في معظم الآيات يقول الله تعالي : أكثرهم لا يعلمون .. أكثرهم .. أكثرهم وردت الآية { ولكن أكثر الناس لايعلمون } 11 مرة في القرآن !! وهذا والله يدعو لحسره .. لأن الله جل في علاه يقول .. أكثر الناس .. أي أكثرنا .. وليس نصفنا .. إنما أكثر الناس لا يعلمون !!!
المتأمل في واقعنا اليوم يرى العجب من جهل كثير من الناس بأمور دينهم ! وهذا مما يلاحظ في برامج الفتاوى مثلا، فتجد السائل يسأل عن أمور يفترض أن يعرفها ما دام ينتسب للإسلام ! هل أصبح الدين اسما فقط ؟ وهل أصبح الناس – فعلا – يجهلون أمور دينهم الضرورية ؟ لماذا تجد كثير من الناس مثقفين في مجالات شتى، كالرياضة و الفن والأدب على سبيل المثال، فضلا عن مجال التخصص أو العمل، ولكن على النقيض من ذلك تجده لا يكاد يعرف شيئا عن أمور دينه وخاصة الضرورية منها ؟ هل هذا نقص في فهم الدين أم مؤشر لما هو أكبر ! انفصال عن التعاليم الدينية حتى يصبح الدين بالاسم أو بالشكل ، ويضيع اللب و المضمون.
فإن التباس الحق بالباطل في أمور الدين وخاصة العقيدة يجعل المرء على شفا هلكة إذا لم يتداركه الله برحمته، وهذا الالتباس سببه عدم العلم الشرعي مع الاسترسال في الوسوسة والشكوك وإهمال تزكية النفس وإصلاح القلب .
فالعلم ضد الجهل ، وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما . وقال بعض العلماء هو المعرفة وهو ضد الجهل ، وقال آخرون من أهل العلم: أن العلم أوضح من أن يُعرّف.
والذي يعنينا هو العلم الشرعي والمراد به علم ما أنزل الله على رسوله من البينات والهدى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: [ من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ] ، إذن فالعلم الشرعي هو الذي يكون فيه الثناء ويكون الحمد لفاعله، ,لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، كما لا يستوي الحي والميت، قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ (سورة المجادلة آية: 11) ، ومن فضائل العلم أن الإنسان يعبد الله على بصيرة، فيتعلق قلبه بالعبادة ويتنور قلبه بها، والله يرفع أهل العلم في الدنيا والآخرة، وفي الآخرة يرفعهم درجات بحسب ما قاموا به من الدعوة إلى الله –عز وجل- والعمل لما علموا، وفي الدنيا يرفعهم الله بين عباده.
إن هذه المنزلة العظيمة التي احتلها العلم في الإسلام وهذه المكانة العالية للعالم لها مبررها، فالعبادة بدون علم قد لا تكون عبادة من العبادات، بل تلحق بصاحبها الضرر، فالعلم مصحح لغيره من العبادات، وهي -أي العبادات- تفتقر إليه وتتوقف عليه، ولعمر بن عبد العزيز قول يؤكد هذا المعنى: (من عبد الله بجهل كان ما يُفسد أكثر مما يصلح)، ومن ناحية أخرى فإن العبادة نفعها على صاحبها، أما العلم فيعم نفعه قائله ومستمعه ومبلغه والقائم به والقائم عليه.
ومن هنا فإن الجهل بالدين وبأحكامه آفة خطيرة، وداء عظيم، فهو يحجب عن معرفة الحق، ويبعد عن سنن الهدى، ويؤدي إلى الضلال، ويوقع في البدع المتعددة.
ودعوى الجهل والعذر به فيه تفصيل، وليس كل واحد يعذر بالجهل، فالأمور التي جاء بها الإسلام وبينها الرسول للناس وأوضحها كتاب الله وانتشرت بين المسلمين لا تقبل فيها دعوى الجهل، ولا سيما ما يتعلق بالعقيدة وأصل الدين، فإن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم ليوضح للناس دينهم ويشرحه لهم، وقد بلغ البلاغ المبين وأوضح للأمة حقيقة دينها، وشرح لها كل شيء، وتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وفي كتاب الله الهدى والنور