر عليهم (فاستجاب لكم) أي:أجاب دعاءكم ب (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ) يردف بعضهم بعضا، ويتلو بعضهم بعضا) [ تفسير الطبري (مجلد 6/ ج 9/ 126- 127) ] .
2- قال القرطبيّ في قوله تعالى: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ... فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ .. الآيات) [القمر: 9- 15].أي: دعا عليهم حينئذ نوح وقال: ربّ أَنِّي مَغْلُوبٌ أي غلبوني بتمرّدهم فَانْتَصِرْ أي فانتصر لي.(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) أي فأجبنا دعاءه، وأمرنا باتّخاذ السّفينة وفتحنا أبواب السّماء( بِماءٍ مُنْهَمِرٍ )أي كثير ..[ تفسير القرطبي (ج 17/ 131) ].
3- قال ابن تيميّة- رحمه اللّه تعالى-: " قال العلماء المصنّفون في أسماء اللّه تعالى: يجب على كلّ مكلّف أن يعلم أن لا غيّاث ولا مغيث على الإطلاق إلّا اللّه، وأنّ كلّ غوث فمن عنده" [مجموع الفتاوى (1/ 110- 111) ] .
من فوائد ( الاستغاثة ) :
[1] فيها صرف الهمة كلها إلى الله المتصرف في الكون كله بكمال قدرته واليقين بأن الخلق ينفِّذون قدره وأمره .
[2] الاستغاثة في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله من التوحيد ؛ فهي دليل الإيمان وحده .
[3] بالاستغاثة تقوى عزيمة الإنسان لمعرفته بأن من يستغيث به قادر على إغاثته .
[4] الاستغاثة سبب من أسباب النصر كما حدث للمسلمين يوم بدرٍ .
[5] الاستغاثة تقوي الروح المعنوية للمستغيث وتعلمه بأن الفرج قريبُّ .
[6] الاستغاثة مجلبة للخير ، وبها يعم الخير للعباد والبلاد .