التعريف
الاعتذار لغة:
الاعتذار مصدر اعتذر وهو مأخوذ من مادّة (ع ذ ر) الّتي تدلّ على معان كثيرة غير منقادة ومنها: العذر وهو روم الإنسان إصلاح ما أنكر عليه بكلام.
يقال منه: عذرته أعذره عذرا من باب ضرب، والاسم: العذر (بالضم) والجمع: أعذار. ويقال: فلان قام قيام تعذير فيما استكفيته، إذا لم يبالغ وقصّر فيما اعتمد عليه فيه. وقد تضمّ الذّال بالإتباع فيقال «عذر».
ويقال: اعتذر فلان اعتذارا ومعذرة وعذرة من دينه فعذرته، وهو معذور. وتقول: اعتذر إليّ، طلب قبول معذرته، واعتذر عن فعله أظهر عذره، وأمّا قولك: اعتذرت منه فمعناه شكوته، وعذر الرّجل صار ذا عيب وفساد، ومثله أعذر، وأعذر فيه. أي بالغ في الأمر، ولهذا فإنّ معنى حديث «أعذر اللّه إلى من بلغ من العمر ستّين سنة» أي لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدّة ولم يعتذر. وأمّا عذّر الرّجل (بالتّضعيف) فمعناه أنّه اعتذر ولم يأت بشيء، ولم يثبت له عذر. وأعذر (بالألف) يعني ثبت له عذره وجاءت الآية في التّوبة بالقراءتين على كلا المعنيين وهي قوله تعالى: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ) [التوبة: 90] فبالتّثقيل معناه أنّهم تكلّفوا العذر ولا عذر لهم، وبالتّخفيف: الّذين لهم عذر، وعلى هذا ورد الأثر عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- رحم اللّه المعذّرين ولعن اللّه المعذّرين، ويقال أعذر من أنذر أي بالغ في العذر، أي في كونه معذورا. ومن عذيري من فلان، وعذيرك من فلان. قال عمرو بن معد يكرب:
أريد حياته ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مراد
ومعناه: هلمّ من يعذرك منه إن أوقعت به، وذلك لأنّه أهل للإيقاع به، فإن أوقعت به كنت معذورا.
وقال بعضهم: أصل العذر من العذرة وهي الشّيء النّجس، ومنه سمّيت القلفة العذرة، فقيل عذرت الصّبيّ إذا طهّرته وأزلت عذرته، وكذا عذرت فلانا: أزلت نجاسة ذنبه بالعفو كقولك غفرت له أي سترت ذنبه [الصحاح (2/ 737- 740)، ولسان العرب ( 2854- 2856 ). والمصباح المنير (398- 399) والمقاييس (4/ 252)، وبصائر ذوي التمييز (4/ 36) والمفردات للراغب (328) ] .
واصطلاحا:
قال الجرجانيّ: الاعتذار: محو أثر الذّنب [التعريفات (29) ] .
وقال الكفويّ: الاعتذار: إظهار ندم على ذنب تقرّ بأنّ لك فى إتيانه عذرا [الكليات (308) ] .
وقال المناويّ: الاعتذار: تحرّي الإنسان ما يمحو أثر ذنبه» [التوقيف على مهمات التعاريف (55) ] .
وقد سوّى بعض العلماء بين العذر والاعتذار في المعنى. فقال الرّاغب الأصفهانيّ: العذر تحرّي الإنسان ما يمحو به ذنوبه [المفردات (327) ] . وإلى مثل هذا ذهب الفيروزاباديّ في «البصائر» [انظر بصائر ذوي التمييز (4/ 35) ] . وقد فرّق الجرجانيّ بين الأمرين فذكر أنّ الاعتذار هو (تحرّي) محو أثر الذّنب (كما سبق)، وأنّ العذر ما يتعذّر على المعنّى (فعله) على موجب الشّرع إلّا بتحمّل ضرر زائد . [التعريفات (153) ] .
آيات
1- قول الله تعالى: (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الأعراف: 163- 164] .
2- قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) [ التوبة: 65- 66] .
3- قوله تعالى: (وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [ التوبة: 90].
4- قوله تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (93)يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [التوبة: 93- 95].
5- قوله تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [ غافر: 52].
6- قوله تعالى: (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) [القيامة: 14- 15].
7- قوله تعالى: (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ * وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات: 35- 36].
أحاديث
1- عن المغيرة بن شعبة- رضي اللّه عنه- قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسّيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال: "أتعجبون من غيرة سعد، فواللّه لأنا أغير منه، واللّه أغير منّي، من أجل غيرة اللّه حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من اللّه، ولا شخص أحبّ إليه العذر من اللّه، من أجل ذلك بعث اللّه المرسلين مبشّرين ومنذرين، ولا شخص أحبّ إليه المدحة من اللّه، من أجل ذلك وعد اللّه الجنّة" [رواه ومسلم (1499)].
2- عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " إيّاك وكلّ أمر يعتذر منه"[ذكره الألباني في صحيح الجامع (1/ 520/ 2671) وفي الصحيحة له (1/ 354) وقال: حسن وعزاه للمختارة ونقل قول المناوي عزوه للديلمي والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث جماعة آخرين من الصحابة].
3- عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أنّه قال: بعثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في سريّة، فلمّا لقينا العدوّ انهزمنا في أوّل عادية، فقدمنا المدينة في نفر ليلا، فاختفينا، ثمّ قلنا: لو خرجنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واعتذرنا إليه، فخرجنا، فلمّا لقيناه قلنا: نحن الفرّارون يا رسول اللّه، قال: " بل أنتم العكّارون وأنا فئتكم". قال أسود بن عامر: وأنا فئة كلّ مسلم . [رواه أحمد (2/ 70، 99، 100، 111). وقال أحمد شاكر (7/ 203)، (8/ 89، 153): صحيح ].
4- عن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: كان رجل من الأنصار أسلم، ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ تندّم فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. هل لي من توبة؟ فجاء قومه إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانا قد ندم، وإنّه أمرنا أن نسألك هل له من توبة؟ فنزلت: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ إلى قوله: غَفُورٌ رَحِيمٌ فأرسل إليه، فأسلم) [ صحيح وضعيف سنن النسائي (4068) وقال الألباني: صحيح الإسناد، وقال أحمد شاكر في المسند: إسناده صحيح (4/ 47- 48) حديث رقم (2218) ] .
5- عن كعب بن مالك- رضي اللّه عنه- وهو أحد الثّلاثة الّذين تيب عليهم أنّه لم يتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى غزوة غزاها قطّ غير غزوتين ... الحديث وفيه: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يا أمّ سلمة تيب على كعب" قالت: أفلا أرسل إليه فأبشّره؟ قال: " إذا يحطمكم النّاس، فيمنعونكم النّوم سائر اللّيلة". حتّى إذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الفجر، آذن بتوبة اللّه علينا، وكان إذا استبشر استنار وجهه حتّى كأنّه قطعة من القمر وكنّا أيّها الثّلاثة الّذين خلّفوا عن الأمر الّذي قبل من هؤلاء الّذين اعتذروا حين أنزل اللّه لنا التّوبة. [ البخاري- الفتح 8 (4677)] .
6- عن أنس- رضي اللّه عنه- قال:غاب عمّي أنس بن النّضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول اللّه، غبت عن أوّل قتال قاتلت المشركين، لئن اللّه أشهدني قتال المشركين ليرينّ اللّه ما أصنع. فلمّا كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، قال: اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك ممّا صنع هؤلاء، يعني المشركين. ثمّ تقدّم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنّة وربّ النّضر، إنّي أجد ريحها من دون أحد.قال سعد: فما استطعت يا رسول اللّه ما صنع. قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسّيف، أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثّل به المشركون فما عرفه أحد إلّا أخته ببنانه. قال أنس: كنّا نرى- أو نظنّ- أنّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ... إلى آخر الآية) [الأحزاب: 23]، [رواه البخاري- الفتح 6 (2805) ].
7- عن عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها. فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وذلك بعد ما أنزل الحجاب. فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، مسيرنا. حتّى إذا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوه، وقفل، ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرّحيل. فقمت حين آذنوا بالرّحيل.فمشيت حتّى جاوزت الجيش. فلمّا قضيت من شأني أقبلت إلى الرّحل. فلمست صدري فإذا عقدي من جزع ظفار قد انقطع. فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. وأقبل الرّهط الّذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي. فرحلوه على بعيري الّذي كنت أركب. وهم يحسبون أنّي فيه. قالت: وكانت النّساء إذ ذاك خفافا. لم يهبّلن ولم يغشهنّ اللّحم. إنّما يأكلن العلقة من الطّعام. فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السّنّ. فبعثوا الجمل وساروا. ووجدت عقدي بعد ما استمرّ الجيش. فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب. فتيمّمت منزلي الّذي كنت فيه. وظننت أنّ القوم سيفقدوني فيرجعون إليّ. فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت. وكان صفوان بن المعطّل السّلميّ، ثمّ الذّكوانيّ، قد عرّس من وراء الجيش فأدلج. فأصبح عند منزلي. فرأى سواد إنسان نائم.فأتاني فعرفني حين رآني. وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليّ. فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمّرت وجهي بجلبابي ... قالت: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو على المنبر: " يا معشر المسلمين؛ من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي. فواللّه ما علمت على أهلي إلّا خيرا. ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلّا خيرا. وما كان يدخل على أهلي إلّا معي". فقام سعد بن معاذ الأنصاريّ فقال: أنا أعذرك منه يا رسول اللّه، إن كان من الأوس ضربنا عنقه. وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ... الحديث.[رواه مسلم (2770) ].
آثار
1- قدّم إلى الحجّاج أسرى ليقتلوا فقدّم رجل ليضرب عنقه فقال: واللّه لئن كنّا أسأنا في الذّنب لما أحسنت في العقوبة فقال الحجّاج: أفّ لهذه الجيف أما كان فيها أحد يحسن مثل هذا؟ وأمسك عن القتل. [الآداب الشرعية (1/ 350- 351) ].
2- اعتذر رجل إلى الحسن بن سهل من ذنب كان له، فقال له الحسن: تقدّمت لك طاعة، وحدثت لك توبة، وكانت بينهما منك نبوة، ولن تغلب سيّئة حسنتين.[الآداب الشرعية (1/ 351) ].
3- قال عبد الرّحمن بن المبارك اليزيديّ - مؤدّب ولد يزيد بن منصور الحميريّ- يعتذر إلى المأمون لأنّه امتنّ عليه بتأديبه إيّاه:
أنا المذنب الخطّاء والعفو واسع ... ولو لم يكن ذنب لما عرف العفو.[الآداب الشرعية (1/ 351) ].
أشعار
1- قال محمّد بن إسماعيل الإسحاقيّ:
إذا اعتذر الجاني محا العذر ذنبه *** وكان الّذي لا يقبل العذر جانيا
[ مساوىء الأخلاق ومذمومها (312) ].
متفرقات
1- قال الشّافعيّ- رحمه اللّه-:
يا لهف قلبي على مال أجود به *** على المقلّين من أهل المروءات
إنّ اعتذاري إلى من جاء يسألني *** ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات.
[ الإحياء (3/ 251)].