مصدر أجرم يجرم. وهو مأخوذ من مادّة (ج ر م) الّتي تدلّ على القطع، ومن ذلك: الجرام لصرام النّخل، والجرامة ما سقط من التّمر إذا جرم، والجرم والجريمة بمعنى الذّنب من ذلك. لأنّه كسب، والكسب اقتطاع، والجسد جرم لأنّ له قدرا وتقطيعا.
وقال الرّاغب: أصل الجرم: قطع الثّمرة عن الشّجر، وقولهم: أجرم: صار ذا جرم نحو: أثمر وأتمر أي صار ذا ثمر وتمر، واستعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه، ولا يكاد يقال ذلك للمحمود، ويقال: الجرم: الجسد، والجرم اللّون، والجرم: الصّوت، أمّا الجرم (بالضّمّ) فهو الذّنب، والجريمة مثله، تقول من ذلك: جرم وأجرم، واجترم بمعنى.
وقال ابن منظور: الجرم (بالضّمّ) التّعدّي، والجرم: الذّنب، والجمع أجرام وجروم، يقال من ذلك: جرم يجرم جرما، واجترم وأجرم، فهو مجرم وجريم، وجرم إليهم وعليهم جريمة، وأجرم: جنى جناية، وأمّا جرم (بالضّمّ) فمعناه: عظم جرمه.
والجرم مصدر الجارم الّذي يجرم نفسه وقومه شرّا،
والجارم: الجاني، والمجرم: المذنب.
وقد أنشد أبو عبيدة للهيردان السّعديّ أحد لصوصهم:
طريد عشيرة ورهين جرم *** بما جرمت يدي وجنى لساني [مقاييس اللغة لابن فارس (1/ 445)، والصحاح (5/ 1885، 1886)، والنهاية لابن الأثير (1/ 262)، ولسان العرب لابن منظور (1/ 604) ط. دار المعارف] .
الإجرام اصطلاحا:
لم تذكر كتب المصطلحات في التّراث الإجرام ضمن ما ذكرته من مصطلحات، ولكنّها عرّفت الجرم: بأنّه الذّنب العظيم، وعرّفت الذّنب بأنّه: فعل محرّم يقع المرء عليه عن قصد فعل الحرام ويكون ذلك بين العبد وربّه وبين العبد والعبد [انظر الكليات للكفوى (114، 503) ] . وعلى ضوء ذلك يمكن تعريف الإجرام بأنّه: فعل ذنب عظيم يقع المرء عليه عن قصد سواء أكان ذلك في حقّ المولى أو في حقّ العباد.
أمّا في كتب القانون والمصطلحات الحديثة، فقد أخذ مصطلح الإجرام والجريمة بعدا اجتماعيّا وقانونيّا واسعا فقيل: الجريمة: كلّ فعل يعود بالضّرر على المجتمع، ويعاقب عليه القانون. [معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية (90) ] .وقال بعض الباحثين المحدثين: الجريمة: محظورات شرعيّة زجر اللّه عنها بحدّ أو تعزير، والمحظورات إمّا فعل منهيّ عنه، أو ترك فعل مأمور به، ومن ثمّ يكون الإجرام: إتيان فعل محرّم معاقب على فعله، أو هو: فعل أو ترك نصّت الشّريعة على تجريمه والعقاب عليه.[التشريع الجنائى الإسلامى (66) ] .
ومن ثمّ يشمل الإجرام فعل المحظورات كالسّرقة والزّنا والقتل وما أشبهها، وترك المأمورات من نحو ترك الصّلاة والامتناع عن دفع الزّكاة، أو ترك الدّين بالكلّيّة كالارتداد.
وقوله تعالى : { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتىٰ يلج الجمل في سم الخياط ۚ وكذٰلك نجزي المجرمين ﴾ [الأعراف 40]
وقوله تعالى : { فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين ﴾ [الأنعام 147]
وقوله تعالى : { ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا ۙ وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا ۚ كذٰلك نجزي القوم المجرمين ﴾ [يونس 13]
فالمجرمون في القرآن الكريم : هم المرتكبون للجرائم ـ وهي الذنوب والآثام ـ والأغلب أن تكون كفراً يخلد صاحبه في النار - والعياذ بالله -
تكررت كلمة مجرمين عشر مرات في القرآن الكريم تكررت كلمة المجرمين تسعة عشر مرة في القرآن الكريم تكررت كلمة المجرم مرة واحدة في القرآن الكريم تكررت كلمة تجرمون مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة هود تكررت كلمة مجرمون مرتين في القرآن الكريم تكررت كلمة المجرمون ثلاثة عشر مرة في القرآن الكريم
والمجرمون أصناف يشتبه أمرهم ، فمنهم من هو مطبوع على قلبه ، ومنهم من يرجى فيهم قبول الإسلام ، ومنهم من دخل في الإسلام إلا أنه لا يحفظ حدوده فينبغي أن يستوضح سبيلهم ليعامل كلاً منهم بما يجب .
عن سعد بن أبي وقّاص- رضي اللّه عنه- أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال : " إنّ أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته " [رواه البخاري- الفتح 13 (7289) ] .
عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنّه قيل لها: إنّ ابن عمر يرفع إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم : " إنّ الميّت يعذّب ببكاء الحيّ ». قالت : وهل أبو عبد الرّحمن إنّما قال:«إنّما أهل الميّت يبكون عليه، وإنّه ليعذّب بجرمه" [رواه البخاري- الفتح (1286) ومسلم (931) وأحمد (6/ 57) ومالك في «الموطأ» (1/ 243) والنسائي (4/ 17) ] .
عن وائل بن حجر- رضي اللّه عنه- أنّه قال: جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال الحضرميّ: يا رسول اللّه إنّ هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكنديّ: هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حقّ. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للحضرميّ: "ألك بيّنة؟" قال: لا. قال: "فلك يمينه". قال: يا رسول اللّه، إنّ الرّجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورّع من شيء. فقال: "ليس لك منه إلّا ذلك". فانطلق ليحلف، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا أدبر: " أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقينّ اللّه وهو عنه معرض"[رواه مسلم (139) ] .
عن ثعلبة بن زهدم اليربوعيّ- رضي اللّه عنه- أنّه قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب في أناس من الأنصار. فقالوا: يا رسول اللّه، هؤلاء بنو ثعلبة بن يربوع، قتلوا فلانا في الجاهليّة، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهتف بصوته: "ألا لا تجني نفس على الأخرى"[رواه النسائي (8/ 53) واللفظ له، وقال الألباني: صحيح (3/ 999) رقم (4493) ] .
قال ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما-: خمس لهنّ أحسن من الدّهم الموقفة لا تكلّم فيما لا يعنيك، فإنّه فضل، ولا آمن عليك الوزر، ولا تتكلّم فيما يعنيك حتّى تجد له موضعا، فإنّه ربّ متكلّم في أمر يعنيه، قد وضعه في غير موضعه فعنت، ولا تمار حليما ولا سفيها فإنّ الحليم يقليك، وإنّ السّفيه يؤذيك، واذكر أخاك إذا تغيّب عنك بما تحبّ أن يذكرك به، وأعفه عمّا تحبّ أن يعفيك منه، واعمل عمل رجل يرى أنّه مجازى بالإحسان، مأخوذ بالإجرام [كتاب الصمت، لابن أبي الدنيا (ص 264- 265) ] .