۞ منتديات كنوز الإبداع ۞
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

۞ منتديات كنوز الإبداع ۞


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 [الرجاء]

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سيف الدين

عضو جديد  عضو جديد
سيف الدين


الجنس : ذكر
العمر : 37
الموقع المدينة المنورة
التسجيل : 11/03/2012
عدد المساهمات : 23

[الرجاء] Empty
مُساهمةموضوع: [الرجاء]   [الرجاء] Icon_minitimeالجمعة 16 مارس 2012, 10:01 pm



[الرجاء]

الحمد لله الواحد الأعلى، الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، جعل الإيمان والهجرة والجهاد من أوصاف أهل الرجا، فقال-جل وعلا-:﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:218].

والصلاة والسلام على النبي المصطفى، خير من صام وصلى وخاف الله ورجى، صلى الله عليه في الملأ الأعلى، وعلى أصحابه وآله ومن اتبع أثره واقتفى.

كيف لا أرجو الذي لا يغفر الذنب سواهُ

جاء في القرآن منصوصاً وكلٌ قـد رواهُ

لا ومن لا يغفر الذنب وإن جـل سواهُ

وسعيدٌ من تلقى بصـدقٍ ورجـاهُ

ولذا اختص أولو العلم ومن قد اصطفـاهُ

بمزيد الخـوف لله مع وعد رضـاهُ

لو رجا الكافر أو خاف وقـاه وكفـاهُ

ذا رجائي فيه وإلا رجاء زورٍ لا أراهُ (1)

الرجاء من أعظم الأعمال القلبية التي تعبد الله المؤمنين بها، وما نتكلم عنه في هذا البحث على النحو الآتي:

1- معنى الرجاء وحقيقته والفرق بينه وبين التمني والغرور.

2- فضل الرجاء وفوائده في القرآن والسنة.

3- أنواع الرجاء.

4- الجمع بين الخوف والرجاء.

5- بم يكون الرجاء.



أولاً: معنى الرجاء وحقيقته والفرق بينه وبين التمني والغرور.

1- الرجاء لغةً:

الرَّجَاءُ: من الأَمَلِ نَقِيضُ اليَأْسِ مَمْدودٌ، رَجاهُ يَرْجوهُ رَجْواً ورَجاءً ورَجاوَةً ومَرْجاةً ورَجاةً، وهمزَتُه منقلبة عن واوٍ بدليل ظُهورِها في رَجاوةٍ(2).

2- الرجاء اصطلاحاً:

الرجاء: هو الطمع في فضل الله ورحمته(3).

وقيل: الرجاء هو الإخبار عن تهئ وقوع أمر في المستقبل وقوعا مؤكداً(4).

وقال الجرجاني: «الرجاء في الاصطلاح: تعلق القلب بحصول محبوب في المستقبل(5).

وقيل: الرجاء هو النظر إلى سعة رحمة الله»(6).

وقيل: هو الاستبشار بجود وفضل الرب -تبارك وتعالى- والارتياح لمطالعة كرمه- سبحانه-.

وقيل: هو الثقة بجود الرب –تعالى-(7).

3- من معاني الرجاء في القرآن الكريم:

ورد الرّجاءُ في القرآن على ستَّة أَوجه:

أَوّلها: بمعنى الخوف: ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ [نوح:13]، أي ما لكم لا تخافون. قال:

إِذا لسعته النَّحل لم يَرْجُ لسعها وخالفها في بيت نُوب عوامل

ومنه: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ [النبأ:27]، وقوله: ﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ﴾ [العنكبوت:5].

الثاني: بمعنى الطمع: ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر:9], ﴿ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:218].

الثالث: بمعنى توقُّع الثواب: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ [فاطر:29].

الرَّابع: الرّجا المقصور بمعنى الطَّرَف: ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ [الحاقة:17].

الخامس: الرّجاء المهموز بمعنى الحبس: ﴿قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ﴾ [الأعراف:111]أي: احبسه.

السَّادس: بمعنى التَّرك والتأْخير: ﴿ تُرْجِي مَن تَشَاء مِنْهُنَّ﴾ [الأحزاب:51] تؤَخّره، ﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة:106](Cool.

4- حقيقة الرجاء وعلامته:

الرجاء أيضاً يتم من حال وعلم وعمل، فالعلم سبب يثمر الحال، والحال يقتضى العمل وكان الرجاء اسماً من جملة الثلاثة، وبيانه أن كل ما يلاقيك من مكروه ومحبوب فينقسم إلى موجود في الحال وإلى موجودٍ فيما مضى وإلى منتظر في الاستقبال، فإذا خطر ببالك موجودٌ فيما مضى سمى ذكراً وتذكراً، وإن كان من خطر بقلبك موجوداً في الحال سمي وجداً وذوقاً وإدراكاً وإنما سمي وجداً؛ لأنها حالة تجدها من نفسك، وإن كان قد خطر ببالك وجود شيء في الاستقبال وغلب ذلك على قلبك سمي انتظاراً وتوقعاً، فإن كان المنظر مكروهاً حصل منه ألم في القلب سمي خوفاً وإشفاقاً، وإن كان محبوباً حصل من انتظاره وتعلق القلب به وإخطار وجوده بالبال لذة في القلب وارتياح سمي ذلك الارتياح رجاءً، فالرجاء هو ارتياح القلب لانتظار ما هو محبوب عنده(9).

وسئل أحمد بن عاصم: ما علامة الرجاء في العبد؟ فقال: أن يكون إذا أحاط به الإحسان ألهم الشكر راجياً لتمام النعمة من الله عليه في الدنيا والآخرة وتمام عفوه عنه في الآخرة.

وقال شاهُ الكرماني: علامة صحة الرجاء: حسن الطاعة(10).

5- الفرق بينه وبين التمني:

والفرق بينه وبين التمني أن التمني يكون مع الكسل ولا يسلك بصاحبه طريق الجد والاجتهاد، و الرجاء يكون مع بذل الجهد وحسن التوكل.

فالأول: كحال من يتمنى أن يكون له أرضٌ يبذرها ويأخذ زرعها.

والثاني: كحال من يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع؛ ولهذا أجمع العارفون على أن الرجاء لا يصح إلا مع العمل(11).

قال الغزالي- رحمه الله-: «وإن لم تكن الأسباب معلومة الوجود ولا معلومة الانتقاء فاسم التمني أصدق على انتظاره؛ لأنه انتظار من غير سبب»(12).

وقال ابن الوزير- رحمه الله-:

وظلومٌ من يسميه تمني خاب مُنـاهُ

الأماني رده الحـق اجتهـاداً بهـواهُ

أو يرى أهدى من القرآن نهجاً ما رآهُ

ويرى الباطل فـي مفهومه مهماً تلاهُ (13)

6- الفرق بينه وبين الغرور.

المحبوب المتوقع لا بد وأن يكون له سبب، فإن كان انتظاره لأجل حصول أكثر أسبابه فالرجاء عليه صادق، وإن كان ذلك انتظاراً مع انخرام أسبابه واضطرابها فاسم الغرور والحمق عليه أصدق من اسم الرجاء، قال يحيى بن معاذ: من أعظم الاغترار عندي التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة، وتوقع القرب من الله –تعالى- بغير طاعة، وانتظار زرع الجنة ببذر النار، وطلب دار المطيعين بالمعاصي، وانتظار الجزاء بغير عمل، والتمني على الله عز وجل مع الإفراط.

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ... إن السفينة لا تجري على اليبس(14).

ثانياً: فضل الرجاء وفوائده في القرآن والسنة:

1- الرجاء من سمة الأنبياء الداعين إلى الله رب العالمين قال إبراهيم -عليه السلام- كما ذكر الله-تعالى-: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: 82]

2- الرجاء من سمات المؤمنين المجاهدين التي تميزهم عن غيرهم من المجرمين القانطين، ﴿وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء:104]قال ابن كثير- رحمه الله-: "أي أنتم وإياهم سواءٌ فيما يصيبكم وإياهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من الله المثوبة والنصر والتأييد كما وعدكم إياه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو وعد حق وخبر صدق وهم لا يرجون شيئاً من ذلك فأنتم أولى بالجهاد منهم وأشد رغبة فيه وفي إقامة كلمة الله وإعلائها(15).

3- الراجون ثواب الله هم الذين يؤدون ما أمر الله به وينتهون عما نهى الله عنه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ ﴾ [فاطر:29], وقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً﴾ [الكهف:110].

4- إذا لم يرجو العبد ربه وثوابه فإنه أبعد ما يكون عن طاعة الله، وهم المعرضون عن الاستجابة لداعي الإيمان، وهم أصحاب الشكوك وإثارة الشبهات والشروط الدالة على كفرهم وجحودهم، قال تعالى: ﴿ إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ [يونس:7], وقال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [يونس:15], وقال- عز وجل-: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ [الفرقان:21].

5- الرجاء من سمات أهل العلم العارفين بالله- عز وجل-، قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر:9].

6- من لم يرجو الله فإن الله توعده بنار الجحيم، قال رب العالمين: ﴿وَلَوْ يُعَجِّلُ اللّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُم بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [يونس:11]وقال –تعالى- عن سبب تعذيب الطاغين في نار السعير وخلودهم فيها: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً﴾ [النبأ:27].

7- الرجاء حادٍ يحدو أصحابه إلى التأسي بالحبيب محمد- صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ﴾ [الأحزاب:21].

8- الظن الحسن بالله- عز وجل- يرفع درجة العبد عند ربه ومولاه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله –تعالى- أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"(16).

9- الرجاء يدفع العبد إلى التوبة والرجوع إلى الله، والتوبة من أحب الأعمال إلى الله- عز وجل-

فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"(17), وعن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو يعلمُ المؤمنُ ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحدٌ، ولو يعلمُ الكافرُ ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحدٌ"(18).

وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم - سبي فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال لنا النبي -صلى الله عليه وسلم-: " أترون هذه طارحةٌ ولدها في النار" قلنا: لا وهي تقدر على أن لا تطرحه فقال: "لله أرحم بعباده من هذه بولدها"(19).

وعن أبي بردة عن أبيه: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يجيء الناس يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال فيغفرها الله لهم ويضعها على اليهود والنصارى"(20).

وعن صفوان بن محرز المازني قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر -رضي الله عنهما- آخذٌ بيده إذ عرض رجل فقال كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى ؟ فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا ؟ فيقول: نعم أي رب حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته, وأما الكافر والمنافق فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين"(21).

10- ومن فوائد الرجاء ما ذكره ابن القيم- رحمه الله-:

منها: إظهار العبودية والفاقة والحاجة إلى ما يرجوه من ربه ويستشرفه من إحسانه وأنه لا يستغني عن فضله وإحسانه طرفة عين.

ومنها: أنه سبحانه يحب من عباده أن يؤملوه ويرجوه ويسألوه من فضله لأنه الملك الحق الجواد أجود من سئل وأوسع من أعطى.

ومنها: أن الرجاء حادٍ يحدو به في سيره إلى الله ويطيب له المسير ويحثه عليه ويبعثه على ملازمته.

ومنها: أن الرجاء يطرحه على عتبة المحبة ويلقيه في دهليزها فإنه كلما اشتد رجاؤه وحصل له ما يرجوه ازداد حبا لله تعالى وشكرا له ورضى به وعنه.

ومنها: أنه يبعثه على أعلى المقامات وهو مقام الشكر الذي هو خلاصة العبودية فإنه إذا حصل له مرجوه كان أدعى لشكره.

ومنها: أنه يوجب له المزيد من معرفة الله وأسمائه ومعانيها والتعلق بها فإن الراجي متعلق بأسمائه الحسنى متعبد بها وداع.

ومنها: أن العبد إذا تعلق قلبه برجاء ربه فأعطاه ما رجاه كان ذلك ألطف موقعاً، وأحلى عند العبد وأبلغ من حصول ما لم يرجه(22).

﴿أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ [الإسراء:57]

ثالثاً: أنواع الرجاء:

الرجاء ثلاثة أنواع: نوعان محمودان ونوع غرور مذموم.

فالأولان: رجاء رجل عمل بطاعة الله على نور من الله فهو راج لثوابه، ورجلٌ أذنب ذنوباً ثم تاب منها فهو راجٍ لمغفرة الله تعالى وعفوه وإحسانه وجوده وحلمه وكرمه.

والثالث: رجلٌ متمادٍ في التفريط والخطايا يرجو رحمة الله بلا عملٍ فهذا هو الغرور والتمني والرجاء الكاذب(23).

رابعاً: الجمع بين الخوف والرجاء.

قال أبو علي الروذباري: الخوف والرجاء كجناحي الطائر إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص أحدهما وقع فيه النقص وإذا ذهبا صار الطائرُ في حدِ الموت(24).

وقد ورد في كتاب الله – عز وجل- الكثير من الآيات الكريمة التي جمع الله فيها بين الخوف والرجاء، أو ما يبعث على أن يكون الإنسان بين الخوف والرجاء، فقال الله –تعالى-: ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [بالأنعام:147] فالله – سبحانه - ذو رحمةٍ واسعة، قال – تعالى- : ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف:156].

كيف لا وهو خالق الرحمة وما هذه الرحمة التي في الدنيا إلا جزءٌ من مائة رحمه وتسعة وتسعون في الآخرة ادخرها رحمةً لأوليائه، فعن الحسن قال بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لله -عز وجل - مائة رحمة، وانه قسم رحمة واحدة بين أهل الأرض فوسعتهم إلى آجالهم، وذخر تسعة وتسعين رحمة لأوليائه والله -عز وجل- قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الأرض إلى التسعة والتسعين فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة"(25).

وفي صحيح مسلم: عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة"(26).

ومع هذه الرحمة الواسعة فإن الله لا يرد بأسه عن القوم المجرمين الضالين عن الصراط المستقيم كما قال الله رب العالمين: ﴿فإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الأنعام:147].

وقال الله-تعالى-: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ﴾ [الحجر:49-50] وقال-تعالى-: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً ﴾ [الأعراف:56].

قال القرطبي- رحمه الله-: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ أمر بأن يكون الإنسان في حالة ترقب وتخوف وتأميل لله - عز وجل- حتى يكون الرجاء والخوف للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامته وإن انفرد أحدهما هلك الإنسان قال الله – تعالى-:﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ﴾ »(27).

وقال الشوكاني- رحمه الله-: «ثم إنه سبحانه لما أمر رسوله بأن يخبر عباده بهذه البشارة العظيمة أمره بأن يذكر لهم شيئا مما يتضمن التخويف والتحذير حتى يجتمع الرجاء والخوف ويتقابل التبشير والتحذير ليكونوا راجين خائفين فقال: ﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ﴾، أي: الكثير الإيلام وعند أن جمع الله لعباده بين هذين الأمرين من التبشير والتحذير صاروا في حالة وسطاً بين اليأس والرجاء وخير الأمور أوساطها، وهي القيام على قدمي الرجاء والخوف وبين حالتي الأنس والهيبة»(28).

وقال – تعالى-: ﴿ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ [غافر:3](29), ويبين الله لنا في هذه الآية الكريمة أنه مع مغفرته للذنوب لمن تاب ورجع إليه، فإنه شديد العقاب لمن تكبر وطغى، قال ابن كثير – رحمه الله-: «وقوله عز وجل: ﴿غَافِرِ الذَّنبِ التَّوْبِ وَقَابِلِ التوب﴾ أي: يغفر ما سلف من الذنب، ويقبل التوبة في المستقبل لمن تاب إليه وخضع لديه وقوله -- جل وعلا-: ﴿شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ أي: لمن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا وعتا عن أوامر الله-تعالى -وبغى وهذه كقوله: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ* وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ ﴾يقرن هذين الوصفين كثيراً في مواضع متعددة من القرآن ليبقى العبد بين الرجاء والخوف»(30).

وقال ابن عاشور – رحمه الله-: «وتقديم: غافر، على: قابل التوب، مع أنه مرتب عليه في الحصول للاهتمام بتعجيل الإعلام به لمن استعد لتدارك أمره فوصف: غافر الذنب وقابل التوب، تعريض بالترغيب وصفتا: شديد العقاب ذي الطول، تعريض بالترهيب، والتوب: مصدر تاب والتوب بالمثناة والتوب بالمثلثة والأوب كلها بمعنى الرجوع أي الرجوع إلى أمر الله وامتثاله بعد الابتعاد عنه»(31).

وقال الله – تعالى- : ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ* إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ* وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ* ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ* فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ [البروج: 12-16], وقال: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام:165]

قال ابن كثيرٍ- رحمه الله-: «﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ ﴾أي: لمن عصاه وخالف شرعه ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي: لمن تاب إليه وأناب وهذا من باب قرن الرحمة مع العقوبة؛ لئلا يحصل اليأس فيقرن تعالى بين الترغيب والترهيب كثيراً لتبقى النفوس بين الرجاء والخوف»(32).

وقال تعالى: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد:6], قال الثعالبي- رحمه الله-: «ثم رجى – سبحانه - بقوله: وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ﴾ثم خوف بقوله: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، قال ابن المسيب: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لولا عفو الله ومغفرته ما تهنأ أحدٌ عيشاً ولولا عقابه لاتكل كل أحد، وقال ابن عباس: ليس في القرآن أرجى من هذه الآية »(33).

وقال الله – تعالى-:﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ [البقرة:40], قال ابن كثيرٍ- رحمه الله-: «قوله تعالى: ﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ أي: إن نزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات التي قد عرفتم من المسخ وغيره، وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاتعاظ بالقرآن وزواجره وامتثال أوامره وتصديق أخباره، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم»(34).

وقال تعالى: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾ [الفاتحة: 6-7], قال ابن كثير- رحمه الله-: «وإلى سؤالهم إياه الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الدين القويم وتثبيتهم عليه حتى يقضي لهم بذلك إلى جواز الصراط الحسية يوم القيامة المفضي بهم إلى جنات النعيم في جوار النبيين والصديقين والشهداء الصالحين، واشتملت على الترغيب في الأعمال الصالحة ليكونوا مع أهلها يوم القيامة والتحذير من مسالك الباطل؛ لئلا يحشروا مع سالكيها يوم القيامة وهم المغضوب عليهم والضالون »(35).

وقال ابن القيم- رحمه الله-: «الخوف مستلزم للرجاء والرجاء مستلزم للخوف فكل راجٍ خائفٍ وكل خائفٍ راجٍ؛ ولأجل هذا حسن وقوع الرجاء في موضع يحسن فيه وقوع الخوف قال الله تعالى : ﴿مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ [نوح: 13] قال كثير من المفسرين: المعنى: مالكم لا تخافون لله عظمة، قالوا: والرجاء بمعنى الخوف.

والتحقيق: أنه ملازم له فكل راجٍ خائفٍ من فوات مرجوه، والخوف بلا رجاء يأس وقنوط، وقال تعالى: ﴿ قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [الجاثية : 14] قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم كوقائعه بمن قبلهم من الأمم(36).

وقال الغزالي: فإن الرجاء والخوف جناحان بهما يطير المقربون إلى كل مقامٍ محمودٍ ومطيتان بهما يقطع من طرق الآخرة كل عقبة كئود فلا يقود إلى قرب الرحمن وروح الجنان مع كونه بعيد الأرجاء ثقيل الأعباء مجفوفاً بمكاره القلوب ومشاق الجوارح والأعضاء إلا أزمة الرجاء، ولا يصد عن نار الجحيم والعذاب الأليم مع كونه محفوفاً بلطائف الشهوات وعجائب اللذات إلا سياط التخويف وسطوات التعنيف(37).

خامساً: بم يكون الرجاء؟

1،2- يرجو الله حين يذكر صفات ربه، ويخافه حين يذكر صفات نفسه، ويرجو لغيره ويخاف على نفسه.

قال ابن الوزير: والجمع بين الرجاء والخوف من وجهين:

أحدهما: أن يرجو حين يذكر صفات ربه ويخاف حين يذكر صفات نفسه لقوله تعالى: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ﴾ [ق: 33] فسماه بالرحمن في حال خوفه.

وثانيهما: أن يخاف على نفسه ويرجو لغيره وتأمل قول الخليل -عليه السلام- في خوفه على نفسه: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: 82] ولم يقل والذي يغفر لي كما قال: وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء :79-80] ، وكذا قوله: ﴿وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيّاً﴾ [مريم: 48] وقال -عليه السلام- في حق غيره: ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [إبراهيم: 36] فانظر ما أشد خوفه على نفسه وأوسع رجاءه لغيره وهذا عكس ما عليه الأكثرون والله المستعان(38).

2- ويكون رجاء المؤمن لثواب الله -عز وجل- ورحمته، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [البقرة:218]

هذا ما تيسر جمعه وبيانه في باب الرجاء نسأل الله أن يجعلنا من الراجين لرحمته الخائفين عقابه وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، والحمد لله في الآخرة والأولى، وصلى الله على نبيه المصطفى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
[الرجاء]
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ¤¦¤ المؤمن بين الرجاء والخوف ¤¦¤
» [♦◊♦] الرجاء .. من ثمرات الإيمان العميق [♦◊♦]

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
۞ منتديات كنوز الإبداع ۞ :: ۞ المنتديات الإسلامية ۞ ::  ۩ الإسلام .. دين السلام ۩-
انتقل الى: