إذا أردتَ الوصول إلى أعلى مراتبِ الشَّرف والرِّفعة، فعليك بالجُود؛ فالجود - كما قيل - مِرقاةٌ إلى الشَّرف، والجود عند الأخلاقيِّين: صفةٌ تحمل صاحِبَها على بذْلِ ما ينبغي من الخير لغير عِوَض.
وإنَّ من يجود ولو بالقليل خيرٌ مِمَّن يَمنع ولدَيه الكثير.
والجود لا يَنحصر في العطاء من حُطام الدُّنيا؛ فذلك العطاء القليل، بل الجود هو الجود بالنَّفْس؛ بِتَعاملها وصِدقها، بِوَفائها وعِزِّها، بمشاعرها وأحاسيسها؛ قال الشاعر:
يَجُودُ بِالنَّفْسِ إِنْ ضَنَّ البَخِيلُ بِهَا
وَالْجُودُ بِالنَّفْسِ أَقْصَى غَايَةِ الْجُودِ
إنَّ تَمسُّك الإنسان بالخلق الحسَن أمرٌ يجب عليه ألاَّ يتخلَّى عنه مهما كانت الضُّغوط أو الظُّروف، بل ويجب عليه أن يَسعى للتأثير فيمن حوله؛ حتَّى يتمسَّكوا بقِيَمِهم الصحيحة، وأخلاقهم الجميلة.
إنَّ التعامل الحسَن مع الناس صورةٌ بديعة من صُوَر الجود، والوفاءُ والصِّدق، والبَذل والتَّضحية هي صُوَر جميلة يتجلَّى فيها الجودُ في أبهى صوَرِه.
أعجبُ من حال أناسٍ لا يُحسنون التَّعامل مع الآخرين؛ بسبب غرورهم، وتعاليهم عليهم!
ماذا سيَأخذون من التكبُّر والتعامل معهم بغِلظةٍ وجَلافة إلاَّ ابتعادَ النَّاس عنهم؟
لِمَ حَمَّلوا أجسادَهم الضعيفة فوق ما تحتمل، وهم الَّذين سيَتركون هذه الدُّنيا كما تركَها مَن هم أقوى منهم، وأطولُ عمرًا، وأكثر عملاً؟!
إنَّ هذه الدنيا ظلٌّ زائل، وما وُجِد الإنسانُ فيها؛ ليجعلها أكبَرَ هَمِّه، أو مَبْلغَ عِلمه؛ بل هي ساحةُ العمل، وميدان الجَهْد من أجل أن يَرى الله منه كلَّ خير.
إنَّ مَن هُم حولك بحاجةٍ إلى جُودك، فلا تبخَلْ عليهم بكريم عطائك، ونُبل إحساسك، وفيض مشاعرك، ابدأْ بِوالِدَيك وأهل بيتِك، ولا تنسَ من تتَعامل معهم في المسجد، وفي الطَّريق، وفي العمل، أَحْسِنْ إلى العُمَّال والأُجَراء؛ فأنت بإحسانك تُبَرهِن لهم على كمال هذا الدِّين، وتكون صورةً مُشرِّفة لدِينك، ووطَنِك، وشخصك، لا تَحْمِل في قلبك حِقدًا على أحدٍ مهما أساء إليك، فهو بإساءته قد قدَّم بضاعتَه الكاسدة الخاسرة، فلا تتنازَلْ عن أخلاقك من أجله، ولا تُسِئْ إلى نفسك بمجازاته بالإساءة، واعلم أنَّ الصفح مَظنَّة الإصلاح، والعفو عِزٌّ للمرء، والجود طريق الشَّرف والرِّفعة، والله جوادٌ يحبُّ الجود.
فَجُدْ، وكُن صادقًا في جودك، لا تَرْجُ جزاءً من الناس، ولا تُفسِد عظيم عملك بسُمعة خَدَّاعة، أو مُراءاة هَدَّامة.