من ذلك ما قيل من أن الحجاج سأل أحد الأعراب الخبيرين بالحصان العربي الأصيل عن صفة الحصان الجيد فأجابه: القصير الثلاث، الطويل الثلاث، الرحب الثلاث، الصافي الثلاث، وفُسّرت الثلاث القصار بالصُّلْب، والعسيب والقضيب. والثلاث الطوال بالأذن والعنق والذراع، والثلاث الرحبة بالجبهة، والمنخر، والورك. والثلاث الصافية بالأديم والعين والحافر. وذكر الأصمعي في كتاب الخيل أنه يُستحب في الفرس الأصيل أن يطول بطنه، ويقصر ظهره، وتشرف حجبتاه، ويشرف منسجه، وتعرض أوظفة رجليه، وتحدّب أوظفة يديه، ويدق صدره، ويتسع جلده، ويرق أديمه، وتقصر شعرته، وتطول عنقه، ويعرض منخره، ويَدقُّ مذبحه، ويتسع منخره ويرحب شدْقاه.
صفاته الأخرى. إلى جانب المميزات الجسمية، يتصف الحصان العربي الأصيل بصفات أخرى يشترك فيها مع بقية الخيول، وبعضها ينفرد به، ومن هذه الصفات؛ حبه للموسيقى فالخيول عامة ـ والعربية خاصة ـ تحب الموسيقى وتطرب لها. فنجد أنها تتمايل راقصة بفرسانها على إيقاع الطبول والمزامير وغيرها، وقد تتراقص في استعراضات السيرك على أنغام الموسيقى، وغالبًا ما تشرب الماء بالصفير. والحصان العربي من أجمل الخيول في العالم، وهو الأصيل بلا منازع، ويعود جماله إلى صغر رأسه وتناسق أعضائه تناسقًا تامًا. ومن صفات الحصان العربي الخصوبة سواءً للذكر أو الأنثى؛ فالحصان العربي لا يفقد قدرته على التناسل حتى لو تقدمت به السن، ومن صفاته أنه ليس شرهًا، ويكتفى بالقليل من الطعام، حيث إن أمعاءه أقصر من أمعاء الخيول الأخرى، لذا فهو يهضم طعامه ببطء، ومن ميزاته أنه يعتاد بسهولة على تقلبات الطقس ولا يمرض إلا نادرًا، كما أنه يتمتع بجهاز تنفسي فعال، وذلك بفضل كبر قصبته الهوائية إذا ما قورنت بحجمه، وكذلك ضخامة قفصه الصدري، مما يساعده على أخذ كمية أكبر من الأكسجين إلى الرئتين. ومن صفاته التي لا جدال فيها صبره وقدرته على تحمل المشاق. كما أنه أيضًا رقيق الإحساس، سريع الاستجابة. ويأتي الحصان العربي في مقدمة الخيول من حيث الذكاء وقوة الذاكرة والوداعة والوفاء لصاحبه مما يجعله جديرًا بصداقة صاحبه. وهو يفهم سيده ويستجيب لأدنى إشارة أو حركة تصدر عنه، ويُسرَّ بمواساة صاحبه له إذا مرض، وإذا سمع وقع خطوات صاحبه دخل السرور إلى نفسه ويعبِّر عن ذلك بصهيل منخفض.
الحصان الأشهب كان ولا يزال إلى حد ما مركب الملوك والقادة ألوانه. للحصان العربي لونان: بسيط ومركب؛ فاللون البسيط نجده في الحصان ذي اللون الواحد، والمركب نجده في الحصان الذي له أكثر من لون. وألوان الحصان العربي ألوان زاهية مشرقة أساسها أربعة ألوان: الأبيض والأحمر والأسود والأصفر. وينتج عن تمازج هذه الألوان ألوان أخرى وضعت العرب اسمًا لكل منها.
اللون الأبيض. الصافي نادر في الخيول العربية عند ولادتها، لكنَّ نسبته تزيد في الخيول التي كان لونها أشهب في صغرها بعد أن تتجاوز السادسة من العمر ولا يُرى في الخيل العتاق، ويستحب في الحصان الأبيض سواد عُرْفه وذنبه وهذا نادر جدًا. ويتفرع من اللون الأبيض اللون الأشهب، وهو مزيج بدرجات متناسبة متفاوتة بين اللونين الأبيض والأسود. وللحصان العربي في الشَّهبة خمسة ألوان: قرطاسي، وصِنّابي، ورمادي، وأبرش، وأبلق، وسوسني، وحديدي، وكافوري.
فالقرطاسي ما كان الغالب عليه البياض ويسمى أيضًا أضحى، والصنابي ماكان الغالب عليه الحمرة، والصنَّاب هو الخردل بالزبيب، والرمادي ما كان الغالب عليه غبرة فيها كدرة، والأبرش ما كان فيه نُكَت بيض، وإن كثرت هذه النُّكَت وعم البياض جميع جسده سمي أبلق ومغلّسًا. أما إذا تفرقت هذه النكت سمي أشْيم، والسّوسني ما خالط بياضه صُفْرة. والحديدي ما زاد فيه اللون الأسود عن الأبيض إلى درجة يغلب فيها اللون الأسود على الأبيض، أما إذا قل فيه الأسود، بحيث يطغى اللون الأبيض، فهو الأشهب الفاتح أو الكافوري.
وكان الحصان الأشهب ولايزال، إلى حد ما، مَرْكَب الملوك والقادة وكبار القوم عند العرب وخلافهم؛ فقد اقتنى سلاطين الدولة العثمانية الجياد العربية الشهباء، وكذا أمراء الأندلس وملوك الفرس. وتكثر الجياد الشهب في بلاد الشام.
واللون الأحمر . تندرج تحته عدة ألوان فرعية منها الورد، والكُمَيْت، والأصدأ، والأشقر. فالورد يكون في الحصان الأحمر خالص الحمرة، لكنّ عرفه وذيله أسودان. أما الكميت فهو ما كان في حمرته سواد، وتتفرع منه خمسة ألوان هي: الأحوى، والأحم، والمدمّى، والأحمر، والمحلّف. فالكميت الأحوى يعلوه سواد، والأحم يشبه الأحوى إلا أنه أقل سوادًا منه، أما المدمّى فهو ما اشتدت حمرته في السواد، أما إذا كانت كمتته بين السواد والبياض فهو ورد أغبس. أما الأحمر فيكون أشد حمرة من المدمّى، وهو أفضل أنواع الكميت، لأنه خالص الكمتة ويسمى الكميت المصامص (الخالص). أما الأحمر الأصدأ فهو ما قاربت حمرته السواد؛ أي مثل صدأ الحديد أما المحلف فهو ما قاربت حمرته إلى الشقرة، وعرفه وذنبه يميلان إلى السواد. والكمتة أحب الألوان إلى العرب، وهي أكثر الخيول صبرًا في الحرب وأقلها جلودًا وحوافر كما قال الأصمعي. أما اللون الأشقر فلا فرق بينه وبين الكميت إلا في العُرْف والذَّنَب والقوائم؛ فإن كانت سودًا فكميت وإلا فأشقر. والأشقر هو مزيج من اللونين الأحمر والأصفر، ويكثر الجواد الأشقر في الحجاز بينما يكثر الأحمر في بلاد نجد. والأشقر يتباين أنواعًا: فمنها الذهبي، والعسلي والمحرق، والغامق. وكان الرسول ³ يحب الخيل الشُّقر، فقد روى ابن عباس أن الرسول ³ قال: (خير الخيل الشُّقر).
أما اللون الأسود في الحصان العربي فيسمى أدهم، وهو مستحب نادر بين الخيول العراب. ويتفرع منه ستة أقسام: فإن كان حالك السواد فيسمى غيهبي أو غَيْهَب، فإذا اشتد سواده حتى يضرب إلى الخضرة من شدته فهو أخضر، فإن كان بين الدهمة والخضرة وعلا سواده حمرة فهو أحوى، فإذا خالطت سواده شقرة فهو أدبس، فإن خالطه أدنى حمرة أو صفرة فهو أحمّ، فإن كان سواده ضاربًا إلى البياض حتى يقرب من لون الرماد فيسمى الأورق.
أما اللون الأصفر فيتفرع بدوره إلى ستة أقسام: أصفر فاقع، وهو ما شاب صفرته الحمرة من شدة الاصفرار، ويكون لون شعر عرفه وذنبه أسود شديد السواد، ومن معرفته إلى ذنبه خط أسود، وأوظفته سود، وهو أحسن ألوان الأصفر. والأصفر الناصع ماكانت صفرته خالصة ولون شعر الذنب والعرف أسود حالك السواد. وهناك الأصدى وهو ما علت صفرته كدرة، والأبيض الذي تضرب صفرته إلى البياض، ولون شعر ذنبه وعرفه أصهب وهو أشهر ألوان الصفر. والأعفر ماكانت صفرته كالتراب، والأكلف ماكانت صفرته مشوبة بسواد ويوجد من معرفته إلى ذنبه خط أسود، وأوظفته سود. انظر: الحصان.
فرس مُحجَّل الثلاث وهو مستحب لأن قائمته الأمامية اليمنى غير محجّلة. الشِّيات. وهي العلامات اللونية المخالفة لمعظم لون الحصان. وأكثر شيات الحصان العربي بيضاء، فإذا كان هذا البياض في الوجه يسمى غُرة، وإذا كان في قوائم الفرس يسمى التحجيل. فإذا ابيضّت أذنا الفرس أو كانت فيهما نقط بيضاء فتسمى الذُّرأة، إلا في الفرس الأشهب فإنها لا تختص باسم وحدها، إلا أن تكون سوداء وحينئذ تسمى التطريف، وإذا ابيض رأس الفرس يسمى أصقع، وإن ابيضَّ قفاه يسمى أقنف، أما إذا خالط شعر ناصيته بياض فهو أسعف، فإن ابيض وجهه كله فيسمى أغشى أو أرخم، وإن كان أبيض البطن فهو أنبط، أما إذا كان البياض على جانبيه فيسمى أخصف، وإذا كان البياض في الكَفَل فيسمى عندئذ آزر.
الغُرَّة البياض الذي يكون في وجه الفرس وسط الجبهة، ولا تسمى غُرّة إلا إذا كانت أكبر حجمًا من الدرهم، أما إذا كانت دون ذلك فتسمى قرحة، والعرب تتشاءم بالقرحة، إن لم يصاحبها بياض في شيء من أعضاء الفرس. وقد وضع العرب أسماء لأنواع الغرر التي تُحلِّي الجواد العربي، وهي أنواع نذكر منها هنا تسعة أنواع أولها النجم وهي أول مراتب الغرر، أما إذا انتشرت في الجبهة وملأتها فتسمى الشادخة، وتسمى سائلة إذا امتدت في الجبهة إلى قصبة الأنف أو سالت على أرنبة الفرس، أما إذا نزلت إلى قصبة الأنف ولم تبلغ الجحفلة فتسمى الشّمراخ، وإن أخذت جميع وجهه قيل له مبرقع، فإن فشت حتى تأخذ العينين فتبيض أشفارهما فيسمى مُغرب، وإذا بلغت الغرة محل المرسن وانقطعت أو كانت بين العينين والمنخر فتسمى الغرة المنقطعة؛ وهي من أفضل الغرر، وأخيرًا تسمى الغرة السارحة إذا ما ملأت الوجة ولم تبلغ العينين.
التحجيل بياض في قوائم الفرس مأخوذ من الحِجَل وهو الخلخال. فإذا كانت قوائم الفرس الأربع بيضاء سمي مُحجَّل الأربع، وإن كان في ثلاث سمي محجل الثلاث ويُستحب إذا كانت قائمته الأمامية اليمنى غير محجَّلة، وإذا كان في اثنتين فهو محجل الرجلين، وإن كان البياض برجل واحدة فهو أرجل وإذا كان البياض بيده دون رجليه يسمى أعصم، فإن كان في واحدة فقط فهو أعصم اليمنى أو اليسرى، وإذا بلغ البياض الركبتين والعرقوبيْن يسمى مسرولا، وإذا كان البياض في يد ورجل من خلاف كأن يكون في اليد اليمنى والرجل اليسرى أو العكس فيسمى حينئذ مشكولاً وهو ليس بمحبوب.
الدوائر علامات تنشأ من نمو الشعر المختلف الاتجاه على سطح الجلد فينشأ من التقاء الشعر ما يشبه الدوائر، ولها أسماء أخرى تختلف باختلاف البلدان العربية فتسمى النياشين والنخلات والنقشات، ومن هذه الدوائر دوائر يتفاءل بها العرب ومنها ما يتشاءمون من وجوده في الفرس، ومن التي يتِفاءلون بها: دائرة العمود؛ وتكون في موضع القلادة قريبة من العُرْف، ودائرة الصدر ويتفاءلون بها في الكسب والغنى، ودائرة الهقعة وتوجد تحت الإبط ويتفاءلون بها في الصبر وطول العمر، ودائرة السمامة وتكون في وسط العنق. ودائرة الحزام، ومكانها موضع ممر الحزام ويتفاءلون بها في زيادة الخير. أما الدوائر التي يتشاءمون بها فهي: دائرة التابوت ومركزها قمة الكتف على الحارك وتمتد إلى أسفل، وتدل عندهم على أن صاحب الفرس سيموت على ظهره، ودائرة البكَّايات على الخدود.