التعريف
الإحباط لغة:
مصدر قولهم: أحبط عمله يحبطه، وأحبطه اللّه، وهو مأخوذ من مادّة (ح ب ط) الّتي تدلّ على «بطلان أو ألم» يقال: أحبط اللّه عمل الكافر أي أبطله [مقاييس اللغة لابن فارس 2/ 130] .
وقال الرّاغب: أصل حبط الأعمال من الحبط، وهو أن تكثر الدّابّة أكلا حتّى ينتفخ بطنها [المفردات للراغب ص 153 (تحقيق خلف اللّه) ] .
وقال الجوهريّ: يقال: حبط عمله حبطا وحبوطا: بطل ثوابه، والحبط: أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ بطونها، والإحباط (أيضا): أن يذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان [الصحاح للجوهري 3/ 1118] .
وذهب الفيروز اباديّ إلى أنّ حبوط العمل إمّا أن يكون مأخوذا من: حبط ماء الرّكيّة (البئر) إذا ذهب ذهابا لا يعود أبدا، وإمّا من قولهم: حبطت الدّابّة، من الحبط، وهو أن تأكل الدّابّة أكلا ينفخ بطنها [بصائر ذوي التمييز 2/ 224- 225] .
وقال ابن منظور: الحبط: من آثار الجرح، وقيل الحبط وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله، يقال: حبط البعير حبطا، فهو حبط، والجمع حباطى [لسان العرب 7/ 270 (ط. بيروت) ] . وحبطة، وفي الحديث الشّريف: «وإنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ » قال ابن الأثير: المعنى: أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب فتستكثر منه الماشية [النهاية لابن الأثير 1/ 331] . (حتّى تنتفخ فتموت)، قال الأزهريّ: ضربه صلّى اللّه عليه وسلّم مثلا للمفرط في الجمع (للمال) والمنع (من حقّه) وذلك أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب الّتي تحلوليها الماشية، فتستكثر منها، حتّى تنتفخ بطونها وتهلك، كذلك الّذي يجمع الدّنيا ويحرص عليها ويشحّ بما جمع حتّى يمنع ذا الحقّ حقّه منها فيهلك في الأخرة بدخول النّار واستيجاب العذاب [نقلا عن لسان العرب 7/ 270] .وقيّد بعضهم الحبط بأنّه انتفاخ يصحبه إمساك، فقال: الحبط أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ لذلك بطونها ولا يخرج عنها ما فيها، وقيل: الحبط: الانتفاخ أين كان من داء أو غيره، وقولهم: حبط جلده، معناه: ورم، قال ابن سيده: والحبط في الضّرع أهون الورم، وقولهم: حبط (فلان) حبطا وحبوطا: عمل عملا ثمّ أفسده [لسان العرب 7/ 272] . وفي التّنزيل العزيز: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [محمد: 9]، قال القرطبيّ في معنى الآية: كرهوا ما أنزل اللّه من الكتب والشّرائع فأحبط (أبطل ولم يقبل) ما لهم من صور الخيرات كعمارة المساجد وقرى الضيف، وأصناف القرب، ولا يقبل اللّه الأعمال إلّا من مؤمن [تفسير القرطبي 16/ 233] . أمّا قوله عزّ وجلّ: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) فالمعنى: بطلت هذه الأعمال وفسدت، والآية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين الإسلام [تفسير القرطبي 3/ 46- 47] .
قال الأزهريّ: ولا أرى حبط العمل (حبوطه) وبطلانه مأخوذا إلّا من حبط البطن، لأنّ صاحب البطن يهلك، وكذلك عمل المنافق يحبط، غير أنّهم سكّنوا الباء في حبوط الأعمال فقالوا حبط، وحرّكوها في حبوط البطن فقالوا: حبط، ومن الاستعمالات الأخرى لهذا الفعل قولهم: حبط دم القتيل إذا هدر، وحبطت البئر إذا ذهب ماؤها [لسان العرب 7/ 272] .
الإحباط اصطلاحا:
قال الكفويّ: الإحباط هو إبطال الحسنات بالسّيّئات [الكليات 1/ 72] .
وقال أسعد رزق: الإحباط (وترادفه الخيبة) هو إعاقة المرء عن بلوغ هدف ما، وسدّ الطّريق الّتي يسلكها نحو الوصول إلى هدفه، سواء أكان السّعي نحو الهدف سعيا واعيا أو غير واع [موسوعة علم النفس 1/ 11] .
قلت: لقد شاع استعمال لفظ الإحباط في العصر الحديث بمعنى شعور الإنسان بالخيبة لفساد عمله وعدم تحقيق الغرض المقصود منه، ويعقب هذا النّوع من الإحباط حالة من اليأس ربّما تؤدّي لترك العمل بالكلّيّة.
وقال بعض الباحثين المحدثين: الإحباط (بمفهومه العصريّ) يعني مجموعة من المشاعر المؤلمة تنتج عن عجز الإنسان عن الوصول إلى هدف ضروريّ لإشباع حاجة ملحّة عنده [الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام لمحمد عودة محمد، وكمال إبراهيم موسى، ص 126] .
آيات
1- قوله تعالى: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [ البقرة: 217] .
2- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [ آل عمران: 21- 22] .
3- قوله تعالى: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ * أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [ هود: 15- 16] .
4- قوله تعالى: ( وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [ هود: 9- 11] .
5- قوله تعالى: (يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) [ يوسف: 87] .
6- قوله تعالى: (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) [ فصّلت: 49] .
أحاديث
1- عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " إنّ اللّه خلق الرّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة.وأرسل في خلقه كلّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلّ الّذي عند اللّه من الرّحمة لم ييأس من الجنّة، ولو يعلم المسلم بكلّ الّذي عند اللّه من العذاب لم يأمن من النّار" [رواه البخاري- الفتح 11 (6469) ] .
2- عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " للّه أشدّ فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل بأرض دوّيّة مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فنام فاستيقظ وقد ذهبت. فطلبها حتّى أدركه العطش. ثمّ قال: أرجع إلى مكاني الّذي كنت فيه. فأنام حتّى أموت. فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ وعنده راحلته وعليها زاده وطعامه وشرابه. فاللّه أشّد فرحا بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده" [رواه مسلم (2744) ] .
3- عن سهل بن سعد السّاعديّ قال: نظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى رجل يقاتل المشركين- وكان من أعظم المسلمين غناء عنهم - فقال: " من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل النّار فلينظر إلى هذا " فتبعه رجل فلم يزل على ذلك حتّى جرح، فاستعجل الموت فقال بذبابة سيفه فوضعه بين ثدييه فتحامل عليه حتّى خرج من بين كتفيه، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ العبد ليعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل الجنّة، وإنّه لمن أهل النّار، ويعمل- فيما يرى النّاس- عمل أهل النّار وهو من أهل الجنّة، وإنّما الأعمال بخواتيمها"[رواه البخاري. الفتح 11 (6493) ] .
4- عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لا يتمنّينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به. فإن كان لا بدّ متمنّيا فليقل: اللّهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وتوفّني إذا كانت الوفاة خيرا لي" [رواه مسلم (2680) ] .
آثار
1- عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- قال:أكبر الكبائر الإشراك باللّه، والأمن من مكر اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، واليأس من روح اللّه.[ رواه عبد الرزاق في مصنفه، الدر النضيد (226) ] .
2- عن عروة أنّه سأل عائشة- رضي اللّه عنها- زوج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: أرأيت قول اللّه (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا)، [يوسف: 110] أو كذّبوا؟ قالت: بل كذّبهم قومهم، فقلت: واللّه لقد استيقنوا أنّ قومهم كذّبوهم وما هو بالظّنّ. فقالت: يا عرّية، لقد استيقنوا بذلك. قلت: فلعلّها (أو كذبوا) قالت: معاذ اللّه، لم تكن الرّسل تظنّ ذلك بربّها، وأمّا هذه الآية قالت: هم أتباع الرّسل الّذين آمنوا بربّهم، وصدّقوهم، وطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النّصر. حتّى إذا استيأست ممّن كذّبهم من قومهم وظنّوا أنّ أتباعهم كذّبوهم جاءهم نصر اللّه.[رواه البخاري، الفتح 6 (3389) ] .
3- قال مجاهد، في قوله تعالى: (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة: 13] قال:كما يئس الكفّار في قبورهم من رحمة اللّه تعالى، لأنّهم آمنوا بعد الموت بالغيب فلم ينفعهم إيمانهم حينئذ.[ بصائر ذوي التمييز (5/ 376) ] .
4- قال محمّد بن عبد الملك بن هاشم، قال: سمعت ذا النّون المصريّ يقول في دعائه: اللّهمّ، إليك تقصد رغبتي، وإيّاك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلّا منك، ولا أرجوه من غيرك، ولا أيأس من روحك بعد معرفتي بفضلك.[ حلية الأولياء لأبي نعيم (9/ 333) ] .
أشعار
1- قال أبو حاتم السّجستانيّ منشدا:
إذا اشتملت على اليأس القلوب *** وضاق لما به الصّدر الرّحيب
وأوطأت المكاره واطمــأنّت *** وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضّرّ وجها *** ولا أغـــنى بحيلتـه الأريب
أتاك على قنوط منك غوث *** يمنّ به اللّطيف المستجيب
وكلّ الحادثات إذا تنـاهت *** فموصول بها الفرج القريب
[تفسير ابن كثير (4/ 526)].
2- وقال آخر:-
إذا كنت تغدو في الذنوب بعيدا *** وتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفــوه *** وأفاض من نعمه عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشا *** في بطن أمك مضغة وولـيدا
ولو شاء أن تصلى جهنم خالدا *** ماكان الهم قلبك التوحيدا
[المنتخب من الشعر والبيان ص 15 لأمير بن محمد المدري]